Reports 2019
- 1 مقدمة: المواطنة في تيارات الخليج
- 2 المواطنة: إشكالات المفهوم والممارسات لدى النخب والتيارات السياسية
- 2.1 مقدمة: إشكالات مفهوم وممارسات المواطنة لدى النخب والتيارات السياسية
- 2.2 المواطنة المثلُومة: محاولة لفهم واقع المواطنة في بلدان الخليج العربية - سعيد الهاشمي
- 2.3 نقيض المواطنة: تاريخ نشوء الحكم المطلق في دول الخليج العربية - عمر الشهابي
- 2.4 المواطنة الدستورية في فكر الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية - علي الزميع
- 2.5 المواطنة والقوى الوطنية في البحرين والكويت: تحديات مشروع الدولة الحديثة - غسان الشهابي
- 2.6 بديل البديل: فرص وتحديات المواطنة لدى المجتمع المدني غير التقليدي في دول الخليج العربية - بدر النعيمي
- 3 المستجدات في دول مجلس التعاون
- 3.1 مقدمة: المستجدات في دول مجلس التعاون
- 3.2 المستجدات في المملكة العربية السعودية - فهد محمد
- 3.3 المستجدات في مملكة البحرين - علي فارس
- 3.4 المستجدات في دولة الكويت - نور الشيخ
- 3.5 المستجدات في دولة قطر - هيا الشهواني وحصة المهندي
- 3.6 المستجدات في دولة الإمارات - آلاء الصديق
- 3.7 المستجدات في سلطنة عمان - وضحاء شامس
- 4 خاتمة: نحو المواطنة في تيارات الخليج
الثابت والمتحول 2019: المواطنة في تيارات الخليج
2.4 المواطنة الدستورية في فكر الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية - علي الزميع
-
الزيارات: 5136
تمهيد
تقوم الديمقراطية بمبادئها الدستورية الحديثة على مبدأ سيادة الأمة، حيث إنّ الشعب هو من يمارس السلطات بنفسه أو بواسطة ممثليه أو من ينوبون عنه، فيحدد من يمتلك السلطة والأشخاص الذين لهم الحق في ممارستها، كونه صاحب السيادة، والسيادة هي أساس المبدأ الديمقراطي وهي السلطة العليا التي لا نظير لها ولا معقّب عليها. وتعتبر المواطنة هي إحدى مكونات وإفرازات الديمقراطية، وتبرز أهميتها كونها أصبحت تمثل جوهراً للفكر السياسي الحديث وثمرة تطوره الإنساني المستمر والمتجدد وخاصة في القرون الأخيرة وما احتوته من ثورات وأحداث في العالم وإفرازاتها الفكرية وانعكاس كل ذلك على العملية السياسية، متمثلة في تحول قيم ونظرية المواطنة إلى صياغة قانونية وسياسية تجسدت في المبادئ الديمقراطية الدستورية الأساسية كسيادة الأمة ومبادئ الحقوق والحريات المختلفة.
وتنبع أهمية دراسة قيم المواطنة من ارتباطها بقيم سياسية أساسية موصولة بحاجات الإنسان وحقوقه العامة، وعليه فالتفكير في المسألة السياسية ليس ترفاً بل هو تعبير عن حاجة تتعلق بفطرة الإنسان بصفته كائناً مُلْزَماً بالعيش داخل جماعة ما، كما أنه من جهة ثانية يمثل استجابة لحاجة المجتمع إلى تحديد السلطات والقواعد المنظمة لعلاقة الحاكم بالمحكوم، وكيفية تصريف المشكلات ومعالجة الاختلافات بين الأفراد والفئات.[1]
ومما لا شك فيه أن دراسة فكر المواطنة يعد من أهم مداخل التنمية، فالكثير من الدراسات التي تناولت وضع دول الخليج أوردت مؤشرات دقيقة تفيد مقدار تأثير غياب قيم المواطنة بصورها المختلفة في إعاقة التنمية وتأخيرها، ومن الخطأ الاعتقاد أن عوائق التنمية والإصلاح محصورة في الأنظمة السياسية وحدها فقط، بل إن الحركات والتيارات السياسية لها دور هام في تحقيق التنمية المستهدفة، فالناظر في فكر التيارات السياسية الإسلامية الخليجية التي تقدم نفسها كبديل للواقع الحالي سيلاحظ أنها ليست بأرقى من ذلك الواقع الذي تزعم مواجهته، بل هي في فكر وسلوك معظمها تمثل استمرارية لعقلية الاستبداد وثقافته، وعليه فإن كان تفعيل قيم ومبادئ المواطنة من أهم مداخل التنمية فلا نجاح لهذه القيم دون تغيير الفكر وإنشاء ثقافة بديلة تفعّل دور التيارات والحركات التنموي في المجتمعات الخليجية.[2]
تعكف غالبية الأبحاث والدراسات المختصة بالبحث في سبب تأخر دول الخليج على الاهتمام بقضايا المواطنة بالتركيز على دور الأنظمة السياسية في هذا التأخير، دون بحث جدّي في التركيبة الاجتماعية والسياسية للمنطقة، بالإضافة إلى إهمال البحث في دور القوى والتيارات السياسية والاجتماعية في ذلك، حيث أن معظمها تمثل انتاج وأراء للقوى الوطنية المعارضة وأما تقييم فكر القوى الشعبية فيتجلى في الغالب ببعض الدراسات الموضوعية والأكاديمية [3]ورغم تحمل السلطات السياسية ومؤسساتها الجانب الأكبر من المسئولية في تأخر ركاب المواطنة، كونها مالكة السلطة والقرار المطلق سياسياً واقتصادياً، إلا أنه من الموضوعية الإقرار بأن تراجع قيم المواطنة في دول الخليج كان نتاج ممارسات سلبية جماعية شاركت فيها معظم القوى المجتمعية والسياسية والاقتصادية في مجتمعاتنا الخليجية، فالتيارات السياسية الشعبية بفصائلها المختلفة تتحمل جزءاً من المسؤولية،[4] وتعتبر أزمة المواطنة داخل التيار الديني أكثر تعقيداً من التيارات الأخرى لأنها منبثقة مما تعتبره هذه الحركات قيماً مرتبطة بجذور مرجعية ودينية تضفي الكثير من المثالية والقدسية على آرائهم وبرامجهم الفكرية والسياسية.
لفهم دقيق وعلمي لمفهوم المواطنة لدى التيارات الإسلامية في الخليج لابد من البدء بفهم جذور وتطور ما يقارب معاني هذا المفهوم في الفقه والفكر الإسلامي تاريخياً، فلقد مرت قيم ومبادئ المواطنة بالعديد من المراحل يمكن إجمالها في ثلاث مراحل رئيسية وهي:
قيم المواطنة في عصر الرسول ﷺ والخلفاء الراشدين: حيث يرى جميع الكتاب والمفكرين الإسلاميين التقليديين ومفكري عصر النهضة من التجديدين أضافة الى كثير من المستشرقين الغربيين على أن المجتمع الإسلامي قد تأسَّسَ في عهد النبوة على قيم ذات ملامح تقارب بشكل كبير فلسفة العقد الاجتماعي وقيم المواطنة بمفهومهما الحديث،[5] وتضمن المجتمع الإسلامي في عصر الرسول بدايةَ نواة إيجابية للمساواة بين المواطنين في الدولة الإسلامية بمختلف توجهاتهم العقائدية، حيث مُنح غير المسلمين الكثيرَ من الحقوق التي تُعَدُّ سَبْقاً كبيراً مقارنة بالواقع المحيط بهم في الحضارات الأخرى. وبتحليل مسيرة وهدي الرسول والوثائق التي عقدها الرسول والخلفاء الراشدين يمكن استخلاص عدد من قيم ومبادئ المواطنة، التي كانت متقدمة في سياقها التاريخي، والتي يمكن أن تمثل نواة جيدة نحو تأسيس رؤية متكاملة لمفهوم المواطنة في الإسلام، شريطة إعمال الاجتهاد الشرعي لتطويرها بما يتفق مع الواقع الجديد.[6]
حيث تضمَّنَتْ بيعة العقبة الأولى والثانية ووثيقة المدينة التي تعد - كما يرى بعض الباحثين - أول وثيقة سياسية تنظيمية في الإسلام تؤسس لحق المواطنة مجموعةً من الحقوق الأساسية، ووضع الرسول ﷺ في وثيقة نجران مبادئ الإخاء بين المواطنين من المسلمين والنصارى،[7] كما جاءت خطبة الوداع لتؤكد على مبادئ التكافل الاجتماعي، والمساواة بين جميع المسلمين، فضلا عن التأكيد على حقوق المرأة.[8]
وفي عصر ما بعد الخلافة الراشدة وحتى سقوط الخلافة العثمانية، هناك شبه اجماع من المفكرين الإسلاميين أن الدولة الإسلامية قد أخذت بنية الإمبراطوريات التقليدية المركزة على التوسع والفتوح الجغرافية العسكرية في حدود مملكتها، دون اهتمام بنشر وتطبيق قيم الدين الحضارية، وفى هذه الحقبة شهدت قيم ومبادئ المواطنة وغيرها من القيم السياسية تراجعًا كبيرًا، تجسَّد فيما حدث من تناقض وصراع بين القيم المرجعية التي أقرها الإسلام، وبين آليات وممارسات تطبيقها في الواقع، والتي تراجعت بشكل كبير، ففُرِّغَتْ تلك القيم من مضمونها الحقيقي، وبدأنا نرى التفريق بين المواطنين على أساس دينهم ومذهبهم وأصولهم العرقية بداية من الدولة الأموية ثم ما تلاها من الدول.
ولقد جاء عصر النهضة في وقت بدأ يتضح الفارق إنسانياً بين الأمم والشعوب وذلك نتيجة لاتضاح ملامح الدولة الحديثة الوطنية في مختلف الدول العربية، كما يعد هذا العصر هو بداية تعرف العالم العربي على مصطلح ومفاهيم المواطنة بصورتها المعاصرة، ما أوجد صداماً مع مفهوم أممية ومركزية الخلافة والدولة الإسلامية الرافض للدولة الوطنية القطرية بصورتها الحديثة لدرجة التحريم، مما جعل مفكري عصر النهضة يتصدون لذلك في محاولة منهم لإقرار عدم مناقضة الدولة الحديثة للإسلام، وأن شكل الدولة السياسي والقانوني ليس من أصول الدين إنما من المتروك لاجتهاد المسلمين كونها من قضايا السياسة المدنية.[9]
وتجدر الإشارة إلى أن مفكري عصر النهضة كانت لهم رؤية واضحة في هذا الشأن، حيث لم يخلطوا بين أغراض الدولة ووسائلها وأغراض ومقاصد الدين، وإن كانوا قد رأوا إمكان تجاورهما عندما تحترم الدولة الشرع، كمرجعية عليا بناءً على ونتيجة لإرادة الجماعة، ونزع أي قدسية أو صبغة دينية عن السلطة والحاكم أو الدولة كاجتماع سياسي، وإن انطلق من افتراض ضرورة وجود نظام حاكم يحترم الشرع ويحرسه ونفوا وجود أي سلطة دينية في الإسلام.[10]
واستكمالًا لمسيرة مفكري عصر النهضة، نجد أن المدرسةَ الاجتهادية التجديدية المعاصرة السنية والشيعية قد قدمت مشروعاً سياسيّاً حضاريّاً لنظام الخلافة، ذا ملامح مؤسسية، بديلاً للخلافة الفردية، وهو مشروع يقرر السيادة للأمة اعتماداً على تبني أحد أصول الفقه الإسلامي المجمع لدى الأمة، وهو مبدأ الإجماع الذي يأتي بعد القرآن والسنة، حيث إذا كانت الأمة الإسلامية قد ارتضت الإجماع في أمورها الدينية فكيف لا ترتضيه في الأمور السياسية المرتبطة بطبيعتها بظروف الواقع البشري ومتغيراته.[11] ويقترب هذا الطرح إلى حدٍّ كبير من النظريات الحديثة، القائمة على أساس أن الأمة مصدر السلطات والسيادة، وتعدد السلطات والفصل بينها، واستقلالية وحياد المؤسسات في الدولة.[12]
واقع وإشكالات تفعيل مبادئ المواطنة والإصلاح السياسي في فكر الحركات الإسلامية الخليجية المعاصرة
ينسب الفضل إلى عالم الاجتماع البريطاني توماس مارشال Thomas Marshall (1893-1981) في وضع نظرية اجتماعية حديثة حول المواطنة وحقوق الرعاية الاجتماعية، بعد أن تبلورت بصورة كبيرة في محاضراته الشهيرة المعنونه بـ "المواطنة والطبقة الاجتماعية"، التي قام بإلقائها في جامعة كامبريدج في عام 1949.[13]
ووفقاً لمارشال فإن المواطنة تتألف من ثلاثة عناصر رئيسية وهي العنصر السياسي والعنصر الاجتماعي والعنصر المدني. ويتمثل المكون السياسي من المواطنة في حق المشاركة في تولي مسؤولية سياسية كعضو في هيئة منتخبة تتمتع بصلاحيات سياسية أو كناخب يختار وينتخب أعضاء هذه الهيئة أو السلطة السياسية،[14] فالحقوق السياسية تعد مناط المواطنة وتعبر عن انتماء المواطن إلى الجماعة السياسية،[15] وفي ذلك الإطار يذهب مارشال إلى أن تحقيق المواطنة يتطلب الاعتراف بأهمية الحرية الفردية دون الغلو فيها، ويعزو ذلك إلى المكاسب السياسية والاجتماعية التي بنت ورتبت ملامح مطلب الحق في المشاركة في الحكم، والحق في المشاركة في القرار السياسي.[16] وأقرب المؤسسات ارتباطاً بهذه الحقوق هي مؤسسات السلطة التشريعية.
أما المكون الاجتماعي من مكونات المواطنة فيتمثل في نطاق عريض من الحقوق يمتد من حق الحصول على قدر معقول من الأمن والرفاه الاقتصادي وصولاً إلى حق المشاركة والتمتع الكاملين في الموروث الاجتماعي المشترك، وأن يعيش الفرد حياة إنسان متمدن ومتحضر طبقاً للأعراف السائدة المتعارف عليها في المجتمع. وأقرب المؤسسات ارتباطاً بهذه الحقوق هي مؤسسات النظام التعليمي وقطاع الخدمات الاجتماعية.[17]
بينما يتمثل العنصر المدني من المواطنة في مجموع الحقوق الضرورية اللازمة لحرية الفرد، وتشمل الحرية العامة للإنسان، وحرية الإيمان والاعتقاد والفكر والتعبير، وحرية التملك وحق الدخول في عقود صحيحة وحق التمتع بالعدالة، وأقرب المؤسسات ارتباطاً بهذه الحقوق هي مؤسسات السلطة القضائية.[18]
ولقد شهد الواقع السياسي والاجتماعي المعاصر لمنطقة الخليج العربي تفاعلاً مع قيم المواطنة نتيجة لعدة عوامل، في مقدمتها تأثير فكر النهضة العربية الحديثة وانتشار المؤسسات التعليمية والثقافية، مما كان له الأثر الكبير في ظهور دعوات إصلاحية تسعى في جزء من أهدافها إلى نشر مبادئ ومفاهيم الإصلاح السياسي وتطبيقها في المجتمع الخليجي، وقد ابتدأت هذه الجهود بشكل خاص في الكويت والبحرين ودبي في عام 1938 لتشكل الملامح الأولى للدعوة للحياة الديمقراطية في الأقطار الخليجية، ويمكن القول أن هذا التصور عن منطقة الخليج العربي وتجربتها الديمقراطية كان حصيلة تطور تاريخي له سماته السياسية والفكرية والثقافية.[19]
واستمرت هذه الحركات الإصلاحية في مسيرتها إلى يومنا هذا في التأرجح بين نجاحات وإخفاقات وفترات من الجمود، إلا أنه من المؤكد ديمومة هذا الحراك الوطني نتيجة تفاعل عموم القوى الوطنية المدنية والإسلامية في العقود الأخيرة رغم تباين فكرهم وبرامجهم، وعليه تسعي هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على ملامح المسيرة الفكرية للتيارات الإسلامية في مجال الإصلاح السياسي. ومن نظرة عامة على الحركات والتيارات الإسلامية السنية والشيعية في الخليج يتضح أنها في المجمل مقسمة إلى ثلاث مدارس وهي:
-
الحركات والتيارات الإسلامية ذات الفكر التراثي السلفي التقليدي، كالجماعات السلفية الأصولية التي تنقسم إلى المدرسة الوهابية العلمية والمدرسة الجامية المدخلية والمدرسة السلفية الجهادية.
-
مدرسة تيار الإسلام السياسي "ضبابية الفكر"، التي لم تنح نحو التجديد الكامل كما لم تتمسك بالتقليدية والتراثية، كالإخوان المسلمين والسلفية الحركية والمدرسة السرورية وتيار الصحوة السعودي وحزب الأمة.
-
التيارات الحركية الشيعية بتنوعها الفكري والسياسي، وهي تيارات تنقسم بين مدرسة الولي الفقيه والمدرسة التراثية التقليدية المرتبطة بمدرسة الانتظار ومدارس ولاية شورى الفقهاء وولاية الأمة على نفسها.
وسيتم تخصيص هذا الجزء من البحث لتناول إشكالات فكر الدولة المدنية والمواطنة في فكر وممارسة الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية المعاصرة، حيث شهدت الدول الخليجية بعد عقود على تأسيسها الحديث العديد من التحديات، خاصة في ظل تهميش قيم المواطنة من جانب السلطات الحاكمة لهذه البلاد وما وازها من تهميش وعدم اكتراث بتلك القيم من جانب الحركات الاجتماعية في دول الخليج، وعلى رأسها الحركات الإسلامية السنية والشيعية التي تضع يدها على الجانب الأكبر من الحراك المجتمعي في الخليج في ظل ضعف باقي الحركات الليبرالية والقومية والمدنية.
وللقيام بمسح لواقع فكر ومفاهيم المواطنة في برامج الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الدول الخليجية سيتم الاعتماد على نظرية عالم الاجتماع البريطاني توماس مارشال حول المواطنة، والتي سبق التعرض لها بالشرح، وذلك بتطبيق عناصرها الرئيسية الثلاثة - وهي العنصر السياسي والعنصر الاجتماعي والعنصر المدني - على برامج وممارسات الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الدول الخليجية المعاصرة كالتالي:
المبدأ والعنصر السياسي في المواطنة:
انطلاقا من أن الأمة مصدر السلطات وصاحبة السيادة على نفسها، فإن المكون السياسي من مفهوم المواطنة يتمثل – وفقاً لنظرية مارشال - في حق المواطن في المشاركة في تولي مسؤولية سياسية كعضو في هيئة منتخبة تتمتع بصلاحيات سياسية أو كناخب يختار وينتخب أعضاء هذه الهيئة أو السلطة السياسية،[20] فالحقوق السياسية تعد مناط المواطنة وتعبر عن انتماء المواطن إلى الجماعة السياسية.[21] وأقرب المؤسسات ارتباطاً بهذا المبدأ هي مؤسسات السلطة التشريعية.
يتطلب تناول المبدأ والعنصر السياسي التعرض لعدد من القيم السياسية مع دراسة الكيفية تفاعلها مع التيارات الإسلامية الخليجية السنية والشيعية في فكرها وبرامجها، حيث سيتم استعراض تفاعل هذه التيارات مع أهم مبادئ الفكر السياسي الحديث، التي من أبرزها:
- إشكالية الاعتراف بالدولة الوطنية كدولة شرعية وبديلاً عن الخلافة الأممية.
- المشاركة الشعبية وسيادة الأمة وإشكالية وجوب تطبيق الشريعة ومصدر شرعية الحاكم.
- مفاهيم المعارضة والتداول السلمي للسلطة مقابل مفهوم حصانة الأنظمة والحكام، وتعددية مؤسسات وسلطات النظام السياسي أمام فردية واحتكار السلطة بشخص الحاكم.
يعتبر الاعتراف بالدولة الوطنية كدولة شرعية وبديلاً عن الخلافة أحد أبرز الإشكاليات والتناقضات التي تواجه الحركات الإسلامية السنية والشيعية في دول الخليج من جهة تفعيل العنصر السياسي من المواطنة، حيث أسهَمَ الفهمُ الجامد لمفهوم الدولة والأمة في الإسلام في تكريس رفض الدولة الوطنية. إذ ذهبت الحركات الخليجية الإسلامية السنية والشيعية التقليدية التراثية ومعظم مدرسة الإسلام السياسي إلى أن هناك تناقُضاً بين المفهومَينِ وأن رابطة الأمة يجب أن تَحُلَّ محل رابطة المواطنة، وأن هذه الدولة يجب أن تكون عامة وأممية ومركزية من منطلق أن الأمة واحدة وأنها يجب أن تجمع كل مسلمي العالم.[22] فمفهوم الدولة الوطنية الحديثة لدى معظم الحركات والتيارات الإسلامية السنية الخليجية مفهوم هلامي، حيث يتَبَنَّى معظمهم فِكراً دِينيّاً سياسياً أممياً عابراً للوطنية ذا صبغة عالمية، من شأنه أن يقوِّضَ عمليات الاندماج المجتمعي، إذ يجد الفرد المنتمي إلى هذا الفكر نفسه حائراً بين هويته الوطنية وهويته الدينية فيختار الأخيرة، وعليه يكون جزء من ولائه مرتبط بمرجعية فكرية وسياسية خارجية من خلال تبنيهم أممية الفكر السياسي، كالسلفيين والإخوان وحزب الله وغيرهم من التيارات.[23]
ويبرز فكر التيارات الإسلامية السلفية التراثية في مضمون كل المقررات الدراسية السياسية في أقسام الشريعة في الجامعات الخليجية كنماذج للإنتاج الفكري للتيارات الإسلامية السلفية التقليدية السنية المهيمنة على عموم المناهج في الدراسات الشرعية. حيث نجد أن هذه المقررات الدراسية تقسم نظم الحكم في العالم إلى أنواع وتتحفظ على نظم الحكم الحديثة أو النظام الديمقراطي، الذي تمثل – بحسب هذا الفكر والمنهج - الحرية المطلقة أهم مقوماته، وقد خدع بهذه القراءة الكثيرون ممن يجهلون قواعد النظام السياسي الإسلامي وتميزه عن النظم السياسية الأرضية الهابطة!.[24] هذا التوصيف السلبي لعموم الأنظمة هو الذي سيسمح لهذه الأدبيات بالانتصار لفردانية النظام المنقذ الوحيد للبشرية ألا وهو نظام الحكم الإسلامي التراثي. ووفقا للمقرر فإن "أولو الأمر" هم أحد أركان الدولة الإسلامية، وبحسب مصادر مختلفة يعتمد عليها المؤلف يتشكل هذا الفريق من "الفقهاء والعلماء الذين يعلمون الناس دينهم والأمراء والولاة".[25]
ويرى عموم رموز تيار الصحوة الإسلامية السعودية أن الوطنية هي الشعار الذي يؤمن به المنافقون. ويستندون في ذلك إلى قول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله "أن الوطنية شعبة من القومية وأضيق منها القبلية وهي الشعار الذي فرق المجتمعات وسيمزقنا لو أننا آمنا به وكفرنا بالوحدة الإسلامية وجعلنا للولاء بدلاً من التعارف". ويرون أن الوطنية ماهي إلا فكرة غربية تم تصديرها للمسلمين لتفريقهم،[26] كما يرون أن من الشنائع التي تراها هذه الأيام أن يكون المعيار هو القومية كما تقول الناصرية والبعثية أو الوطنية، ويستدلون على فتوى للجنة الدائمة برئاسة الشيخ بن باز رحمه الله "أن من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر"، فالجنسية لا قيمة لها، إذ المسلمون جميعا أخوة.[27]
وفي هذه الحقبة ورغم هيمنة التيار التقليدي نجد أصوات الكثير من ممثلي المدرسة المقاصدية، أمثال المفكر عبد الله الحامد في السعودية، الذي يمثل أحد أهم رموز التيار الإسلامي الخليجي التجديدي الداعم لمفاهيم المواطنة، والذي يرى أن الواقع والممارسة العملية للتيارات التراثية وتيارات الإسلام السياسي تؤكد قابليتهم للوقوع والانزلاق في فخ الدولة الدينية، إذ يعتبرون أنفسهم المرجعية الوحيدة التي تنطق باسم الله من خلال تَبنِّي تفسيرٍ خاصٍّ بهم للنَّصِّ الدينيِّ وإسقاطه على الواقع ومن ثم الاستبعاد والتكفير - في كثير من الأحيان – لأيَّةِ رؤية أو تفسير آخر. وترى المدرسة التجديدية أن الانسداد الفقهي الاجتهادي الشرعي يشكل أحد أسباب تكريس هذه الحالة. ومن ثم فحلُّ هذه الإشكالية يتمثل في الشروع في إنتاج اجتهادٍ فقهيٍّ جديد، فالدولة الوطنية في فكر هذه الحركات تواجه العديد من التحديات والصعوبات، حيث تقوم الدولة في فكرهم على الرابطة الدينية، وهذا ما يجعل بعض المفكرين يرصدون خلطاً بين مفهومي "أمة الإسلام" و "الشعب".
وترى المدرسة التجديدية الخليجية على لسان سلمان العودة - أحد أبرز من دعا للتجديد الديني السياسي - أن هذا الفكر التراثي الرافض للدولة الوطنية ينقض ما ذهب إليه بعض المفكرين من أن الخلافة ليست صور وشعارات تراثية، أنما قيم حية ومتطورة منتجة لأشكال وآليات وسياسات جديدة حسب احتياج الأمة.[28] وتذهب هذه التيارات التجديدية إلى أنه ليس في الشريعة ولا في التاريخ والفكر الإسلامي دولة دينية ثيوقراطية،[29] ولا يجوز استخدام الدين لإضفاء الشرعية على سلطة الحاكم.[30] فالدولة الإسلامية هي دولة مدنية تقوم على عقدٍ اجتماعي مدني بين سلطات الدولة ومؤسساتها قائمٍ على العدالة وتوزيع السلطة. والدولة تكون إسلامية من جهة وجود الضوابط والمقاصد الإسلامية فيها، فالحكومات والمؤسسات معبرة عن إرادة الشعب وخياراته وهي وكيله عنه وفق تعاقد مدني صرف، وضمن شروط يجب الوفاء بها والرقابة عليها والمحاسبة. وقد قال الله تعالى عن ذاته الكريمة " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" (الأنبياء: 23)، فالناس جميعاً مسؤولون إذاً والسلطة في الإسلام بشرية وليست كهنوتية.[31] وينبغي في هذه الدولة أن يتم فصل السلطات الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) بشكل واضح لكي تبقي الحكومة المركزية متوازنة وبعيدة عن الفساد.[32]
وعليه فإن موقف الحركات الإسلامية الحركية التجديدية في الخليج من الدولة الوطنية مغاير إلى حد بعيد لموقف الحركات التراثية المعتقدة بالخلافة الأممية (في الفكر السني) ودولة الولي الفقيه (في الفكر الشيعي)، إلا أن أولئك يدركون صعوبة استنباتها من جديد في رحم الواقع السياسي المعاصر، ومن ثم اعتبروا الدولة الوطنية معادلاً موضوعيّاً للخلافة. غير أن هذا لا يعني تصالحاً مع الدولة الوطنية في الجوهر، بل هو سعي إلى محاولة ترويضها، وتقريبها من النموذج الإسلامي بشكل ضبابي وهلامي، إذ تظل الخلافة أو الدولة الإسلامية الموحدة لديهم هي الهدف المنشود ورمز الوحدة الإسلامية، ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها، والاهتمام بشأنها.[33]
وتذهب الحركات الإسلامية التجديدية في الخليج إلى ضرورة القبول بالدولة الوطنية القطرية انطلاقاً من أنَّ الفقهاء قد أقروا بإمكانية وجود أكثر من دولة وخلافة إسلامية في آن واحد،[34] وهو ما أكده الواقع التاريخي في معظم حقب التاريخ الإسلامي.[35] فقد أجاز الفقهاء وكذلك أكدت الممارسة السياسية التاريخية تعدُّدَ الأوطان، وتعدد الخلفاء، والاعتراف بوجود أكثر من خليفة في وقت واحد. وقد أعطى العلماء الشرعية للخلفاء علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير في نفس الوقت، وللخلافة الأموية في الأندلس في ظل الخلافة العباسية بعد وفاة الرسول بسنوات قليلة، ومع ذلك نجد الآن من يستنكر – من حيث المبدأ والملامح-قيام الدولة الوطنية مُدَّعياً مخالفتها للتصور الإسلامي.
وبمطالعة مضمون كتاب "زاد الأخيار" كمنهج يتدارسه أعضاء حركة الإخوان المسلمين في الكويت ويمكن أن يمثل التوجه العام لفكرهم، وكنموذج للإنتاج الفكري لتيارات الإسلام السياسي السنية كالإخوان المسلمون والسلفية الحركية وحزب الأمة في الكويت، نجد أنه وللأسف أهمَلَ قضايا الفكر والتنظير السياسي الإسلامي المعاصر، ومدى تفاعله مع الواقع الميداني في حراك التيار الإسلامي العام، وكذلك علاقاته وتفاعله قُرباً وبُعداً عن قِيَمِ الدولة الحديثة كمفاهيم الديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية والحريات وغيرها. هذا رغم أن الحراك السياسي أصبح أحدَ أبرز المؤثرات في مسيرة الحركة الإسلامية، من حيث تطورها الفكري، أو تركيبتها التنظيمية، أو علاقاتها بالحراك السياسي الجماهيري، أو الأنظمة. بل إنه مع ما آل إليه أمر التنظير السياسي وإسقاطاته من تشابُكٍ في كثير من جوانبه مع الوضع الدولي، وخصوصاً بعد الأحداث المتعاقبة منذ أفغانستان، مروراً بالعراق وسوريا وليبيا وغيرهم، وما نتج عنها من تساؤلات ومتطلبات - فلا يزال التنظير السياسي الإسلامي يقف عاجزاً عن بلورة رؤية واضحة وفكر مقنن واضح وحديث، وهذا ما نجده في "زاد الأخيار"، إذ ما زال يكرر أطروحات تقليدية حول مفاهيم الشورى والولاية بشكل نظري وتقليدي بحت، يُثِيرُ الكثير من اللبس والتناقض لدى متلقيها من أبناء هذا الحراك الإسلامي. كل ما سبق يؤكد وجود انفصال بين تقدمية الحراك السياسي وتراثية التنظير لدى تيارات الإسلام السياسي الخليجية.[36]
وبالمقابل نجد أن تيارات الإسلام السياسي في حزب الأمة بقيادة د. حاكم المطيري يعتمد الفكر التجديدي الإصلاحي، إلا أن فكره على الرغم من ذلك ما زال يواجه إشكالية بالغة بربطه للإصلاح والتجديد بمركزية الخلافة وعدم اعترافه بالدولة الوطنية الحديثة، وعدم حسم إشكالية إيجاد بديل للخلافة الإسلامية. فمهمة الحزب تأسيس المشروع السياسي السني القائم على استعادة الخلافة الراشدة بالوسائل كافة، مع تصدير الرؤية السلمية بوسائلها كافة وإعمالها في الواقع السياسي كأولوية بين الوسائل الأخرى كلها وتفعيلها مع القواعد والأصول الشرعية في علاقة الحزب بالنظم السياسية.[37]
أما الحركات والتيارات الإسلامية الشيعية الخليجية فمفهوم الدولة الوطنية الحديثة لدى الكثير منها متطابق مع التيارات السنية من حيث الهلامية التي تعتريه، والتي يشهد عليها تبني معظمهم فِكراً دِينيّاً سياسياً أممياً عابرًا للوطنية ذا صبغة عالمية، والارتكان في ذلك إلى أفكار خط الإمام-ولاية الفقيه، وهو ما يعتبره البعض وفقاً للتوصيف السياسي خيانة وطنية في ظل استمرار الجدل والضغط على التيارات الدينية الخليجية الشيعية الرئيسية لاتخاذ موقف محدد إزاء دور الفقيه. ثم تطور هذا الضغط نحو الجدل حول علاقة الدين بالسياسة بشكل عام وقضايا مثل الحريات العامة وسيادة الشعب والعلاقة الممكنة مع الأنظمة السياسية العلمانية والمدنية والقوى الدولية ذات التأثير.[38]
وبشكل عام - وكما يرى بعض الباحثين - فإن إشكالية التيارات السياسية التقليدية شيعية كانت أم سنية تكمن فيما تطرحه من تصور لنظام حكم هو أقرب إلى نموذج الدولة الدينية الثيوقراطية، إذ إنها ترى في نفسها الممثل الوحيد للدين، وأن ما تقدمه من تفسير هو التفسير الصحيح، وما دونه باطل، لذا تنظر للآخر باعتباره خارج الملة. ومن ثم يرى كثيرون - تأسيساً على هذا الطرح - أنه لا تعددية سياسية أو إمكان خلق أرضية مشتركة للتعايش في ظل حكم هذين التيارين، وفي هذا الصدد يمكننا القول: إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة في نسختها الخُمَينِيَّة تتشابه كثيراً مع مفهوم الحاكمية لدى بعض فصائل الإسلام السياسي والسلفية التراثية والتيارات السلفية الجهادية، فكلاهما يقود في منتجه الأخير إلى دولة دينية، يحتكر فيها رجال الدين تفسير وتأويل النص الديني، وسُبل إنزاله على الواقع، ومن ثم فكل رؤية تتعارض معهم يتم التعامل معها باعتبارها خارج دائرة الإيمان.[39]
وأما فيما يتعلق بإشكالية المشاركة الشعبية وسيادة الأمة وإشكالية وجوب تطبيق الشريعة ومصدر شرعية الحاكم، يتضح أن معظم الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية التقليدية تتحفظ على المشاركة الشعبية - المعتمدة على مبدأ الأمة مصدر السلطات - فكرياً بوصفها مفسدة للدين تارة وبوصفها منافيه لأحكام الدين ووحدة الصف المسلم تارة أخرى. ولا يعني هذا التحفظ عدم مشاركة تلك الحركات في الفعاليات السياسية، حيث ما تزال تراوح وتدور في الإطارِ الفكريِّ التقليديِّ والتاريخيِّ رغم تفاعلها السياسي والحركي مع آليات الديمقراطية والمشاركة الشعبية بالعموم، وإن كان ذلك من باب المصلحة لا أكثر. غير أن رفض تلك الحركات للتقنين الفقهي المُعلن والواضح يبقى كاشفاً لحقيقة عدم الإيمان بهذا المبدأ (مبدأ الأمة مصدر السلطات)، الذي يمثل غيابه معضلة مزمنة للأمة تاريخيّاً. وعليه نجد أن حركات الإسلام السياسي الخليجية كالإخوانُ المسلمين والسلفية الحركية وبعض الحركات الشيعية الحركية لم تقنِنِ مَوقِفِها الشَّرعيِّ المعلَنِ حَولَ إيمانِهِم وقَبولِهِم بالمشاركة الشعبية وبالنَّظريَّةِ الديمقراطيَّة بالكاملِ وتداوُلِ السلطةِ بعد، وهم في ذلك يتوافقون جزئياً مع الحركات التراثية نتيجة حيرتهم الفكرية والشرعية المستمرة.
ويرتبط بهذه الإشكالية تحديد مصدر شرعية الحاكم، فإن التيارات التقليدية الخليجية السنية قد قبلت بالآليتين المثيرتين للجدل للمشروعية السياسية: الاستيلاء (أي القبض على السلطة باستخدام القوة)، والتعيين (أي الاستخلاف من قبل الحاكم السابق أو الحكم الوراثي). ويستخدم العلماء التراثيون نفس المنطق الذي استخدمه علماء السلف لشرعنه التغلب وهو أن سلطان غشوم خير من فتنة تدوم، فقد كان فهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب للدولة الإسلامية مقتصراً على وظائفها، المتمثلة في قيامها بتطبيق الشرع ومحاربة البدع، ولم يعر انتباها لأحد أهم أعمدة تأسيس الدولة وهو الأساس الذي يجب أن يختار على أساسه الحاكم، وكيف تتم محاسبته، وعزله إذا حاد عن الطريق القويم.[40]
أما تيار الصحوة الإسلامية السعودي فيرى عمومه أن الإسلام دين التوحيد المطلق لله وليس فيه مدنية من أي نوع لا مضادة للدين ولا غير مضادة، لا جزئية ولا كلية وليس فيه إسلام سياسي وإسلام غير سياسي.[41] وهناك من يرى أن تيار الصحوة الإسلامية يحوي بعض ملامح فكر سياسي تجديدي في بعض جوانبه، مثل أن الإمامة لا تنعقد لأحد إلا بأن يبايعه أهل الشورى، وليس بمجرد أن يعهد إليه الإمام السابق، فلو أن أهل الشورى اختاروا غير المعهود إليه لم يكن لعهد الإمام السابق من أثر. ويشترطون أن يكون الإمام قرشياً وأن يكون مجتهداً عالماً وأن يستشير في أموره وأن تختاره الأمة وترضى به وأن يكون ديِّناً عادلاً وأميناً وعاقلاً،[42] ويرون أنه لا تنعقد الولاية لفاسق، ومن الفسق الخيانة، ولا لعاجز أو سفيه، ولابد من توفر الشروط الشرعية في الإمام وأهمها إقامة الدين والعدالة والقرشية والعلم، ولا يولي من سأل ذلك ورشح نفسه وحرص على الولاية.[43]
وعلى الجانب الأخر نجد أن بعض مفكري المدرسة الاجتهادية الخليجية يؤيدون مفهوم أن السياسة عمل بشري من اختصاص الأمة، ويعارضون قول الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية بأن السياسة الشرعية هو "قائم مقام النبوة"،[44] ويعتبرون أن في هذا القول شيء من اللبس، لأنه يضع السياسة وكأنها ضمن حيّز المقدس،[45] حيث يؤمنون بسيادة الشريعة مع دعوتهم إلى الأخذ بمقاصد الشريعة دون الإغراق في التفاصيل ومع الأخذ بالتجديد،[46] ومراعاة التدرج في إنفاذ الأحكام والعمل على تحقيق المناط. وتقتضي السياسة الشرعية تقديم الأصول (الكليات) ولو ترتب على ذلك تفويت بعض الجزئيات والتفصيلات.[47]
وفي ذلك الإطار يرى التيار الإسلامي التجديدي الاجتهادي أن علاقة الحاكم بالمحكوم قائمة على البيعة، وهي عقد بين طرفين باتفاق، ويشترط فيها كسائر العقود الرضا وعدم الإكراه، مما يفسر مشروعية وجود علاقة تبادلية بين الحقوق والواجبات بين الحكام والمحكومين، الأمر الذي يتيح للمحكومين معارضة الحاكم ونصحه، وطاعة الحاكم تكون مرتبطة بالبيعة تبعاً لها في حالة وجود إمام مختار برضى الناس.[48]
كما ترى هذه المدرسة أن التصور السياسي الإسلامي قائم على تداول السلطة باعتبارها إحدى منتجات الشورى، وتعبيراً حقيقيّاً عن سيادة الأمة، فلها الحق في عزل النظام القائم، واختيار نظام جديد طبقاً لمفهوم البيعة الحقيقي، التي يجب أن تكون في شكل صيغة تعاقدية. واقترحت هذه المدرسة تحديد البيعة بمدة معينة كما في الفكر السياسي الحديث، لأن ذلك من شأنه أن يحقق صالح المسلمين ومقاصد الشريعة،[49] وفي هذا الإطار تدعو إلى ضرورة إعادة تفعيل دور المجتمع والأمة في السياسة، فالحديث عن شرعية المتغلب كان نتاج غياب المؤسسات الاجتماعية والمدنية القادرة على ترجيح الكفة وغياب دستور واضح يحدد الحقوق والواجبات (فقه الضرورات).[50] وعليه يرون أن إعادة إحياء مبادئ عصر النهضة الداعية إلى مدنية الدولة من خلال الإقرار بسيادة الأمة كمصدر للسلطات حتماً إلى تنظيم حق المواطنة وسبل ممارستها وبالتالي إشاعة السلام الاجتماعي داخل المجتمع، وتماسك مكوناته في وحدة منسجمة، ينتفي معها بقدرٍ كبيرٍ أيُّ صراع طائفي أو عرقي إثنيّ، وهو صراع عانينا منه كثيراً، نتيجةَ ضبابية التصوُّرِ في الفكر السياسي الإسلامي حول هذه الإشكالية.
وأما بالنسبة لأهمية العمل الجماعي المؤسسي السياسي وشرعية الانتماء للأحزاب والجماعات، يدعو تيار الإسلام السياسي إلى ضرورة تحقيق التوازن في شخصية المسلم بين الفردية والجماعية، وذلك دون تحديد موقف محدد من المفاهيم السياسية والقانونية الحديثة للعمل الحزبي المبني على قيم الديمقراطية المعاصرة. وعلى الرغم من ذلك نجد أن أدبيات هذا التيار توجه الاتهام لأي حزب ينادي بفصل الدين عن الدولة أو أيّ حزبٍ قوميٍّ ويدعون للتبرؤ منه، وهو ما يمثل تنظير مأزوم في التفاعل مع الآخر داخل المجتمع الإسلامي.[51]
وفي المقابل شهد الفكر السياسي التجديدي للحركات الشيعية الخليجية محاولات متعددة للتطوير ليقبل بالمشاركة الشعبية وسيادة الأمة عبر توجيه النقد للكثير من الأسس والمرويات التاريخية المنتمية للماضي، والتي قام عليها الفقه السياسي الشيعي من خلال حراك إصلاحي متأثراً بالمدرسة الاجتهادية السياسية التي قادها مفكرو عصر النهضة الشيعية في الثورة الدستورية وعلى رأسهم النائيني ومدرسته.[52] وعلى الرغم من أهمية هذه الرؤى إلا أنها بقيت نخبوية ممثلة في مجاميع صغيرة ألتفت حول حزب الدعوة في فكره التأسيسي أو الشيخ محمد شمس الدين أو الشيخ محمد فضل الله، ولم تمثلها تيارات أو حركات سياسية جماهيرية تستطيع إنزالها على الواقع السياسي الشيعي الخليجي. فربما كان المناخ الفكري الشيعي لا يزال غير مهيَّأ لمثل تلك الأفكار نتيجة لسيطرة الفكر التقليدي وفكر تيار الإسلام السياسي عليه، وعليه فإن هذا الحراك الفكري والسياسي لم يتبلور بعد وخاصة في ظل تزايد وتيرة المتغيرات الداخلية والإقليمية.
وأما فيما يتعلق بمفهوم شرعية سلطة الأمة تجاه مفهوم الحكومة الدينية (وجوب تطبيق الشريعة)، تتمسك التيارات الخليجية التقليدية بتطبيق الشريعة كأساس للدولة الإسلامية، وتعتمد الحركات التقليدية على نظرية الحاكمية لله في تفسير ذلك، التي تقضي بأن السلطان السياسي في المجتمع الإسلامي ليس حقّاً من حقوق الأمة، فالبشر ليسوا هم الحكام في مجتمعاتهم وإنما الحاكم في هذه المجتمعات هو الله، أيْ إن الأمة ليست مصدر السلطات (السيادة).[53] وذلك دون الإجابة عن السؤال الجوهري: مَنِ المُناطُ به تفسيرُ الشريعة والشرعية، ومَن يمتلك الحق والصلاحية في إضفاء الشرعية على نظام حاكم ما أو نزعها منه؟ ويقود تبني الحاكمية في الأخير إلى دولة دينية يحتكر فيها رجال الدين تفسير وتأويل النص الديني وسُبل إنزاله على الواقع، ونجد ذلك في أدبيات السلفية التقليدية التراثية الحديثة والمعاصرة في كتابات روادها وشيوخها (محمد بن عبد الوهاب، عبد العزيز بن باز، محمد ناصر الدين الألباني، محمد بن صالح بن عثيمين...)، حيث أسست المدرسة السلفية مختلفَ تصوراتها على نحو موصول بمبدأ التوحيد. وعلى الرغم من أن مفهوم الحاكمية لم يرد في كتابات ابن عبد الوهاب، وعلى الرغم من نقد السلفية للتيارات الحركية القائمة على مفهوم الحاكمية واستهجانهم لإدخال لفظ الحاكمية ضمن منطوق التوحيد، نتيجة التزامهم بأن أنواع التوحيد ثلاثة لا رابع لها، أي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، فإنهم في مبحث توحيد الألوهية نجدهم يستحضرون مدلولَ الحاكمية وإن لم يستحضروه كلفظٍ، بل حتى في الردود التي انتقد بها السلفيين سيد قطب نلحظ إقراراهم بأن الحاكمية جزءٌ من مقتضيات التوحيد. يقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في جوابه عن سؤال: "ما حكم من يقول: إن معنى لا إله إلا الله هو «لا حاكمية إلا الله»؟ .. هذا أخذ جزءاً قليلاً من معنى «لا إله إلا الله»، وترك الأصلَ الذي هو التوحيد والعبادة، «لا إله إلا الله» معناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي الشركَ وتثبت التوحيدَ. والحاكمية جزء من معنى «لا إله إلا الله».[54]
وعلى هذا الأساس نجد لدى السلفية ربطاً حرفياً وظاهرياً بين تحقيق الحاكمية والتوحيد، وما يستتبعه ذلك من فهم قاصر لتطبيق الشريعة مرتبط برفض الديمقراطية وما تمثله من تعددية حزبية ومجالس نيابية. كما أن هذا التصور حاضرٌ أيضاً في أدبيات السلفية الجهادية التي قامت بربط مفاهيم الحاكمية والجاهلية بالولاء والبراء والجهاد، فأنتجت تصورات سياسية عدمية متشنجة،[55] بينما نجد أن التيارات التجديدية قد تجاوزت هذه الإشكالية بالتصريح أن تطبيق الشريعة يكون مناط ومسؤولية الأمة فقط من خلال سيادتها ووفقاً لإرادتها، بينما اكتفت تيارات الإسلام السياسي برفع شعارات تطبيق الشريعة كـ "الإسلام هو الحل" و "القرآن دستورنا" دون أي تفعيل لهذه الشعارات ضمن برامج هذه التيارات على أرض الواقع.
أما في الفكر الشيعي فقد أدت هيمنة نظرية الولاية العامة والمطلقة للفقيه في إيران إلى قيام دولة دينية ذات نظام حكم ديني صريح، وهو ما كان له أثر مباشر على فكر وحراك الكثير من التيارات الخليجية الشيعية. فقد أعطت نظرية ولاية الفقيه المطلقة للولي الفقيه هالةً من القداسة، فهو حاكم سياسي يحكم امتداداً للنبوة، أما الحركات الشيعية الخليجية التراثية فيحد من مشاركتهم السياسية ما يعرف بنظرية القبول والانتظار، التي توجب على الشيعة عدم الانخراط في أيِّ نشاط سياسي قبل عودة الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري)، ومن يفعل ذلك يصبح آثماً، وعلى الشيعة عدم إقامة أيَّةِ حكومة حتى عودته فهو الحاكم والإمام الشرعي.
لذلك تُعدُّ غَيبةُ الإمام العسكري من المحطات التاريخية المهمَّة في الفكر السياسي الشيعي، إذ يتم تبني عقيدة أنه ما زال حياً، ولكنه غائب[56] وينبغي انتظار عودته والتضرع إلى الله بتعجيلها. وقد تجلى تأثير هذا الاعتقاد سياسياً في إشكالية كبرى واجهت الطائفة الشيعية الإثناعشرية، تتجسد في السؤال التالي: من سينوب عن الإمام المهدي في غيبته دينيّاً وسياسيّاً؟ فقد أحدثت هذه الغَيبةُ فراغاً كبيراً، وازداد الأمر سوءاً بحسم الإجابة عن هذا السؤال (في ذلك الوقت) بإنه يجب على الأمة أن تعيش في حالة انتظار حتى عودة الإمام الغائب. وقد عزز هذه الرؤية ما ورد عن الأئمة طبقاً لمروياتهم بأن "كل راية تُرفع قبل قيام المهدي، فصاحبها طاغوتٌ، يُعبَدُ من دون الله".[57] وتهاجم وترفض مدرسة التجديد من النائيني إلى شمس الدين وفضل الله وشريعتي نظرية الانتظار السلبي دون أيِّ فعل سياسي للأمة الشيعية حتى عودة الإمام الغائب، مع تحفظهم على الولاية العامة للفقيه.[58]
وأما فيما يتعلق بمفاهيم المعارضة والتداول السلمي للسلطة مقابل مفهوم حصانة الأنظمة والحكام وتعددية مؤسسات وسلطات النظام السياسي أمام فردية واحتكار السلطة المطلقة بشخص الحاكم، فعلى الرغم من أهمية مفردة المعارضة والتداول السلمي للسلطة إلا أن التيارات السياسية الإسلامية الخليجية قد اختلفت حول هذه المفردة السياسية،[59] حيث يتناقض هذا المفهوم مع تعاظم نفوذ الفكر المناوئ للرقابة الشعبية وأنشطة المعارضة السياسية لدى بعض الحركات الدينية السلفية التقليدية التي تقوم ممارساتها السياسية فكريّاً وحركيّاً على التركيز والتمحور حول مبدأ طاعة أولياء الأمر ورفض حقوق الشعوب السياسية، وخاصَّةً حق المعارضة بوصفها خروجًا علي الحاكم الشرعي، مع رفض الحزبية وأي شكل من أشكال الممارسة السياسية الديمقراطية، وتتخذ هذه التيارات دوماً موقفَ الانحيازِ للحكومات ضد الحركات الإسلامية السياسية الأخرى، وضد المعارضة الوطنية عموما وبالإطلاق.[60] وأبرز هذه الفصائل ما يطلق عليه التيار السلفي الجامي المدخلي الوهابي وما ينتهجه من رفض لكافة أشكال النشاط السياسي المعارض، مثل المظاهرات والاحتجاجات وكتابة مقالات تنتقد النظام وتوجيه النصح للحكام على الملأ أو إمضاء العرائض المطالبة بالإصلاح. وبالمحصلة، فقد حُرم المجتمع المسلم من أن يكون له أي قول في الأمور السياسية لأنه وفقاً للأيديولوجيا الوهابية، النقد الشرعي الوحيد المسموح بتوجيهه إلى السلطة السياسية هو ما يكون في السر بين الحكام والعلماء فقط، وإن كان الحكام لا يوجد أي إلزام عليهم للأخذ بنصيحة العلماء، ولذلك يرى الكثيرون أن هذا الخطاب قد أنتج رعايا وليس مواطنين.[61]
وتؤكد السلفية التراثية على إلزامية الطاعة التامة للحاكم وإن كان حاكماً غير عادل، وترى أن الحكام الظلمة يجب طاعتهم والسكوت عن مخالفتهم، فيُصلى خلفهم ويُجاهد معهم وتستغل قوتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الخروج على هؤلاء الحكام الظلمة دوماً ما يجلب مصالحاً أقل ومفاسداً أعظم. ولهذا فإن الخارجين قلما ينجحون في تحقيق الصلاح في الدين أو الدنيا،[62] وهذا ما يؤكد – وفق رؤيتهم – أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بأن تصبر على جور الحكام هو الأصلح. فقد أمر الحكام بأن يكونوا عادلين وأن يعملوا وفقاً لمصلحة رعاياهم، وأمر الأمة بأن تصبر على مظالمهم وألا تخرج عليهم.[63] فالخطاب الشعبوي لغالبية الحركات الإسلامية السنية والشيعية التقليدية يتضمن تصوراً يقوم على الدعوة بعدم حاجة المجتمع إلى تعددية سياسية وحزبية، بداعي الحفاظ على تلاحم وانسجام ووحدة المجتمع والتخلص من أي فرصة لحدوث نزاعات أو صراعات أيدلوجية أو سياسية.[64]
وعودة لمضمون المقرر الجامي "السياسة الشرعية" نجد أن هناك تفصيلاً وتركيزاً شديدين من قبل هذا المنهج الدراسي على مسألة "الطاعة لولاة الأمر والمسئولين، ليست في حال دون حال، بل دائما أبداً، في العسر واليسر، وفي الرضى والسخط، وفيما تكرهه النفوس ويشق عليها، وغير ذلك" ولعل هذا الرأي هو ما يفسر تلك السرعة في إصدار الفتاوى التي دأب بعض مفتي دول الخليج العربي على تعميمها حيال تحريم المظاهرات والخروج على الحاكم المسلم.[65]
وفيما يتعلق بسلطة الحاكم تبنت هذه الفصائل الرؤية التقليدية القائلة بأن السلطة تتمثل في منصب الإمام، وهو المسؤول عن تطبيق الشرع، وقد أشار مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسيره لقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" أن هذا النص يوضح أن طاعة أولياء الأمر تنبع من طاعة الله وطاعة رسوله وتعد من مقتضياتها، وفي هذا النظام يمارس الحاكم صلاحيات سياسية غير محدودة، بينما لا يكون للأمة حق في المشاركة السياسية، ويكون للعلماء وحدهم حق ممارسة دور سياسي عن طريق تقديم النصح للحاكم (بشكل خاص وليس على الملأ).[66]
وللأسف لقد أدى هذا التصور والتعامل مع الخلافة كمنصب فردي وشخصي من جانب الحركات والتيارات الإسلامية الخليجية التقليدية التراثية، وليس كمؤسسة متعددة السلطات والهيئات، إلى كثير من النتاج الفقهي والفتاوى الشرعية الشاذة والمناقضة لا لمصلحة أمة الإسلام فحسب بل للشريعة ومقاصدها وللعقل السليم. وعليه فقد تنبه الكثير من رواد التجديد إلى خطورة تركيز الفكر السياسي التقليدي على إضعاف والتقليل من سلطة الأمة والتهوين منها بمقولات مستهجنة مثل "العوام" و"الرعاع" وما شابه ذلك، الأمر الذي لم ولن تكون نتيجته سوى هيمنة سلطة الحاكم/الخليفة. والحاصل في التاريخ الإسلامي – ماضياً وحاضراً – يؤكد ذلك. بل بلغ الأمر في لحظتنا المعاصرة إلى أن بعض رموز التيار التقليدي انتهوا في تصوراتهم السياسية إلى توكيد ما يشبه الحصانة المطلقة للحاكم. حيث أطلقوا يده في مال الأمة وثرواتها بلا رقيب أو حسيب، وأطلقوا يده في عرضها ودمها، حتى أجازوا له أن يقتل ثلث الشعب، استناداً إلى قول شاذ منسوب إلى الإمام مالك يفيد بجواز "قتل ثلث الخلق لاستصلاح الثلثين"، وهو قول قرر المالكية (القرافي مثلاً) كذب نسبته إلى مالك.[67] ويري الشنقيطي أن "دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين [...] فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيء من كتب مذهبه [...] والذين نسبوا هذا القول لمالك فهو على سبيل التشنيع والرد والتوسع في المصالح المرسلة".[68]
ولنا مثال آخر في إجازة علماء السلطنة العثمانية لما يسمى بـ"قانون قتل الإخوة"، الذي كان يقضي بقتل السلطان الجديد لجميع إخوانه خشية أن ينافسوه على الملك. والعجب أن الذي أسس لهذا القانون هو السلطان محمد الفاتح، حيث جاء في وثيقة "قانون نامة" التي وضعها السلطان بعد فتح القسطنطينية ما ترجمته أن "من تيسرت له السلطنة من أولادي، فمن المناسب أن يقتل جميع إخوته".[69]
وفي سياق العلاقة مع الحاكم يناقش مقرر "السياسة الشرعية" في طرحه التراثي قاعدة الشورى كإحدى قواعد النظام السياسي في الإسلام، وقد استفاض فيما إذا كانت نتيجة الشورى معلِمة أم ملزِمة، مبيناً كيف اختلف العلماء حول هذه النقطة، وفصل في هذا الموضوع بالاعتراف بإلزامية الشورى، ولكن مفهوم الشورى وفقاً لهذا الفكر يختلف عن الديمقراطية والمواطنة، مثال ذلك أنهم يشترطون في أهل الشورى أن يكونوا مسلمين، ويتم اختيارهم إما من بين من هم "يعرفون بالشهرة بين الناس [...] وإما بتعيين الحاكم لهم أعضاءً في مجلس الشورى".[70]
ويري بعض رموز تيار الصحوة الإسلامية السعودية أنه بانعقاد البيعة لإمام وجبت طاعته، ولا يجوز طاعته في المعصية بحال، والحاكم الجائر ينبغي الصبر عليه ليس إقراراً لجوره، بل مراعاةً للمصلحة العامة مع التهيئة لإزالة الجور بالتقليل من المنكرات وتقليص صلاحياته ما أمكن. ومن أهم أسباب ذلك التوبة وترك المعاصي والتعاون على الحق بإنشاء المؤسسات الأهلية المستقلة.[71] فالمبدأ لديهم أنه في حال تعارض الاستقرار والفوضى يجب تغليب جانب الاستقرار مع الاستمرار في التسديد والنصح، ويرون أن الخروج بالقوة هو مذهب الخوارج والمعتزلة ومن شايعهم، ويحسبون أن ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،[72] بل إنهم يذهبون إلى أن مراعاة مصلحة المسلمين قد تقتضي إقرار ولاية المتغلب إذا أجمعت عليه الأمة وسمي "أمير المؤمنين" تسكينا للدهماء، على أنه يظل متغلباً وليس حاكماً عن طريق الشورى، أي أنه إمام اضطرار لا إمام اختيار، ولا يجوز تسخير مقدرات الأمة لهواه أو ادعاء أنه وال شرعي.[73] ولكننا نجد المحسوبين على هذه الفئة يؤيدون وفي ذات الوقت مبدأ المعارضة بالإنكار لمن أعطي المقدرة عليها، فلا يجوز السكوت عن الظلم ولو سكت الغير، فربما كان الغير معذوراً، وربما اجتهد غيره في تحقيق مصلحة وكان مخطئاً وربما أنكر على الإمام سراً وهو لا يعلم، ويتعين ذلك إذا تغير السلطان وكثرت المنكرات.[74]
وعلى النقيض ترى بعض التيارات السلفية التقليدية المتشددة – كالسلفية الجهادية – أن المعارضة هي رفض الأنظمة الحاكمة بصورة مطلقة، وتدعو إلى ضرورة الجهاد في مواجهتها، فهي بالأساس لا تؤمن بالدول القائمة ولا بالمجتمع وبالتالي لا تؤمن بالمعارضة، وعليه فالمعارضة المعترف بها لديهم هي المعارضة المسلحة التي تسعى لإسقاط الأنظمة – الكافرة في نظرهم – لإقامة الخلافة الإسلامية طبقاً لرؤيتهم.
وبالمقابل ترى المدرسة الاجتهادية التجديدية الخليجية ممثلة في المفكر السعودي د. عبد الله الحامد أن المعارضة إنما هي من وسائل قوامة الأمة على الحاكم قيام "مجلس نواب منتخب" يرسم الخطوط التربوية والسياسية والمالية ويشرع النظم والوسائل التي تكفل تطبيق الشريعة ويراقب أداء الحكومة، لأنها صورة من صور "أولي الأمر"، وتحديد صلاحية الحكام بكونها "تنفيذية" فقط، والفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء، واعتباره سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وقيام أحزاب سياسية وتداول السلطة لأن في ذلك ضمان يجنب الناس اللجوء إلى التغيير الدموي. كما أن من وسائل قوامة الأمة على الحكام حرية الرأي والتعبير والتجمع عبر البيانات والتظاهرات والاعتصامات والتزام الحكومة ومعارضيها الأسلوب السلمي في أي نزاع، وقيام جمعيات أهلية دون وصاية الحكومة، وإلزام الحكام اعتماد الانتخاب والاستفتاء.[75]
ويؤكِّدُ الحامد على حق المعارضة السلمية وإمكانية اللجوء للعصيان المدني إذا اقتضى الأمر ذلك بالاعتصام والمظاهرات والإضراب،[76] إذ يطرح مفهوم "الجهاد السلمي" الذي أداته القلم واللسان والتكتل الاجتماعي عبر المظاهرات والإضراب والاعتصام شريطة ألا ينفجر فيه مسدس ولا رشاش ولا يرفع أصحابه سوطاً ولا عصاً، فاشتراك الناس في المظاهرات والاعتصامات والبيانات وفي التصويت والترشح والترشيح في الانتخابات فيه ضمانُ لحقوقهم، لأن الأصل في نشاط المجتمع المدني أنه لجام الفوضى، وإطار الحاكم.[77] وتستدل هذه المدرسة على حديث الرسول (ﷺ) عندما سألة رجل أَيُّ الجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قال: "كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"،[78] فجَعَلَ الرسولُ الكلمة من الجهاد في الذروة، والكلمة هي نوع من أنواع العمل المدني[79] ويرون أن مشروعية الجهاد العسكري لا يجيز أن يتمني المرء لقاء العدو؛ مما يعنى كراهية القتال في الإسلام الا في حالات الدفاع وهو عكس الفهم الشائع لدى بعض المفكرين الغربيين ان الإسلام انتشر على بحد السيف ويستدلون على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاصْبِرُوا" لأن الأصل في العلاقات بين المسلمين وغيرِهِم هي المسالمة، أما في الجهاد السياسي السلمي، فينبغي للإنسان أن يُعرِّضَ نفسَهُ للأذى، ما دام يطيق ذلك، لأن الأصلَ في نشاط المجتمع المدني أنه لجام الفوضى، وأَطْرُ الحاكم.[80]
ويري الحامد – كأحد ممثلي التيار الإسلامي التجديدي الخليجي – أن الغاية هي الخروج من حكم الوصي على الأمة إلى حكم الوكيل، فالأمة لها قوامتها على نفسها. ويبرر الحامد ذلك بقوله "أن الشعب هو ولي الأمر (الأصيل) وكل من عداه فهو عنه (وكيل) قاضياً أو والياً أو (عريفاً) برلمانياً: هذه هي السياسة الشرعية الراشدية".[81] فدول الغرب تقدمت بتوعية الجماهير بمبدأ قوامة الأمة مطلباً، وبالجهاد السلمي مركباً، وكونهما من قواعد العقيدة الكبرى.[82] ويؤمن الحامد بأن الصبر والأمل والمثابرة والإصرار مهما طال المسار هي الزاد، وأن بداية الإصلاح تكون بالبيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ التي مقتضاها قوامة الأمة على ولاتها مطلباً وبالجهاد السلمي مركباً،[83] فالحاكم أجير وله أجرة محددة وللمحكومين الحق في سؤاله من أين لك هذا،[84] فكما يشير ابن خلدون أنه عندما بايع الناس معاوية قال له أبو مسلم الخولاني "السلام عليكم أيها الأجير، فقال له قل الأمير فقال بل أنت أجير".[85]
ويثير المفكر الإسلامي الخليجي التجديدي سلمان العودة مسألة لمن الدور في تفعيل قيم المواطنة والرقابة عليها، هل هو للشعوب أم لأهل الحل والعقد؟ وفي هذا السياق يشير العودة إلى أن مصطلح أهل الحل والعقد لم يرد صراحة في الكتاب ولا في السنة ولا على لسان الصحابة ولكنه شاع بعد ذلك على ألسنة الفقهاء، ووفقاً لرأيه فإنه مصطلح صارم يوحي بوجود نخبة في كل زمان بيدها النقض والإبرام في القضايا الكبرى، ولكنه في الواقع مصطلح بحاجة إلى المراجعة، لما يحيط به من ظروف تاريخية، حيث لم يوجد في التاريخ الإسلامي مؤسسة معنية بمعرفة رأي النخبة وإجماعها وإنما التاريخ الإسلامي غالبا تاريخ نخب، والثقافة السائدة تنطوي على التقليل من شأن من يسمون بالعامة وينبزون بالرعاع والهمج والغوغاء ولدى الغرب فكرة مشابهة.[86] ويعتقد العودة أن الحق هو للأمة، فهي الأصل وهي أحد طرفي العقد، والحاكم هو الوكيل أو النائب عنها، وليس الحُكم تفويضاً إلهياً، والبيعة عقد تراض لا إذعان باتفاق السلف المتقدمين.[87]
في ذات السياق يذهب محمد العبد الكريم في التحفظ على مفهوم أهل الحل والعقد الهلامي والهش، حسب رأيه، فالحكم بين الناس لا يكون إلا بتداول السلطة بينهم وتوزيعها، فلا يبقي لأحد كائناً من كان أن يطلق يده فيفعل ما شاء كيفما شاء وقتما يشاء، فما لم يكن الحاكم في مقام الوكيل ويعزل بشوكة الأمة فهو يزاحم بفرعونيته ووحدانيته وفرديته ربوبية الرب تعالى وألوهيته.[88]
ولمواجهة تفرد الحاكم بالسلطة تدعو تيارات الإسلام الاجتهادي التجديدي الخليجية إلى اعتماد المؤسسية، فالمشكلة تتفاقم حين تعد الدولة تكوين المؤسسات انتقاصاً من سلطاتها أو تمهيداً لمنازعتها. ففي التاريخ الإسلامي نجد أن الأوامر الشرعية العامة تحولت إلى مؤسسات، كمؤسسة القضاء والتعليم والأوقاف والزكاة والحسبة، ولكن لم نشهد مؤسسة الشورى المستقلة على الرغم من أن تصرفات الصحابة تؤكد على وجوبية وإلزامية الشورى.[89]
وبخصوص هيكل وتوزيع السلطة، فإن الإسلاميين التجديدين الخليجيين يتبنون مبدأ الفصل بين السلطات، وذلك كنتيجة لتعقد المجتمعات الحديثة من جهة، وكأحد العلاجات الناجعة للاستبداد السياسي من جهة أخرى، وبدعوى أن مصلحة الأمة تقتضي مثل هذا الفصل لمنع تركز السلطة الذي يفضي بدوره إلى الاستبداد.[90]
وتري تيارات الإسلام السياسي في مبدأ المعارضة حقاً وحلّاً لما تعتبره تجاوزات النظام السياسي المخالفة لشرع الله، وأن الإسلام يحترم التعددية السياسية والرأي الآخر، وهي من علامات تحضر المجتمعات، وعليه تجب المعارضة السلمية والرقابة الشعبية المستمرة على الحاكم في إطار العلاقات التعاقدية بين الحاكم والمحكوم ووفق منظومة الحقوق والواجبات المترتبة على تلك العلاقة. وعلى الرغم من ذلك يتضح أن معظم الحركات الإسلامية السنية الخليجية التقليدية التراثية وحركات الإسلام السياسي لا تفصل بين شخصية الحاكم وشخصية الدولة (أو سلطة الحاكم السياسية) وذلك امتداداً لما ساد في القدم من هيمنة التصور المشخصن للسلطة، وذلك كنتيجة لترابط السلطة السياسية بفكرة الحاكم الواحد. إلا أنه ومع تقدم فكر الجماعات الإسلامية بدأت فكرة الارتباط والدمج بين السلطة السياسية وشخصية الحاكم بالانهيار، وبدأ ظهور فكرة جديدة وهي فكرة السلطة المجردة عن شخصية الحاكم. ونتج عن هذه الفكرة الفصل بين السلطة وبين الممارِس وهو الحاكم، وهو ما رسّخ مبدأ مؤسسية الحكم من خلال فصل واستقلال السلطات عن بعضها البعض، وتحولت شخصية الحاكم إلى جزئية صغيرة من هذه المنظومة المؤسسية في ظل فلسفة ومبدأ تداول السلطة،[91] وبناء على اختيارات الأئمة أو الشعب لصاحب السيادة في اختيار وإضفاء الشرعية أو سحبها من هذا الحاكم. وحسب هذه الرؤية فقد كان الفكر والتاريخ الإسلامي المرجعي المتمثل في عصر الخلافة الراشدة متحرراً من اندماج مؤسسة الحكم بشخصية الحاكم، ومتبنية لفلسفة شبه مؤسسية في الحكم تحت شورية رقابة الأمة، ثم انتهت هذه المرحلة الإيجابية عند تحول الخلافة إلى مفهوم دولة وحكم إمبراطوري متمحور حول شخص أو سلالة، حيث تعطل الإصلاح السياسي ولم يتم صياغة نظام دستوري وفق قيم ترجع السلطة إلى الأمة وتضبط علاقة الحاكم بالشعب وفق آليات قانونية شورية وديمقراطية تجعل العلاقة في مأمن من الارتهان بالأشخاص وأهوائهم الاستبدادية.[92]
وبالمقابل يفرد كتاب "زاد الأخيار" كمنهج لمدرسة الإسلام السياسي نقاشاً مطوَّلاً لإلزاميَّةَ الشورى وينتهي إلى تَبَنِّي هذا المبدأ رغم تصوره الهلامي في ذلك الكتاب، ورغم الاختلاف الفقهي حول ذلك المفهوم بحكم "تجربة الحركات الإسلامية"، ويبيِّنُ الكتاب مدى اختلاف الشورى عن مفهوم الديمقراطية. يبدأ الكتاب أولاً بتقرير أن التشريع لله لا للشعب، ومن ثم أن اختيار أهل الشورى يكون من أصحاب العلم والنخب فقط باختيار شعبي،[93] وينتقد الكتاب الديمقراطية بأسلوب يكشف عن لَبسٍ وتناقضٍ كبيرٍ في ربط القيم الشرعية وتقنين مفاهيم الحاكمية والسيادة في فكر الحركة وبرامجها سواء على المستوى الشرعي أم الفقهي أم السياسي أم القانوني أم الدستوري، مهملةً التجديدَ أو الدعوة إلى الاجتهاد والخروج من التراث الفقهي التاريخي إلى فقه سياسي معاصر.[94]
وفيما يتعلق بالتنظيمات والحركات السياسية الشيعية وعلى رأسها حزب الدعوة الإسلامية ومنظمة العمل الإسلامي وتنظيمات حزب الله، فالملاحَظ أن بعض تلك التنظيمات رفعت شعارات تدعو إلى الحريات والتعددية السياسية واحترام قيم المواطنة ونبذ الطائفية، إلا أنها - نتيجة لظروف متعددة - انتهى أمرها كما يرى البعض إلى تراجع سلبي في فكرها الشرعي السياسي، خاصة المتعلق منه بالحريات والمشاركة الشعبية والمواطنة، ومن ثم تماهت معظم هذه التنظيمات مع السياسة الإيرانية وتوافقت مع مبدأ "ولاية الفقيه" المطلقة، فدارت في فلكها دون أي تفعيل لقيم المعارضة الشعبية لتتورط في مواجهات طائفية، حتى اتهمت من قبل الكثيرين باعتبارها أداة لتنفيذ مخططات السياسة الخارجية الإيرانية، لتصبح مثار ومشروع صراع داخل الكتلة الشيعية والسنية التي تنتمي إليها.[95] وبالتالي فإنها تواجه تحدي إيجاد مشروع للاندماج في المجتمعات التي تعيش بين ظهرانَيها وأن تؤكد من خلال الممارسة – وليس الشعارات – على هويتها الوطنية بغض النظر عن توافقها المذهبي مع إيران أو أيِّ بلد آخر. وللأمانة العلمية فللأنظمة السياسية القائمة والتيارات السنية الدينية في المنطقة دور كبير في التأثير على فكر تلك التيارات. فإن وجود نظام ديمقراطي تعددي مبني على المواطنة من شأنه دمج تلك القوى في مكونات المجتمع، كما أن تكريس واقع سياسي استبدادي أحادي التوجه من شأنه أن يجعل تلك التيارات تغالي في رؤيتها المنغلقة فكريّاً ودينيّاً.[96]
وأما فيما يتعلق بإشكالية تعددية مؤسسات وسلطات النظام السياسي أمام فردية واحتكار السلطة في شخص الحاكم لدى الشيعة، فنلاحظ بروز قناعات لدى عدد من النخب العلمية الشرعية والجماهير الشيعية في الآونة الأخيرة تفيد بأن السيادة ديناً هي للأمة وليست للفقيه، وأن نظرية ولاية الفقيه المطلقة تتعارض كثيراً مع هذا المبدأ – السيادة للأمة – وهو ما تجسد في القرارات المصيرية التي يتخذها الفقيه منفرداً. فرغم إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في إيران كل أربع سنوات، إلا أن هذه الانتخابات لا تغير شيئاً، لأنها لا تمس مركز السلطة الحقيقي، وعليه فإن الديمقراطية الإيرانية هي في التحليل الأخير لدى الكثير من الباحثين ديمقراطية شكلية، ذات مضمون استبدادي، فقد أجرت نظرية الولي الفقيه تغييرات جوهرية على الفكر السياسي الشيعي الإمامي بعد الثورة الإسلامية في إيران، إذ انتقلت به من مرحلة الأمة الإسلامية، إلى الأمة الشيعية، إلى أمة ولاية الفقيه المطلقة. إنها رحلة معاكسة لقانون التطور، رحلة من سعة الإسلام إلى ضيق التمذهب، فقد زادت تجربة ولاية الفقيه في تراجُعِها، لتجد نفسها اليوم بصدد إعادة إنتاج نظام حكم استبدادي ثيوقراطي، والمفارقة أن الثورة الإيرانية قد قامت بالأساس ضد الاستبداد السياسي لأسرة بهلوي، ثم هي اليوم تنتهي إلى استبدادين ديني وسياسي معاً، حسبما يذهب المعارضون من الإصلاحيين في إيران.[97]
وفي المجتمعات التي تواجه صعوبات في المواطنة بسبب دكتاتورية واستبداد النظام السياسي الحاكم، أو عدم إتاحته الفرصة لوجود تداول حقيقي للسلطة، أو عدم التزامه بالقيم الإسلامية السياسية، أو تراجع أدائه التنموي أو غيرها من الأسباب الداعية لإقصائه عن موقع السلطة وإقامة نظام جديد، وهو ما يعرف بآلية تغيير الوضع الراهن أو التحول السياسي،[98] فإن ذلك يطرح التساؤل حول الخطوات التي يجب اتباعها من أجل تحقيق ذلك التغيير؟ انقسمت التيارات الإسلامية السنية والشيعية ما بين تيار يرى ضرورة الصبر والرضا بالوضع الراهن مهما بلغت قسوته تجنباً للفتنة، وتيار آخر يؤمن بالتغيير بالقوة وفرض الأحكام الإسلامية على المجتمع للخروج من المأزق الراهن، وتيار ثالث يؤمن بآليات التغيير السلمية من خلال تغيير المجتمع من أسفل بجعله مهيَّأً للقبول بمشروع دولة إسلامية، على افتراض أن ذلك سيدفع المجتمع نحو فرض إرادته من خلال صندوق الانتخابات.
يرى التيار الأول الذي تمثله مجاميع الجامية المدخلية أن طاعة أولي الأمر ومناصحتهم في السر هي السبيل الوحيد لتغيير الوضع الراهن، وترى أن المعارضة بكافة أشكالها فيها إضعاف لوحدة الأمة. أما التيار الثاني فتمثله السلفية الجهادية، وهي ترى أن تغيير الوضع الراهن يكون بالجهاد المسلح ضد الأنظمة الحاكمة وضد المجتمعات، وذلك سعياً لإسقاط الأنظمة – الكافرة لديهم – لإقامة الخلافة الإسلامية طبقاً لرؤيتهم. أما تيارات الإسلام السياسي فقد كرست جهودها لتغيير الوضع الراهن في صياغة برامج ومشاريع تحت شعارات ذات أبعاد مختلفة، مستهدفة وساعية لتغيير النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أطر وآليات تبنت التغيير السياسي وسيلةً للوصول إلى السلطة لتحقيق أهدافها وبرامجها دون تقنين.[99]
وتذهب تيارات الإسلام الاجتهادي التجديدي – كممثلة للرأي الثالث – أن المعارضة ينبغي أن تكون في إطار سلمي أحياناً وأن تتمثل في العصيان المدني في أحيان أخرى، فهم يعارضون العنف وما يرتبط به. لذا نجدهم يؤمنون بأنه لا يوجد ما يدعو إلى تشجيع الثورة، فهي محفوفة بالمخاطر ولكنها تأتي مثل قدر لا يرد حينما يتعذر الإصلاح الجذري الجاد،[100] لذا فإن آلية تغيير الوضع الراهن لدى التيارات الاجتهادية تكون من خلال تأصيل مبدأ المشاركة الشعبية وصندوق الانتخابات، والتي يجب أن يسبقها تهيئة المجتمع لتقبل المشروع الإسلامي بالعمل على نشر الثقافة الدينية داخل المجتمع من خلال مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ثم بالدعوة إلى الشورى والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية والمشاركة الشعبية،[101] التي تضمن تغييراً تدريجيّاً وإنْ كان بطيئاً، فهو سيكون سلميّاً وحضاريّاً أيضاً.[102]
وفي خضم التحولات السياسية الكبرى الجارية في الوطن العربي ونتيجة لها، لم تَعُدِ العلاقة بين الدين والسياسة مجرَّدَ مسألةً نظريَّةً، بل أضحت خاضعة للممارسة الميدانية الواقعية، إذ انتقل الأمر من الجدل والتنظير داخل الأروقة الفكرية والسياسية إلى طرح مشاريع وبرامج عملية حول كيفية إدارة نُظُم الحكم بفكر وفقه سياسيٍّ إسلاميٍّ. وقد عزَّزَ من ذلك وصولُ بعضِ التيارات الإسلامية إلى السلطة أو مشاركتها فيها، غير أن الممارسة السياسية لهذه التيارات أظهرت تعثُّرَها وضعف إمكانياتها وقدراتها على تبني برنامج سياسي متطور، قادر على استيعاب تناقضات الواقع وإدارة اختلاف التوجُّهات السائدة فيه وخاصة فيما يتعلق بقضايا المواطنة وحقوق أفراد المجتمع، ومن ثم أخذت أزمة العلاقة بين الدين والسياسة تعيد إنتاج نفسها من جديد بأنماط وأشكال مختلفة.[103]
المبدأ والعنصر الاجتماعي والاقتصادي:
يتمثل العنصر الاجتماعي الاقتصادي في نظرية المواطنة – وفقاً لمارشال – في نطاق عريض من الحقوق، يمتد من حق الحصول على قدر معقول من الأمن والرفاه الاقتصادي والخدمات الصحية والتعليمية والإسكان إلى حق المشاركة وأن يعيش الفرد حياة إنسان متمدن ومتحضر طبقاً للأعراف السائدة المتعارف عليها في المجتمع، والتمتع الكامل بالموروث الاجتماعي المشترك، وأن تكون للدولة هويَّةٌ اجتماعية واقتصادية جامعة يشعر المواطنون جميعاً بالانتماء إليها والولاء لها، وأقرب المؤسسات ارتباطاً بهذه الحقوق هي مؤسسات النظام التعليمي وقطاع الخدمات الاجتماعية.[104]
يعد العنصر الاجتماعي والاقتصادي أحد أهم العناصر في نظرية المواطنة، وقد استدعى اهتمام الكثير من الباحثين، الأمر الذي يتطلب بدوره – وبحق – دراسة منفصلة يتم فيها تناول تأثيره على قيم المواطنة الدستورية في فكر الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية، وسنكتفي هنا بإشارة سريعة إلى مكوِّنَينِ رئيسَينِ لهذا المبدأ وهما:
- الهوية والثقافة والتاريخ الجامع للدولة.
- المصلحة الاقتصادية المشتركة القائمة على العدل والمساواة.
تعد الهوية والثقافة والتاريخ الجامع للدولة المكون الأول للمبدأ والعنصر الاجتماعي والاقتصادي، الذي ينطلق من فرضية وجود عامل مشترك على مستوى التاريخ والثقافة بين جميع مكونات المجتمع، فلا تجد سيادة ولا هيمنة لثقافة فئة على غيرها.
أما المصلحة الاقتصادية المشتركة القائمة على العدل والمساواة فتمثل المكون الثاني للمبدأ والعنصر الاجتماعي والاقتصادي. وتتمثل المصلحة الاقتصادية في تجسيدٍ حقيقي لنظام يوفر توزيع عادل للثروة، لتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة، مُترجَماً في استيعاب جميع المكونات الاجتماعية في مؤسسات وخدمات الدولة على سبيل العدالة والمساواة القانونية والإدارية في الفرص بما يحقق الاندماج الوطني.[105]
وتواجه الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الخليج إشكالية كبيرة في تفعيل هذا المبدأ والعنصر من المواطنة، حيث شهدت الحقبة الأخيرة على المستوى الاجتماعي وفقاً لرأي الكثير من الباحثين حالة انكفاء في أكثر مناحي الحياة، حيث شهدت تراجُعاَ كبيراَ نحوَ قيمٍ وأنماطٍ مجتمعيَّةٍ سلبيَّة، وبروزاً وهيمنة لما يطلق عليه "الروابط والهويات الضيقة"، وما تبع هذا التأخر من تزايد النزاعات الطائفيَّة والمذهبيَّة، ونمو مظاهر التطرف والغلو الديني ومفاهيم العصبيَّة القبليَّة والإثنيَّة والطبقيَّة بشكل فج، وذلك بخلاف ما كان سائداً في حقبة النصف الأول من القرن الفائت، التي هيمن عليها روح التسامح والانفتاح على الجديد والإبداع والتطور الاجتماعي والسياسي والفكري نحوَ مفاهيم وقيم المواطنة والدولة الحديثة. وأدت ظاهرة الهويات الاجتماعيَّة الضيقة إلى خلق تحالفات غير مُؤَسَّسيَّة قادت بدورها إلى إضعاف الهُوِيَّة الوطنيَّة الجامعة التي كان يشعر عموم المواطنين بالانتماء إليها، مما أدى إلى تراجع التجربة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والتنمويَّة والاقتصاديَّة.[106]
وتواجه هذه الحركات فجوة كبيرة بين كثير من شعاراتها الاجتماعية والاقتصادية الإيجابية وبين ممارساتها فكرياً وسياسياً تجاه الهوية المشتركة على أرض الواقع، وبخاصة فكرة ومفهوم الفرقة الناجية،[107] وما يتأسَّسُ عليها – نتيجةَ تأويلٍ ملتبس – من وَضعِ الآخَرِينَ في مربعِ الشَّرِّ في مقابلِ إضفاءِ هالةٍ منَ القداسةِ على الرُّؤَى الذَّاتيَّةِ، وما يترتَّبُ على ذلكَ من آثارٍ سلبيَّةٍ على المستوَى الاجتماعيِّ والسياسيِّ، حيث كان للفهم الخاطئ لهذه الفكرة لدى الكثير من الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الخليج أثرٌ بارزٌ في ترسيخ إقصاء الآخرِ المخالف وتكفيرِهِ أيضاً، وكان حديث الفرقة الناجية بمثابة الأداة الطيعة تاريخياً في صراع الأضداد لإقصاء المذاهب الإسلامية المغايرة والحكم عليها بالهلاك في النار، رغم وجود قراءات وروايات مغايرة من قبل الكثير من أعلام الإسلام.[108]
وتظهر تجليات هذا الفكر الإقصائي في العلاقة بين الطوائف السنية كالسلف والأشاعرة وغيرهم وكذلك في العلاقة بين السنة والشيعة كأحد أكبر مكونين للمجتمع المسلم، حيث مثلت العلاقة والحالة السنية-الشيعية الخليجية شرخاً طائفياً ومذهبياً في الهوية الاجتماعية وظاهرة تاريخية سلبية فكرياً وسياسياً كانت إحدى أكثر العوامل إعاقة لمفاهيم المواطنة في دول الخليج، وبأشكال مختلفة ابتداء من تباين المرجعية العقدية والفقهية إلى المرجعية والولاء السياسي إلى الانقسام المجتمعي والسياسي، مما جعلها ظاهرة استغلت بشكل بشع في إعاقة مسيرة إقرار قيم المواطنة في دول الخليج من قبل الكثير من القوى الداخلية والخارجية وبأشكال عديدة أبرزها في تاريخنا المعاصر إشكالية الولاء السياسي والقانوني للدولة الوطنية. ويري البعض إن أممية الخلافة لدى الفكر السني التقليدي إضافة إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة، وهي مبادئ بعيدة عن مفاهيم المواطنة، مسؤولة عن تأجيج الصراعات السنيّة الشيعية والعلاقات العدائيَّة الناجمة عنها بين الطرفين،[109] كما كان لهذه المفاهيم انعكاسها السلبي على استقرار المنطقة العربية والإسلامية.
وزاد من حدة هذه الصراعات انتشار بعض المفاهيم بتفسيرات ضيقة وبعيدة لمقاصد الشريعة كمفهوم "الولاء والبراء" ومفهوم "دار الكفر ودار الإيمان"، وإسقاطها بسياقاتها التاريخيَّة على المجتمعات والدُّول المعاصرة، ناهيك عن مفهوم "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ومفاهيم الإمامة والأممية والمرجعيَّةِ الدينيَّةِ الحَوزَوِيَّةِ المنبثقة منها لدى الفكر الشيعي وسلطتِها الدينيَّة والسياسيَّة، وفكرة رفض إعادة قراءة التَّاريخ كتاريخٍ للمسلمين بوصفهم بَشَراً، وأن التاريخ لا يمثِّل ديناً موازياً للنَّصّ، وخاصَّةً تاريخ الفتن، ومفاهيم المفاصلة والعُزلة الشُّعوريَّة، وغيرها من المفاهيم التي كان لتوظيفها ونشرها أثرٌ سلبيٌّ على مسيرة قيم المواطنة في العقود الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن رأى الحركات التراثية السنية والشيعية حول الحكم هو في مجمله نقلٌ لقضايا الحكم من الحيز البشري والحقوقي إلى حيز التفويض الإلهي، وهو تحويل للمسألة من باب السياسة الشرعية التي لا تحكمها النصوص القطعية ولا الثوابت التي تأتي في سياق الفروع من الدين (الجائز الاختلاف فيها) إلى مرتبة الأصول المحرم الخروج عليها والعقائد والإيمان،[110] فقراءة الواقع التاريخي السياسي يجب أن لا تصدنا عن النظر الأصلي إلى القيم القرآنية والنبوية المؤسسة للحكم العادل، وإلا كان لها أن تنسينا الممارسات والمحاولات العلمية والشعبية للتأثير والمعالجة.[111]
وفي ذات إطار العدالة الاجتماعية، يذهب التيار الإسلامي الاجتهادي السني إلى أن من واجبات الدول الإسلامية الاهتمام بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حيث ينبغي على الدولة أن تهتم بتوفير حد أدنى للأجور، وأن تجتهد في توفير العمل الملائم للمواطنين، وأن يتم تأمين رواتب عادلة تحقق الاستقرار للمواطنين، وأن تعمل الدولة على تفعيل قيم التكافل الاجتماعي بدعم الفئات الفقيرة في المجتمع.[112]
وفيما يتعلق بمشاركة الحركات الإسلامية الخليجية في مجالات العمل التطوعيّ والخيريّ الإسلاميّ، فإنه وبالرغم من ضعف البرامج الفكرية للحركات الإسلامية الخليجية في مجال العدالة الاجتماعية إلا أن العمل التطوعي والخيري الشعبي الإسلامي على الأرض يعد أحد أهمّ مشاهد نجاح التيار الإسلاميِّ الخليجي في الآونة الأخيرة، حيث أصبَحَ هذا النشاط جزءاً من الحراك المجتمعي والتنموي لهذه التيارات داخل الخليج وعلى مستوى العالم الإسلامي، حيث تطوَّر هذا المجال بشكل متماه مع الحراك الخيري الإنساني في العالم، متجاوزاً فكر وأهداف التأسيس الممثّلة في التّركيز على نشر الدّعوة الإسلاميّة وإغاثة المسلمين في العالم، كباعث أساسيّ في نشأتها ابتداءً، ثمَّ تطوّر فكر هذا المجال ومؤسساته نحو آفاق أكثر اتّساعاً، حيث زاد حضورُ العامل الإنسانيّ الدولي في تحفيز التّيارات الإسلاميّة الخليجية على تطوير نشاطها في هذا الفضاء، لتفاعلهم مع المآسي والكوارث بالإضافة إلى الشعور بالمنافسة في النشاط الخيري على مناطق المسلمين، أو التّأثّر والانخراط مع المؤسسات العالميّة الناشطة في هذا المجال، في ظل ثورةٍ في العمل التطوعيّ الإنسانيّ على مستوى العالم. وينطلق هذا العمل في جزءٍ رئيسٍ منه من مرجعيّةٍ دينيّةٍ متمثّلةٍ فيما يطلَق عليه "العبادات المالية"، كالزّكاة، والصّدقات، والأوقاف، والأخماس، وغيرها، إضافةً إلى مرجعيّة العادات والتقاليد الإنسانيّة والعربيّة.[113]
وفي هذا السياق، يجب الإقرار بأن النشاط الخيريّ الخليجي الشعبيّ المؤسَّسيّ قد غَلَبَت عليه منذ الثمانينات إلى الآن الهيمنة الإسلاميّة، ثم تطوّر ليصبِح نموذجاً مثَّل في جوهره عطاءً وإبداعاً إنسانيّاً لا حدود له، رغم ما شابه من سلبيّات أو انتقادات. فهذا المجال – الذي لا يمكن إلا الاعتراف بأن من قام على تأسيسه وحاز الريادة فيه في المنطقة إنما هي التيارات الإسلاميّة بمختلف فصائلها ومذاهبها – كان له بُعدٌ إيجابيّ مجتمعيّ ومدنيّ على الواقع الخليجي بشكل خاصّ، وعلى الواقع الإنسانيّ العربيّ الإسلاميّ بشكل عام، وتحديداً في مواجهة الكوارث الطبيعيّة والأزمات الإنسانيّة النّاتجة عن الحروب والصراعات العسكريّة والسياسيّة والكوارث الطبيعيّة، حيث شهدتْ هذه الحقبة بروزاً وازدهاراً في هذا المجال الخيريّ بشكلٍ واضحٍ في إفريقيا، وأفغانستان، والقارة الهندية، والبوسنة والهرسك، وسوريا، وعموم العالم العربي، وغيرها، إلا أنّ هذه الصورة الرائعة – مع الإشادة بها وبما حقّقتْه من نجاحات – ينبغي الإقرار بالكثير مما يثار حولها من ملاحظات على المستوى السياسيّ أو الإداريّ الفنّيّ.[114]
أمّا بالنسبة للنشاط الخيريّ والتطوعيّ الشيعيّ الخليجي على وجه التحديد، فيلاحظ فيه أن الجانب الماليّ والخيريّ يتكون غالباً من خلال تسليم هذه الأموال والزّكوات والأخماس إلى وكلاء المراجع، أو صياغتها في شكل برامج ومشاريع خيريّة تحت إدارة أو إشراف الوكلاء، الذين تُقلِّدُهم الجماهير المتبرِّعة، وإن كان هذا مما يستدعي تنظيم هذه الأنشطة في أطر قانونيّة وإداريّة حديثة، من خلال استخدام الجمعيّات والمبرّات الخيريّة، كأداة تنفيذيّة لإدارة هذه الأموال والأنشطة. ولا تختلف أهداف العمل الخيريّ لدى الحركات الشيعيّة عن الحركات السنيّة، فقد أخذتْ شكل مشاريع خيريّة، وإغاثيَّةٍ، ودعم اجتماعي، تعملُ على القيام بالعديد من المشاريع، كبناء المستشفيات، ودعم الأسر الفقيرة، إضافة إلى تأسيس مؤسسات دعويّة وثقافيّة، كالمدارس، والمكتبات، والمخيّمات الثّقافيّة، وكان يتمّ تنفيذ هذه الأنشطة والبرامج محلياً وخارجياً، وتركّزتْ – خصوصاً في هذه الحقبة – في المناطق ذات التواجد الشيعيّ، مثل لبنان، والعراق، وباكستان، والهند، وإفريقيا، وغيرها.[115]
وفي الختام يتضح أن إشكالية الحركات الإسلامية الخليجية السنية والشيعية فيما يتعلق بالعنصر الاجتماعي للمواطنة يتلخص في سعي الحركات الإسلامية لوضع الدولة الحديثة بقيمها المختلفة في مواجهة مع قيم الدين، وما يرتبط بذلك من رهان حيازة السيادة واحتكار صلاحية التشريع، فاستخدام الدين من جانب الحركات الإسلامية دائما وأبداً كوسيلة لحشد المجتمع لمواجهة السلطة الحاكمة فيما لا يتماشى مع تطلعاتها هو أمر في غاية الخطورة، حيث يرفع في مجتمعاتنا المتدينة احتمالات حدوث مواجهة مفتوحة يكون طرفي النزاع فيها السلطة الحاكمة والمجتمع، بما يهدد السلم الاجتماعي ويزيد من مظاهر العنف والاضطرابات. مثال ذلك ما تشهده الدول الخليجية بين الحين والأخر من حشد مجتمعي ضد بعض المشاريع بدعوى مخالفتها للشريعة الإسلامية، وإن كان إطار المشروع بعيد الصلة عن الجانب الإسلامي، وهو ما يفضل البعض أن يطلق عليه لقب تسييس الدين، أي استخدام الدين في الشأن السياسي بما لا يخدم مصالح الدين، بل لتحقيق مآرب أيدولوجية أو سياسية خاصة بأحد الجماعات الدينية.
وكذلك فقد تولد عن الفهم الخاطئ لمفهوم المواطنة رفض تام للمساواة بين المسلمين وغير المسلمين داخل الدولة الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى غياب جزئي لأفكار المواطنة مع غير المسلمين لندرتهم في الجزيرة العربية، حيث أن غالبية قاطني دول الخليج هم من المسلمين، ولكن اللافت هو أن التهميش الطائفي يمارس بين الطوائف الإسلامية بصورة متزايدة، وخاصة بين السنة والشيعة، وفي بعض الحالات داخل الطائفة الواحدة، كما هو الحال في الصراعات الفكرية الأبدية بين التيارات الإسلامية التراثية التقليدية وغيرها من التيارات الحركية التجديدية.وفي ذات الإطار تجدر الإشارة إلى أن الإشكالية التاريخية التي تواجه الحراك الإسلامي تكمن في كون كل طرف يصيغ تاريخ الإسلام صياغة خاصة به، مهملاً ومستصغراً الآخر، ومنتصراً لنفسه دون أي موضوعية علمية.[116]
وإذا أردنا أن نحدد بشكل مباشر وجه الخلل ومحل التقويم لترميم هذا التراجع وتصحيح مسار مفهوم المواطنة، فإن تحقيق ذلك يفرض ويوجب أن تكون للدولة هويَّةٌ جامعة، يشعر المواطنون جميعاً بالانتماء إليها، والولاء لها، ولكي يتحقق هذا الشعور لا بد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي والفكري والوجداني بين المواطنين، وهذا الإجماع يجب أن يكون وليد تاريخ وثقافة جامعة، ويكون تعبيراً صادقاً عن تحقيق المصلحة المشتركة للمواطنين، تعبيراً عن أن هناك مكوّنَين رئيسَيّين لتلك الهوية الجامعة التي تتبناها الدولة ويشعر المواطنون بالولاء لها، هما التاريخ والثقافة الجامعة، والمصلحة المشتركة.[117]
المبدأ والعنصر المدني: (الحقوق والحريات)
وفقا لمارشال فإن العنصر المدني من المواطنة يتمثل في مجموع الحقوق الضرورية اللازمة لحرية الفرد، وتشمل الحرية العامة للإنسان وحرية الاعتقاد والفكر والتعبير وحرية التملك وحق الدخول في عقود صحيحة وحق التمتع بالعدالة، وأقرب المؤسسات ارتباطا بهذه الحقوق هي مؤسسات السلطة القضائية.[118]
من أجل تناول العنصر المدني من الضروري التعرض لعدد من القيم مع دراسة الكيفية التي تتفاعل بها التيارات الإسلامية الخليجية السنية والشيعية معها في فكرها وبرامجها، حيث سيتم استعراض تفاعل هذه التيارات مع أهم المبادئ المدنية والتي من أبرزها:
- حق العدالة والحرية.
- حرية الاعتقاد وحق العبادة.
- حق حرية الفكر والتعبير والبحث العلمي.
فيما يتعلق بحق العدالة والحرية بوجه عام تواجه الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية إشكالية كبيرة في تفعيل قيم المواطنة ذات العنصر المدني بصورتها الحديثة، مقارنة بمثيلاتها من الحركات العربية والإسلامية الأخرى، إذ أنها توصف بأنها معقل ومصدر التراثية الإسلامية التي تعتمد فهماً وتفسيراً شرعياً يقيدان الحريات الفردية بصورها المختلفة عن طريق إنزال النصوص الشرعية عليها بشكل ضيق، بما يوحي بدوره بأن الإسلام جاء مقيداً للحريات الفردية على الإطلاق، أو الشك في أن الإسلام جاء محرراً للعقل الإنساني ومنح الحرية للمسلمين ولغير المسلمين، أو أنه لم يعتن بحماية حق العدالة عبر مساواة جميع الأفراد أياً كان دينهم أو معتقدهم أو أصلهم أمام القضاء، بالرغم من إيمان كثير من المفكرين والباحثين الشرعيين بأن الشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة تزخر بالعديد من النصوص التي تؤكد على هذه الحرية كما أن التاريخ الإسلامي الأول ملئ بالعديد من المواقف التي تؤكد أن الحريات كانت مضمونه في ظل الممارسة الإسلامية الصحيحة.
فنظرية الحقوق تجد مجالها في فقه السياسة الشرعية تحت مسمى العدل إذ ربط ذلك الفقه شرط قيام الحكم واستمراره بإقامة العدل. يقول ابن تيمية: "أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم ولهذا قيل إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، فالعدل نظام كل شيء".[119]
ومن المستغرب أن العديد من التشريعات الصادرة في الدول الخليجية بناء على اقتراحات التيارات الإسلامية كانت ذات توجهات مقيدة للحرية الدينية، مثال تلك التشريعات الصادرة من مجلس الأمة الكويتي بناء على اقتراحات الحركات الدينية الإسلامية كقانون الجنسية الكويتية الذي يشترط فيمن يمنح الجنسية أن يكون مسلماً، وأحد أبرز أسباب غياب العنصر المدني للمواطنة وما يرتبط به من تقييد للحريات هو موقف الحركات الإسلامية السنية والشيعية المتردد من الديمقراطية والتعامل معها بشكل مصلحي وليس بالقبول المبدئي.[120]
وتهاجم الحركات الإسلامية السنية والشيعية التقليدية التراثية مفهوم الحرية عند أصحاب الاتجاه الاجتهادي المقاصدي، على اعتبار أنه مفهوم واسع وفضفاض، لا تحكمه الضوابط المناسبة. وفي المقابل رأت الحركات الاجتهادية أن ذلك غير صحيح، متهمة خصومها بأنهم يتعمدون استدعاء صراعات الماضي في نقدهم وهجومهم عليهم، فيتهمون بدورهم المحسوبين على التيار الاجتهادي بأنهم يَلتَقُون مع فريق المعتزلة في قضايا القضاء والقدر، والحرية والاختيار، وأنهم متأثرون بالفكر الغربي الليبرالي في العصر الحديث القائم على مبدأ الحرية وتقديسها.[121] ويرد عليهم الإصلاحيون بأن أهمية الحرية وخاصة حرية البحث العلمي تأتي على قمة حرية الفكر وإطلاق العنان للعقل المسلم والإنساني، إذ إن البحث في العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية وغيرها هو بحق قاطرة التقدم البشري، ووسيلة اكتشاف سنن الكون ومعرفة قوانينه، لتسخيرها لخير الإنسانية. وقد أفاضت النصوص القرآنية الكريمة في الحث على النظر والتفكر، والاستنباط والقياس، والتأمل في الظواهر الكونية والإنسانية، لاكتشاف سننها وقوانينها، ومهدت الطريق لأكبر نهضة علمية في تاريخ الشرق، قادها علماء الإسلام، ونقلوا شعلتها لتضيء عصر النهضة الغربية، كما هو معروف وثابت. وإذا كان التفكير في عمومه فريضة إسلامية، كما يقول المجتهدون، فإن البحث العلمي النظري والتجريبي يشكّل أداة هذا الفكر، وأهم شروطه أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حريّة أكاديمية تامة في إجراء التجارب، وفرض الفروض والاحتمالات واختبارها بالمعايير العلمية الدقيقة، وبالقطع: فمقصد حفظ العقل يندرج تحته حفظ حق العقل الإنساني في الإبداع والبحث العلمي لما فيه خير الإنسانية جمعاء.[122]
وفي هذا الصدد يرى أكثر من باحث من المنتمين إلى المدرسة التجديدية الخليجية أنه يجب رؤية الحقوق والحريات في الإسلام انطلاقاً من مقاصد شريعتنا، ومن خصوصيتنا الحضارية وواقعنا المعاش وفي سياق مفهومها العام والمصادر التي تُستمَدّ منها والفلسفة التي تكمن خلفها في ضوء رؤية كلية شاملة، تسمح بالتحفظ على بعض الحقوق والحريات التي تتعارض مع جوهر الرؤية الإسلامية، والتي تنبع من إطار ونسق للقيم الغربية التي لا تزال محل جدل وتحفظ لدى الكثيرين حتى في الغرب. فعلى الرغم من القيمة التي أضفاها الغرب على حقوق الإنسان، وتوثيقها في مواثيق عالمية، تظل هناك مساحة مهمة للاختلاف والتميز هي بحاجة إلى بحث بما يحقق النظم والآداب والحدود العامة التي ترتبط بالأنماط المجتمعية المختلفة وما تفرزه من قوانين وقيم أساسية وأعراف تحكمها.[123]
وتزخر الشريعة الإسلامية بالأدلة القاطعة على سموها وتقدمها في مجال الحقوق والحريات ، حيث جاءت الشريعة الإسلامية بنصوص صريحة تقرر نظرية المساواة وتفرضها فرضاً وبالأخص بين المسلمين ويذهب الفقهاء المقاصديين الى وجوب توسيع هذا المفهوم ليشمل عموم المجتمع والدولة بمختلف مكوناته، يتضح ذلك في قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"،[124] والرسول ﷺ يكرر هذا المعنى في قوله "الناس سواسية كأسنان المشط الواحد لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوي" ثم يؤكد هذا المعني تأكيدا في قوله " إن الله قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرهم بآبائهم لأن الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمهم عند الله أتقاهم".
وقراءة عموم أدبيات التيارات الإسلامية التراثية التقليدية وتيارات الإسلام السياسي نجدها تتناول الحريات بكثير من التقييد، يصل إلى حد يحمل في لهجته التكفير والاتهام لكل من يعارض أفكاره بالتواطؤ مع الغرب، إن كان استعمارياً أو "نصرانياً"، وينتقد بشكل لاذع أي كتابات تدور حول إنسانية الرسول محمد والإسلام والحرية. وبالعودة لمقرر العلوم الشرعية – سابق الإشارة اليه – نجد أنه يناقش قاعدة العدل، وهناك توصيفات لمفاهيم متعلقة به وخاصة مفهوم الحرية، حيث يفصل في مجالات الحرية من فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وعَقَدية، ومن القضايا التي يتناولها قضية الارتداد عن الإسلام، التي تعتبر في نظره "بمثابة الخيانة العظمى التي تعاقب عليها الدول بالإعدام". مع ذلك نجد أفكاراً مختلطة للمؤلف حول حدود الحرية الفكرية حيث "لا يمنع الإسلام أتباعه من الحرية الفكرية ما دام ذلك لا يخالف نصوص الشرع".[125]
وتمتلئ هذه الأدبيات بروح رافضة ومعارضة لحقوق الإنسان بوصفها منتج غربي ذو أصول بشرية لا تتواءم مع حقوق الإنسان في الإسلام ذات المنشأ الرباني، واعتبار أن هناك اختلاف جوهري بينهما، فيرون أن حقوق الإنسان منحة ربانية ومنة إلهية محددة وهبها الله، بينما في المفهوم الغربي هي حقوق طبيعية مستمدة من فكرة الحق الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي. كما أن مفاهيم حقوق الإنسان وفقاً لها لا تعدو كونها شعارات يرددها الغرب، حيث ترفض هذه الأدبيات قضايا تحرير المرأة أو العولمة ومفاهيم الحضارة الإنسانية شرعاً، معتبرينها غزواً فكرياً يمثل مشروع مؤامرة لتدمير الإسلام.[126]
ويقترب من هذا الطرح جزء لا يستهان به من فكر ما يطلق عليه تيار الصحوة الإسلامي، ممثلاً في أطروحات د. سفر الحوالي الذي يرى في العلمانية سبيلاً لتمكن الغرب من بلاد المسلمين وثقافتهم، وذلك بإثارة الشبهات وتنصير المسلمين وغزوهم فكرياً وسلوكياً ونهب خيرات الأمم وثرواتها بأسماء جديدة كالعولمة والاستثمار والاقتصاد الحر، مع تهميش للأخلاق والفضيلة والقيم لتحل محلها الواجبات الوطنية أو النفعية بأي اسم، تلك الأفكار التي يجري تسويقها من خلال وسائل الاتصال الحديثة. وينتقد تيار الصحوة الإسلامي الديمقراطية لسماحها للأكثرية بتحديد المعايير اللازمة لما يجب على الحكومة فعله أو تركه، وإن كان ذلك مخالفاً للصواب. وبمقتضي حقوق الإنسان والقوانين الغربية يحق للابن أو الابنة مثلاً أن تشكو أحد الوالدين أو كليهما للشرطة، كما يحق ممارسة الفواحش في غير أطرها الأسرية المعتادة. وينتقد هذا القطاع من المفكرين فكر عصر النهضة العربية وما صرح به أعلامه من ضرورة الاستفادة من الحضارة الغربية، بالقول أن الدعوة بأخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها زعم باطل وغير علمي وغير إنساني وهو قبل ذلك كله غير شرعي، فالحضارة الغربية وفقاً لرأيهم بفسوقها وعاداتها السلبية حضارة متأخرة بمراحل عن المسلمين، لذا فهم يحذّرون دائماً من الانسياق وراء دعوات الاستفادة من الغرب، بل ينبغي العودة إلى السلف الصالح ففي اتباعهم الفلاح. وما يميزهم عن التيار التراثي يبقى أنهم يرون أن معارضة الحكام واجبة من أجل تحقيق غرض العودة بالأمة الإسلامية إلى ما كانت عليه في خير العصور ("السلف الصالح")،[127] وفي ذلك الإطار يقررون أن الحضارة الإسلامية إنما تحققت في العصر الذهبي، والمقصود به أيام النبي ﷺ والخلفاء الراشدين والقرون الثلاثة المفضلة، وليس في عصور الانحراف الأخيرة على حد قولهم.[128] فالحضارة الإسلامية وفقاً لهم هي الأسبق إلى كل علم ومعرفة ومصلحة وللمسلمين فضل على كل العلوم في المجالات كلها، فليس من المعقول اقتباس حضارة الغرب "المتأخرة" – وفقاً لقولهم – بدلاً من الرجوع إلى حضارة المسلمين المتقدمة.[129]
ويرى بعض مفكري تيار الصحوة الإسلامية أن الحضارة الغربية تنشئ الإنسان عبداً آلياً وإنساناً عدمياً لا هم له إلا الاستهلاك واقتناص اللذة والانهماك في الشهوات،[130] وهذا الفصيل من تيار الصحوة التراثي في نظرته للحقوق المدنية والإصلاحي في الحقوق السياسية يرى أن الدولة الإسلامية هي دولة التكافل وحماية الحقوق بتوازن فريد بين المتضادات.[131] وتأتي المدرسة المقاصدية ممثلة في عبد الله الحامد بفكر مخالف لفكر تيار الصحوة حيث ترى أن حقوق وحريات الإنسان هبة من الرحمن وليست منحة من السلطان أو الوالدين، وأن حفظ حقوق وحريات الإنسان وظيفة الرسل والأديان السماوية، فمقتضي عبودية العباد لله حريتهم عن من سواه،[132] وإقرار الإسلام الحريات ولا سيما السياسية إنما هو إقرار منه لإنسانية الإنسان، فأقر لغير المسلمين التمتع بحرياتهم أيضاً.[133]
ولمواجهة هذا التراجع في المجتمع المدني الخليجي يضع المفكر الإسلامي عبد الله الحامد عدد من المبادئ والقيم التي ينبغي أن تتوافر في المجتمع المدني الإسلامي والتي تم اختصارها في عدد من النقاط وهي: العدل الذي بإقامته يكون حفظ الضروريات الست (الدين والنفس والعرض والنسل والعقل والمال)، والتعددية والتسامح والمساواة بين الناس، والروح الجماعية المبنية على الإيثار والتعاون على البر والتقوى، والبصيرة السياسية والحضارية والعملية، والتنظيم والجد والمبادرة ونحوها من صفات العمران. ويري الحامد أنه عندما اختل سلم هذه العناصر افتقد الناس الانسجام والحيوية والنظام، فعاشوا كالقطيع، الذي يسير بدون عقل ولا تمييز، فصاروا كما وصفهم الرسول صلى لله عليه وسلم "كغثاء السيل".[134]
أما فيما يتعلق بإشكالية مدنية الدولة والسياسة وحرية الاعتقاد وحق العبادة فإنه وبمطالعة السنة النبوية نجد أن رسول الله ﷺ قد أكد على أمراء الجيوش الإسلامية أن معاملتهم لغير المسلمين تكون بموجب اجتهاد بشري، وأن تبنى على مفاهيم وتفاوض من منطلق سياسي، كعلاقات مدنية دون إضفاء بعد ديني أو إلهي عليها، ونهاهم أن يجعلوا لأهل الحصن ذمة الله وذمة نبيه، ولكن دعاهم أن يجعل لهم ذمتهم، فإنهم أن ينقضوا عهدهم أهون من أن ينتهكوا ذمة الله وذمة نبيه، وفي ذلك تشديد بالنهي عن إعطاء الآخرين عهود باسم الله أو باسم رسوله لأن في النكوص بهذه العهود الضرر والإثم الشديد على رسالة الإسلام، فلا يجوز لأحد أن يتكلم باسم الله. كما أكد الرسول ﷺ على حسن معاملة غير المسلمين من الأعداء في الغزوات الإسلامية، ودعاهم ألا يغلوا ولا يغدروا ولا يمثلوا ولا يقتلوا وليداً، وأن يخيروا الأعداء بين الدخول في الإسلام أو البقاء في بلاد المسلمين كأهل ذمه لا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن رفضوا الجهاد مع المسلمين كان عليهم دفع الجزية، نجد تلك المعاني تتجلى في كثير من أحاديث الرسول ﷺ.[135]
وكمثال على ضبابية الموقف من العنصر المدني للمواطنة لمعظم إسلاميّي الخليج وتبنيهم للفكر السلفي التراثي، نلاحظ اهتمامهم المتزايد بشرح مفاهيم الولاء والبراءة في الإسلام بشكل ضيق، يقضي بإظهار العداوة للآخر من المسلمين أو لغير المسلمين – الكافرين- والوقوف في وجههم والتصدي لمغرياتهم والبعد عن تقليدهم في أخلاقهم وأفعالهم وملابسهم وأعيادهم، واستحضار المفاصلة الشعورية بينه وبينهم، فلا يتأثر المسلم بأعرافهم أو تصوراتهم أو عاداتهم، ولا ينخدع بثقافتهم وأفكارهم، إلى غير ذلك من صور البراء، دون النظر والتفرقة في أساس هذه العلاقة هل هي إيمان وولاء عقدي أو علاقة إنسانية حضارية بما يناقض مبادئ المواطنة. وفي ذات الإطار تهاجم عموم التيارات السلفية التراثية الخليجية أيّ حزب ينادي بفصل الدين عن الدولة أو أيّ حزب مدني بدعوى أنها من الأحزاب التي ينبغي التبرؤ منها، لما يرونه من خروجهم على الإسلام. هذا التنظير المأزوم تجاه الآخر في داخل المجتمع الإسلامي نجده أيضاً في وصفهم أن الشركيات أو الجاهلية ما زالت مستمرةً في مجتمعاتنا ليومنا هذا،[136] وضمن هذا السياق يأتي تأكيدهم على أن فكرة الغزو الفكري الذي يؤطَّر به تصور أن كل ما يأتي من الغرب هو مشروع مؤامرة لتدمير الإسلام.[137] ويلتقي تيار الإسلام السياسي مع التيار التراثي في ذات الفكر فنجد كتاب "زاد الأخيار" منهج حركة الإخوان المسلمين يظهر التأثير السلفيّ التراثي بوضوح في الكثير من فصوله ومن أمثلة ذلك، الاهتمام بشرح مفاهيم الولاء والبراء في الإسلام بما يناقض مبادئ المواطنة.[138]
وفي ذات التوجه يغلب على عموم مفكري جبهة الصحوة السعودية النظر إلى الحضارة الغربية نظرة سلبية بوصفها حضارة قائمة على عداوة ومحاربة الإسلام، لذا فمن الضروري إعادة تأصيل قيم الأخوة بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأما من سواهم من اليهود والنصارى فهم كفار ولا مقام لهم في جزيرة العرب التي لا يجتمع فيها دينان، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" ولم يقل من الحرمين. فهذه الجزيرة مباركة، وهي مهد الحضارة الإنسانية ولا يجوز أن يكون عليها غير المسلمين. وجزيرة العرب وفقاً لوصفهم تشمل ما هو أوسع مما قد يظن البعض، فيدخل فيها جنوب الفرات وبعض بلاد الشام، ويستدلون بطرد اليهود والنصارى من جزيرة العرب أن الفاروق عمر أثناء خلافته أذن لهم ثلاثة أيام فقط يقيمون فيها في ظاهر المدينة حتي يشترى منهم المسلمون ما يحتاجون إليه، واستمر حكام المسلمين على تطبيق وصية الرسول حال زمن الأمويين والعباسيين والأتراك. وكان المستكشفون يأتون لجزيرة العرب مدعين أنهم سياح أو حجاج أو متخفين، أما اليوم فللأمريكان مناطق خاصة في جزيرة العرب -كشركة أرامكو والقواعد الأمريكية - ولا يجوز للمسلمين دخولها، كما يحرم بناء الكنائس أو معابد الهندوس في جزيرة العرب، والسماح بذلك مخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والفقهاء وكل ما درجت عليه الدول الإسلامية المتعاقبة.[139]
وينظر بعض مفكري تيار الصحوة الإسلامية إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى بكونهم إما مغضوب عليهم أو في ضلال، فالله سماهم مغضوب عليهم وضالين في فاتحة كتابه، كما ورد عن النبي ﷺ قوله: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون"، لذا لا يمكن لنا أن نسميهم متقدمين أو متحضرين أو أن نقتدي بهم.[140]
وفي هذا السياق وعلى الرغم من الحديث عن وجوب قيم الأخوة بين المسلمين، إلا أن فكر الكثير من تيار الصحوة الإسلامية بالإضافة إلى معظم الحركات السلفية التراثية الحركية وجزء كبير من مدرسة الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين والسروريين، يرون أن غالبية فرق المسلمين ليسوا من جماعة المسلمين، حيث يرون أن الصوفية مثلاً هي ابتلاء للمسلمين وأن المتصوفين هم أساس التخلف الحضاري الإسلامي.[141] أما عن حكمهم فيرون أنهم يجمعون بين الكفر والإسلام بقولهم: "عندي أن بعض أهل التصوف يظن أن التصوف حقيقة الإسلام، ولم تبلغه شطحات الزنادقة وكفرياتهم، فهم كمن ينتسب إلى السلف على جهل وخطأ، وعقيدة أهل السنة والجماعة أنه قد يجتمع في الإنسان الواحد ما هو كفر وما هو إيمان، والكلام في الأشخاص صعب ويحتاج لمعرفة حال ذلك الشخص وآخر ما انتهى إليه، إذ أن بعض الناس يتوب من التصوف كما أن بعض السلفيين قد يرجع عن سلفيته". كما يرون أن المرجئة هم أهل بدعة يؤدون إلى انتشار الفسق بين المسلمين. أما الشيعة الرافضة فهم فصيل يهدف إلى إفساد دين الإسلام، وقد وقفوا مع الاستعمار لتدمير بلاد المسلمين. والرافضة وفقاً لهم ثلاث وسبعين فرقة أبرزهم الاثنا عشرية بفصيليها الإخبارية والأصولية، ويرون أنهم أهل بدعة وضلالة وكفر وهدفهم القضاء على أهل السنة في كل مكان. وحكمهم فيهم أنهم "لا يصح إطلاق التكفير في حق كل الرافضة، فبعضهم مجبور أو ساكت أو جاهل، وبعضهم يدعو إلى تصحيح المذهب وتنقيته في كتب لهم مشهورة متداولة"، "فالرافضة فرقة ضالة بلا شك لكن تكفير المعين لا بد فيه من ثبوت شروط وانتفاء موانع، والصحيح أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكفروا الفرق بالجملة، وإنما يطلق أهل السنة القول بالكفر على بعض الأعمال أو الأقوال ويحكمون بأن الخوارج مع صحة الحديث في قتالهم خير من الروافض وهكذا".[142]
وفي هذا المسار المتحفظ على عموم الحقوق المدنية وغيرها يرى فكر تيار الصحوة الإسلامية أن أخطر أعداء الدعوة الإسلامية هم من أطلقوا عليهم اسم "الإسلاميون الجدد أو المعاصرون أو التنويريون أو المتوسطون أو المقاصديون"، وينكرون ما يعرف بالإسلام السياسي كونه مصطلح مستهلك – وفقاً لتعبيرهم – نحته واستخدمه الغرب لإضعاف المسلمين باستغلال الدين لتشتيت طريقهم. وفي نفس الوقت وضمن طرح سياسي ثوري مناقض لتراثيتهم الفكرية، ترى الصحوة الإسلامية أن أعداء الله انشؤوا على مدار التاريخ حركات موالية لهم بأسماء سلفية "كالجامية" لنشر الفتاوى التي تبرر استقدام الجيوش الأجنبية، وتصدر الفتاوي التي تؤيد طاعة الحاكم ولو كان متغلباً بل غير مسلم، وحظر الجهاد وحصرة في جهاد الكلمة دون جهاد اليد، وهم في ذلك يوالون الصوفية الذين يرون أن جهاد الكفار هو الجهاد الأصغر بينما جهاد النفس هو الجهاد الأكبر.[143]
وينتقد بعض مفكري تيار الصحوة الإسلامية الإخوان المسلمين بأنهم لم يطورا ما قاله الشيخ حسن البنا، ولكنهم حولوا أفكاره إلى عقيدة إرجائية كما في كتاب "دعاة لا قضاة" للهضيبي، أو لقحته بمفاهيم خارجه عن الإسلام كالديمقراطية، أو أفكار قبلية مثل تولية الأكبر سناً أو قومية كما فعل حسن الترابي في السودان. وحولوا حركة الشيخ البنا من دعوة للتحرر من الأفكار الغربية والعودة إلى القرآن والسنة إلى حزب معارض له خلفية إسلامية يهدف للسلطة والحكم، والإقرار بالواقع العلماني كما فعلت حركة النهضة في تونس أو ضرورة الولاء له كما حدث للإخوان في الأردن، وسبب ذلك رغبتهم في استرضاء الغرب والهروب من تهمة تكفير الحكام والمجتمعات.[144]
كما يتهم بعض مفكري تيار الصحوة الإسلامية سلطنة عمان بالشذوذ العقائدي، فهي الدولة الوحيدة التي تنشر المذهب الإباضي الخارجي بين المسلمين، ما يجعل من سلطنة عمان في نظرهم خطراً على الإسلام والمسلمين، ما يوجب إعادة دراسة الموقف مع عمان سياسياً وعقدياً. وينتقد ذات التيار الكويت التي بنت باسم المواطنة والوحدة الوطنية الحسينيات، وتركت الفرصة للشيعة للتغلغل في مجلس الأمة، كما ينتقدون الكويت لاستعانتها بالجيوش الأجنبية في حربها ضد العراق، وأنها لا تزال تحتضن تلك القوات حتى اليوم، ويرون أن الكويت لا تعتد بأحكام الشريعة الإسلامية في غالبية قوانينها التي تبيح المحرمات الشرعية. لذا ترى هذه الأصوات أنه يجب التفريق بين الحقوق المدنية التي تسمى المواطنة أو الحق الإنساني وبين الحقوق السيادية، فيعطى الشيعة الحقوق الأولى كأي مواطن، وأمرهم إلى الله، أما الحقوق السيادية فلا يعطون أبداً ولا يجوز تمكينهم منها.[145]
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن هناك تحفظ كبير من قبل الإصلاحيين الخليجين على هذه التراثية، ويرون أن التدين الحق هو عنصر جمع لا تفريق وإنما يجني عليه التعصب والهوى. ففي معظم البلاد العربية والإسلامية تنوع عرقي وطائفي يتسع أو يضيق، قد يكون داخل الدائرة الإسلامية (سنة، شيعة، أباضية...) أو خارج الدائرة (مسلمين، مسيحيين، يهود...)، تطورت فيه الطوائف إيجابياً نحو الاندماج أو سلبياً نحو الانعزال في الدول العربية المختلفة. لذا يجب أن نتجنب تعميم نموذج واحد على جميع الأقطار وأن نؤمن بوجود مبادئ أساسية مشتركة وجوانب اختلاف واسعة وأن النموذج الخليجي لا يصلح لمصر والنموذج المصري لا يصلح للبنان. وعلى تنوع هذه الطوائف ينبغي التأكيد على أن المواطنة حق للجميع والأصل أن الجميع متساوون أمام القضاء وأمام الفرص الحياتية، ولكن وجود الأقليات لا يعني طرح العلمانية كمبدأ وحل، فإن كانت مناسبة لبلد ما فقد لا تكون مناسبة لأخرى.[146]
أما بالنسبة للحركات الشيعية الخليجية فلا تزال تجادل في إمام أخر الزمان وسلطاته. ومما تجدر الإشارة إليه كذلك أنها جعلت الولاء والبراء من أساسيات الدين بعد أن تحول التشيع من تشيع سياسي في بدايته إلى تشيع أيديولوجي في القرون الأولى من الهجرة، إذ جعلوا الولاء لأهل البيت والبراءة من أعدائهم من أساسيات الدين.[147]
ومثالاً للتأثير الفكري الشيعي، نجد أن التيار الشيرازي قد شهد تراجعاً كبيراً في عملية الاندماج مع باقي مكونات المجتمع الخليجي، ويرجع ذلك إلى التأصيل الفكريّ والفقهي والعَقَديّ التراثيّ الرافض للتجديد في مفاهيمهم الدينية تجاه الحقوق المدنية، حيث شكّل الشيرازيون في العقدين الأخيرين رأس حربة لما يعتبره معظم الشيعة - من النُخب والجماهير - حالةً من التطرّف الديني والثقافي، إذ قاد الشيرازيون معركةً ضدّ حركة الإصلاحِ الديني الشيعي، التي ازدهرتْ في أواسط القرن الفائت، ومثّلوا دور الحارس والمدافع عن كلّ الموروثات التي رفضَتْهَا تياراتُ الإصلاح الشيعيَّة المعاصرة، فجَعَلَهم هذا الموقف الفكريّ والميداني من الإصلاح يفقدون الكثير من الحلفاء والمؤيدين الداعمين، لشعور هؤلاء أن هذا التيار قد أصبح عبئاً عليهم. فنجد أكثر من ينتقد التيار اليوم هم من قياداته وأبنائه السابقين، كحسن الصفار، وتوفيق السيف، وأحمد الكاتب، ونرى كثيراً من المؤسسات والحركات تتبرأ منه، وتتجنّب العلاقة المباشرة معه، خوفاً من اتهامها بما يوصف به هذا التيار من عقيدة مبالغ فيها تحمل الكثير من الغلو والتراثية والمفاصلة للأخرين من شيعة أو سنة.[148]
وبالمقابل فإن خط الإمام لا يزال يواجه إشكالية كبيرة في اندماجه مع باقي مكونات المجتمع، حيث يؤمن بمشروع دولة ذات حكم ديني كامل من خلال نظريّة "الوليّ الفقيه" أو "شورى الفقهاء"، رافضةً ومناقضةً للدولة البشريّة المبنية على عدم قدسيّة الحكم السياسي، وعلى فقهٍ وواقعٍ يعطي اعتباراً لمدنيّة الدولة والسياسة، وأنها من الفروع الشرعيّة التي تتيح للاجتهاد البشري حرية التعامل معها وتطويرها حسب احتياج الأمّة، للخروج من مأزق المقدس للبشري والعودة إلى شرعية مفهوم الشورى كمرجعية سياسية للأمة. وهذا لا يناقض جدلية مبدأ وجود إمامٍ منتظر في آخر الزمان،[149] لكن ينبغي أن يملأ هذا الفراغ في الفكر الشيعي بمفهوم "ولاية الأمة على نفسها أثناء حقبة الغيبة والانتظار"،[150] وهذا التطور قد يخرجنا من مأزق اتهام الشيعة بازدواجية الولاء السياسي، أو بالولاء الخارجي أو الولاء الجزئي لأحد المراجع من ذوي الاهتمام السياسي، وهي إشكالية من شأنها أن تضع المؤمنين بها في موقف المتهَم بالولاء الخارجي. وهذا قطعاً أمر مرفوض من منظور المواطنة، ويضع المؤمنين به أمام خيارين صعبين، وهما التخلِّي عن مبدأ المواطنة، أو التخلي عن التزامه العَقَدي الديني بنظرية "الولي الفقيه"، أو المرجعية التقليدية بأشكالها الفقهية والسياسية المختلفة.
وفي ذات الإطار حاولت الكتابات الشيعية كتابة التاريخ الشيعي بروح خليجيه، وذلك نتيجة لعملية إعادة التموضع الذي تشكل بناء الهوية الفرعية للتيارات الإسلامية الشيعية الخليجية، إذ حاولت هذه الكتابات أن تبرز أقدمية الوجود الشيعي في الخليج، واعتباره وجوداً أصيلاً وليس طارئاً أو هامشياً. وتمت صياغة الأصول المؤسسة للهوية الوطنية الشيعية في الخليج بما يضمن نصيباً مهماً وملفتاً للجماعات الشيعية، وذلك عبر إعادة التذكير بالتضحيات الشيعية في بناء الأوطان، كمشاركاتهم الوطنية المختلفة ونضالهم ضد أعداء الوطن، حيث تواجه التيارات الشيعية الخليجية المعاصرة إشكالية بناء الهويات الفرعية في مسار موازي للهوية الوطنية يستند غالباً لإعادة كتابة التاريخ وتوظيف الحوادث التاريخية بما يتلاءم والأصول المؤسسة للهوية الوطنية. فالهوية الفرعية للجماعات الشيعية أعادت كتابة التاريخ الخاص بها انطلاقاً من شعورها بالتهديد والإقصاء من سياج الهوية الوطنية. وربما غالت بعض الكتابات الشيعية في تقدير الحوادث التاريخية وربطها بالهوية الوطنية.[151]
لا يعني ما تقدم أن الجماعات الشيعية كانت متماسكة وواعية تماماً بهويتها الفرعية مقابل الهوية الوطنية، أو أنها بنت تلك الهوية الفرعية والمذهبية على أسس متقاطعة مع الهوية الوطنية، فسياسات الهوية الفرعية لا ترتبط بالصراع الناشئ ضمن عملية بناء الدولة الحديثة، فلجوء الجماعات للاحتماء بهويتها الفرعية أو نزوعها لتقويتها يأتي في سياق اختلاف وجهات نظر الجماعة الوطنية حول العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية وبالتالي عدم الاتفاق على موازين القوة السائدة والرغبة في خلق موازين جديدة.[152]
أما فيما يتعلق بحق حرية الفكر والتعبير والبحث العلمي، فيتضح أن العديد من الحركات الدينية الخليجية تضع الكثير من القيود الفكرية والإجرائية المعيقة للحرية والممارسة الثقافية بنشر فتاوى التحريم في إطار دعم تشريعات أو قرارات سياسية وإدارية سلبية. ويرى أنصار الفكر التجديدي الاجتهادي ضرورة تحرير صياغة فقه حقوق الإنسان من فقهاء الاستبداد – حسب رأيهم – وعدم الانجراف وراء دعواتهم وفتاويهم بتقييد حرية الفكر.[153] كما يرون أنه بدلاً من هذه الفتاوى الفاسدة ينبغي العودة إلى قيم ومفاهيم الإسلام والاحتكام بها، وهو تراث يحتوي نصوصاً صريحة تأصل لقيم حقوق الإنسان المختلفة.[154]
وتستدل هذه الحركات في تأصيلها على تنبيه ابن القيم من خطر فقهاء النكوص الذين يلوون أعناق النصوص الشرعية لكي توافق أهواءهم، حيث قال: "الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وان أدخلت فيها بالتأويل "الفاسد" فالشريعة عول الله بين عبادة ورحمته بين خلقه".[155] كما قال ابن القيم: "وهذا موضع مزلة الأقدام ومضلة الإفهام، وهو مقام ضنك ومعترك صعب، فرطت فيه طائفة فضيعوا الحقوق، وجرأوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد".
وفي سياق آخر تعد الحرية الدينية بالنسبة لهذا التيار ركناً من أركان الإسلام، والحرية لا تؤدي في رأيهم إلى بلبلة إلا في العصور والمجتمعات التي يتغلب فيها الطغيان، ويدخل في نطاق الحريات التي يكلفها الإسلام الحرية السياسية بحرية تكوين الأحزاب وحرية المعارضة وحرية الاجتهاد وحق صيانة العقول وتنميتها.[156] وللأسف فقد دأب الفكر الديني السني والشيعي في الخليج على التدخل والضغط على المسارات الفكرية لدولها والتي لها تأثير مباشر على مفاهيم وقيم المواطنة وخاصة قضايا الحريات الفكرية والثقافية، ومثال ذلك التدخل في مساق الإعلام والمناهج والمقررات الدراسية في المؤسسات التعليمية المختلفة في الدول الخليجية، بما يتناقض بل ويجرم شرعياً وقانونياً مفاهيم مدنية الدولة والمواطنة. وكان لوجود هذه الحركات في الهيئات البرلمانية والمؤسسات المسؤولة عن التشريع والرقابة أثر في تنامي التشريعات القانونية المضيّقة والمقلّصة للحريات التي مست عموم القوى الوطنية، بما فيها التيارات الدينية السياسية التي دعمت هذه التشريعات وحاولت استخدامها كسلاح ضد خصومها فانقلبت سلاحاً ضد فكرها وكيانها.[157]
نخلص مما سبق إلى أن التيارات السياسية الإسلامية في الخليج تنقسم حول تفاعلها مع الحقوق والحريات إلى ثلاثة اتجاهات: اتجاه يربط الحقوق والحريات بمقاصد الشريعة الإسلامية، فيدعو إلى تطويرها وتقنينها في شكل صيغ قانونية ودستورية؛ واتجاه ثان ضبابي، لم يوضح رأيه الفقهي بشكل قطعي حول الكثير من الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان، بل تركها للممارسة السياسية، فيقبلها تحت ضغوط معينة، ويرفضها في ظرف آخر، طبقا للبرجماتية والمصالح السياسية؛ واتجاه ثالث هو الذي تتبناه المدرسة التقليدية، وترفض بموجبه الخوض في مسائل الحقوق والحريات من الأساس، باعتبارها تدعو لتفلّت قيمي وأخلاقي، ولكونها ضد الكثير من قيم الدين، على حد اعتقادهم.
خاتمة: الخيارات المستقبلية
يتضح مما سبق أن خطاب وممارسات الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية يغيب عنه اعتبار المواطنة كأولوية فكرية سياسية واجتماعية يؤسس عليها مشروعها المجتمعي بوصفها "فريضة غائبة"، بالإضافة إلى غياب مفردات المواطنة بمبادئها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية كمفاهيم الدولة والديمقراطية والقانون والتعددية والحرية وسيادة الشعب عن فكرهم، الأمر الذي يحول دون التحقق الفعلي والكامل لفكرة المواطنة لديهم، لأنها موضوع غير مفكر فيه وغير مسلم بمقدماته الفلسفية التي أسست على مفهوم الفرد كذات حرة ومستقلة. كما أن الحركات الإسلامية السنية والشيعية لا تزال غير قادرة على مقاربة الفرد والرباط الاجتماعي من خارج الإطار الديني، الأمر الذي جعل تعاملها مع مفهوم المواطنة ينطلق من ردة الفعل لا الفعل، واختزل النقاش حول المواطنة في إعلان الموقف منها عبر تـأكيد عدم معارضتها لها دون الخوض في معاني المفهوم ودلالاته السياسية والثقافية والاجتماعية.[158]
وإحدى أكبر الإشكاليات في الفكر الإسلامي الخليجي تظهر من مراجعة أفكار الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية في الفترة الأخيرة، حيث يبرز حجم الخلاف حول تحديد مفهوم الشريعة ابتداءً وبغض النظر عن مفاهيمهم السياسية وكيفية تطبيقها، حيث لا نجد اتفاقاً حول ماهية الشريعة: هل هي فهمٌ بشريٌّ ثابتٌ لأحكام الدين؟ أم فهم متغيِّر؟ وما الثابت فيها وما المتغير؟ وما المقدَّس فيها وما غير المقدس؟ وما الموقف من غير المسلمين؟ وربما تشكل التجارب السياسية التركية والمغربية والمصرية الإسلامية مادةً غزيرةً للتفكّر في هذه القضايا. وبمطالعة فكر عموم الحركات الإسلامية الخليجية نجد أن موضوع "تطبيق الشريعة" لا يزال يشغل حيّزاً كبيراً في الفكر الإسلامي الخليجي السياسي، وتظل معالجته مفتقرة لتميز واضح المعالم بين ما هو شرعيّ وما هو سياسيّ مدنيّ وبشريّ. وهكذا يصبح القانون الوضعي لدى الإسلاميين الخليجيين هو النقيض لما هو تشريع إلهيّ، وهنا يتم نسف كلّ جهود العلماء والمجتهدين المستخدمين لعقولهم في تأويل وتفسير النصوص الدينية، والمراعين لمقاصد الشريعة، مع التأكيد على عوامل السّعة والمرونة فيها.[159]
وفي الوقت الذي تصبو فيه الدول إلى تطوير نظرياتها السياسية حول المواطنة لتوائم متطلبات شعوبهم والعصر، لا تزال الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية في حالة من الجدل حول تبني نظام الشورى كنظام موازي للديمقراطية، إذ يناقشون في أديباتهم مطوَّلاً إلزاميّة الشورى وينتهون إلى تبنيهم لهذا المبدأ،[160] رغم الاختلاف الفقهي حوله بحكم "تجربة الحركات الإسلامية"، ويبين مدى اختلاف الإخوان والسلف الخليجيين إزاء مفهوم الديمقراطية.[161]
وفي الختام يتضح أن مناقشة قيم المواطنة لدى الحركات الخليجية الإسلامية السنية والشيعية كأولوية حتمية لتقدم مجتمعاتنا تقتضي البحث في إشكالية المواطنة بين المقدس والبشري في الدين، وذلك بدراسة ترابط الإصلاح الديني والسياسي وبالأخص فيما يتعلق بتحديد مفهوم الدولة سياسياً لدى الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية، بما يتضمنه ذلك من تحديد لمفهوم مدنية الدولة والمقصود بأممية الخلافة وإيجاد إجابة لتساؤل السيادة والشرعية لمن؟ بالإضافة إلى تحديد مواقف التعددية السياسية وتداول السلطة ووسائل المعارضة وحدود الحقوق والحريات لدى الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية.
ويرتبط بما سبق تحديد مفهوم الحاكم بين الفردية والمؤسسية بالبحث في حدود الصفة الدينية للحاكم، وإعادة النظر في نظريات إمام أخر الزمان وسلطاته. وأحد أهم القضايا التي تثير العديد من الإشكاليات والتي تتطلب المعالجة هي مسألة الولاء والبراء في مفهومها السني والشيعي بإظهار العداوة لغير المسلمين والوقوف في وجههم والتصدي لمغرياتهم والبعد عن تقليدهم في أخلاقهم وأفعالهم وملابسهم وأعيادهم، وفي الفكر الشيعي تتجلي صور الولاء والبراء تحديداً من كل ما لا يتفق مع آل البيت. وفي هذا الإطار فإنه يجب على عموم الحركات الخليجية الإسلامية تحديد موقفها من العلمانية والتطور الذي شهدته كفلسفة ونظام من حيث مضامينها في إطار مسيرتها عبر التاريخ من العلمانية الشرسة إلى العلمانية الإنسانية، وعليه تحديد ودراسة مدى جدية الاتهامات الموجه لها بهدم الدين.[162]
ولعل أولى الخطوات التي ينبغي أن تبدأ بها الحركات الخليجية الإسلامية السنية والشيعية تتمثل في العمل على تأصيل مفردات المواطنة شرعياً ثم الصياغة الدستورية لمفاهيم المواطنة واعتمادها أمام الهويات الفرعية والانتصار للهوية الوطنية وتحويل قضية المواطنة لثقافة ومشروع وطني بين القوي الإسلامية والمدنية، بالإضافة إلى البحث في مستقبل قرب وبعد الحركات الإسلامية الخليجية من مفاهيم المواطنة على الأرض ومفهوم شرعية سلطة وسيادة الأمة في مقابل مفهوم الحكومة الدينية (وجوب تطبيق الشريعة)، وارتباط كل ذلك بمفهوم وآليات تطبيق الشريعة.
وفي هذا الإطار وعلى الرغم من الاستشهاد بالتاريخ الإسلامي في العديد من مواضع البحث، إلا انه تجدر الإشارة إلى أن كتابة التاريخ الإسلامي تواجه إشكالية بالغة، حيث تمت صياغتها في بعض المواقف بصورة منحازة لأحد الأطراف دون الآخر، وذلك من أجل تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية. وتم استخدام التأريخ كسلاح لدى الحركات الإسلامية المختلفة للتشكيك في الحركات الأخرى المنافسة لها، مما قد يؤدى إلى التشكيك في مصداقية التاريخ الإسلامي ويثير الشكوك حوله بالمجمل. ونتيجة لذلك أصبح التاريخ مادةً للصراع والتنابز بين فئات المجتمع، وهو الصراع الذي استمد عمقه من الأحداث التاريخية، فبدلاً من أن يستخدَم التاريخ في صهر مكونات المجتمع في هويّة ثقافيّة واحدة، تحول إلى أداة تشرذُمٍ وقطيعةٍ ومواجهاتٍ في كثير من الأحيان. وألقت هذه الحالة بظلالها على كافة المستويات. فعلى مستوى المناهج التعليمية أُلغيت أو قُلصت مواد دراسية كانت تدعم المواطنة، كمناهج التربية الوطنية، واختُزِلَتْ مواد تدعم الإبداع والتحليل، كتدريس الفلسفة والمنطق، وأصبح الاحتفال بالعيد الوطني وتحية العلم والنشيد الوطني من الأمور التي يعتبرها البعض من الشركيّات، وأُهمِلَ كل منهجٍ وثقافةٍ تدعو إلى التفكير المستقبلي الاستشرافي، وكُرِّسَتْ حالةٌ من الانغلاق الثقافي المنكفئ على الماضي، لذا فإن إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بصورة مجردة ومستقلة هو أمر ضروري كمتطلب لتحقيق مبادئ المواطنة والهوية الجامعة.[163]
وفي الختام يتضح أن التيارات الخليجية المتحفظة على قيم المواطنة والدولة الحديثة تواجه الكثير من التصدعات والنزاعات الفكرية والتنظيمية الداخلية التي جعلتها على مفترق طرق فكرياً وسياسياً، حيث أدى الصراع حول مبدأ التجديد ورفضه في قضية مدنية الدولة والمواطنة واتهام المجددين بالتبديع والتفسيق، إضافة إلى القراءة الحرفية والنصية لأحكام الشرعية، إلى تقليص التفاعل مع الحياة ومستجداتها، واستمرار التيار العام في محاولة تجاهل ورفض الدعوة للمراجعة، مما سوف يجعل هذا الفكر حاضنة لجمود قد يؤدي إلى انفجار باتجاهات ضبابية غير معلومة. وتكمن إشكالية التيارات التراثية الخليجية خاصة في تقديس أرائهم ورفضهم للآخر من أي فريق مخالف سواء من الداخل أو الخارج، وسواء أكان من فصائل التيار الإسلامي العام أو الفصائل المدنية الأخرى، انطلاقاً من مفهوم الفرقة الناجية التي سبق التعرض له بشيء من التفصيل. وهذا قد يؤدي إلى تقلص حجم هذه الفصائل مقابل نمو واضح للفصائل الاجتهادية الإصلاحية الخليجية، مع تحديد وتعريف كل من هذين التيارين بمعيار نسبية الاجتهاد والخروج عما كان يُعتَبَر من الثوابت في الفكر التقليدي إلى فضاءات شرعية جديدة تمس وتتقاطع مع الواقع السياسي والاجتماعي الحديث بشكل مغاير للمسيرة التاريخية للتيار. يضاف إلى كل ذلك وجوب ترقّب نتائج التحول الوهابي السلفي الرسمي وامتداداته وماهيّة تأثيره على مسيرة عموم التيارات الدينية، مما يقتضِي الاهتمام بالتركيز ورصد هذه الحالة في سبيل التصدي لكل هذه التساؤلات والتباينات، إذ أنه من الراجح أن تؤدي إلى إفراز حراك تجديدي داخل هذه الجماعات، قد يؤدِّي بدوره بها إلى التطور أو التشرذم.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
[1] د. علي الزميع، دراسة تحليلية لكتاب عبد الرزاق السنهوري، فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية )بيروت: مركز نهوض للدراسات والنشر، 2019( ص 2.
[2] د. علي الزميع ود. الطيب بوعزة، موسوعة المبادئ الدستورية في الفكر السياسي الإسلامي "التاريخ، المفاهيم، المؤلفات" (بيروت: مركز نهوض للدراسات والنشر، مسودة أولية، 2019)، ص2-3.
[3] على سبيل المثال فإن أغلب -إلا ما ندر- أنتاج منتدى التنمية الخليجي على مدار الثلاثين عامًا الماضية يتناول تقييم واقع وسياسات الأنظمة، مع قلة من الدراسات الموجهة لتقييم فكر وسياسات الحركات.
[4] د. علي الزميع، النموذج المأمول في متطلبات وسياسات خطط التنمية لدول مجلس التعاون، ورقة مقدمة إلى منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية تحت عنوان "إستراتيجيات التنويع الاقتصادي في دول الخليج العربية والعوامل المؤثرة فيها،" الدوحة (3-5 ديسمبر 2016)، ص18.
[5] للمزيد راجع:
عبد الملك بن هشام، سيرة ابن هشام، الجزء الثاني (بيروت: دار الكتاب العربي، 1989)، الطبعة الثانية، ص 30 وما بعدها.
محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسية الإسلامية (بيروت: دار التراث، 1976)، الطبعة السابعة، ص17.
محمد عمارة، "الإسلام والسياسة،" دراسة منشورة ضمن كتاب (فكر المسلم المعاصر... ما الذي يشغله ؟ (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1992)، الطبعة الأولى، ص 43.
مراد هوفمان، الإسلام كبديل، ترجمة: غريب محمد غريب، (الكويت: مجلة النور الكويتية، الطبعة الثانية، 1977)، ص 140.
جان جاك شوفالييه، تاريخ الفكر السياسي من المدينة الدولة إلى الدولة القومية، ترجمة: محمد عرب، (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1995)، الطبعة الثالثة.
[6] محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان المجلد الثاني، الوثائق الإسلامية (القاهرة: دار الشروق، 2003)، الطبعة الأولى، ص 24.
[7] سعود المولى، الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة – الجزء الأول (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مايو 2016)، المرجعية والحزب والدولة المدنية والمواطنة في الفقه السياسي الشيعي المعاصر، ص111.
محمد بك الخضري، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية، الدولة الأموية، تحقيق: محمد العثماني (بيروت: دار القلم، 1986)، ص 143.
[8] للاطلاع على نص الوثيقة راجع: محمود شريف بسيوني، مرجع سابق ص 32.
[9] للمزيد راجع: يورغن هابرماس، المواطنة والهوية القومية، ترجمة: د. رند المالح وباسمين جمال هاجر، تدقيق وإشراف: د. رند المالح (بيروت: مركز نهوض للدراسات والنشر، 2018)، ص7.
د. علي الزميع، دراسة تحليلية لكتاب عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 2.
د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية - دراسة تحليلية نقدية لمسارات الفكر السياسي السني والشيعي (بيروت: دار نهوض للدراسات والنشر، 2017).
[10] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة، مرجع سابق، "الإسلاميون المعاصرون وفكرة الدولة الديمقراطية،" ص206.
[11] د. علي الزميع و د. الطيب بوعزة، موسوعة المبادئ الدستورية في الفكر السياسي الإسلامي، مرجع سابق، ص34.
[12] د. علي الزميع، دراسة تحليلية لكتاب فقه الخلافة وتطورها، مرجع سابق، ص 2.
[13] Thomas Humphrey Marshall, Citizenship and social class (London: Cambridge University Press, 1950).
توماس همفري مارشال، المواطنة والطبقة الاجتماعية، ترجمة: بدر ناصر الحتيتة المطيري، سلسة التقارير الاستراتيجية (2) (الكويت: مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، 2017).
[14] توماس همفري مارشال، المواطنة والطبقة الاجتماعية ،مرجع سابق، ص44.
[15] وليم سليمان قلادة، مبدأ المواطنة: دراسات ومقالات، العدد الثالث من سلسلة المواطنة (القاهرة: المركز القطبي للدراسات الاجتماعية، مايو 1999).
[16] كمال عبد اللطيف، "مفهوم المواطنة وسياقات تشكله،" مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 9 فبراير 2015، < https://www.mominoun.com/articles/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%84%D9%87-1392 >.
[17] توماس همفري مارشال، المواطنة والطبقة الاجتماعية، مرجع سابق، ص44.
[18] المرجع نفسه، ص44.
[19] هاشم الطائي، "ملامح نمو الوعي الديمقراطي في الخليج العربي،" مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، المجلد 7، العدد3، 2012، ص1.
[20] توماس همفري مارشال، المواطنة والطبقة الاجتماعية، مرجع سابق، ص44.
[21] وليم سليمان قلادة، مبدأ المواطنة: دراسات ومقالات، مرجع سابق.
[22] محمد عفان، "أسلمة الدولة الحديثة السعودية نموذجًا،" المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 18 يونيو 2016، ص15-17.
[23] توفيق السيف، "الأحزاب المرتبطة بالولي الفقيه،" الجزيرة نت، 26 ابريل 2006، < https://www.aljazeera.net/home/print/787157c4-0c60-402b-b997-1784ea612f0c/6136be45-b917-4ec1-8c81-d38dbb62e8af >.
[24] ساري حنفي، "من نَظَّرَ لداعش؟ قراءة لمقرر "السياسة الشرعية" في جامعة خليجية،" معهد العالم للدراسات، 25 سبتمبر 2016، < http://alaalam.org/ar/religion-ar/item/395-573250916 >.
[25] ساري حنفي، مرجع سابق.
[26] سفر الحوالي، المسلمون والحضارة الغربية (بدون ناشر، يوليو 2018)، ص1111.
[27] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص1051.
[28] سلمان العودة، أسئلة الثورة (بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات، 2012)، ص 56.
[29] سلمان العودة، مرجع سابق، ص127.
[30] محمد العبد الكريم، صحوة التوحيد- دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013،) الطبعة الثانية، ص17.
[31] سلمان العودة، مرجع السابق، ص128.
[32] سلمان العودة، مرجع السابق، ص129.
[33] حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (القاهرة، المكتبة التوفيقية، 1965).
[34] أكد بعض الفقهاء جواز التعدد اعتمادا على توسع رقعة العالم الإسلامي وصعوبة حكمه من إمام واحد، للمزيد راجع: رشيد رضا، الخلافة أو الإمامة الكبرى (القاهرة، الزهراء للإعلام العربي، 1922)، ص56.
راجع: رشيد رضا، الخلافة أو الإمامة الكبرى، مرجع سابق، ص82.
[35] للمزيد في هذا الشأن راجع كلا من: ألبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة 1798-1939، ترجمة كريم عزقول (بيروت: دار النهار للنشر، 1968)، ص 33.
عضد الدين الإيجى، المواقف، تحقيق عبد الرحمن عميرة (بيروت: دار الجيل، 1997)، ص 400.
ابن حزم الشهرستاني، الفصل في الملل والأهواء والنحل، وبهامشه الملل والنحل، المجلد الأول (مكتبة السلام العالمية، 1348هـ)، ص113.
[36] زاد الأخيار (الكويت: اللجنة العلمية بمؤسسة الكلمة، 2008).
[37] حاكم المطيري، تحرير الإنسان وتجريد الطغيان دراسة في أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1989).
[38] توفيق السيف، الأحزاب المرتبطة بالولي الفقيه، مرجع سابق.
[39] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[40] محمد عفان، مرجع سابق، ص15-17.
[41] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص945.
[42] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص951.
[43] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص 944-945.
[44] أبو الحسن الماوردي، الأحكام السلطانية (القاهرة: دار الحديث، 2006)، ص254.
[45] سلمان العودة، مرجع سابق، ص 53.
[46] سلمان العودة، مرجع سابق، ص111.
[47] سلمان العودة، مرجع سابق، ص122.
[48] سلمان العودة، مرجع سابق، ص141-142.
[49] أحمد كمال أبو المجد، نظرات حول الفقه الدستوري في الإسلام، مطبوعات الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية، المحاضرات العامة، الموسم الثقافي الرابع، 1960-1961، (القاهرة: مطبعة الأزهر)، ص52.
[50] سلمان العودة، مرجع سابق، ص72.
[51] زاد الأخيار، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 497.
للمزيد راجع: د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[52] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة – الجزء الأول، توفيق السيف: مكانة العامة في التفكير الديني، نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماعي السياسي، مرجع سابق، ص127.
[53] محمد عمارة، الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية (القاهرة: دار الشروق، 2007)، ص 36 وما بعدها.
[54] أبو نعيم إحسان، "جمع أقوال أهل العلم في مسألة الحاكمية،" شبكة الإمام الآجري، مارس 2007، < http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=1029 >.
[55] د.على الزميع، دراسة تحليلية لكتاب فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، مرجع سابق، ص 26.
[56] محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية (قم: مركز الأبحاث العقائدية، 1422هـ)، ص96.
[57] الحر العاملي، وسائل الشيعة، الجزء 13 تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث (قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1414هـ).
[58] على فياض، نظريات السلطة في الفكر السياسي الشيعي، تقديم هاني نسيرة، منشور على موقع مركز آفاق للدراسات والبحوث بتاريخ 2 اكتوبر 2010.
[59] عمر رشيد عبد العزيز، حقوق ولاة الأمر (الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية)، ص1 وما بعدها.
[60] للمزيد راجع: "الموقف من جمعية إحياء التراث – لقاء للشيخين فلاح مندكار وسالم الطويل،" حساب
fourus2012 في يوتيوب، 11 ديسمبر 2013، < https://www.youtube.com/watch?v=dy-kfCvNCBo >.
"فلاح إسماعيل مندكار: محاضرة (ما هي الفتنة؟) الجزء الأول والثاني" حساب
عبد الله السلفي في يوتيوب، 14 اغسطس 2013، < https://youtu.be/HaMw1JYiPg8 >.
[61] محمد عفان، مرجع سابق، ص15-17.
[62] محمد عفان، مرجع سابق، ص15-17.
Feldman Noah: The fall and rise of the Islamic state, Princeton University Press, 2012, p.102.
[63] محمد بن عبد الوهاب، مراجعة عبد العزيز بن زيد رومي ومحمد بلتاجي وسيد حجاب، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب ج8 (الرياض: مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود، 1978)، ص 50-51.
[64] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة – الجزء الأول، موجز الكتاب، مرجع سابق، ص18
[65] ساري حنفي، مرجع سابق.
[66] محمد عفان، مرجع سابق، ص15-17.
[67] محمد داود كوري، عبد الحق التركماني، دعوة جماعة قاضي زاده الإصلاحية في الدولة العثمانية، (بيروت: دار اللؤلؤة، ب ت)، ص 84.
[68] سلمان العودة، مرجع سابق، ص155.
[69] محمد داود كوري، عبد الحق التركماني، مرجع سابق، ص 84.
[70] ساري حنفي، مرجع سابق.
[71] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص939.
[72] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص944.
[73] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص945.
[74] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص 945.
[75] عبد الله الحامد، الكلمة أقوى من الرصاصة – الجهاد السلمي الأكبر (الرياض: الدار العربية للعلوم، رجب 1433هـ)، ص42.
[76] عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، الطبعة الثالثة (2010)، ص189.
[77] عبد الله الحامد، الكلمة أقوى من الرصاصة، مرجع سابق، ص 8 وما بعدها.
[78] رواه النسائي وأحمد.
[79] عبد الله الحامد، الكلمة أقوى من الرصاص، مرجع سابق، ص 4 وما بعدها.
[80] عبد الله الحامد، الكلمة أقوى من الرصاص، مرجع سابق، ص 8 وما بعدها.
[81] حساب د. عبد الله الحامد على موقع تويتر < https://twitter.com/abubelal_1951/status/274450813802389504?lang=ar >.
[82] عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص15.
[83] المرجع نفسه، ص9.
[84] المرجع نفسه، ص69.
[85] محمد العبد الكريم، مرجع سابق، ص30.
[86] سلمان العودة، مرجع سابق، ص83-84.
[87] سلمان العودة، مرجع سابق، ص84.
[88] محمد العبد الكريم، مرجع سابق، ص 22.
[89] سلمان العودة، مرجع سابق، ص78.
[90] د. عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص70.
سلمان العودة، مرجع سابق.
[91] نبيل حاجي نائف، "الدولة الناجحة والدولة الفاشلة. مفاهيم ومؤشرات،" الشبكة العربية العالمية، < http://www.globalarabnetwork.com/studies/3082-2011-04-14-06-18-50 >.
د. علي الزميع، دراسة تحليلية لكتاب فقه الخلافة وتطورها، مرجع سابق.
[92] د. علي الزميع – د. الطيب بوعزة، موسوعة المبادئ الدستورية في الفكر السياسي الإسلامي، مرجع سابق، ص11.
[93] زاد الأخيار، الجزء الرابع، مرجع سابق، ص 461.
[94] للمزيد راجع: د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية ، مرجع سابق.
د.عبد الرزاق السنهوري، الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، دراسة تحليلية: د. علي الزميع، مرجع سابق.
[95] أحمد الكاتب، المرجعية الدينية وآفاق التطور الإمام محمد الشيرازي نموذجًا (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2007)، الطبعة الثانية، ص 12.
توفيق السيف، "الأحزاب المرتبطة بالولي الفقيه،" الجزيرة نت، 26 ابريل 2006، < https://www.aljazeera.net/home/print/787157c4-0c60-402b-b997-1784ea612f0c/6136be45-b917-4ec1-8c81-d38dbb62e8af >.
محسن كديفور، نظريات الحكم في الفقه الشيعي (بيروت: دار الجديد، 2000)، ص 95 وما بعدها.
[96] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[97] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[98] يقصد بآلية تغيير الوضع الراهن هو إذا ما وصلت القناعة لدى تيار ما إلى ضرورة إحداث تغيير جذري على النظام القائم.
[99] د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت (جماعة الإخوان المسلمين -الحركة السلفية- مجاميع حزب الدعوة – التيار الشيرازي) - تطورها الفكري والتاريخي – المسارات الصعبة – الجزء الثاني 1981-2018، (تحت الطباعة، بيروت: دار نهوض للدراسات والنشر، 2018)، ص14.
[100] د. سلمان العودة، مرجع سابق، ص 95.
[101] راجع في هذا الشأن: د. عبد الله الحامد، نص لقاء خاص معه ببرنامج "الشريعة والحياة،" قناة الجزيرة، 26 مايو 2002.
[102]د. سلمان العودة، مرجع سابق، ص 41-45.
[103] د. علي الزميع، دراسة تحليلية لكتاب فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، مرجع سابق، ص3.
[104] توماس همفري مارشال، مرجع سابق، ص44.
[105] عبد الله العروي، مفهوم الدولة، مراجعة خالد زيادة، الطبعة الأولي (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي،1981).
[106] شفيق الغبرا، "مستقبل مطالب الإصلاح في الكويت،" مجلة المستقبل العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، العدد 444، فبراير 2016، ص 117.
[107] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الجزء الثاني، مرجع سابق.
أحمد محمد سالم، إقصاء الآخر-صناعة التكفير في علم العقائد (القاهرة: الهيئة العامة لقصود الثقافة، 2013)، ص 15 وما بعدها.
[108] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الثاني، مرجع سابق.
[109] د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[110] د. سلمان العودة، مرجع سابق، ص60.
[111] د. سلمان العودة، مرجع سابق، ص66-67.
[112] د. عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص68.
[113] د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الجزء الثاني، مرجع سابق، ص415.
[114] المرجع نفسه، ص418
سلطان بال، "هدية الأمير: سلفيو الكويت يدفعون الثمن بعد منحهم دورًا أكبر،" مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 21 مايو 2018، < https://carnegie-mec.org/2018/05/21/ar-pub-76408 >.
[115] د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الجزء الثاني، مرجع سابق، ص424.
[116] وجيه كوثرانى، الدولة والخلافة في الخطاب العربى إبان الثورة الكمالية في تركيا (بيروت: دار الطليعة، 1996)، الطبعة الأولى، ص31.
سيف الدين عبد الفتاح، النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي، منهجية التجديد الإسلامي وخبرة الواقع العربى المعاصر (الأردن: المركز العلمي للدراسات السياسية، 2002)، ص 5.
[117] عبد الله العروي، مرجع سابق.
[118] توماس همفري مارشال، مرجع سابق، ص44.
[119] ابن تيمية، مجموع الفتاوي، 28\146.
علي الزميع – الطيب بوعزة، موسوعة المبادئ الدستورية في الفكر السياسي الإسلامي ، مرجع سابق، ص54.
[120] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة – الجزء الأول، مرجع سابق، ص18.
[121] ماجد الزميع، الدولة المدنية بين الاتجاه العقلي الإسلامي المعاصر والاتجاه العلماني (الرياض: دار الفضيلة للنشر والتوزيع، 2013)، ص 544.
[122] عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق.
[123] المرجع نفسه.
سلمان العودة، مرجع سابق.
[124] الحجرات:13.
[125] ساري حنفي، مرجع سابق.
ماجد الزميع، مرجع سابق، ص 544.
[126] زاد الأخيار، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 573.
[127] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص17-18.
[128] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص120.
[129] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص212.
[130] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص36.
[131] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص943.
[132] د. عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، ص17.
[133] المرجع نفسه، ص18.
[134] د. عبد الله الحامد، الكلمة أقوى من الرصاصة، مرجع سابق، ص41 و42.
[135] مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير (دار إحياء الكتب العربية)، "باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، الجزء الثالث،" ص1357-1358.
[136] زاد الأخيار، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص 497.
للمزيد راجع: د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[137] زاد الأخيار، الجزء الثالث، مرجع سابق، ص: 573.
[138] المرجع نفسه.
[139]سفر الحوالي، مرجع سابق، ص69، 550،551،552.
[140]سفر الحوالي، مرجع سابق، ص609.
[141]سفر الحوالي، مرجع سابق، ص 266.
[142]سفر الحوالي، مرجع سابق، ص345، 266، 369، 373، 378، 403، 413، 415.
[143] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص 500- 501- 502.
[144] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص 1245.
[145] سفر الحوالي، مرجع سابق، ص1234-1235-124-1241-417.
[146] سلمان العودة، مرجع سابق، ص199-200.
[147] سليمان الضحيان، "الفكرتان الرئيستان لأيديولوجيا العنف الديني،" جريدة مكة، 27 أغسطس 2014.
[148] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة، مرجع سابق، ص80.
[149] فريق تحرير صحيفة عاجل الإلكترونية، "منذ لحظة الاقتحام وحتى تنفيذ القصاص الرواية الكاملة لحصار الحرم المكي في (15 يومًا)،" صحيفة عاجل الإلكترونية، 26 أكتوبر 2014، < https://ajel.sa/archive/1361916 >.
[150] فؤاد إبراهيم، الفقيه والدولة الفكر السياسي الشيعي (بيروت: دار المرتضي، 2012)، ص 65، 72.
[151] للمزيد راجع: عباس المرشد، داخل السور: الهويات الفرعية والانتماء الوطني “الجماعات الشيعية في الكويت نموذجا"، (مسودة أولى تحت الطباعة، 2019).
[152] المرجع نفسه.
[153] عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص10.
[154] المرجع نفسه، ص13.
[155] ابن القيم، إعلام الموقعين، الجزء 3، ص 4، مشار اليه في: عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص14.
[156] د. عبد الله الحامد، حقوق الإنسان بين نور الإسلام وفقهاء غبش الطغيان، مرجع سابق، ص 15-100-104-105-111-113.
[157] د. علي الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الجزء الثاني، مرجع سابق.
[158] الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة – الجزء الأول، مرجع سابق، ص18.
[159] ساري حنفي، "حصوننا مهددة من الداخل "تحليل المادة التربوية لجماعة الإخوان المسلمين،" ضفة ثالثة منبر ثقافي عربي، 27 أبريل 2018، < http://tiny.cc/82qc8y >.
[160] زاد الأخيار، الجزء الرابع، مرجع سابق، ص 461.
[161] للمزيد راجع: د. علي الزميع، في النظرية السياسية الإسلامية، مرجع سابق.
[162] كارين ارمسترنونج، حقول الدم: الدين وتاريخ العنف، ترجمة: أسامة غاوجي (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016)، ص455.
[163] د. على الزميع، الحركات الإسلامية السنية والشيعية في الكويت الجزء الثاني، مرجع سابق.