كتب الخبر/ بدر ناصر الحتيته المطيري:

يرصد د. علي الزميع في هذا الكتاب الذي أنجزه باللغة الإنكليزية بين عامي 1985 و1988م وحصل فيه على الدكتوراه في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة، مسيرة القيادات الإسلامية السنية والشيعية، وتطور حركاتهم على الساحة الكويتية بين عامي 1950 و1981م.
 
فهذه التيارات أدت، ومازالت، دوراً مؤثراً في حراك المجتمع الكويتي الاجتماعي والسياسي والثقافي، وذلك في حقبة تاريخية مثلت إحدى أهم حقب تكوين المجتمع الكويتي.
 
وهذا الكتاب ينشر بعد مرور ربع قرن على إنجازه، مما يعني أن هناك تساؤلات قد تواجه القارئ بشأن وجود تباين بين ما توصل إليه من نتائج وبين الواقع الراهن.
 
جاء الكتاب في 6 فصول، الثلاثة الأولى قدمت دراسة وصفية لمختلف الحركات وأغراضها ومؤسساتها وتفاعلها مع محيطها الاجتماعي، وردود أفعال النظام السياسي والقوى الفكرية السياسية الأخرى ومواقفها من تلك الحركات.
 
وفي الفصل الرابع قدم خلفية للمجتمع الكويتي بين عامي (1963 و1981)، وفي «الخامس» استقصى الوجود السني وتفاعلاته من الفترة نفسها، وفي «السادس» تناول الوجود الشيعي في الفترة ذاتها، ممثلا بحزب الدعوة والشيرازية، واختتم البحث بعرض لمسيرة التفاعل الاجتماعي والسياسي للحركة الإسلامية في الكويت. وفيما يلي تفاصيل الحلقة الأولى.
 
الحركة الإسلامية السنية (1950 - 1963م)
 
كانت الكويت حتى بداية عقد الخمسينيات تحتفظ بطابع بسيط وتقليدي، فأغلبية السكان كانوا متدينين محافظين على أداء شعائرهم الدينية، والوصف ذاته ينطبق على سكان المدينة البادية، مع تفاوت في درجة فهمهم للإسلام وممارستهم لشعائره، وكان قوام الحياة الدينية في المدينة يقع على عاتق رجال الدين الكويتيين الموكلة إليهم مسؤولية الخطابة والإمامة في المساجد، والحكم في المنازعات، والتدريس في المدارس أو حلقات القرآن الكريم لما قبل سن الالتحاق بالمدرسة.
 
ومن بين هؤلاء: عبدالله خلف الدحيان، ويوسف القناعي، وعبدالله النوري، وصالح المبيض، وأحمد خميس الخلف، وعبدالعزيز قاسم حمادة، وأحمد عطية الأثري، وعبدالرحمن الدوسري، وعبدالمحسن البابطين.
 
كما كان لعلماء الشريعة العرب الذين زاروا الكويت لفترات محدودة دورهم في إلقاء الخطب والدروس، أو لأغراض أخرى مثل عضوية البعثات العلمية، ومن أبرزها البعثة المصرية من جامعة الأزهر، إضافة الى بعض زيارات العلماء والمصلحين، مثل الشيخ محمد محمود الصواف من العراق، والشيخ محمود بشير الإبراهيمي من الجزائر، والفاضل الورتلاني من المغرب وآخرين.
 
كان هذا النشاط موجوداً في المدينة والضواحي وقرى الكويت، أما البادية فكانت خالية من العلماء والأنشطة الدينية بشكل عام، نظرا لطبيعة الحياة البدوية التي تعتمد على التنقل والترحال المستمر.
 
وتأثرت الكويت بالحركة وفكرها الوهابي، شأنها في ذلك شأن سائر مجتمعات الجزيرة والخليج التي تأثرت بها بشكل أو بآخر، وذلك لسببين:
 
الأول: القبائل الكويتية البدوية التي خالطت وتواصلت مع القبائل المتأثرة بالوهابية في الجزيرة العربية. الثاني: موجات الهجرة المستمرة من سكان قرى نجد باتجاه الكويت.
 
ملامح التأثير الوهابي
 
أسس الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1703-1792م) الدعوة والحركة الوهابية في نجد، وقد ساعدت الحركة في زيادة وتقوية الصبغة الإسلامية العامة للمجتمعات في الجزيرة العربية عامة وفي المجتمع الكويتي بصفة خاصة، كما كانت عاملا رئيسا في منع ما رأوه من مظاهر البدع والشرك في صفوف الناس من قبيل الشركيات التي كانت موجودة في بعض المناطق الأخرى بالجزيرة.
 
وتفرع من هذه الدعوة نوع من الحساسية والنفور المذهبي تجاه الشيعة، وعلى الأخص في أوساط البدو والنجادة الذين كانوا أكثر تأثرا بالدعوة الوهابية من غيرهم من فئات المجتمع.
 
ولا يزال هذا التأثر ملحوظاً بين جماعات البدو، من خلال الحرص على بعض مظاهر التدين كإطلاق اللحى، وتقصير الملابس، والبعد عن تدخين السجائر، والخوف من كل فكر وافد جديد، حذرا من أن يؤدي إلى الابتداع في الدين؛ لهذا كانت هذه الجماعات أضيق أفقا في المجتمع، فعارضت التوسع في تعليم البنات، وقاومت مظاهر التغيير الاجتماعي الأخرى.
 
وبشكل عام لم يكن سكان المدينة يميلون نحو الوهابية، كما لم يعارضوها طالما بقيت حركة دينية فقط، يرجع ذلك إلى عوامل أهمها: أن الكويت لم يكن فيها الكثير من البدع والخرافات، ولأن الشعب الكويتي كان مجتمعاً من التجار، فقد تميز بانفتاح ذهني ووعي كبير بشؤون وتيارات العالم الخارجي، فتفوق في هذه الصفة، مقارنة مع المجتمعات الأخرى المنغلقة على نفسها داخل الجزيرة العربية، وقد منحه ذلك فهما وتسامحاً أعمق في ممارسة الإسلام، ولا شك في أن ذلك يرجع إلى رحلات الكويتيين الموسمية بين العراق وشرق إفريقيا والهند، وامتهانهم التجارة، ومما عزز هذا التباعد معارضة الأسرة الحاكمة في الكويت لانتشار الوهابية.
 
جمعية الإرشاد الإسلامي نمط إسلامي جديد
 
كان من الطبيعي أن تتضمن التطورات والتغيرات الحادثة في المجتمع الكويتي في الخمسينيات ظهور حركة إسلامية كويتية جديدة ومختلفة عن كل الأنشطة والفكر الديني التقليدي المألوفة في الكويت، فشعر العديد من المتحمسين الإسلاميين بأن المجتمع الكويتي بدأ يتأثر بالأيديولوجيات المتعددة التي قد تهز وتغير طبيعته الدينية، وتفقده شخصيته المحافظة التي كانت في طور التشكل، وعزز هذا الشعور بروز الفكر القومي وأنشطته التي بدأت باكتساب زخم في الحياة الفكرية والسياسية للمجتمع بشكل عام، وقد وجد هؤلاء المتحمسون من بين الحركات الإسلامية الحديثة في العالم العربي نوعا يمكن أن يكون بديلا وحلا مطلوباً للدعوة والفكر الديني التقليدي في الكويت، وكانت حركة الإخوان المسلمين (الحركة التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928م) أكثر هذه الحركات أهمية ونفوذا.
 
الاتصال مع العالم الخارجي وأثره
 
حدث التقارب والاتصال الإسلامي الإخواني الأول للكويتيين بالعالم الخارجي في أوائل الأربعينيات 1941 على مستوى فردي، تمثل بلقاء في بغداد جمع بين عبدالعزيز علي المطوع ومحمد أحمد عبدالحميد (أحد الكوادر الإخوانية) الذي طلب من مرشد الجماعة الإمام حسن البنا انضمام المطوع لها. بعدها زار المطوع مصر في 1945 والتقى بالبنا وخالط الإخوان، وأمضى شهر رمضان كاملا معهم، ثم غادر القاهرة إلى مكة، وهناك عرّف عبدالعزيز شقيقه الأصغر عبدالله علي المطوع بالبنا، فتأثر الأول به وأعجب كثيرا بفكره.
 
وفي الفترة نفسها من الأربعينيات كان من بين المدرسين الموفدين إلى الكويت عبدالعزيز أحمد جلال، مدرس اللغة الإنكليزية، وأعضاء آخرون في الحركة، قدموا لنشر فكر الإخوان فيها وفي العراق والبحرين واليمن.
 
فأخذ فكر الإخوان يتبلور في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من خلال شخصيات معروفة مثل عبدالعزيز المطوع، الذي تزامن تعيينه عضوا في مجلس شورى الإخوان المسلمين مع تعيين كل من عبدالرحمن خليفة في الأردن، ومصطفى السباعي في سورية، وأصبح كل منهم مراقباً لتنظيمات الإخوان في بلده.
 
وشارك الإخوان في معارك 1948م بفلسطين، وأرسلوا متطوعين لها من مصر والأردن وسورية، كما خاضوا حرب ثوار ضد القوات البريطانية في قناة السويس عام 1951م ووجد في هذه الفترة عدد كبير من الفلسطينيين في الكويت بعد قيام إسرائيل في 1948م، وكان العديد منهم أعضاء في تنظيم إخوان فلسطين، وهم: محمد يوسف النجار، وخليل الوزير، وخالد الحسن، وآخرون من الذين كانوا ملتزمين بمنهج الإخوان خلال هذه الفترة، قبل أن يتركوها، لكي يؤسسوا حركة فتح الفلسطينية.
 
ويشرح عبدالله علي المطوع كيفية تأسيس جمعية الإرشاد في الكويت، لتمثل إطارا للفكر والحركة الإسلامية الحديثة الناشئة في العالم العربي: "إن فكرة قيام حركة إسلامية في الكويت مرتبطة بتحمس الشباب الكويتيين لقيام حركة على غرار الحركات الإسلامية في مصر وسورية والعراق، وغيرها من البلاد العربية، ورأت الكويت أن تأخذ نصيبها من هذا الخير، فتنادى شبابها الى تجمع إسلامي اختير له اسم: "جمعية الإرشاد الإسلامي".
 
اختار اسم الجمعية مفتي الكويت وقتئذ الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وانضم إلى عضويتها عدة مجموعات: وهم الشباب المتأثرون بالفكر الإسلامي الحديث، وبعض الشخصيات التقليدية المحافظة، وقد رأت مجموعة من الشباب في الجمعية الرمز والتعبير المطلوب الذي يمكنهم من فهم الإسلام بأسلوب عصري يتسم بالشمول والحداثة التي تلائم التطبيق والممارسة النظرية والعلمية، ومن بين أبرز الشباب الذين انضموا للجمعية: محمد العدساني، وعبدالرحمن العتيقي، وعبدالله سلطان الكليب، ويوسف سيد هاشم الرفاعي، وعبدالله علي المطوع، وخالد الجسار، ومحمد يوسف بودي، وعبدالله يوسف بودي.
 
أما بالنسبة للعناصر الدينية التقليدية، فقد كانت "الجمعية المؤسسة الإسلامية" هي المؤسسة الوحيدة الموجودة في الكويت في ذلك الوقت، فمثلت الخيار الوحيد المتوافر أمامهم، ومن الشخصيات الكويتية التقلدية التي انضمت إلى الجمعية، عبدالرزاق صالح، وعبدالعزيز المزيني، وعلي الجسار وآخرون، وكان رواد الجمعية من نوع رواد الجمعيات والأندية الأخرى الموجودة في الكويت في ذلك الوقت، فمعظهم كانوا مثقفين وتجاراً من عوائل كويتية ميسورة، ولم يكن من بينهم شيعة أو بدو أو أفراد من فقراء المدينة الذين كانوا مشغولين بكسب لقمة عيشهم.
 
اتخذت الجمعية من بيت قدمه عبدالعزيز المطوع بالقرب من مدرسة المباركية وسوق اللحم القديم مقرا لها، وضم المقر مكتبا إداريا، وقسماً للكشافة، ومكتبة ومصلى، وقاعة للمحاضرات والاجتماعات العامة، واختارت الجمعية يوسف القناعي مفتي الكويت رئيسا فخرياً لها، وعبدالعزيز المطوع امينا عاماً.
 
أنشطة جمعية الإرشاد وفكرها الاجتماعي
 
نشرت جمعية الإرشاد رؤيتها الفكرية والاجتماعية في وقت كان المجتمع الكويتي يمر بمرحلة تغيير أحدث صراعاً كبيراً بين دعاة التطوير والتغيير (الحداثيين) لا سيما في المجال الاجتماعي، من جهة، ورافضي التغيير (المحافظين) الذين يفضلون الإبقاء على الموروث التقليدي من جهة أخرى، فقدم أكثر رافضي التغيير الدين وتعاليمه سبباً يستندون إليه في رفض التغيير، وكان التغيير بالنسبة لهم يناقض الإسلام تماماً، وكان موقف "جمعية الإرشاد" حيال هذا الصراع موقف الحذر والتأني، ويرجع هذا الموقف إلى حقيقة أن رافضي التطور الاجتماعي يمثلون جماعات من التقليديين والمحافظين الذين تعتمد الجمعية على دعمهم، وكان العديد من مفاهيم وأفكار التغيير والتطور مفصلية بشكل مباشر أو غير مباشر لبعض الأفكار الاجتماعية والإسلامية، لاسيما مسألة دور المرأة في المجتمع.
 
وطبقت "جمعية الإرشاد" فكرها ومعتقداتها من خلال انشطتها، فأخذت مسألة العدالة الاجتماعية- على سبيل المثال- حجما جيداً من أنشطة الجمعية، مع مسألة محاربة الفقر، وتعاملت مع هذين الملفين على مستويين: نظري وعملي، فنشرت مقالات حول هذه المسائل في مجلتها مع شرح المبادئ الإسلامية الكفيلة بعلاج هذه المشكلات.
 
وحاولت "جمعية الإرشاد" تقديم بعض الإصلاحات الاجتماعية العملية، مثل افتتاح فصول تعليم للجمهور ولأعضاء الجمعية، وقد استقطبت بعض المدرسين من البعثات المصرية وغيرها، وافتتحت فصولا دراسية مسائية للجمهور (في المعهد الديني) وفصولا أخرى لاعضائها (في مقر الجمعية)، وقد نظمت هذه الأنشطة لجنة محاربة الأمية في الجمعية، ولم يقتصر الاهتمام الثقافي للإرشاد على مكافحة الأمية، بل تعدته للقيام بنشاط ثقافي عام وحافل وتمثل بالمواسم الثقافية والاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية، وتنظيم محاضرات اسبوعية في المسجد بالتعاون مع محاضرين من الجمعية وغيرهم من داخل الكويت وخارجها.
 
وافتتحت الجمعية مكتبة عامة كما قام قسم نشر الثقافة الإسلامية فيها بإنشاء مكتبة لبيع الكتب والكتيبات بسعر رمزي، واصدرت لجنة المطبوعات والنشر في الجمعية مجلة الإرشاد الشهرية وملاحق متفرقة لها، باعتبارها وسيلة لنشر أفكارها، وصدر منها عشرون عددا منتظما، ثم اضطرب إصدارها نظرا للظروف التي كانت تمر بها الجمعية، حتى توقفت نهائياً في عام 1959م.
 
كان أحد أبرز الأنشطة الثقافية لجمعية الارشاد إدارتها لمحطة الإذاعة التي اسستها الدولة بشكل مبسط- تبث ساعتين يومياً- في بداية الخمسينيات بناء على طلب من مدير الإذاعة، واستمرت "الإرشاد" في توفير المادة الاذاعية للبث ساعتين يومياً، وكانت "الإرشاد" مسؤولة رسميا لمدة عام ونصف عن الإذاعة وإدارات شؤونها كافة، وبثت برنامجا اذاعيا خاصا عن أهداف الجمعية وانشطتها.
 


الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها