اقتلاع الجذور نتيجة يرصدها المؤلف عبر فصول كتابه الأربعة، وذلك من خلال رصده للأداء الاقتصادي والعقاري والسكاني في دول مجلس التعاون الخليجي عبر العقد الماضي، ويعني باقتلاع الجذور أن السياسات المتبعة على الأصعدة الاقتصادية والعقارية والسكانية في هذه الدول سوف تنتهي بها إلى ضياع هويتها العربية والإسلامية.

انطلق المؤلف في كتابه من ظاهرتين واضحتين، وهما الخلل السكاني بمنطقة الخليج منذ ظهور النفط في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وتدفق العوائد الريعية النفطية، والبدء في استقدام العمالة الأجنبية والعربية حتى وصلت أعداد العمالة في بعض دول الخليج معدلات تفوق السكان الأصليين، وأن سياسات توطين الوظائف أو تخفيف حدة الوجود الأجنبي للعمالة لم تحقق الهدف منها.

بل الجديد هو التوجهات الاقتصادية التي اتبعت منذ بدابة عام 2001 والتي شهدت توسعًا كبيرًا في قطاع العقارات، حيث لم يعد هذا القطاع يستهدف حاجات المواطنين الأصليين، ولكنه يستهدف العمالة الأجنبية من خلال تسويق هذه المشاريع العقارية نظير الحصول على الإقامة الدائمة بالدول الخليجية، التي طبقت هذا النظام وهي البحرين والإمارات وقطر وعمان.

ويرى المؤلف أن السياسات التي صنعت هذا الواقع لم تكن وليدة مشاركة ديمقراطية للمواطن الخليجي، ولكنها أتت تنفيذًا لتوجهات النخب الحاكمة، وبمشاركة أجنبية خالصة في التخطيط لهذا الواقع. وهو ما يعده المؤلف ظاهرة تنفرد بها منطقة الخليج بأن يُسلم تخطيط مدن وتحديد مستقبلها الاقتصادي وهويتها السكانية للأجانب، ودون مشاركة من أبناء الوطن الأصليين. ولذلك أتى نموذج التوسع العقاري الخليجي متسمًا بعدم انتماء مدنه عمرانيًا واجتماعيًا لهوية هذه الدول العربية والإسلامية.

واقع العمالة الأجنبية بالخليج
مع ظهور النفط في أربعينيات القرن العشرين بدأت العمالة الوافدة في الظهور بمنطقة الخليج، حيث قدرت أعداد العاملين الأجانب بمنطقة الخليج بنحو 10 آلاف فرد في نهاية عام 1950، وكان غالبيتهم من الدول الغربية والهند، وفي نهاية عام 1975 وصل عدد العمال الأجانب نحو مليون فرد، كانت نسبة 80% منهم من العمالة العربية. وبينما تشير الأرقام الواردة بالكتاب إلى أنه في عام 2001 بلغ عدد سكان منطقة الخليج 34.9 مليون نسمة، وبلغت نسبة المواطنين الأصليين منهم 64.8%، كان الوضع في عام 1975 أن نسبة المواطنين الأصليين هي 74% من بين 10.2 ملايين نسمة هم سكان المنطقة. وفي عام 2001 بلغت العمالة الوافدة نسبة 64.8% من إجمالي قوة العمل بدول الخليج.

ثم إن الأوضاع في عام 2008 أفرزت واقعًا جديدًا للخلل السكاني بدول الخليج مقارنة بالعمالة الوافدة، ففي الإمارات وصل عدد السكان إلى 8 ملايين نسمة مقابل 3.5 ملايين نسمة في عام 2001، وانخفضت نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% في عام 2008 بعد أن كانت 20% في عام 2001، وتدنت نسبة الإماراتيين في قوة العمل إلى 8.7%. أما في قطر فقد بلغ عدد السكان في عام 2008 نحو 1.5 مليون نسمة مقابل 700 ألف نسمة في عام 2004، وتراجعت نسبة المواطنين في السكان خلال الفترة من 29% إلى 16%.

وكذلك الأمر في البحرين فقد ارتفع عدد السكان من 742 ألف نسمة في عام 2006 إلى مليون وخمسة آلاف نسمة، إلا أن نسبة المواطنين من السكان خلال عام واحد انخفضت من نحو الثلثين إلى أقل من النصف، هذا على الرغم من تجنيس البحرين نحو 80 ألف نسمة.

تسويق العقار مقابل الإقامة
يرى المؤلف أن طبيعة الاقتصاد الخليجي هي الطبيعة الريعية، لاعتمادها على النفط من جانب، ولطبيعة استثمارات عوائد هذا النفط التي اتجهت إلى الأسواق الأميركية والأوروبية في أنشطة ريعية أيضًا.

وفي محاولة لتنشيط الاقتصاد الخليجي اتجهت البحرين للسماح للأجانب بتملك عقارات بمناطق معينة في عام 2001، تبعتها في هذه السياسة دبي في عام 2002، ثم قطر وعمان في عام 2004 و2006 على التوالي، وقد اعتمدت سياسة تملك الأجانب للعقارات بهذه الدول بمنح الإقامة لفترات طويلة للمشترين. والجدير بالذكر أن السعودية قد سمحت بحق التملك في مدينة الملك عبد الله الصناعية، وبذلك تكون الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنهج هذا النهج بإعطاء حق التملك للأجانب.

وتقدر الإحصاءات عدد الوحدات السكانية في الدول الخليجية الأربع (البحرين والإمارات وقطر وعمان) بنحو مليون وثلاثمائة مسكن تستوعب نحو أربعة ملايين وثلاثمائة ألف نسمة، في حين أن عدد المواطنين الأصلين في الدول الأربع ثلاثة ملايين وستمائة ألف نسمة فقط.

وفي دراسة حالة لواقع دبي باعتبارها من أكبر الأسواق العقارية في منطقة الخليج، والتي تمنح الإقامة لمشتري العقارات من الأجانب، تبين أن 24% من المشترين يحملون الجنسية الهندية، و21% يحملون الجنسية البريطانية، و12% يحملون الجنسية الباكستانية، ومثلهم من حاملي الجنسية الإيرانية، أما العرب فكانت نسبتهم لا تذكر.

مخاطر الظاهرة
يرصد المؤلف مجموعة من المخاطر المترتبة على إتباع سياسة تسويق العقارات مقابل الحصول على الإقامة الطويلة المدى، مبينًا خطورتها الاجتماعية وتداعياتها على ضياع الهوية العربية والإسلامية لدول الخليج، ومن هذه المخاطر ما يأتي:

في ظل هذا التوجه الريعي للدولة في منطقة الخليج، اتجه الأفراد أيضًا نحو هذا المسلك إذ تجد العديد من الخليجيين يجلبون عمالة ليسوا في حاجة إليها مقابل الحصول على مبالغ معينة من العمالة الأجنبية، التي تكون مطلقة السراح للعمل في مختلف الأنشطة بالدولة التي أتوا إليها، أو أن يقوم الأفراد الخليجيون باستصدار رخص لمشروعات أو المشاركة الصورية فيها لصالح الوافدين نظير الحصول على عمولات مادية.

ويشير الكتاب إلى أن خطورة استقدام العمالة الوافدة في دولة الخليج تنبع من أنها لا تقوم على فكرة استيعاب الدول الخليجية للعمالة وافدة أو السكان الجدد لتصهرهم في معادلة اجتماعية جديدة كما تفعل الدول الأوروبية، التي تقوم بصهر المهاجرين إليها في مشروعها الحضاري.

والأرقام التي تناولها الكتاب تؤيد غياب الرؤية لكيفية التعامل مع العمالة الوافدة أو حائزي الوحدات السكانية نظير الإقامة، فنسبة الوافدين في منطقة الخليج تتراوح ما بين 40 % و90% من سكان دول الخليج. كما يعيش المواطنون والمغتربون حالة من الاغتراب الشديد بمنطقة الخليج، فالمجتمع متعدد الأعراق وبلا هوية، فالشيء الوحيد الذي يجمع بينهم هو نمو الناتج المحلي والاستهلاك المبهم واللغة الإنجليزية.

وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لمشروع تمليك العقارات مقابل الإقامة الدائمة بدول الخليج هو تحريك رؤوس الأموال وإنعاش الربح الاقتصادي في المنطقة، فإن التطورات المادية على أرض الواقع تتجه نحو إيجاد شعب جديد كمنتج ثانوي من تشييد هذه المشروعات العقارية. ووصل الأمر إلى تغيير اللغة الرئيسية للأعمال والتعليم والإدارة لتصبح اللغة الإنجليزية رئيسية بدول الخليج الأربعة التي اتبعت سياسة العقار مقابل الإقامة الدائمة، وأصبحت اللغة العربية لغة ثانية. ففي الإمارات لا يمثل العرب سوى 28% (مواطنين ووافدين) بينما يمثل الهنود 42.5%.

أيضًا يتوقع أن تتم تغيرات سياسية في المنطقة نتيجة إتباع هذه السياسة، وبخاصة أن بعض الدول قد اتخذت خطوة من شأنها أن تساعد على هذه التغيرات، وهي ما قامت به البحرين من السماح للأجانب ملاك العقارات بالتصويت في انتخابات البلدية في 2010، وفي عام 2001 طالب المشاركون في ندوة المقيمين الأجانب بأن يكون لهم تمثيل في مجلس الشورى والمجالس البلدية، وليس فقط حق التصويت.

وفي الختام يلفت المؤلف النظر إلى أن مواجهة الظاهرة وتداعياتها السلبية تقتضي طرحها على الرأي العام الخليجي، مع الأخذ في الاعتبار التركيز على مشاركة المواطن الخليجي، وعدم تهميشه كما جرى من قبل، وأدى ذلك إلى وجود المشكلة. كما يطالب الكتاب بمراجعة إستراتيجية توطين الوظائف التي اعتمدها مجلس التعاون الخليجي، والتي يعكس الواقع عدم تفعيلها بشكل جدي.

بالإضافة إلى ضرورة البحث عن آليات جديدة لمواجهة مشكلة الخلل السكاني في دول الخليج، وكذلك إعادة تدوير الثروة الريعية المتجددة من الطفرات النفطية على مدار العقود الماضية، لتؤدي إعادة استثمار هذه الثروة إلى تحقيق تنمية حقيقية، وليس مجرد ارتفاع في معدلات النمو الاقتصادي، حيث يصف المؤلف الواقع التنموي لدول الخليج بـ"تنمية الضياع".



المصدر: الجزيرة نت



الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها