بقلم: ـ عامر ذياب التميمي  ( مستشار وباحث اقتصادي  )

Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

إرتفعت حدة الحديث حول أوضاع  التركيبة السكانية في الكويت أثر الترتيبات التي تم أخذها لمواجهة جائحة كرونا ، والتي شملت العالم أجمع.. بينت التدابير التي عملت بموجبها السلطات الصحية والأمنية في البلاد المآسي المقلقة  التي تمثلها تكدسات العمالة الهامشية الوافدة في مناطق سكنية ومباني وشقق لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الوقاية الصحية والإلتزامات البيئية الملائمة.. قد تكون هذه الأوضاع المزرية التي يعاني منها فقراء الوافدين في البلاد معلومة ولكن نفوذ الكفلاء وتجار الإقامات الذين جلبوا هؤلاء العمال حالت دون إتخاذ إجراءات مناسبة.. كما إن مئات الآلاف من هؤلاء الوافدين يفيضون عن إحتياجات ومتطلبات سوق العمل حيث إتضح أن العديد منهم عاطلون عن العمل وقد إنتهت صلاحية إقامتهم ولم يقم الكفلاء بتصحيح أوضاع إقامتهم، كما أن عدداً كبيراً منهم ظل دون إستلام الرواتب والإجور لشهور عديدة. وبينت هذه الأوضاع غير السوية إن نظام الكفيل يعد نظاماً فاسداً لابد من وضع حد له. سبق للمنظمات الحقوقية وتلك التي تعني بحقوق اإنسان ومنظمة العمل الدولية أن طالبت بالغاء نظام الكفيل من كافة بلدان الخليج، وقد تجاوبت عدد من الدول الخليجية مع هذه المطالب، بشكل أو بآخر، في حين ظلت الكويت عاجزة عن إصلاح هذا النظام الذي يسىء لسمعة البلاد ويتجاوز على حقوق العباد.

 

هناك الهيئة العامة للقوى العاملة وهي التي ترخص للشركات والأفراد في القطاع الخاص توظيف العمالة الوطنية والوافدة وتمكن المؤسسات من جلب العمالة من الخارج.. لكن يجب أن تقوم هذه الهيئة بإعتماد كفالة العاملين غير الكويتيين من قبلها مباشرة متى ما توفرت لهم فرص عمل حقيقية وفي شركات عاملة في مختلف القطاعات الإقتصادية ، وليس لدى شركات وهمية لا تعمل في أي نشاط إقتصادي محدد وواضح.. وما ينطبق من إجراءات وشروط توظيف على مؤسسات القطاع الخاص يجب أن يطبق على توظيف العمالة المنزلية حيث أن كفلاء العاملين في المنازل يقوموا بعمليات المتاجرة بالبشر دون أي إعتبارات إنسانية إو إحساس بالمسؤولية الأمنية والبيئية الوطنية. ولذلك يتعين على هيئة القوى العاملة أن تتأكد من شروط التعاقد بين الإسر وعمالتها المنزلية وتحفظ حقوق الأطراف المتعاقدة بشكل ملائم وبما يحفظ كرامة هؤلاء العاملين.. يفترض أن يتوفر لهيئة القوى العاملة الإمكانيات القانونية والإجرائية اللازمة للحفاظ على سلامة أوضاع سوق العمل بكافة تفرعاته وتحظى بالدعم الكامل من السلطتين التنفيذية والتشريعية.

 

لكن كيف أصبحت الأوضاع السكانية على ما هي عليه في الوقت الراهن؟ يجب العودة إلى الوراء ، ربما أكثر من سبعين عاماً ، ومنذ بداية عصر النفط في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن الماضي.. ربما لم يتعدى عدد سكان الكويت في بداية خمسينات القرن العشرين أكثر من 100 ألف نسمة. وبين تعداد السكان الرسمي الذي إنجز في عام 1957 بأن إجمالي السكان كان 206 ألف نسمة منهم 114 ألف إعتبروا من الكويتيين وبنسبة 55  في المئة.. مررنا بمحطات عديدة حيث إرتفع عدد السكان إلى 467 ألف في عام 1965 منهم 169 ألف كويتيون بنسبة 36  في المئة وفي عام 1975 إرتفع العدد إلى 995 الف نسمة وكان عدد الكويتيين 308 ألف يمثلون 31 في المئة من السكان . ثم إرتفع العدد إلى 1.2 مليون منهم 471 ألف كويتي بنسبة 38 في المئة في عام 1985 . أما إحصاء عام 1990 والذي إجري قبل الغزو العراقي الغاشم فقد بين أن عدد سكان الكويت كان 2,142,000 نسمة منهم 600 ألف كويتي بنسبة 28  في المئة. يعني ذلك أن سكان الكويت تزايدوا على مدى أربعين عاماً ، من 1950 حتى 1990 ، بمقدار 15 مرة . هذا التزايد غير طبيعي في أي مجتمع إنساني تحكمه الزيادات الطبيعية ، لكن الكويت باتت مفتوحة أمام المهاجرين والعمالة الوافدة من البلدان العربية والبلدان المجاورة الأخرى ومن القارة الهندية ومراكز أسيوية أخرى.

 

غني عن البيان أن الزيادة القياسية في عدد السكان خلال الفترة من عام 1950 وحتى عام 1990 حدثت بسبب التوسع  في العمل الإقتصادي ومتطلبات التطورات العمرانية والتعليمية  والصحية وتوابعها.. كثرت أعداد المؤسسات العاملة في النشاطات الإقتصادية المتنوعة والتي ربما لم تتواجد نشاطات منها قبل بداية عصر النفط... يضاف إلى ما سبق ذكره أن متطلبات سوق العمل حتمت الإعتماد على العمالة الأجنبية نظراً للإفتقار لعمالة  وطنية مناسبة للعديد من الأنشطة الإقتصادية.. لكن ما حدث بعد تحرير الكويت في فبراير ( شباط ) 1991 أكد العجز عن وضع تصورات مستقبلية للتركيبة السكانية تعتمد على أغلبية من المواطنين بالإضافة  إلى عمالة وافدة مؤهلة للعمل في القطاعات الحيوية والتي قد لا يتوفر العدد الكافي من الكويتيين لشغل وظائفها.. ما حدث عكس ذلك تماماً فقد رحل عن الكويت أثناء فترة الإحتلال والتي إمتدت لسبعة شهور غالبية العاملين المنتمين لجنسيات عربية وأسيوية ولأسباب معيشية أو أمنية وغيرها، ولم يتمكن العديد منهم العودة إلى الكويت ، خصوصاً أولئك الذين إنتموا لجنسيات عربية محددة. بيد أن فتح الباب بعد التحرير لإستقدام العمالة الوافدة لم يقنن بشروط تؤكد أهمية المهنية لدى هؤلاء الوافدين وأيضا إمكانيات تحفيز الكويتيين للعمل في وظائف عديدة في مجالات متنوعة.

 

الآن وبعد أن كشفت جائحة كرونا الإهمال وعدم الشعور بالمسؤولية المتعلقة بأوضاع التركيبة السكانية ، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى المجتمعي، بات لزاماً التفكير ملياً من أجل إبتداع آليات موضوعية لمعالجة التشوهات في هذه التركيبة السكانية . لدينا الآن ما يقارب 4.8 مليون نسمة منهم 1.4 مليون من الكويتيين و 3.4 مليون نسمة غير كويتيين أي أن الكويتيين يمثلون 30 في المئة من إجمالي السكان. أيضا ، من بين الوافدين هناك جاليات ذات حجم كبير منهم الهنود ويمثلون 22  في المئة من إجمالي السكان ثم المصريون ويمثلون 15 في المئة من السكان.. الجاليتان الهندية والمصرية تشملان أصحاب تخصصات مهنية مهمة للعمل الإقتصادي في البلاد، لكنهما ، أيضا ، تشملان أعداد كبيرة من العمالة الهامشية والتي جلبت إلى البلاد بموجب شروط مشبوهة ، مثل كفالة تجار الإقامات وأصحاب الشركات الوهمية. كما أن أعداداً كبيرة من العمالة الوافدة تعاني من أوضاع معيشية وسكنية مزرية لا تتناسب مع نوعية الحياة المعلومة عن الكويت وإرتفاع مستوى الدخل فيها.

 

هل الكويت تحتاج إلى مجتمع سكاني بحجم 4.8 مليون نسمة وهل الأعمال والأنشطة الإقتصادية تتطلب هذا الحضور الكبير للعمالة الوافدة ؟ بتقديري المتواضع هناك العديد من الأعمال في مختلف القطاعات التي تفيض عن إحتياجات الطلب في البلاد وآن الأوان لترشيد الحياة الإقتصادية وتصفية العديد من  المنشآت التي باتت مكررة ومشعبة " Saturated " وحماية أصحابها من مخاطر الإفلاس وعدم القدرة على مواجهة الإلتزامات المستحقة. هذه المنشآت كانت تشكو من تدني مردود أعمالها قبل جائحة الكرونا ومن المناسب أن تعمل السلطات الإقتصادية على توجيه أصحابها لوضع حد لأعمالها.. كذلك لابد من وضع حد للمتاجرة بالبشر والتقيد بتوجيهات منظمة العمل الدولية وإلغاء نظام الكفيل وإيجاد آليات لتواجد العمالة الوافدة في البلاد من خلال أنظمة هيئة القوى العاملة.. يضاف إلى ذلك هناك أهمية لتطوير النظام التعليمي والإرتقاء بالقيم الإجتماعية لتحفيز المواطنين  للإلتحاق بمعاهد التدريب المهنية  "Vocational Training " لتوفير عمالة وطنية حقيقية تملك إمكانييات العمالة المهنية المدربة وتستطيع العمل في وظائف عديدة في منشآت القطاعين العام والخاص.. ربما نجد إذا إتخذ القرارات الملائمة أن الكويت لن تحتاج إلى أكثر من 1.5 مليون من الوافدين للمساهمة في تشغيل الحياة الإقتصادية.. لكن هذه الإمكانية لن تتحقق دون توفر عزيمة وإرادة وطنية ووضع الإستراتيجيات  الطموحة وتطبيق القوانين والأنظمة دون ترضيات مشبوهة.

 



الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها