Reports 2018



من نافل القول أن أزمة الخليج التي اندلعت بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، كانت الحدث الأول على ساحة المستجدات السياسية في المنطقة في عام 2017. وقد تعدت تداعياتها حدود دول الخليج لتشمل عدداً من الدول العربية حتى وصلت الى أروقة الحكم في واشنطن. وبالإضافة إلى انعكاسات قطع الخطوط الجوية والبحرية والبرية بين هذه الدول وارتداداتها على حركة تنقل الناس والبضائع، فقد تفجرت الأزمة منذ بداياتها أساساً من خلال السرديات والخطابات المقدمة من كل جانب، فلم يكد يمر يوم لا تمتلئ فيه الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والمجلات في كل دولة بوابل من الاتهامات الموجهة للجانب الآخر، حتى وصل الأمر إلى السب والتعدي على الأشخاص والاعراض بشكل غير مسبوق. أما مجلس التعاون كمؤسسة، وفيما عدى انعقاد قمته في الكويت والتي لم تستمر أكثر من بضع دقائق، فقد اختفى كلياً عن الساحة، ولم يتبق من "التعاون" فيه شيء سوى اسمه الذي لم يعد يعكس من الواقع إلا النزر اليسير.

ووصلت حدة الخلاف حتى إلى تسمية الأزمة، ففيما رأت السعودية والإمارات والبحرين أن خطواتها تعتبر مقاطعة، أصرت قطر بأن ما يحصل لها يمثل حصاراً. ويظل السؤال مفتوحاً حول حجم الأثر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي ستخلفه الأزمة ومداها الزمني. وبحكم الحيثيات المعقدة للأزمة والروايات المتضاربة حولها، فقد آثرنا كمحرري الإصدار ترك المساحة للمساهمين في تناول الأزمة حسب رؤيتهم، والتي قد لا تعكس بالضرورة الآراء التي يتبناها فريق التحرير أو المركز. الأمر الذي ننظر إليه كتنوع مهم في وجهات النظر طالما التزم الكاتب بتحري الدقة في الحقائق وبالأمانة في نقل وجهات النظر المختلفة.

على صعيد المستجدات السياسية المحلية، ما من شك في تشكيل السعودية لمحور الأحداث، بوصفها مركز الثقل الرئيس في الخليج، والتي جاءت التغيرات فيها لتفاجئ الجميع وتتصدر العناوين على المستوى العالمي. فمن السماح للمرأة بالقيادة، مروراً بالقبض على أعضاء من الصف الأول من العائلة الحاكمة وكبار التجار ورجال الدين والشخصيات السياسية والاجتماعية البارزة، وصولاً إلى التغييرات الهيكلية في مؤسسة الحكم, وكان عام 2017 حافلاً بالأحداث التي بعثرت حسابات أغلب متابعي الشؤون الراهنة وأصحاب الشأن، وتكاثرت معها التحاليل والإشاعات والأقاويل، حتى بات من الصعب معرفة ما يمكن تصديقه أو نفيه. وقد يكون الثابت الجامع على مستوى كل دول مجلس التعاون هو تواصل الخلل السياسي المتمثل في انعدام المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، بل بالإمكان القول أنإن تمترساً ما في الحكم المطلق قد هيمن على أحداث عام 2017، فزادت الاعتقالات والمحاكمات وسحب الجنسيات، والتي أصبحت استراتيجيات تستعملها كل دول الخليج، بما فيها بعض الدول التي كانت في منأى نسبي عنها سابقاً كالكويت. في المقابل، فقد كان عام 2017 عاماً قاسياً على الحركات السياسية والاجتماعية في دول مجلس التعاون، حيث تأثر نشاطها جراء التعاطي الأمني المتزايد من قبل الحكومات في دول المجلس، أكان ذلك في البحرين عبر حل وتصفية عدد من الجمعيات السياسية والصحف، أم في السعودية مع حملة الاعتقالات، أو في الكويت مع سحب الجنسيات ومحاكمة قضية اقتحام مجلس الأمة.

اقتصادياً، زادت التوجهات نحو سياسات التقشف لمواجهة أزمة العجز في الموازنات العامة. فتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في كل من السعودية والإمارات مع توقع أن تتبعها كل دول الخليج الأخرى، بينما انفردت عمان في تطبيق ضريبة الدخل على كل الشركات، في سابقة ستكون محط أنظار بقية الدول. واستمرت أغلب دول الخليج في رفع الدعم عن الطاقة والوقود وغيرها من سياسات خفض الانفاق، إذ ظلت أسعار النفط تتداول حول الستين دولار للبرميل، على الرغم من ارتفاعها نسبياً مع دخول عام 2018. ويبقى السؤال المصيري هو مدى تأثير هذا التقشف الاقتصادي على الجانب السياسي، خصوصاً في ظل غياب أي بوادر أو إرادة لإصلاح سياسي جدي. وقد يكون في حال البحرين وعمان مؤشر لبقية دول المجلس، خصوصاً وأنهما الأكثر تأثراً مالياً وسياسياً في هذه الفترة، كما بينت الاعتصامات المتزايدة في عام 2017 حول أزمة البطالة في السلطنة.

وفيما يخص المستجدات المتعلقة بفئات "الهامش"، فقد شهدت دول الخليج عدة تغيرات لامست أحوالهم مباشرة. فسنت البحرين قانوناً جديداً للأحوال الشخصية، كما رفعت السعودية الحظر عن قيادة المرأة وقلصت صلاحيات ولاية الرجل في بعض الجوانب. أما على مستوى العمالة الوافدة، فقد طرحت الإمارتالإمارات قانوناً جديداً للعمالة المنزلية، وقامت دولة قطر بإجراء بعض التغييرات في نظام الكفالة. إلا أن هذه الإصلاحات ظلت خجولة وبطيئة في المجمل، في الوقت التي تستمر فيه الكثير من مظاهر التمييز ضد هذه الفئات، كحرمان المرأة من منح الجنسية لأبنائها أو التمثيل الشكلي المحدود لها في المناصب والمجالس التشريعية. أضف إلى ذلك استمرار وتفاقم الإشكاليات خارج الإطار التشريعي، كصعود الخطاب الشعبوي العنصري ضد العمالة الوافدة، والذي برز بشكل واضح في بعض الجهات في الكويت والسعودية على سبيل المثال. وقد يكون أفضل شاهد على تعثر الإصلاح في قضايا "الهامش" هو وضع "البدون" في الكثير من دول المجلس، وهي قضية تمس حياة مئات الآلاف من أهالي المنطقة، إذ حاولت الإمارات التطرق الى المسألة عبر "شراء" جنسيات من جزر القمر، وواصلت الكويت في تشكيل لجان لبحث الموضوع، فيما بقيت حقوق الجنسية الكاملة والدمج في الوطن الغائب الأكبر. وبذلك يبقى الطريق طويلاً في سبيل إصلاح القوانين والمؤسسات والخطاب العام فيما يتعلق بأوجه الخلل المزمنة في دول المجلس التي تؤثر على الجمع والهامش معاً، وإن كانت تبعاتها أكثر حدة وضرراً على الفئة الثانية.
 


الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها