البيئة في الخليج
المقدمة: تأصيل البيئة في الخليج
-
الزيارات: 1003
يتناول هذا الكتاب البيئة في دول مجلس التعاون. وقد تكون أهم خاصية تميزت بها المنطقة تاريخياً عن غيرها من بقاع العالم هي تدني مصادر المياه العذبة فيها، فلا يوجد في منطقة شبه الجزيرة العربية أي نهر دائم الجريان، ويغلب على المنطقة الطابع الصحراوي المصاحب لندرة المياه، مع بعض الاستثناءات. ولهذا، وحتى منتصف القرن العشرين، كانت المنطقة تعتبر من المناطق الأقل كثافة سكانية في العالم. لكن في ثلاثينات القرن العشرين، اكتشفت في أراضي شبه الجزيرة العربية كميات ضخمة من النفط، قدر لها إن تغير مسار حياة الإنسان فيها – بل وفي باقي بقاع العالم – بشكل جذري.
فمع اكتشاف أكبر مستودعات نفط العالم في المنطقة، وتحول النفط إلى أهم سلعة بشرية على مدى القرن الماضي، تحولت الحياة في دول مجلس التعاون كلياً، حيث شهدت أكبر نسبة نمو سكاني في العالم خلال هذه الفترة، تركزت في مدن جديدة استوعبت الملايين من البشر. ويتناول عمر الشهابي هذا الموضوع في ورقته التي تسرد طبيعة المدن في دول مجلس التعاون ونمط نموها خلال عصر النفط، وعلاقتها بمحيطها البيئي ومدى قدرتها على الاستدامة مستقبلاً. وقد تميزت هذه المدن بأعلى معدل استهلاكي عالمي في الطاقة والمياه والمحروقات والطعام وحتى الملبس، وهو ما تتناوله عدة أوراق في هذا الإصدار، إذ يركز وليد زباري في ورقته على حالة المياه في دول مجلس التعاون من منظور ندرتها الطبيعية في مقابل تكلفتها واستنزافها العالي للطاقة في عملية الإنتاج، خصوصاً في ظل تدني القدرة على تصنيع تكنولوجيا التحلية محلياً والاعتماد على الخارج لتوفيرها. أما عائشة السريحي ونورا المنصوري، فتتناولان في ورقتهما قضية الطاقة في دول مجلس التعاون، وتحديداً إمكانية تبني الطاقة المتجددة كبديل للاعتماد شبه الكلي على الوقود الأحفوري. أما روان مكي، فتتناول قطاع الأزياء في البحرين كإحدى تجليات الاستهلاك المكثف في المنطقة، حيث تتعمق في دورة إنتاجه واستعماله العابرة للحدود، لتبين الترابط فيما بين هذا القطاع والبيئة من منظور الاستدامة.
وفي ظل ما يعرف بحقبة "الأنثربوسين" (Anthropocene)، أو حقبة طغيان التأثير البشري على الكرة الأرضية، أصبح الإنسان هو المتحكم الرئيسي في البيئة وبات بإمكانه تسخيرها لمتطلباته، حتى أضحت مشكلة التغير المناخي أكبر معضلة حالية تواجه سكان الكرة الأرضية. وتعتبر دول مجلس التعاون في مقدمة المناطق التي ستعاني من تبعات التغير المناخي (وقد بدأت بالفعل)، فبالإضافة إلى درجات حرارتها العالية، أصبحت أجوائها تعتبر من الأكثر تلوثاً في العالم، وأمر مماثل ينطبق على بحارها، ومخزونات مياهها العذبة التي تتعرض لاستنزاف كبير. ويتناول سلطان السالم إحدى تجليات هذا التحول البيئي بالنظر إلى صناعة البلاستيك وآثارها من ناحية التلوث في المنطقة، وكيفية إمكانية التعاطي معها والحد من ضررها البيئي. أما ريم العوضي، فتنظر إلى التحركات والأنشطة التي تحاول وضع البيئة في صلب اهتمام المجتمع، وذلك عبر تفحص مفهوم "المواطنة البيئية" وتجلياته في الخليج، آخذة الكويت كحالة دراسة. وإجمالاً، تأتي جميع الأوراق كنداء لمركزة البيئة كالمحور الأول للاستدامة والتنمية في دول مجلس التعاون، حيث أن البيئة هي الحاضنة التي تحتوي بين طياتها كل التحركات البشرية، وكلما سارعت دول الخليج وشعوبها في الاعتراف بذلك، أعطت نفسها فرصة لبناء مستقبل مستدام لها ومحيطها البيئي الأوسع.
لقراءة الجزء التالي من الإصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الإصدار (PDF)
لتصفح محتويات الإصدار إلكترونيا