المقدمة

تعد استدامة قطاع الأزياء مجالاً استحوذ على الأضواء عالمياً وبشكل متصاعد مع تزايد كمية نفايات النسيج والأنماط الحديثة لاستهلاك الملابس وقصر عمرها الافتراضي. ويعتبر التأثير العالمي للأزياء على البيئة ظاهرة متعددة الجوانب، حيث يشمل تلوث المياه والهواء والتربة من عمليات إنتاج وتوزيع الألياف والملابس وبعد ذلك لبسها والتخلص منها. ويساهم قطاع الأزياء بنسبة10 ٪ من انبعاث الغازات الدفيئة عالمياً،[1] وتعتبر صناعة النسيج ثاني أكبر ملوث للمياه العذبة في العالم.[2] أما بعد مرحلة الإنتاج، فتنبعث الألياف البلاستيكية الدقيقة من غسل الملابس إلى المحيطات، إذ بإمكان حمولة غسيل واحدة من ملابس البوليستر أن تؤدي إلى تفريغ 700,000 من الألياف البلاستيكية الدقيقة التي يمكن أن تتسلل إلى السلسلة الغذائية. ويعتبر قطاع الأزياء مصدراً لـ35٪ من هذه المواد البلاستيكية الدقيقة التي يتم إطلاقها في البيئة وبالأخص المحيطات.[3] وتزداد مشكلة استدامة الأزياء تعقيداُ في الخليج بسبب الاعتماد المفرط على الملابس المستوردة ونقص البنية التحتية لإعادة تدوير المواد.

نمت صناعة الأزياء في منطقة الخليج بالتزامن مع النمو الاقتصادي للمنطقة في الأربعين عاماً الماضية، وقد نمت صادرات الملابس والمنسوجات في البحرين على وجه الخصوص بسبب اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، حيث وصلت إلى قيمة 908 مليون دولار في عام 2015 متجاوزة صادرات المملكة العربية السعودية )560 مليون دولار( والكويت )78 مليون دولار(. ففي عام 2015، كانت البحرين في المرتبة الثانية بعد الإمارات العربية المتحدة، التي بلغت قيمة صادراتها 3,282 مليون دولار.

ورغم انخفاض قيمة صادرات البحرين من الملابس والمنسوجات إلى 224 مليون دولار في عام 2018  بعد انتهاء اتفاقية التجارة الحرة طويلة الأمد بشأن صادرات المنسوجات مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها لا تزال تحتل المرتبة الثانية بين دول مجلس التعاون من حيث نسبة الإنتاج إلى عدد السكان، ولا تزال البحرين أيضاً مُصدِّراً إقليمياً للملابس إلى دول الخليج الأخرى.[4] ومع ذلك، فإن النظر إلى الواردات يوضح مقدار الاعتماد على التصنيع العالمي والعلامات التجارية الأجنبية، حيث تستورد البحرين والإمارات ما يقرب من ضعف قيمة صادراتهما من حيث الملابس والمنسوجات، والسعودية تسعة أضعاف قيمة صادراتها، والكويت حوالي ثلاثين ضعفاً.

وتشكل نفايات المنسوجات في البحرين ما يقرب من أربعة في المائة من أجمالي النفايات، وتصل إلى حوالي سبعة في المائة في الأسر ذات الدخل المرتفع.[5] ومن منظور "دورة حياة المنتج" product lifecycle))، وهو إطار شائع في مجال "التصميم المستدام" (Design for Sustainability, DfS)، فإن تدفق المواد من المنسوجات والملابس إلى البحرين يتجاوز ما تصدِّره منها، ويمثل جزءاً من نفاياتها لا يتم إعادة تدويره وغالباً لا يتحلل. تستكشف هذه الدراسة الاستدامة من ناحية مفهوم دورة الحياة، مركزة على استدامة الأزياء في البحرين كنموذج لذلك. وتشير الدراسة إلى نتائج قد تكون قابلة للتطبيق في الخليج على نطاق أوسع مع تشابه أوضاع الاعتماد الكبير على الاستيراد والممارسات الثقافية والاجتماعية وأنماط الاستهلاك وتعقيدات إدارة النفايات في المنطقة. من هذا المنطلق، تهدف هذه الورقة إلى تحقيق غايتين: أولاً، فهم مجال التصميم المستدام ونموذج دورة الحياة، ولا سيما كيف يمكن تطبيق هذه الأطر على منطقة الخليج وبيئتها وأنماطها الاجتماعية؛ وثانياً، وكدراسة حالة، تسعى هذه الورقة إلى إعطاء نظرة شاملة لدورة حياة الأزياء في البحرين. بالإضافة إلى تدفق الموارد داخل وخارج بلد أو منطقة معينة، فإن مجال التصميم المستدام وتطبيق نموذج دورة الحياة يدرجان بشكل متزايد كآليات فعالة لفهم الممارسات الاجتماعية والتجربة المعاشة في تلك المناطق، وأيضاً لدعم الاستراتيجيات الرامية إلى تغيير الحقائق المادية والبيئية على أرض الواقع[6].

 

مفهوم الاستدامة ونهج دورة الحياة

تعرِّف هذه الدراسة "الاستدامة" على أنها حماية البيئة، ولكن حماية البيئة من خلال طرق متناغمة مع السياق الثقافي للمجتمعات المعنية ومستمدة منها وتحترم اختلافاتها. وستدقق هذه الورقة في الجوانب "المادية" (البيئية) و"غير المادية" (الاجتماعية) للتحول نحو الاستدامة داخل نظام الأزياء البحريني واستنتاج الدروس من ذلك للخليج. وتتضمن الجوانب "المادية" الصناعة التجارية والسلع الملموسة للأزياء، وأما "غير المادية" فهي "نظام دلاليّ" يتضمن التعبير عن القيم والشخصية والهوية الثقافية والأعراف الاجتماعية.[7] تتناول هذه الورقة نهج دورة الحياة للاستدامة (Sustainability Lifecycle)  وتناقش الجوانب المادية وغير المادية للاستدامة في كل مرحلة من مراحل دورة حياة المنتَج (أنظر للرسم أدناه)، وبالتالي من خلال استخدام الأزياء كدراسة حالة، وتوضح هذه الورقة كيف يمكن استخدام نموذج دورة الحياة في سياق الخليج.

 

شكل 1.6.1: نهج دورة الحياة للاستدامة

 

يعيِّن نهج دورة الحياة مراحل "المصدر، والصنع، والاستخدام، والإدامة" (Source, Make, Use, Last) لدراسة نظام صناعة الأزياء واستهلاكها. [8] يوضح الرسم أعلاه كيفية تفاعل مجال التصميم المستدام اليوم مع مراحل دورة الحياة، حيث يوفر فهماً للبيئة والممارسات الاجتماعية في كل مرحلة من مراحل دورة الحياة. وسوف تتناول هذه الدراسة التحول نحو الاستدامة في قطاع الأزياء البحريني من خلال مناقشة كل مرحلة، وتعرف المراحل كالتالي: "المصدر" وهو مصدر الأقمشة وما يتعلق بصنع الملابس مثل الأزرة والسحابات؛ "الصنع" وهو عملية صناعة الملابس وغالباً ما تكون متصلة بمهارات الأيدي العاملة؛ "الاستخدام" وهي مرحلة الاستهلاك؛ "الإدامة" وهي إطالة حياة المنتج عن طريق اتباع مختلف السبل للمحافظة على جودة الملابس والعناية بها أو عن طريق التبرع بها عوضاً عن التخلص منها في القمامة. على سبيل المثال، تحت فئة "الاستخدام" تتم مناقشة مناهج تغيير حجم وطبيعة الاستهلاك بما في ذلك المحلية، والمشاركة وخلق روابط عاطفية ومعنوية وشعورية لإبطاء الاستهلاك.[9] وسوف نناقش أدناه نظريات التصميم المستدام لتحديد التعريفات المختلفة للاستدامة وكيفية تطبيقها في الخليج وإعطاء مقدمة صادقة عن المجال قبل تحليل مراحل دورة الحياة.

 

مجال التصميم من أجل الاستدامة والخليج

التصميم المستدام هو مجال يشمل "الاستجابة لقضية الاستدامة من حيث تصميم المنتجات"،[10] وهو مفهوم يطبق على التصميم كمجال بشكل عام ولذلك بالإمكان تطبيقه على أي منتج. يوصف التصميم المستدام على أنه يشمل "ممارسات تصميم مبتكرة وحاسمة" مع "عناصر تندرج تحت راية عامة لنشاط التصميم".[11] تطور المجال على مدى العقود الماضية من تركيزه الثابت على البيئة كمورد إلى مجال يدرس الترابط بين النظم البيئية والاجتماعية بالذات.[12] وقد كان هذا التطور متأصلاً في تطور تاريخ مفهوم الاستدامة السياسي – ويتضمن خروجاً من رؤية "الاستدامة" كفكر يصنف البيئة كمورد إلى مجال يأخد في عين الاعتبار المساواة الإجتماعية والاقتصادية كجزء من حل القضايا البيئية.[13]

من أكثر التعريفات التي يتم الاستشهاد بها حول التنمية المستدامة، والتي صاغها تقرير برونتلاند في عام 1987، هو ذلك الذي ينص على كونها "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة".[14] وقد لاحظ كل من فابريزيو تشيسكين (Fabrizio Ceschin) وإيديل غازيولوزوي (Idil Gaziulusoy) في دراستهما حول "تطور التصميم المستدام"[15] أنه بينما يحتوي هذا التعريف على "تركيز على الإنسان" من خلال إعطاء الأولوية للاحتياجات البشرية والأجيال القادمة، فإن تطبيق ممارسات الاستدامة عالمياً وعلى مدى العقود قد أكّد أفضلية البيئة على العنصر الاجتماعي أو الأخلاقي، والمثال الأكثر انتشاراً لذلك هو حقوق العمال، التي غالباً ما تكون مختلفة عن أولويات الاستدامة البيئية في المجتمعات الرأسمالية.

توضح غازيولوزوي أن إعطاء الأولوية للبيئة في مبادرات الاستدامة أو التصميم على حساب "التكلفة البشرية" يرجع إلى التفكير في البيئة كمورد. فعند اعتبار البيئة مورداً، تصنف البيئة بأنها "ذات قيمة" بسبب "اعتماد المجتمع البشري على خدمات النظام البيئي من أجل التنمية الاقتصادية والتكنولوجية، وبالتالي الرخاء الاجتماعي".[16] وفي حين لا تنكر غازولوزوي في دراستها مع تشيسكين أن معاملة البيئة على أنها "مورد" أو "رأس مال" لطالما مثل عاملاً تاريخياً مهماً للإنتاج والازدهار، إلا أنهما لا يتناولان الأنظمة السياسية والاجتماعية والثقافية التي تصنف البيئة على أنها مجرد "مورد". ومن منظور سياسي رأسمالي، ليس من المستغرب إعطاء الأولوية للبيئة كوسيلة محدودة للإنتاج (رأس المال) فوق وسائل إنتاج أخرى أقل ندرة (العمال) ولصالح مجموعة مهيمنة أو مسيطرة على وسائل الإنتاج تلك. فتاريخياً، تم سن قوانين العمل في أوروبا ليس فقط رداً على مطالب العمال والنقابيين لحماية أنفسهم خلال الثورة الصناعية، ولكن أيضاً لمصالح أرباب العمل بحافز الحفاظ على سلامة الموظفين وصحتهم من أجل زيادة الإنتاجية. ومع انتشار قوانين العمل على الصعيد العالمي، أدى ذلك إلى تكريس "اقتصاد أخلاقي" يحصن قوة العقد بين صاحب العمل والموظَّف ودور ذلك في الحياة اليومية، مما يمنح صاحب العمل مزيداً من القوة، وإن كان يحمي الموظَّفين أيضاً.[17]

إذا كان يُنظر إلى البيئة على أنها "مورد" من بين الموارد المتاحة للاستغلال في المجتمع، ولا تُمنح كيانها وحقوقها المستقلة، فإن المعتقدات المتعلقة بكيفية استخدام رأس المال ومعاملته وحمايته هي التي ستحدد علاقتنا الحقيقية مع البيئة وتأثيرها عليها. فالنظر إلى البيئة على أنها "مورد" أو "رأس مال" هو سؤال سياسي كبير ومصيري، وهو سؤال ذو صلة وثيقه بالمشاكل البيئية والاجتماعية التي تواجه مجتمعاتنا اليوم.

ومع ذلك، ففي حين أن فكر "البيئة كمورد" لا يزال سائداً في اقتصادات العالم وبالتأكيد في الخليج – من خلال السياسيين وأصحاب الأعمال وصناع القرار – فقد تطور الفهم النظري للاستدامة اليوم نحو المزيد من التركيز على مدى ترابط المجتمع في بيئة ديناميكية، تتجاوز مجرد علاقة الإنسان بالموارد أو رأس المال. فمثلاً، تُظهر الدراسات أن فهمنا النظري لاستدامة البيئة قد تطور من أهداف بيئية ثابتة إلى أهداف ديناميكية ومتحركة، استجابة لفهمنا المتزايد للترابط بين النظم الاجتماعية والبيئية.[18] وبناء على ذلك، فلا يمكن أن يكون هناك هدف محدد وشامل تسعى كافة المجتمعات لتحقيقه تحت شعار الاستدامة،بل  يجب على كل مجتمع تحديد أهدافه انطلاقاً من ثقافته وعلاقاته الفريدة مع البيئة، كون تنفيذ الجهود نحو الاستدامة يتطلب مؤشرات خاصة بالسياق المعني مثل الظروف التاريخية والجغرافية.[19] وفقاً لذلك، توسع نطاق التصميم المستدام بشكل تدريجي من مجال تقني يركز على المنتج إلى مجال يعتني بالتركيز على إحداث تغييرات منهجية واسعة النطاق ويعرِّف الاستدامة على أنها تحدٍّ اجتماعي-تقني.

رافق هذا التحول من التركيز على المنتج إلى الأنظمة المعقدة حاجة متزايدة إلى التصميم الذي يعطي الأولوية للمجتمع. على سبيل المثال، تركز مناهج التصميم السابقة على مستويات الابتكار في المنتجات، مثل التصميم الأخضر، والتصميم الإيكولوجي، وتقليد الطبيعة (biomimicry)، وهي مناهج تعتمد بشكل أساسي على المعرفة التقنية، في حين تتطلب مناهج التصميم المستدام الأحدث فهم الاستهلاك وسلوكيات المجتمعات مثل التصميم من أجل تعزيز الارتباط العاطفي (Emotionally Durable Design) والتصميم من أجل تحفيز السلوك المستدام (Design for Sustainable Behavior).[20]

 

شكل 1.6.2: أطر الاستدامة ودول الخليج

           

تم تصنيف مناهج التصميم المستدام DfS التي ظهرت في العقود الماضية إلى أربعة مستويات ابتكار مختلفة كما يوضح الرسم البياني أعلاه:[21]

  1. مستوى ابتكار المنتج المستدام (DfS 1): يشمل مناهج التصميم التي تركز على "تخضير" المنتجات الحالية أو تطوير منتجات جديدة ذات أثر محدود على البيئة.
  2. مستوى ابتكار منتج وخدمات محيطة به (DfS 2): يشمل مناهج التصميم التي تركز على مجموعات متكاملة من المنتجات والخدمات (مثل تطوير نماذج عمل وعلاقات جديدة، بدلاً من التركيز على "تخضير" المنتجات كل على حدة). على سبيل المثال، في حالة الموضة، فإن ظهور نماذج المشاركة وعقود تأجير الملابس، وإعطاء الأولوية لـ"صيانة" الملابس حتى تشبه الطريقة التي نتعامل بها مع السيارات، كلها جزء من هذا المستوى من الابتكار.
  3. مستوى الابتكار الاجتماعي- المساحي (DfS 3): يشمل مناهج التصميم التي تركز على الابتكار على مستوى المسافات الجغرافية والظروف الاجتماعية المرتبطة بمجتمع معين. ويشمل ذلك ابتكارات تهدف إلى حل المشكلات الاجتماعية مثل الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية كالحصول على مياه الشرب المأمونة. تتضمن هذا المناهج أيضاً محاولات لتغيير أنماط التصنيع المحلي والاستيراد والظروف الاجتماعية للأفراد داخل تلك المجتمعات المصنعة وبالذات العلاقات بين العامل والمصنع والمستهلك.
  4. مستوى ابتكار الأنظمة الاجتماعية-التقنية (DfS 4): يشمل مناهج التصميم التي تركز على التغييرات الجذرية حول كيفية تلبية الاحتياجات المجتمعية – مثل التغذية والنقل – من خلال الأنظمة التقنية الجديدة. والفرق بين هذا والمستوى السابق هو التركيز على التكنولوجيا كوسيلة نحو التحول بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي، ومثال على ذلك هو تخطيط المدينة من خلال التفكير فيها كنظام تقني بيئي معقد، وفيما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والثقافية الفريدة فإنها تصبح بدورها جزءاً من كيفية إدارة التحول التقني للمدينة .

بالنسبة لدول الخليج، فإن مفهوم الاستدامة وتطبيقه في التصميم يبقى مقيداً في الغالب بمستوى الابتكار الأول والثاني. وتظهر بعض المحاولات على مستوى الابتكار الثالث في الخليج، مثل المباني والمدن "الخضراء" ومنها مدينة مصدر بأبو ظبي ومدينة الشارقة المستدامة والمدينة المستدامة في دبي التي عرفت أيضاً باسم "المجتمع الأسعد" في دبي خلال حفل جوائز عقارات الخليج 2017.[22] كما يمكن العثور على أمثلة أقل على مستوى الابتكار الرابع، مثل بعض مشاريع مدينة مصدر، ومبادرة نيوم في المملكة العربية السعودية، وهي مشروع بقيمة 500 مليار دولار يسعى إلى تغيير التنقل والأمن الغذائي والتكنولوجيا الحيوية في آن واحد. فهل تفي هذه المشاريع بالوعد الجذري للتغييرات المرتبطة بمستويات الابتكار الثالثة والرابعة والتي تهدف لتغيير علاقاتها مع المجتمعات العاملة على امتداد جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية؟ مع التدقيق في المجتمعات التي تؤثر فيها هذه المشاريع، فإن تأثيرها لا يكاد يتجاوز الابتكار التكنولوجي، وهذا يحد من قدرتها على إحداث تأثير جذري في اقتصاديات الخليج والهيكلة المكانية والظروف الاجتماعية. ولهذا السبب، نرى أنه بينما تحتوي منطقة الخليج على مشاريع في جميع المستويات الأربعة في الرسم البياني أعلاه، إلا أنها تميل نحو محور "التركيز على التكنولوجيا"، ما يحدّ من قدرتها على إحداث تغيير جذري فيما يتعلق بالاستدامة.

أمثلة التصميم المستدام في الخليج وتركيزه على مستوى الابتكار الأول تعزز حاجتنا إلى فهم علاقة دول الخليج السياسية مع البيئة، فتصبح السياسة البيئية أو الفلسفة البيئية مهمة في سياق الخليج عندما نرى التكنولوجيا تتطور بمعدل يتجاوز التغييرات في قوانين حماية العمال المهاجرين أو اتخاذ القرارات مع إعطاء الأولوية للقيم التجارية فوق العدالة الاجتماعية. هذا يجعل التغييرات الشاملة والتحويلية التي يمكن أن يحققها المستوى الرابع من التصميم المستدام صعبة التأسيس أو التنفيذ. وفي الوقت نفسه، فإن هذه القيود نفسها هي التي ترفع من قيمة دراسة التصميم المستدام في سياق الخليج – أولاً لتوضيح القوة التحويلية الحقيقية التي يمكن أن تتمتع بها مستويات الابتكار الأربعة إذا ما تم إنشاؤها من داخل السياق الثقافي لدول الخليج، وثانياً من أجل التوجه بالنقد الصريح لمشاريع الاستدامة الطموحة المنتشرة في المنطقة. ويعد فهم مستويات التصميم المستدام في السياق الثقافي لدول الخليج عاملاً محورياً لتفعيل الحوار حول استدامة الموضة إقليمياً وحتى عالمياً، حيث يعتقد أن تأثير المنطقة وهيمنتها تتزايد من ناحية اقتصادية وثقافية، وبالذات من جهة تفشي وتصدير أفكارها وابتكاراتها في هذا المجال.[23]

 

الفلسفة الخضراء: الأخضر الفاتح والداكن والساطع

أدى التركيز المتزايد على التحول الاجتماعي وكذلك على الأنظمة المعقدة في دراسات الاستدامة إلى ظهور فصائل فكرية مختلفة، تشمل ما يسمى بالاستدامة "الخضراء الفاتحة" وصولاً إلى "الخضراء الداكنة"، مع تدرج للمواقف الفلسفية داخل فكر الاستدامة تختلف فيها المعتقدات السياسية والاجتماعية، وبالتالي وجهات النظر حول كيفية تحقيق التغيير نحو الاستدامة وحل المشاكل البيئية. ويلخص الرسم أدناه هذه المواقف:

 

شكل 1.6.3: الفلسفة الخضراء

.

 

يرى الموقف الفلسفي "الأخضر الفاتح" حماية البيئة كمسؤولية شخصية يمكن أن يدعمها النشاط الفردي. ويميل هذا الحزب الفكري إلى الاستجابة للقضايا البيئية كخيار شخصي ونمط حياة، تكون المشاركة فيه من خلال "الاستهلاكية الخضراء". ويتبنى هذا التيار شعارات مثل "الأخضر هو الأسود الجديد" ("green is the new black")، الذي يشير إلى الاستهلاك الصديق للبيئة كاتجاه جديد في الموضة، كون اللون الأسود يعتبر في العادة عنصراً أساسياً في عالم الأزياء ولوناً ثابتاً رغم التغيرات الموسمية. ويمكن اعتبار "الأخضر الفاتح" بمثابة الموقف السياسي الموازي لأول درجة ابتكار في رسم التصميم المستدام أعلاه، حيث يقتصر تركيزه على صناعة المنتجات بطريقة صديقة للبيئة. يقول أليكس ستيفن، الناشط البيئي والباحث في دراسات المستقبل، في تعليق له حول تيار الاستدامة "الفاتحة": "الفكرة هي أنه إذا كان بإمكانك أن تجعل الناس يتخذون خطوات صغيرة وممتعة (من خلال التسوق بشكل مختلف، أو إجراء تغييرات حول المنزل)، فإن بإمكان هذه التغييرات أن تحدث فرقاً على الإجمال، وأيضاً أن تحفز الناس للمطالبة بتحولات أكبر".[24]

يدل ظهور "الاستدامة" في الخليج كعنوان للتغيير المرجو من خلال استهلاك المنتجات "الخضراء" و"البيئية" على أن الاستدامة الخضراء الفاتحة هي محور الفكر السياسي والفلسفة السائدة إقليمياً. وقد أظهرت دراسة حديثة أن نسبة عالية من المستهلكين في الخليج (فوق 90%) قد بدأت بالفعل بالتفكير في شراء منتجات صديقة للبيئة بمكونات طبيعية أو عبوات قابلة لإعادة التدوير، وقامت نسبة ملحوظة (فوق 70٪) بشراء المنتجات بناءً على المبدأ نفسه[25]. ومع ذلك، فإن مأزق الفكر الأخضر الفاتح يكمن في أنه يفتقر إلى القدرة التحويلية الحقيقية لأنظمة العيش ولنمط وسرعة الاستهلاك، لأنه بينما يسمح للناس "بالتصويت بأموالهم"، فإنه يعزز النزعة الاستهلاكية في التقدم نحو الحلول البيئية. يعبِّر هذا الجانب من الاستهلاك الأخضر عن ظاهرة عالمية ولا ينطبق فقط على دول الخليج. ومع ذلك، يبدو أن مشاريع الاستدامة في دول الخليج مشتقة من نمط الاستدامة الخضراء الفاتحة، ويبدو أنها الشكل السائد للنشاط البيئي في مجتمع يتمتع بقوة شرائية عالية. وبالتالي، فمن المستحسن لدول الخليج أن تتعلم من تجارب وتأثير ظهور الاستدامة الخضراء الفاتحة على مستوى العالم، حيث غالباً ما عززت المنتجات "البيئية" النزعة الاستهلاكية الخضراء دون تحقيق مكاسب بيئية جديرة بالذكر.[26]

أما على الطرف الآخر من الفلسفة الخضراء، فيؤمن تيار استدامة "الأخضر الداكن" أن المشاكل البيئية جزء لا يتجزأ من منظومة الرأسمالية الصناعية، وأنه لا يمكن حلها إلا من خلال التغيير السياسي الجذري.[27] وترى وجهة النظر الخضراء الداكنة أن الأيديولوجيات السياسية المهيمنة، مثل قياسنا للتقدم من خلال معايير الإنتاج والتصنيع، غير عادلة اجتماعياً وبيئياً، بمعنى أنها تؤدي حتماً إلى نمو النزعة الاستهلاكية، والابتعاد عن الطبيعة، واستنزاف الموارد. ويوضح هذا التيار الفكري أن الأيديولوجيات المهيمنة والسائدة في عالمنا اليوم تعطي الأولوية للنمو الاقتصادي فوق المشاكل البيئية والاجتماعية، وتسمي نمط التصنيع والاستهلاكية غير المحدودة بـ"هوس النمو"، وتراه كقوة متنفذة اجتماعياً.[28] ويُشتق مجال تصميم التحولات (transition design) بالإضافة إلى مستويي الابتكار 3 و4 في رسم "أطر الاستدامة ودول الخليج" أعلاه، من هذا الفكر الذي يعزز أهمية العلاقات بين النظام البيئي والاجتماعي. ونرى ذلك في مناهج هذه المجالات النابعة من الفكر البيئي-الاجتماعي، مثل منهج إيجاد الحلول الفعالة والمحددة التي لها تأثير على الأنظمة المترابطة وبطريقة تتعدى القطاع الواحد.[29]على الإجمال، يتحدى فكر "الأخضر الداكن" الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الراهن، نظراً لرفعه من مستوى البيئة إلى منظومة متكاملة تفوق مرتبة المورد فقط، ولرؤيتها بالأحرى أن البيئة شريك تكافلي علمياً وفلسفياً للمجتمع البشري.

في الآونة الأخيرة، ظهر "الأخضر الساطع" كتيار بيئي فكري يعتقد بأهمية التغييرات الجذرية في أنماطنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال الحلول التكنولوجية. ويرى هذا التيار الفكري أن التغييرات تتحقق على أرض الواقع من خلال اعتماد التقنيات الجديدة. ومن سمات أتباع هذا التيار الإيمان القوي بالتكنولوجيا كالحل الأساسي للمشاكل البيئية.[30] ومن المرجح أن يكون المفكر أو صانع السياسة أو المصمم "الأخضر الساطع" في توافق مع مستوى الابتكار الثاني أو الثالث أو الرابع في إطار عمل التصميم المستدام DfS، حيث يؤمن بالتغيير الاجتماعي النوعي مع تعزيز الحلول التقنية.

وكما يشير روس روبرتسون في كتابه A Bright Shade of Green، يختلف تيار الأخضر الساطع عن الأخضر الداكن الذي يمركز "العودة إلى الطبيعة" وترميم البيئة والحد من الاستهلاكية، في حين أن التيار الأخضر الساطع – حتى في أكثر أشكاله راديكالية – يرى إلى تمسك الأخضر الداكن بالطبيعة ضرباً من الحنينية والرومانسية غير الواقعية. لذا يسأل روبرتسون: "لماذا لا نعطي المجال لمستقبل الأخضر الساطع وندعو للتخلي عن فكرة العودة إلى الطبيعة تماماً، ونفسح المجال لشيء غير معهود حتى الآن؟"[31] يبني روبرتسون على عمل مفكرين مثل بروس ستيرلنج في أنه يرى حالة البيئة اليوم كوضع قائم ويشكك في تعافيها، وبالتالي يرى الابتكار والتكنولوجيا كطرق ممكنة للمضي قدماً: "من الآن فصاعداً تخضع الطبيعة للمراقبة ونعتبرها على أجهزة الإنعاش. يجب أن تتعامل حداثة القرن الحادي والعشرين مع تلك العواقب وأن تزدهر في ذلك العالم".[32] ويصف روبرتسون التفكير الأخضر الساطع بأنه التفكير الذي يعترف ويتقبل بالإخفاقات البيئية التاريخية، وأنه بناء على ذلك يمثل الفرصة الأكثر واقعية لتحسين "العالم الذي صممناه" من ناحية تقنية. وباختصار، يظهر التفكير الأخضر الساطع كنظام عملي يركز على التكنولوجيا، ومن خلالها يؤمن بالتطور البيئي، أحياناً بلا عودة إلى طبيعة سابقة، كما يعترف بحاجتنا للتغيير الاجتماعي أيضاً بحلول تقنية.

بينما ناقشنا المواقف الفلسفية المختلفة وكيفية ارتباطها بمستويات الابتكار وترتيبها من حيث القدرة التحويلية والجذرية والآثار الاقتصادية والسياسية (مثل "الأخضر هو الأسود الجديد" في التفكير الأخضر الفاتح مقابل مخاوف "هوس النمو" في التفكير الأخضر الداكن)، من المهم ملاحظة أن مناهج التصميم المستدام DfS (المعروضة في الرسم أعلاه) ليست بالضرورة متعارضة فيما بينها. ففي الواقع، غالباً ما تكون مناهج التصميم المستدام DfS المختلفة مترابطة وتنطوي على عناصر المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، فبإمكان الأساليب أحياناً أن تكمل بعضها البعض: على سبيل المثال، بينما تركز مبادئ "التصميم الإيكولوجي"(eco-design)  أو "التصميم الأخضر" (green design) من نهج DfS 1 على المنتج، فإنه بالإمكان استخدامها ضمن نهج النظام الاجتماعي والتقني (نهج DfS 4) كجزء من تطوير الأدوات اللازمة للانتقال إلى نظام اجتماعي تقني جديد. والفرق هنا بين مستويات الابتكار يعود إلى نطاق الرؤية وما إذا كان يدعو إلى تغيير اجتماعي تقني واسع النطاق (شاملاً تطوير المنتجات البيئية) أو مجرد البقاء في حيز تطوير المنتجات من داخل المنظومات الاجتماعية القائمة.

 

المنهجية

تشمل منهجية هذا البحث دراسة دلفي (Delphi Study) والمقابلات، بالإضافة إلى ورشة عمل مع مصممي الأزياء المحليين في البحرين. وقد تم اختيار هذه الأساليب على وجه التحديد لتعكس السياق البحريني، حيث تجمع بين وجهات نظر صناع القرار )كجهات الدعم لمنشآت الأزياء وجهات حماية البيئة( وممارسي صناعة وبيع الأزياء في البحرين (كالحرفيين والمصممين وعمال الورش الصناعية والمبيعات) والأكاديميين والاستشاريين في مجال البيئة والاقتصاد، وهي منهجية مشتقة من فلسفة ترى التفكير التصميمي والشمولية والعدالة الاجتماعية كوسيلة لإجراء تغييرات نحو الاستدامة وكجزء من تغيير علاقتنا الجماعية تجاه البيئة.

دراسة دلفي هي عبارة عن سلسلة من المقابلات تهدف لتحقيق إجماع في الآراء حول سؤال أو مجال معين، حيث يجيب فريق من 10-18 من خبراء الصناعة أو الأكاديميين أو صانعي السياسات على الأسئلة المتعلقة بالوضع الحالي ومستقبل المنطقة أو القضية التي يتم التحقيق فيها.[33] ويتكون منهج دلفي من جولتين من المقابلات، حيث تبني أسئلة الجولة الثانية على النتيجة الجماعية للجولة الأولى. والذي يميز المنهج هو مجهولية المشمولين في الدراسة لبعضهم البعض، وإعطاء أعضاء اللجنة فرصة تعديل إجاباتهم بعد قراءة وجهات نظر المشاركين الآخرين. بالنسبة لموضوع ناشئ مثل الأزياء والبيئة في البحرين، يعد منهج دراسة دلفي مثالياً لأنه يسمح بتكوين إجماع حول المعرفة الجديدة في وجه ندرة الدارسات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتراحات الجماعية لخبراء محليين حول موضوع استدامة الأزياء من شأنها أن تؤدي إلى توصيات محددة وعملية تناسب سياق البحرين. وقد شملت لائحة المشاركين في منهج دلفي في هذه الدراسة 16 شخصاً، منهم موظفي الخدمة المدنية في أدوار اقتصادية وبيئية، وموظفي شركات بيع الأزياء في البحرين والخليج، وأكاديميين في حقول البيئة والاقتصاد، ونشطاء بيئيين.

وبالتوازي مع دراسة دلفي، استخلصت المقابلات وجهات نظر 18 فرداً مشاركاً في صناعة الأزياء في البحرين. وتساهم وجهات نظر أولئك الذين تمت مقابلتهم في فهم دورة حياة المنتج في البحرين بمزيد من التفصيل، حيث تضمنت المقابلات أصواتاً غالباً ما يتم تهميشها في مناقشات السياسة وصناعة القرار مثل العمالة الوافدة، والبحرينيين العاملين في الخياطة والنسيج والمبيعات، والنشطاء وأصحاب الأعمال الصغيرة، بما في ذلك المصممين المحليين. وتحتوي هذه المقابلات على وجهات نظر وروايات متعددة للأبعاد الاجتماعية والثقافية لاستدامة الأزياء، وبهذه الطريقة فإنها تعتبر مكملاً منهجياً لدراسة دلفي.

 

دورة حياة الأزياء البحرينية والثقافة المعيشية المرتبطة بها

في عام 2018، بلغ إجمالي واردات البحرين من المنسوجات والملابس ما يقرب من 470 مليون دولار أمريكي من أكثر من 140 دولة، وصادراتها 220 مليون دولار أمريكي إلى أكثر من 60 دولة.[34] جاءت أكبر الكميات من المنسوجات والملابس من حيث القيمة من الصين والهند وتركيا وباكستان وبنغلاديش، التي تستفرد فيما بينها بأكثر من 65٪ من إجمالي الواردات، بينما شكلت الصادرات إلى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وتركيا فيما بينها أكثر من 75٪ من إجمالي صادرات المنسوجات والملابس من حيث القيمة.[35] وتوحي هذه الصورة الإجمالية للبحرين بأن تدفق مواد النسيج من حيث القيمة يعتبر تدفقاً مستورداً في الغالب، بمعدل الضعف تقريباً، ويشكل ذلك محور مناقشة دورة الحياة أدناه.

يستكشف القسم التالي كل من عناصر "المصدر" و"الصنع" و"الاستخدام" و"الإدامة" في حياة الأزياء في البحرين،[36] بما يحتوي عليه ذلك من عوامل مادية واجتماعية، بهدف الحد من التأثير البيئي في كل مرحلة (أنظر إلى رسم "نهج دورة حياة الاستدامة" أعلاه)، مع مراعاة الأعراف والتقاليد الاجتماعية. ويجدر التوضيح أن مرحلة "إعادة الاستخدام" تقع في كل من مرحلتي "الاستخدام" و "الإدامة" من دورة الحياة، بينما يتداخل كل من "إعادة التدوير" و"التخلص" مع "الإدامة" أيضاً.

 

"المصدر": المواد الأولية والنسيج وعناصر الملابس

يتم استيراد المواد الأولية لصناع الأزياء (الأقمشة والملابس) عموماً في البحرين بدلاً من إنتاجها. وعلى الرغم من أن التصنيع المحلي يمثل جزءاً صغيراً من إجمالي الأقمشة والملابس المتوفرة في السوق مقارنة بالاستيراد، إلا أننا سوف نتطرق إلى مرحلة "الصنع" (من رسم "نموذج دورة حياة الاستدامة") إلى جانب "المصدر" لكي نتمكن من فهم كلا التدفقين من منظور اجتماعي. يلخص رسم "النسيج وعناصر الملابس" أدناه المواد الأولية، وهي المنسوجات وعناصر الملابس الأخرى مثل التطاريز والسحّابات والأزرار، ويصنفها إلى تلك التي يتم استيرادها إلى البحرين وتلك المصنوعة محلياً. يشمل الرسم أيضاً نقاط الشراء لهذه المواد، وتعكس هذه النقاط مواقعاً للنشاط الاجتماعي وتتنوع بين الأسواق ومراكز التسوق وورش العمل، وتدل على التجربة المعيشية لتدفق هذه المواد عبر مختلف الفئات الاجتماعية واحتياجاتها.

أما بالنسبة للمواد الخام، فإن غالبية إنتاج الألياف في العالم يتم في البلدان الآسيوية، وتنقسم هذه الألياف إلى الألياف الاصطناعية (أبرزها البوليستر) والطبيعية (أبرزها القطن). تعد الهند والصين أكبر الدول المنتجة للقطن في العالم، حيث يشكلان نصف إنتاج القطن في العالم سنوياً.[37] وتتضمن قائمة المنتجين الرئيسيين الآخرين للقطن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان والبرازيل وأوزبكستان.[38] ويمثل القطن ما يقرب من نصف إجمالي الألياف المستخدمة في صناعة الملابس اليوم، حيث يتم الآن تعديل أكثر من 90٪ من هذا القطن وراثياً باستخدام كميات هائلة من الماء وكذلك المواد الكيميائية. كما يعد إنتاج القطن اليوم مسؤولاً عن 25٪ من استخدامات المبيدات الحشرية  (pesticides)في جميع أنحاء العالم.[39] وقد بدأ العمال الزراعيين والحركات الاجتماعية مثل "ثورة الموضة" (Fashion Revolution) و"التكلفة الحقيقية"(True Cost)  بالمطالبة بحد المضرات من عملية زراعة الألياف على كل من الأرض وصحة الإنسان.

بالنسبة لإنتاج الألياف الاصطناعية، فإن البوليستر هو الأكثر شيوعاً، وتتصدر الصين الإنتاج العالمي بكونها المصدر الرئيسي للبوليستر إلى الولايات المتحدة والهند وفيتنام والعديد من البلدان الأخرى.[40] وتعتبر الصين أيضاً أكبر مستهلك لألياف البوليستر،[41] حيث تصدر كميات كبيرة من السلع التامة الصنع – بما في ذلك الملابس والستائر والمفروشات – حول العالم. أما بالنسبة للبحرين، فيأتي أكبر عدد من المنسوجات والملابس (من حيث القيمة) من الصين والهند وتركيا وباكستان وبنغلاديش – وتمثل هذه البلدان أكثر من 65٪ من إجمالي واردات المنسوجات والملابس.[42]

يتم استيراد الأقمشة ومكونات الملابس (مثل الأزرار والشرائط والقطع المطرزة والسحابات)  إلى البحرين عموماً من الدول الآسيوية وتباع لاحقاً في محلات الأقمشة للمصممين المحليين والخياطين، وأحياناً الأفراد يشترونها مباشرة ويأخذونها بأنفسهم إلى الخياط، ونادراً ما يتم حياكتها في المنزل اليوم مقارنة بالعقود السابقة.[43] ونادراً ما يتم صنع القماش المنسوج محلياً، ويكون بسعر أعلى وأنماطه محدودة مقارنةً بالمستوردات الآسيوية. وقد تضاءلت ورش النسيج في البحرين من خمسة عشر إلى واحدة على مدار العقود الثلاثة الماضية.[44] وتقع الورشة المتبقية الوحيدة في قرية بني جمرة، حيث تُمارس كحرفة عائلية، لكن استمراريتها تخضع لطلب محدود.[45] وتشمل المحاولات التاريخية لإحياء النسيج في البحرين جهوداً حكومية لإنشاء مساحات حرفية معاصرة ومتطورة ومنها افتتاح مصنع بني جمرة المجدد في ديسمبر 2020 وقبل ذلك بيت الجسرة، حيث انتقل إليها شقيق صانع النسيج في بني جمرة الذي تمت مقابلته لهذه الدراسة. بالإضافة إلى النسيج المحلي، نجد صناعات التطريز والزري والكورار (أنظر إلى البيان أعلاه) لا تزال تمارس بشكل شائع في البحرين، من قبل مجاميع صغيرة من النساء في الغالب، الذين يعملون إما في ورش العمل أو من منازلهم بناء على الطلبات.[46]

 

شكل 1.6.4: نهج دورة الحياة مطبق على البحرين (الجزء الأول):

 

الأقمشة المنسوجة محلياً ليست باهظة الثمن فحسب، بل الحصول عليها أصعب، حيث يجب شراؤها مباشرة من ورش العمل، أو من عدد صغير من المراكز الحرفية والمشاريع التراثية الحديثة. وعلى العكس من ذلك، عملية شراء الأقمشة والزخارف المستوردة تكون أسهل بسبب انتشارها في الأسواق وحتى في مراكز التسوق.[47] يؤثر سعر موارد صنع الملابس وسهولة الحصول عليها على إقبال العامة والمصممين، وأيضاً من ناحية جغرافية اجتماعية تعكس تحول الصناعة المحلية إلى المشاريع التراثية والحرفية بينما تميل المناطق المركزية ذات التدفق العالي من الناس إلى احتواء وعرض الأقمشة المستوردة.

.

"الصنع": استيراد الملابس الجاهزة والتصميم المحلي

على العموم، نرى ذلك في صناعة الملابس أيضاً، حيث يستحوذ استيراد الملابس الجاهزة (ready-to-wear) على الصناعة المحلية. والفرق هنا أن التصميم والصنع المحلي للملابس في البحرين قطاع أقوى من النسيج الذي بات حرفة تراثية، ويشمل ذلك الخياطة المفصلة ونسبة أصغر من الصناعة والتصدير. ولكن على الإجمال، لا تزال صناعة الملابس المحلية جزءاً أصغر من سوق الملابس من الثياب المستوردة. يقسم الرسم البياني أدناه الملابس المحلية إلى "تقليدية وشبه تقليدية" و"أنماط عالمية أو غربية" ويحدد أصنافها ونقاط الشراء لكل صنف. تعد نقاط شراء الملابس أكثر تنوعاً من تلك الخاصة بالنسيج، وتتراوح بين متاجر التخفيضات الكبيرة والأسواق التي تستورد في الغالب ملابس رخيصة الثمن وأحياناً بدون علامة تجارية إلى مراكز التسوق التي تبيع الأزياء السريعة المستوردة والعلامات التجارية العالمية.

 

شكل 1.6.5: نهج دورة الحياة مطبق على البحرين (الجزء الثاني):

 

 

في الرسم أعلاه، يعكس تدفق الملابس المستوردة منخفضة الثمن والتي لا تحمل علامة تجارية )الخانات "B" و"F" المشار إليها بواسطة الأسهم الزرقاء) مسار الملابس التي عادة ما تستهلكها الأسر ذات الدخل المنخفض في البحرين، ومنها البحرينيين والعمال الوافدين ذوي الأجور المنخفضة. هذه الملابس الجاهزة المستوردة من مجموعة متنوعة من البلدان الآسيوية تملأ نوافذ المحلات في أسواق البحرين المختلفة ورفوف متاجر التخفيضات. وتشمل متاجر الخصم في البحرين مركز رامز، والأنوار، وماكس فاشون أوتليت، ومركز عجيب للتخفيضات. تستورد هذه الشركات التجارية كميات كبيرة من الملابس بأسعار مخفضة، وتواكب بشكل عام ومبسط تغييرات الموضة وعادةً تكون تصاميمها محتشمة مقارنةً بملابس المراكز التجارية. أما في الأسواق، فتكون أسعار الملابس منخفضة أيضاً، وفي بعض الأحيان أقل من متاجر التخفيضات، مع أنماط تلبي بشكل أساسي حاجة الوافدين من ذوي الأجور المتدنية والأسر البحرينية منخفضة الدخل أيضاً. أما بالنسبة للعائلات البحرينية ذات الدخل المتوسط ​​والمرتفع فتكون مشترياتهم من الأسواق عادةً من الملابس التقليدية أو العبايات أو الملابس المخصصة لأغراض معينة مثل المشمر (غطاء الصلاة) أو الملابس التراثية والثقافية التي يصعب العثور عليها في أي مكان آخر.

يتوازى اعتماد مجتمعات المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة والأسر البحرينية ذات الدخل المنخفض على السوق لشراء الملابس مع التغيرات الديموغرافية التي حدثت أيضاً حول هذه الأسواق. وتقع أكبر وأقدم الأسواق البحرينية حول المراكز السكنية تاريخياً في البحرين، مثل المنامة والمحرق. كانت هذه المناطق مكتظة بالسكان البحرينيين في بدايات القرن العشرين ولكنها أصبحت منذ ذلك الحين موطناً لجزء كبير من العمالة الوافدة ذات الأجور المنخفضة، وكذلك الأسر ذات الدخل المنخفض التي لم تهاجر إلى الضواحي والمدن الجديدة، وكبار السن البحرينيين الذين يعيشون في الأحياء التي نشأوا فيها وغالباً ما يرفضون ترك حاراتهم الأولى. أما اليوم، فيوجد "الحاضر" و"القديم" في هذه المدن، ويعتبر الحاضر مزيجاً من المنازل البحرينية القديمة، وهي في العادة بيوت عوائل معروفة لبعضها البعض، والتي تدل على الأصول التاريخية للعديد من البحرينيين الذين انتقلوا منذ ذلك الحين إلى المدن الجديدة، بالإضافة إلى السكان الجدد من العمال المهاجرين. ففي المنامة مثلاً، من الشائع أن ترى الأفراد أو العائلات الشابة المهاجرة تتسوق في المحلات التجارية، أو امرأة بحرينية مسنة تعولها عاملة منزلية آسيوية شابة لتقوم بتسوقها الأسبوعي. وفي المدن الجديدة، تشكلت أسواق جديدة مع تطور هذه المناطق في العقود الأخيرة. هذا الصنف الجديد من الأسواق أصغر حجماً وعادةً يشمل المتاجر البسيطة والمخابز ومحلات الخياطة، وغالباً ما تكون بالقرب من المساجد، مما يخلق ساحة للتجمعات العامة في هذه المدن.

بالنسبة للملابس ذات العلامات التجارية، والمشار إليها بأسهم رمادية في الرسم أعلاه، فإن الوجهة النهائية لعرضها وشرائها هي مراكز التسوق. تجتذب هذه الأماكن الطبقة الاقتصادية الوسطى والعليا، وربما تتفحص البضائع عدة مرات قبل الشراء. وغالباً ما  يبيع المصممون المحليون تصاميمهم عبر Instagram، سواء كانوا يصممون ملابس تقليدية (الخانة "C" في الرسم أعلاه) أو أنماط غربية (الخانة "G")، ومن شهر أكتوبر إلى مارس يشاركون في المعارض السريعة ("pop-ups") الموسمية التي تنشأ في المساحات المفتوحة للمراكز التجارية (مثل مواقف السيارات الخاصة بهم) أو مراكز المؤتمرات.[48] وأحياناً تجد الملابس التقليدية أو شبه التقليدية طريقها إلى مراكز التسوق، سواء تلك التي صممها المصممون المحليون (الخانة "C") أو المصممين الإقليميين (الخانة "A")، ولكن بالنسبة للنمط الغربي الجاهز للبس محلي الصنع (الخانة "G") فتكون المعارض السريعة ("pop-ups") أو البوتيكات المستقلة مواقع أكثر احتمالاً لتوافرها. ويفسر غياب الأزياء الغربية المصنوعة محلياً عن المجمعات التجارية، حسب المشاركين في ورشة عمل ضمت  22مصمماً محلياً، صعوبة منافسة المصمم المحلي للعلامات التجارية العالمية في صنع الأزياء الغربية، فكثيراً ما يجد المصمم المحلي نفسه مقيداً بمنصة التصميم التقليدي أو شبه التقليدي.

يركز المصممون المحليون على الأنماط التقليدية وشبه التقليدية، التي يتم استيرادها أيضاً من دول الخليج المجاورة (المسمى "A")، وقليل من العلامات التجارية الغربية الفاخرة (المسمى "ملابس فاخرةB-"). أما على الصعيد الإقليمي، فتتمتع كل دولة في الخليج بسمعة فردية للملابس التقليدية التي تقدمها من حيث التصميم والجودة. فتشتهر المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بغطاء الرأس الرجالي العالي الجودة ويسمى "الشماغ" باللهجة السعودية و"الغترة" باللهجة البحرينية. يتم تصدير الشماغ السعودي إلى دول الخليج وبلدان الشام كذلك. أما قطر فتشتهر ببشتها عالي الجودة، وهو رداء خارجي من الصوف يشبه العباءة، يرتديه الرجال فوق الثوب للمناسبات الخاصة، ويرتبط ارتباطًا وثيقاً بالمشيخة والثقافة القبلية. وتشتهر البحرين والكويت ومدينة جدة بالملابس التقليدية بأسلوب معاصر والذي يخلق ما يسمى بالفئة "شبه التقليدية" من الملابس. يجدر بالذكر أن البحرين والكويت يتمتعان تاريخياً بقواعد اجتماعية أكثر ليبرالية ومرونة مقارنة بجيرانهما الخليجيين فيما يخص اللباس، وقد يرجع ذلك لدور المرأة اجتماعياً والقوانين الاجتماعية العامة، مثل ارتفاع نسب النساء في مكان العمل في الدولتين خلال العقود الأربعة الماضية.[49] وفي السعودية، تشتهر جدة بقواعد اللباس المرنة نسبياً، وربما أدى ذلك إلى ظهور أنماط اللباس والتصاميم "شبه التقليدية" المعاصرة في هذه المواقع الثلاثة. وابتداءً من أواخر الثمانينيات، أصبحت مؤتمرات ومعارض الأزياء شائعة بشكل خاص في الكويت والبحرين، حيث يتوافد عليها المصممون من جميع أنحاء الخليج. وفي العقد الأخير، برزت الرياض والدوحة ودبي كعواصم فنية في الخليج، بتمويل حكومي ومنشآت فنية وثقافية ضخمة لها جاذبية عالمية ومحلية. أما اليوم، فترسم المبادرات الكبيرة مثل Fashion Forward Dubai وSaudi Design Week وFashion Trust Arabia ملامح الاتجاه الإقليمي السائد في الموضة.

بالنسبة إلى الملابس المصممة حسب الطلب محلياً في البحرين (المسمى "D")، فإن هذا القطاع عبارة عن سوق مجزأ وفي بعض الأحيان غير رسمي ولكنه يحظى بشعبية ثقافياً. ويشمل القطاع الأزياء التقليدية وشبه التقليدية المصممة خصيصاً للمناسبات، مثل الجلابية المصممة خصيصاً لحفلات الزفاف، وكذلك وبنسبة أقل الملابس اليومية المصنوعة حسب الطلب. ويعتبر التفصيل للمناسبات ممارسة شائعة بين الأسر البحرينية من جميع فئات الدخل، ويختلف عدد هذه القطع المفصلة وطرازها حسب المناسبة ونمط الحياة والفئة الاجتماعية.[50] ومن أشهر المناطق للتفصيل سوق جد علي، بالقرب من مدينة عيسى وجرداب، حيث تنتشر مجموعة كبيرة من متاجر العبايات في الشوارع وتقدم خيارات جاهزة وأخرى بالتفصيل. ويعمل هؤلاء الخياطون بشكل وثيق مع العملاء، وبالإضافة إلى استخدام مخزونهم الخاص الصغير من الأقمشة، فهم على استعداد لاستخدام الأقمشة الموفرة من جهة العميل أيضاً. أثناء ورشة العمل مع المصممين والخياطين المحليين ناقش بعضهم استخدام القماش المتبقي من تفصيل زي لأحد العملاء لصنع بطانة لعميل أخر أو لتزيين ملابس أخرى. هناك ممارسة شائعة أخرى وهي ابتكار منتجات مخصصة للقماش المتبقي يستفيد منها العميل، مثل استخدام ما تبقى من قماش فستان الزفاف التقليدي لصنع ملابس الأطفال، أو صنع "أكمام من القماش لدعوات حفل الزفاف" كما وصفها أحد المصممين. قد يتطلب الاستثمار في عباية جديدة أو ثوب جديد زيارة محلات الخياطة، وربما كان الاختيار متوفراً من بين الأزياء الجاهزة ولكن يتطلب تعديلات بسيطة في الطول أو في حجم الأكمام. والمثير للاهتمام في الحالتين، من منظور الاستدامة، هو أن تفصيل الأزياء حسب مقاس العميل يفسح المجال لارتدائها لفترة أطول، وخاصة بالنسبة للأزياء التقليدية مثل العباءة أو الثوب، التي لا تتغير كثيراً من ناحية الطراز والتصميم مع المواسم على خلاف الأزياء الغربية.

أما الملابس المصنوعة في البحرين للتصدير (الخانة "H")، فهي فئة ظهرت نتيجة للاتفاقيات التجارية، وخاصة اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. تتضمن هذه الاتفاقيات التجارية شروطاً مواتية للكيانات الأجنبية لإنشاء المصانع وإنتاج الملابس في البحرين. وبينما كان الهدف المعلن لاتفاقية التجارة الحرة فيما يتعلق بالمنسوجات والملابس هو "تسهيل تبادل التكنولوجيا والمعرفة والخبرة" و"جذب الاستثمار الأجنبي المباشر"،[51] فإن اتفاقيات التجارة الحرة هذه لم تؤد إلى تنمية المهارات لدى السكان البحرينيين أو دعم الابتكارات المحلية، حيث نادراً ما يتم تدريب أو توظيف المواطنين البحرينيين في هذه المصانع، بل يتم استيراد وتوظيف العمال المهاجرين "من الاقتصادات الرئيسية المنتجة للمنسوجات والملابس".[52] وبالنسبة للمنتجين، فإن هذا يقلل من الأجور وتكاليف التدريب،[53] حيث يختلف الحد الأدنى للأجور للبحرينيين عن العمال المهاجرين، فتعمل هذه المصانع كشكل من أشكال المناطق الحرة أو تفويض الصناعة (off-shoring) للمنتجين الأجنبيين، وتوظف عمالة وافدة منخفضة الأجر، وفي نفس الوقت تزاحم الاستثمار في مهارات الأيدي العاملة البحرينية لصناعة المنسوجات والملابس. 

 

شكل 1.6.6: نهج دورة الحياة مطبق على البحرين (الجزء الثالث):

 

 

 

"الاستخدام": نمط الاستهلاك البحريني وثقافة التبرع

عندما ننتقل إلى مرحلة "الاستخدام" في نموذج دورة الحياة )أنظر الرسم أعلاه( نجد عناصر فريدة لنمط الاستهلاك البحريني وربما الخليجي. تظهر دراسة مرحلة "الاستخدام" أهمية عنصر "إعادة الاستخدام" في البحرين، ومنها ثقافة المشاركة والملابس المتوارثة عائلياً. وهذا السلوك يميل نحو الأزياء التقليدية عالية القيمة والتي عادةً ما تتمتع بمستوى عالٍ من الحرفية، فمن المرجح إعادة ارتداؤها ومشاركتها واقتراضها داخل الأسر وفيما بينها. أما الملابس اليومية، التي لا تتمتع بالكثير من الحرفية، فلا تزال محل تبادل واقتراض ولكن بدرجة أقل وغالباً ما بين أفراد الأسرة أو المنزل الواحد، أو يتم التبرع بها للجمعيات الخيرية أو التخلص منها في مكب النفايات. وتعتبر ثقافة التبرع في البحرين والخليج مرتفعة بشكل عام بسبب المعتقدات المجتمعية حول التبرع للفئات المحتاجة، وترجع إلى الفكر الإسلامي الخيري، والزكاة، والقضاء على الفقر في المجتمع، فتصبح ثقافة التبرع الطريقة السائدة للتخلص من الثياب ذات الجودة المقبولة.[54] من المهم توضيح أن التبرع لا يرتبط دائماً بأفكار إعادة الاستخدام بل بفكر توفير الملابس لجميع شرائح المجتمع، فغالباً ما تشتري حملات التبرع ملابس جديدة وحوائج أخرى للعائلات المحتاجة. ويتم تنظيم حملات التبرع رسمياً من قبل المؤسسات الخيرية وغير رسمياً من خلال أعضاء المجتمع. فمن المعتاد أن تعمل النساء اللاتي تربطهن صلة اجتماعية ما مع شرائح مختلفة من المجتمع كجهات تنظيمية داخل مجتمعاتهن، وينظمن على مدار العام حملات لتوفير الملابس المستعملة والجديدة بالإضافة إلى تلبية احتياجات أخرى مثل الكتب وحقائب الظهر والمنتجات المنزلية للأسر ذات الدخل المنخفض، فتشكلن بذلك حلقات وصل بين شرائح المجتمع. لذلك، من الشائع في كل بيت أو أسرة من جميع مستويات الدخل أن تكون على اتصال مع امرأة أو مجموعة من النساء اللواتي يمارسن هذه الأنشطة الاجتماعية.

كما أدت ثقافة التبرع إلى النظام الوحيد في البحرين لجمع المنسوجات، فقد قامت الجمعيات الخيرية المحلية، بالتعاون مع البلديات، بتركيب حاويات كبيرة في معظم الأحياء للسماح للأسر بالتخلص والتبرع بالملابس. ويظل استخدام هذه الصناديق اختيارياً، ولا يزال المطاف ينتهي بنفايات النسيج في مكب النفايات، حيث يتم التخلص منها في القمامة المنزلية بشكل رئيسي. ومع ذلك، فإن القوة الاجتماعية لثقافة التبرع خلقت نظاماً مادياً جاهزاً وقائماً، بإمكانه أن يفسح المجال بسهولة من ناحية تدفق المواد من مرحلة "الاستخدام" إلى حلول إعادة التدوير أو فرز نفايات النسيج مثلاً في نموذج دورة الحياة.

مع أنها تمثل نشاطاً ثقافياً بارزاً في البحرين، إلا أن نسبة التبرعات التي تجد مرتدياً جديداً تبقى غير محددة وغير واضحة. فقد تنتهي ملابس صناديق التبرعات في مكب النفايات بسبب عدم موافقة المنتج لاحتياجات المرتدي الجديد.[55] كما قد يؤدي تصدير الملابس التي لا تجد من ينتفع بها محلياً إلى نقل المشكلة إلى بلدان أخرى، كما تبين منظمات مثل "The OR Foundation" والتي تطمح إلى الحد من تدفق مخلفات الملابس إلى البلدان الأفريقية. تعمل هذه المنظمة من أكرا، عاصمة غانا، وتسلط الضوء على ما يحدث للملابس المستعملة المستوردة، التي يسميها السكان المحليون "obroni w’awu"، ويترجم ذلك إلى "ملابس الرجل الأبيض الميت".[56] وهكذا تصبح "تبرعات" الدول الثرية أزمة مخلفات في غانا وغيرها من الدول الفقيرة. وعلى ذلك تهدف المنظمة "لتوضيح كيف تؤدي زيادة الصناعة العالمية للملابس بشكل غير عادل إلى تفاقم القضايا البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالبنية التحتية" في البلدان التي تتلقى نفايات الموضة.[57]

 

"الإدامة": بين مكب النفايات وإعادة التدوير واستعادة المواد

في البحرين، تنتهي الملابس المتبرع بها محلياً والتي لا تجد مرتدٍ جديد، أو تلك التي لا يتم تصديرها، في مكب النفايات. وتحتوي البحرين على مكب نفايات رئيسي في عسكر وآخر في حفير للمخلفات الخطرة، وكلاهما يقع في جنوب شرق الجزيرة. [58] وقد أعرب سكان المنطقة عن مخاوفهم البيئية بسبب قربهم من مكب النفايات.[59] وبالنسبة للملابس والمنسوجات التي ينتهي بها المطاف في مكب النفايات، والتي تشكل 4٪ من متوسط النفايات ​​في البحرين (وتساهم الأسر ذات الدخل المرتفع بشكل أكبر في ذلك، حيث تشكل نفايات المنسوجات الخاصة بها 7٪ من نفاياتها المنزلية)،[60] فإنها تتراكم لتأخذ مساحة في مكب النفايات، ويستغرق تفككها عقوداً بل قد يصل إلى 200 عام للمواد الاصطناعية مثل البوليستر.[61] وتنبعث من مخلفات النسيج هذه غازات الاحتباس الحراري أثناء تحللها،[62] ويمكن أن تطلِق أيضاً المواد المرتشحة  (leachates)التي تهاجر وتلوث المياه الجوفية والسطحية.[63] أما بالنسبة للملابس المتبرع بها التي لا تجد منتفعاً ملائماً، فغالباً ما يتم تصديرها إلى البلدان الفقيرة، وبذلك يتم تصدير مشكلة تراكم النفايات وانبعاثاتها الضارة إلى البلدان الفقيرة بدلاً من حلها محلياً أو إقليمياً.[64]

حالياً، تفتقر البحرين إلى قدرات إعادة التدوير واستعادة المواد، حيث يتم إعادة تدوير 8٪ فقط من النفايات المنزلية،[65] أما واقعياً، فلن تتم إعادة تدوير مخلفات المنسوجات في البحرين إلا إذا وضعت ضمن خطة استراتيجية أكبر لاستعادة المواد، بما في ذلك استرداد العناصر التي يكثر إعادة تدويرها على مستوى العالم، مثل البلاستيك والزجاج والمعادن. ويتكون قطاع إعادة التدوير في البحرين من الشركات الخاصة التي تتعاقد معها البلديات المحلية والمنظمات غير الحكومية التي تشارك في جمع ومعالجة النفايات القابلة لإعادة التدوير،[66] ويشمل هذا إعادة تدوير 5٪ من النفايات المحلية، ويتم تحقيق 3٪ أخرى من قبل العمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة، الذين يقومون بجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير بطرق غير رسمية وبيعها لشركات إعادة التدوير الخاصة للمعالجة النهائية، وعادة ما يكون مقر هذه الشركات في دول الخليج الأخرى أو الشرق الأقصى.[67] إلا أن البحرين أعلنت في ديسمبر 2019 عن خطط لبناء أول مصنع لتحويل النفايات إلى طاقة (Waste to Energy, WtE) في عسكر. وقد تم تحديد تحويل النفايات إلى طاقة كهدف في إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة في البحرين (NREAP)، التي تهدف إلى تحقيق هدف الطاقة المتجددة بنسبة 5٪ بحلول عام 2025 و10٪ بحلول عام 2035. وقد تم تحديد هذه الآلية كطريقة فعالة للتقليل ليس فقط من النفايات، بل أيضاً الانبعاثات الغازية الناتجة من النفايات البلدية في البحرين،[68] وذلك عبر استخدام التقنيات الكيميائية الحرارية (thermochemical technologies) والتحلل اللاهوائي (anaerobic digestion) التي تم تحديدها كأفضل حلول لتحويل النفايات إلى طاقة في البحرين.[69]

على الرغم من أن تحويل النفايات إلى طاقة يعتبر خطوة إلى الأمام في إدارة النفايات في البحرين، إلا أنها ليست طريقة مثالية لاستعادة المواد، ولا سيما المنسوجات، ذلك أن مسألة المفاضلة بين اعتماد إعادة التدوير أو تحويل النفايات إلى طاقة – من جهة تأثيرها الإيجابي على البيئة في البحرين – يعتمد على "معدل الاستبدال" (replacement rate)، أو مقدار المواد المعاد تدويرها التي تحل مكان المواد الخام في عملية الإنتاج. فقد أثبتت الدراسات أن إعادة استخدام المنسوجات وإعادة تدويرها، كما يحصل حالياً بنسبة تزيد عن 20٪ في السويد وأكثر من 35٪ في الدنمارك، تقلل من الضغط على موارد الأرض والمياه،[70] كما تشير الدراسات أيضاً إلى أن مكاسب معدل الاستبدال من إعادة التدوير أكبر من تلك التي يمكن تحقيقها من خلال التحويل إلى طاقة في البلدان التي تستخدم الآليتين معاً.[71] ونضيف إلى ذلك أن معظم التأثيرات البيئية المرتبطة بصنع المنسوجات تأتي من مراحل إنتاج الألياف وغزل الخيوط والنسيج والحياكة والتشطيب والصباغة،[72] وبناء على ذلك، وبالأخص مع كون البحرين ودول الخليج دولاً مستوردة ترتبط بصمتها البيئية العالمية باستهلاك موارد البلدان الأخرى والانتفاع من التدهور البيئي في مناطق وبلدان خارجة عن حدودها، فإن إعادة التدوير وإعادة الاستخدام واستعادة المواد تبقى أموراً مهمة للغاية، سيكون لها تأثير إيجابي أكبر على البيئة من تحويل النفايات إلى طاقة.

 

علاقات العمل والصناع والأزياء  

تنقسم القوى العاملة في قطاع الأزياء في الخليج إلى ثلاث فئات. تشمل الفئة الأولى العمالة المهاجرة، التي تعمل في كثير من الأحيان بأجور قليلة في أدوار مثل الخياطة، والمبيعات، وحتى العمل المنزلي (غسل الملابس في المنزل) وجمع النفايات. وقد يبدو أن المثالين الأخيرين بالذات لا يتعلقان بقطاع الأزياء، ولكن هذا هو ما يسعى نموذج دورة الحياة إلى إبرازه تحديداً، حيث تتضمن دورة حياة الملابس مراحل الغسل وفي نهاية المطاف التخلص في مكب النفايات. أما النوع الثاني من العمالة فيشمل الأيدي العاملة المحلية في المنسوجات والحرف اليدوية والملابس التراثية وكذلك المصممين المحليين. وتعتبر هذه فئة منفصلة عن الفئة السابقة، فبينما قد تكون أجور هذه المجموعة منخفضة في كثير من الأحيان، يبقى أن حقوقهم كمواطنين في البحرين وحصولهم على الدعم من المؤسسات المهنية للحرف والأعمال الصغيرة تجعلهم في بعض الأحيان أكثر تمكنّاً في المجتمع. ومع ذلك، فإن العديد من المصممين والصناع المحليين الذين تمت مقابلتهم من أجل هذا البحث يعبرون عن عدم الثقة في قدرتهم على منافسة الشركات العالمية الكبرى التي تبيع الملابس المستوردة بأسعار أقل، وتحدي الانخفاض العام في الطلب على النسيج والصناعات اليدوية المحلية على مدى العقود الأخيرة.[73]  لذلك، فإن تصميم أو خياطة أو صنع الأزياء محلياً في البحرين ليس بالخيار المهني الآمن اقتصادياً في جميع الأحوال.

أخيرا يشمل النوع الثالث من العمالة المدراء التنفيذيين وصناع القرار والاستشاريين في شركات تجارة ومبيعات الأزياء. وتكمن إحدى الطرق لبناء مستقبل أقوى وأكثر إنصافاً لتجارة ومبيعات الأزياء، ونحو اعتماد الحلول "الخضراء الداكنة"، هي التأكد من أن هذه الفئة الثالثة من العمالة ترفع وتحمي وتمكن الفئتين الأوليين على قدم المساواة. بالنسبة للفئة الأولى (العمالة المهاجرة)، فإن هذا يعني ضمان السلامة والأجور العادلة والظروف المعيشية الكريمة. أما بالنسبة للفئة الثانية، فيعني ذلك خلق فرص ممولة وعقود مستقرة، وتوفير سبل التدريب المهني، والاعتراف الجاد بالتصميم والفنون كمهن، ويشمل ذلك المسارات التعليمية وطرق التدريس النقدية التي تستخدم التصميم للاستجابة لقضايا المجتمع الكبرى. وهذا كفيل بأن تساهم الفئة الثالثة في تأسيس ما يسمى "مجتمع صانع ومتمكن" (إشارة إلى إحدى الرؤى الرئيسية التي تصورها 16 مشاركاً من خلال دراسة دلفي)، حيث يتطور المجتمع من خلال أيدٍ عاملة مفوضة بسلطة صنع القرار في أماكن عملها، وتتمتع بحقوق محمية تمكنها من الإبداع وممارسة حرفتها على أكمل وجه. 

وبينما توجد هذه الأنواع الثلاثة من العمالة في قطاع الأزياء في البحرين، فإن النهج "الأخضر الداكن" يستدعي أيضاً إعطاء الأولوية لظروف أولئك الذين يعملون في جميع مراحل دورة حياة المنتج. على وجه الخصوص، يعني هذا العمالة الأجنبية في الدول الأجنبية التي تأتي منها المواد إلى دول الخليج، والتي تنخرط في غالبية مراحل عملية صناعة الملابس ولا سيما أثناء الزراعة والنسيج والصباغة، وكذلك خياطة الملابس نفسها. لذلك، بينما يعد إصلاح القضايا المتعلقة بالعمل المحلي في الأزياء أمراً أساسياً، فإن الواقع المادي اليوم يشمل ظروف العمال الأجانب الذين يشكلون غالبية عمال الملابس في البلدان الآسيوية والتي ينقصها الأمان الوظيفي.

 

الدروس المستنتجة من التفكير في دورة حياة المنتج في الخليج

يمكننا استخلاص عدة دروس ذات أهمية للخليج عبر التفكير في دورة حياة الملابس في البحرين، منها الجمع بين المنفعة المستمدة من مساحات الأزياء وممارساتها الاجتماعية والاعتبارات البيئية التي تتركز في مرحلة النفايات، كون دول الخليج مجتمعات استهلاكية عموماً. فنرى أن التركيز على استعادة المواد على نطاق إقليمي، فضلاً عن تقليل الاستهلاك، يمثل النهج الأكثر فعالية لتقليل التأثير على البيئة.

وأما عبر مراحل الحياة الأخرى للمنتج، فنجد عدة نقاط انطلاق لصياغة التوصيات نحو استدامة الأزياء، والتي تنبع من فكر الاستدامة "الأخضر الداكن" الذي يساوي بين العدالة الاجتماعية والبيئية، والفكر "الأخضر الساطع" الذي يركز بشكل عملي على ابتكار الأدوات الكفيلة بالانتقال إلى نظام اجتماعي تقني جديد. على سبيل المثال، في حين تفتقر البحرين إلى أنظمة إعادة تدوير المنسوجات في نهاية عمرها الافتراضي، إلا أنها تتمتع بثقافة مدنية وبنية تحتية للتجميع قد تتيح المجال لخلق نظام فعال لإدارة نفايات المنسوجات. ومن المحتمل جداً أن يكون لجهود إعادة التدوير على نطاق واسع، سواء المنسوجات أو غيرها، معدلات امتثال كبيرة إذا أعطيت الأولوية كاستراتيجية وطنية. وكمثال آخر ينطوي على مكسب بيئي من الممارسة الاجتماعية في حالة البحرين والخليج، نجد أن تعدد الخياطين والثقافة التي تسهل عملية استخدام القماش المتبقي، توثقان علاقة المرتدي بملابسه بسبب ملائمة الزي لمقاسه الشخصي .وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على "القيمة النفسية"[74] و"طول العمر"[75]  أو مرحلة "استخدام" الملابس،[76] والتوسع في مفهوم "الاستخدام" في السياق البحريني، مثل دور مساحات الأزياء من مجمعات وأسواق والاعتبارات الاجتماعية المرتبطة بها، كل ذلك يثري مناقشة الاستدامة كمفهوم يتعدى التركيز على البيئة المجردة أو التفكير بالموارد فقط. مثلاً حين نوسع مفهومنا للاستدامة ليشمل الدور الاجتماعي وغير الرسمي للمنسقات الاجتماعيات اللواتي يجمعن التبرعات عبر صلاتهن الاجتماعية، أو القيمة الاجتماعية والثقافية للحفاظ على المجتمعات الحرفية، أو فهم ما تمثله الأماكن المختلفة معنوياً للفئات الاجتماعية بتنوعها. كما يمكن لتوسيع فهمنا للاستدامة في التصميم أن يسلط الضوء على سلامة وحقوق العمال وتمكين المصممين الخليجيين من الإبداع والتصميم من داخل سياقاتهم المحلية، ليأتي التصميم بمثابة استجابة لمشاكل المجتمع الراهنة، بدلاً من المبادئ الاستهلاكية المستوردة. وبالتالي فمن المهم الاعتراف بأن التغيير نحو الاستدامة في الخليج متعدد الأوجه، ومع ذلك فإن استخدام نموذج دورة الحياة بإمكانه أن يساعد في تحليل عناصر التغيير نحو الاستدامة في كل مرحلة من حياة المنتج.

 

لقراءة الجزء التالي من الاصدار

لتصفح الاصدار إلكترونيا

الاصدار الكامل PDF


 

[1] The impact of textile production and waste on the environment (European Parliament, 2020).,< https://www.europarl.europa.eu/news/en/headlines/society/20201208STO93327/the-impact-of-textile-production-and-waste-on-the-environment-infographic >.

[2] McFall-Johnsen, M., The fashion industry emits more carbon than international flights and maritime shipping combined. Here are the biggest ways it impacts the planet,” Business Insider, 2019, < https://www.businessinsider.com/fast-fashion-environmental-impact-pollution-emissions-waste-water-2019-10 >.

[3] The impact of textile production and waste on the environment (European Parliament, 2020).,< https://www.europarl.europa.eu/news/en/headlines/society/20201208STO93327/the-impact-of-textile-production-and-waste-on-the-environment-infographic >.

[4] “Bahrain Textiles and Clothing Imports and Exports 2018,” World Integrated Trade Solution, Worldbank.org, 2020, < https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/BHR/Year/LTST/TradeFlow/Import/Partner/by-country/Product/50-63_TextCloth# >.

[5] Al Sabbagh, M. K. et al., “Resource management performance in Bahrain: a systematic analysis of municipal waste management, secondary material flows and organizational aspects,” Waste management & research: the journal of the International Solid Wastes and Public Cleansing Association, ISWA, (2012), vol. 30, issue 8, pp. 813–824, < doi: 10.1177/0734242X12441962 >.

[6]Ryan, C., “Critical Agendas: Designing for Sustainability from Products to Systems,” in Walker, S., Giard, J., and Walker, H. L., “The Handbook of Design for Sustainability,” Bloomsbury Academic, (2013), pp. 408–427. < http://www.bloomsburydesignlibrary.com/bdlcol/encyclopedia-chapter >.

Walker, S. and Giard, J., “The Handbook of Design for Sustainability,” Bloomsbury Academic, (2013), < http://www.bloomsburydesignlibrary.com/bdlcol/encyclopedia-chapter >.

Ceschin, F. and Gaziulusoy, I, “Evolution of design for sustainability: From product design to design for system innovations and transitions,” Design Studies, (2016), vol. 47, pp. 118–163, < doi: 10.1016/j.destud.2016.09.002. >.

[7] Rocamora, A. and Smelik, A., “Thinking Through Fashion: A Guide to Key Theorists,” I.B.Tauris, (2016).

[8] Gwilt, A. and Rissanen, T., Shaping Sustainable Fashion: Changing the Way We Make and Use Clothes (London: Routledge, 2011).

[9] Fletcher, K., Craft of Use: Post-Growth Fashion (London: Routledge, 2016).

[10] Ceschin, F. and Gaziulusoy, I., “Evolution of design for sustainability: From product design to design for system innovations and transitions,” Design Studies, (2016), vol. 47, pp. 118–163, < doi: 10.1016/j.destud.2016.09.002 >.

[11] Walker, S. and Giard, J., “The Handbook of Design for Sustainability,” Bloomsbury Academic, (2013), < http://www.bloomsburydesignlibrary.com/bdlcol/encyclopedia-chapter >.

[12] Ryan, C., “Critical Agendas: Designing for Sustainability from Products to Systems,” in Walker, S., Giard, J., and Walker, H. L., “The Handbook of Design for Sustainability,” Bloomsbury Academic, (2013), pp. 408–427. < http://www.bloomsburydesignlibrary.com/bdlcol/encyclopedia-chapter >.

[13] Johnpaul Kusz, “A New Design Ethic for a New Reality,” in “The Handbook of Design for Sustainability.”

[14] “(1987) Brundtland Report,” World Commission on Environment and Development (WCED), U. N., (1987), < https://www.are.admin.ch/are/en/home/nachhaltige-entwicklung/internationale-zusammenarbeit/agenda-2030-fuer-nachhaltige-entwicklung/uno-_-meilensteine-zur-nachhaltigen-entwicklung/1987--brundtland-bericht.html >.

[15] Ceschin, F. and Gaziulusoy, I., “Evolution of design for sustainability: From product design to design for system innovations and transitions,” Design Studies, (2016), vol. 47, pp. 118–163, < doi: 10.1016/j.destud.2016.09.002. >.

[16] Gaziulusoy, A. I., System Innovation for Sustainability: A Scenario Method and a Workshop Process for Product Development Teams, PhD Thesis. (University of Auckland, 2010), < https://researchspace.auckland.ac.nz/handle/2292/6106 >.

[17] Deakin, S., The Contribution of Labour Law to Economic Development & Growth (London: Centre for Business Research, University of Cambridge 2016), p. 28.

[18] Walker, B. et al., “Resilience, Adaptability and Transformability in Social–ecological Systems,” Ecology and Society, (2004), vol. 9, issue 2, < https://www.jstor.org/stable/26267673 >.

[19] Faber, N., Jorna, R. and Engelen, J. V., “The sustainability of “sustainability”: A study into the conceptual foundations of the notion of “sustainability",” Journal of Environmental Assessment Policy and Management, (2005), vol 7, issue 1, pp. 1–33.

Hjorth, P. and Bagheri, A., “Navigating towards sustainable development: A system dynamics approach,” Futures, (2006), vol. 38, issue 1, pp. 74–92, < doi: 10.1016/j.futures.2005.04.005. >.

[20] Ceschin, F. and Gaziulusoy, I., “Evolution of design for sustainability: From product design to design for system innovations and transitions,” Design Studies, (2016), vol. 47, pp. 118–163, < doi: 10.1016/j.destud.2016.09.002. >.

[21] المرجع نفسه.

[22] “Sustainable City rated Dubai’s ‘happiest’ community,” Gulf News, 2017, < https://gulfnews.com/business/property/sustainable-city-rated-dubais-happiest-community-1.2013476 >.

[23] Molotch, H. and Ponzini, D., The New Arab Urban: Gulf Cities of Wealth, Ambition, and Distress (New York: NYU Press, 2019).

[24] Steffen, A., “Bright Green, Light Green, Dark Green, Gray: The New Environmental Spectrum,” World Changing, 2009, < https://web.archive.org/web/20160112194947/http://www.worldchanging.com/archives/009499.html >.

[25] Hildebrandt, J. et al., “Are Consumers in the Gulf States Ready to Go Green?” BCG Global, 2021, < https://www.bcg.com/publications/2021/gulf-state-consumer-sentiment-toward-green-agenda >.

[26] Madge, P., “Ecological Design: A New Critique,” Design Issues, (1997), vol. 13, issue 2, pp. 44–54, < doi: 10.2307/1511730. >.

 Ryan, C., “Critical Agendas: Designing for Sustainability from Products to Systems,” in Walker, S., Giard, J., and Walker, H. L., “The Handbook of Design for Sustainability,” Bloomsbury Academic, (2013), pp. 408–427. < http://www.bloomsburydesignlibrary.com/bdlcol/encyclopedia-chapter >.

[27] Steffen, A., “Bright Green, Light Green, Dark Green, Gray: The New Environmental Spectrum,” World Changing, 2009, < https://web.archive.org/web/20160112194947/http://www.worldchanging.com/archives/009499.html >.

[28] ويرتبط الموقف الفلسفي للفكر الأخضر الداكن بأفكار الإيكولوجيا العميقة(deep ecology)  وما بعد المادية (post-materialism) والكلية  (holism) وفرضية غايا لجيمس لوفلوك و دراسات فريتجوف كابرا.

[29] Irwin, T., Designing for Systems-Level Change (Lecture) (London: Central Saint Martins, 7 June 2018).

[30] Steffen, A., “Bright Green, Light Green, Dark Green, Gray: The New Environmental Spectrum,” World Changing, 2009, < https://web.archive.org/web/20160112194947/http://www.worldchanging.com/archives/009499.html >.

[31] Robertson, R., “A Brighter Shade of Green: Rebooting Environmentalism for the 21st Century,” Ecology, politics, and consciousness, 2007, < https://web.archive.org/web/20130403234653/http://www.enlightennext.org/magazine/j38/bright-green.asp?page=2 >.

[32]  المرجع نفسه.

[33] Okoli, C. and Pawlowski, S. D., “The Delphi method as a research tool: an example, design considerations and applications,” Information & Management, (2004), vol. 42, issue 1, pp. 15–29, <doi: 10.1016/j.im.2003.11.002 >.

[34] “Bahrain Textiles and Clothing Imports and Exports,” World Integrated Trade Solution, Worldbank.org, (2018), < https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/BHR/Year/LTST/TradeFlow/Import/Partner/by-country/Product/50-63_TextCloth# >.

[35] المرجع نفسه.

[36] Gwilt, A. and Rissanen, T., Shaping Sustainable Fashion: Changing the Way We Make and Use Clothes (UK: Routledge, 2011).

[37] “Countries by Cotton Production,” AtlasBig, < https://www.atlasbig.com/en-gb/countries-by-cotton-production >.

[38] المرجع نفسه.

[39] “Environmental Impact,” The True Cost, < https://truecostmovie.com/learn-more/environmental-impact >.

[40] “Global Polyester (Fiber, PET Resin & Film) Market 2019-2023 with Focus on China,”  ResearchAndMarkets.com, Business Wire, (2019),  < https://www.businesswire.com/news/home/20190725005452/en/Global-Polyester-Fiber-PET-Resin-Film-Market-2019-2023-with-Focus-on-China---ResearchAndMarkets.com >.

[41] “Polyester Fibres: Chemical Economics Handbook,” IHS Markit, (2020), < https://ihsmarkit.com/products/polyester-fibers-chemical-economics-handbook.html >.

[42] “Bahrain Textiles and Clothing Imports and Exports,” World Integrated Trade Solution, Worldbank.org, (2018), < https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/BHR/Year/LTST/TradeFlow/Import/Partner/by-country/Product/50-63_TextCloth# >.

[43] مقابلات مع مصممين محليين، 2018.

[44] حسين، م. ح.، مهنة النسيج في بني جمرة: تاريخها ووصفها ورجالاته (البحرين: إصدارات الوسط، 2011).

[45] مقابلة، صانع نسيج محلي، 2018.

[46] مقابلات مع مصممين محليين، 2018.

[47] مقابلات مع مصممين محليين، 2018.

[48] ورشة عمل مع مصممين محليين، 2018.

[49] al-Kazi, L. A., “Gulf Societies: Coexistence of Tradition and Modernity,” in Alsharekh, A. and Springborg, R. (eds), Popular Culture and Political Identity in the Arab Gulf States (London: Saqi Books, 2008).

[50] مقابلات مع خياطين محليين، 2018.

[51] BH-US Free Trade Agreement (Bahrain: MOIC, 2018), < https://www.moic.gov.bh/en/Tiles/ForeignInvestment/free-trade-area-agreement >.

Al-Khalifa, L. A., Foreign Direct Investment in Bahrain (Universal-Publishers, 2010).

[52] Bair, J., Frederick, S. and Gereffi, G., Bahrain’s Position in the Global Apparel Value Chain: How the U.S.-Bahrain FTA and TPLs Shape Future Development Options (Washington: Embassy of Bahrain, 2016), < doi: 10.13140/RG.2.1.3097.0963. >.

[53]  المرجع نفسه.

[54] مقابلة، ناشطة اجتماعية، 2018.

[55] مقابلة، مستشار وصاحب عمل محلي يركز على البيئة، 2018.

[56] Ricketts, L. and Skinner, B., “Shop LOREM (not Ipsum),” Atmos Magazine, (2019) vol. 2, < https://loremnotipsum.com/product/atmos-magazine-volume-2/ >.

[57] Dead White Man’s Clothes < https://deadwhitemansclothes.org/donate >.

[58] Al Sabbagh, M. K. et al., “Resource management performance in Bahrain: a systematic analysis of municipal waste management, secondary material flows and organizational aspects,” Waste management & research: the journal of the International Solid Wastes and Public Cleansing Association, ISWA, (2012), vol. 30, issue 8, pp. 813–824, < doi: 10.1177/0734242X12441962 >.

 Zafar, S., “Solid Waste Management in Bahrain,” EcoMena, 18 July 2020, < https://www.ecomena.org/solid-waste-bahrain/ >.

[59] Zafar, S., “Solid Waste Management in Bahrain,” EcoMena, 18 July 2020, < https://www.ecomena.org/solid-waste-bahrain/ >.

[60] Al Sabbagh, M. K. et al., “Resource management performance in Bahrain: a systematic analysis of municipal waste management, secondary material flows and organizational aspects” Waste management & research: the journal of the International Solid Wastes and Public Cleansing Association, ISWA, (2012), vol. 30, issue 8, pp. 813–824, < doi: 10.1177/0734242X12441962 >.

[61] Stanes, E. and Gibson, C., “Materials that linger: An embodied geography of polyester clothes,” Geoforum, (2017), vol. 85, pp. 27–36, < doi: 10.1016/j.geoforum.2017.07.006. >.

[62] Shen, M. et al., “(Micro)plastic crisis: Un-ignorable contribution to global greenhouse gas emissions and climate change,” Journal of Cleaner Production, (2020), vol. 254, p. 120138. <doi: 10.1016/j.jclepro.2020.120138. >.

[63] Stanes, E. and Gibson, C., “Materials that linger: An embodied geography of polyester clothes,” Geoforum, (2017), vol. 85, pp. 27–36, < doi: 10.1016/j.geoforum.2017.07.006. >.

[64] مقابلة، مستشار وصاحب عمل محلي يركز على البيئة، 2018.

[65] Al Sabbagh, M. K. et al., “Resource management performance in Bahrain: a systematic analysis of municipal waste management, secondary material flows and organizational aspects,” Waste management & research: the journal of the International Solid Wastes and Public Cleansing Association, ISWA, (2012), vol. 30, issue 8, pp. 813–824, < doi: 10.1177/0734242X12441962 >.

[66] نفس المرجع السابق.

 Al-Ansari, M., “Municipal solid waste management systems in the Kingdom of Bahrain,” International Journal of Water Resources and Environmental Engineering, (2012), vol. 4, issue 5, pp. 150–161.

[67] Al Sabbagh, M. K. et al., “Resource management performance in Bahrain: a systematic analysis of municipal waste management, secondary material flows and organizational aspects.”

[68] Alsabbagh, M., “Mitigation of CO2e Emissions from the Municipal Solid Waste Sector in the Kingdom of Bahrain,” Climate, (2019), vol. 7, issue 8, p 100, < doi: 10.3390/cli7080100. >.

[69]  Blanchard, R. et al., “An Evaluation of Waste Management for Energy Recovery for Bahrain,” In: Ghosh, S. K. (ed.), Sustainable Waste Management: Policies and Case Studies (Singapore: Springer, 2019), pp. 247–261, <doi: 10.1007/978-981-13-7071-7_22. >.

[70] Roos, S. et al., “White paper on textile recycling,” Mistra Future Fashion, (2019), vol. 9, p. 58.

[71] Schmidt, A., Gaining Benefits from Discarded Textiles: LCA of Different Treatment Pathways (Nordic Council of Ministers, 2016).

 Sandin, G. and Peters, G. M., “Environmental impact of textile reuse and recycling – A review,” Journal of Cleaner Production, (2018), vol. 184, pp. 353–365, < doi: 10.1016/j.jclepro.2018.02.266. >.

 Bodin, R., “To Reuse or to Incinerate? : A case study of the environmental impacts of two alternative waste management strategies for household textile waste in nine municipalities in northern Stockholm, Sweden,” KTH Library, < http://urn.kb.se/resolve?urn=urn:nbn:se:kth:diva-192876 >.

[72] Roos, S. et al., “White paper on textile recycling,” Mistra Future Fashion, (2019), vol. 9, p. 58.

[73] ورشة عمل مع مصممين محليين, 2018.

[74] Haug, A., “Defining “Resilient Design” in the Context of Consumer Products,” The Design Journal, (2017), pp. 1–22, < doi: 10.1080/14606925.2018.1395265 >.

[75] Durrani, M., Ravnlokke, L. and Niinimaki, K., “Shared Emotional Values in Sustainable Clothing Design Approaches,” ResearchGate, Circular Transitions Conference, Centre for Circular Design, (2016), < https://www.researchgate.net/publication/325581580_Shared_Emotional_Values_in_Sustainable_Clothing_Design_Approaches >.

    Hebrok, M., “Design for longevity: Taking both the material and social aspects of product-life into account,” Journal of Design Research, (2014), vol. 12, p. 204, < doi: 10.1504/JDR.2014.064232 >.

    Niinimäki, K. and Koskinen, I., “I Love this Dress, It Makes Me Feel Beautiful! Empathic Knowledge in Sustainable Design,” The Design Journal, (2011), vol 14, issue 2, pp. 165–186, < doi: 10.2752/175630611X12984592779962 >.

[76] Fletcher, K., Craft of Use: Post-Growth Fashion (London: Routledge, 2016).

    Selvefors, A. et al., “Re-framing Product Circularity from a User Perspective”, 2018, < doi: 10.21606/dma.2018.652. >.

 



الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها