الثابت والمتحول 2020: الاستدامة في الخليج
2.6 المدينة والاستدامة في دول الخليج العربية: مشروع الشمال نموذجاً – عبدالله الخنيني
-
الزيارات: 3007
مقدمة
الاستدامة، وهي موضوع هذا الإصدار، تضم معان كثيرة، فإذا سألنا عن مفهوم الاستدامة فإن الجواب سيختلف من شخص إلى آخر. لذا وجب تقنين هذه الكلمة وتحديد مفهوم الاستدامة التي سأتطرق إليها في هذه الورقة البحثية. إذا نظرنا إلى تعريف الاستدامة من ناحية تنموية، نجد أن التنمية المستدامة تعني "التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم"،[1] كما جاء في تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية عام 1987 بعنوان "مستقبلنا المشترك". هذا المستقبل المشترك ينبغي أن يتضمن أهدافاً قائمة على التخطيط المشترك في صنع القرار، بحيث تكون التنمية مستدامة للأجيال القادمة.
هذه الورقة البحثية ستركز على الاستدامة العمرانية من الناحية الاجتماعية والسياسية، وستأخذ مدن دولة الكويت كحالة دراسة، وتحديداً مشروع مدينة الشمال ومقارنته مع نظرائه في باقي دول المجلس. الورقة مقسمة إلى ثلاثة أقسام رئيسية. ويتناول القسم الأول النظرة الأولية لمشروع منطقة الشمال وهو موضوع دراسة الحالة في هذه الورقة، بينما يركز القسم الثاني على التسلسل الزمني للمشروع منذ طرح فكرة مدينة الشمال للمرة الأولى إلى اليوم. وأخيراً يتطرق القسم الثالث إلى موضوع المشاركة المجتمعية والشعبية في تعمير المدينة الجديدة، وهل نحن بحاجة إلى مدينة جديدة أصلاً؟ وفي هذا القسم سأقوم بسرد نقدي لمشروع تخطيط المدينة بين الماضي والحاضر، تمهيداً لتناول المشاركة السياسية-الشعبية في صنع القرار، وتحديداً قرار مشروع منطقة الشمال، من بعد الاقتصاد السياسي وعلاقة مشروع منطقة الشمال بالمشاريع المشابهة له في الخليج.
منذ نشأتها كمدينة في القرن الثامن عشر، مرت الكويت بتوسعات عمرانية وتحديات سياسية واقتصادية عدة. فمنذ نهاية القرن الثامن عشر إلى بداية القرن العشرين تمت توسعة المدينة وبناء ثلاثة أسوار على فترات زمنية متباعدة لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، نذكر منها: الحماية، والتحكم بحركة المرور والتجارة، وكذلك التوسعة العمرانية وزيادة عدد السكان.[2] جميع هذه الأسباب، بالإضافة إلى اكتشاف وتصدير النفط في الأربعينات من القرن العشرين ومضاعفة ميزانية الدولة، دفعت السلطة آنذاك وعلى رأسها الأمير الشيخ عبدالله السالم إلى تطوير وتغيير مدينة الكويت القديمة.[3] هذه النقلة الجوهرية في تاريخ الكويت الحديث دفعت بالحكومة إلى تثمين المدينة القديمة وهدمها، تمهيداً لبناء مدينة جديدة واستبدال البيوت الأصلية داخل السور بمناطق حديثة خارج السور. ومنذ تلك اللحظة أصبح هنالك مصطلحان يرمزان للمدينة، المدينة القديمة (قبل النفط) والمدينة الحديثة أو الحالية (بعد النفط).
رافق هذه النقلة التحولية في تاريخ الكويت تغيير اجتماعي أكبر ما زال أثره ملموساً إلى اليوم. هذا التغيير الاجتماعي صاحب طفرة تصدير النفط واستقلال الكويت من المستعمر البريطاني وهدم المدينة القديمة.[4] جميع هذه العوامل أدت إلى تغيير نمط الحياة الاجتماعية من بعد اكتشاف النفط. وتميزت هذه الفترة بشح الموارد وضيق العيش، لكن ذلك أدى إلى حالة اجتماعية كانت تتسم بالتعاطي المباشر بين مختلف الطبقات الاجتماعية، على الرغم من التفاوت الطبقي فيما بينها، مثل: البحث عن اللؤلؤ، والتجارة البحرية والبرية، وإعادة استخدام الموارد الطبيعية المتوفرة حينها. أما اليوم، فقد أدى نمط الحياة في فترة ما بعد النفط ووفرة الموارد، إلى خلق وظائف مكتبية واختلاف مراكز القوى والمساحة مقارنة بفترة ما قبل النفط.[5] ترافق هذا التحول مع إعادة تصور لمؤسسات الدولة التي تضمنها دستور الكويت سنة 1961، فأصبح للدولة ثلاث سلطات تتقاسم صنع القرار وتتعاون فيما بينها.[6] هذا التغيير أثر في علاقة السكان بالمساحات العامة والعمرانية، فتحولت المدينة القديمة التي تضمنت بنيتها أشكالاً من الشراكة المجتمعية إلى علاقة "أقل تشاركية"، ليس من الناحية الدستورية أو المؤسسية فحسب، ولكن من الناحية العمرانية والبنائية في المدينة.[7] فأصبحت الدولة هي المسؤولة عن نهج التخطيط فوقياً (top-down). وفي هذه الورقة البحثية سأقوم بتسليط الضوء على سلطتين، التنفيذية والتشريعية، بالإضافة إلى دور المجتمع المدني في قرار التخطيط لمدينة جديدة.
تولت السلطة التنفيذية مشروع خطة الدولة الأولى (Kuwait First Masterplan) في منتصف الخمسينات.[8] ولدت هذه الخطة من إيرادات تصدير شحنات النفط بهدف التوسع العمراني خارج السور وإعادة تصور مدينة الكويت الجديدة، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، حيث أن التغييرات الاجتماعية وتعداد السكان قد ازدادا بشكل أسرع من المتوقع.[9] أضف إلى ذلك أن السلطة التنفيذية آنذاك تعاونت مع شركات أجنبية مثل Minoprio وSpencely and Macflarlane لتطوير المدينة الجديدة، وهي شركات لم تكن متحصلة بالضرورة على المعرفة اللازمة بمتطلبات مجتمع ما قبل النفط، بسبب شح المصادر والبيانات المتعلقة بالكويت، ما أدى بهم إلى تصميم المدينة الحديثة حسب ما كان متاحاً من بيانات من قبل الحكومة في تلك الفترة ومن ثم الارتكان إلى نمط المدينة الأوروبية الحديثة، التي لا توافق متطلبات المجتمع بالضرورة.[10]
أدت هذه التحولات إلى تحديات جديدة طرأت على مدينة ما بعد النفط، أهمها عدم استدامة عمران المدينة الجديدة وعجزه عن التكيف مع التغيرات التي حدثت داخل المجتمع في الكويت. ومن أهم هذه المتغيرات:
1) تضاعف التعداد السكاني بشكل سريع خلال السنوات الأولى من تصدير النفط.[11]
2) تم تصميم سبل التنقل في المدينة بشكل أساسي للسيارات، مما أدى لاحقاً إلى خلق أزمة مرورية.[12]
3) لم ينظر إلى الموارد المحدودة مثل الكهرباء وتلك النادرة مثل المياه العذبة بعين الاعتبار.[13]
وهذه المؤشرات من تعداد سكاني وموارد لم يتم ربطها بمشروع التوسعة بالشكل السليم، ما أدى إلى فشل الخطة الأولى، حيث أن كافة المعطيات للخطة الأولى لم تكن دقيقة من ناحية التوقعات،[14] ولا حتى الخطة الثانية التي اقترحت المدن الجديدة التي لم ترى النور حتى اليوم كما سنبين.
مشروع المنطقة الشمالية: نظرة أولية
تم ذكر مدينة الشمال (مدينة راس الصبية، ثم تغير اسمها إلى مدينة الحرير) في خطة الدولة الثانية (Kuwait Second Masterplan) سنة 1977،[15] وفي نفس تلك الخطة جاء ذكر عدة مدن أخرى، فعلى سبيل المثال هناك مدينة الخيران الجنوبية والمدينة الغربية، لكن تلك المدن لم تحظ بشعبية مدينة الحرير. تم اقتراح هذه المدن من قبل شركة Shakland and Cox البريطانية، التي قامت بتفادي أخطاء الخطة الأولى واقتراح المدن الجديدة كحل لمشكلة ازدياد أعداد السكان والنمو العمراني السريع الذي كانت تمر به الكويت في تلك الفترة.[16] مدينة الحرير جاءت كحل سحري وملائم للتوجه العمراني العام آنذاك، فنحن قد قمنا بهدم المدينة القديمة وانتقلنا إلى المدينة الحديثة. إذن اقتراح المدن الجديدة، ومدينة الحرير خصيصاً، يشهد على الحالة الاستثنائية التي كانت تعيشها الكويت.
مر المشروع بعدة تغيرات منذ السبعينات إلى اليوم، حيث أضيفت عدة مشاريع تطويرية إلى المدينة، مثل ميناء مبارك الكبير (تاريخ الانتهاء سنة 2021) وجسر الشيخ جابر (افتتح سنة 2019)، فضلاً عن تطوير الجزر الخمسة وأهمها جزيرة فيلكا. هذه المشاريع أتت كمكمل للمشروع الأكبر وهو مدينة الحرير، وهو المشروع الرئيسي من ناحية رؤية الدولة للاستدامة الاقتصادية والدفع بتنوع الاقتصاد، خصوصاً تحويل الكويت إلى مركز مالي واقتصادي.[17]
ينطوي مشروع منطقة الشمال إذن على عدة مشاريع، وله أكثر من مسمى على فترات زمنية مختلفة، فالأصل كان مدينة شمال الصبية، ثم جرت تسميتها بمدينة الحرير. ولاحقاً، تم إدراج ميناء مبارك كميناء مرادف للمدينة الشمالية، وتطوير الجزر الخمس كمشروع ثقافي وترويحي مكمل للمدينة. ومؤخراً اقترح مسمى "المنطقة الشمالية الاقتصادية" كمظلة لكل هذه المشاريع التنموية. وخلال هذه الورقة سأقوم باستخدام اسمي "مدينة الحرير" و"المنطقة الشمالية" بالتبادل لوصف لهذه البقعة الجغرافية.
التسلسل التاريخي للمشروع
لم يتم تفعيل أي من مخططات المدن المذكورة منذ ذكر المدن الجديدة في خطة الدولة الثانية (Kuwait Second Masterplan)، وقد يكون الأمر مرتبطاً بالأزمات المالية والأمنية التي مرت بها البلاد بتلك الفترة من أزمة سوق المناخ في سنة 1982 وصولاً إلى الغزو العراقي للكويت سنة 1990. ومنذ تحرير دولة الكويت،[18] فقد كان الهدف الأساسي للحكومة إصلاح البنية التحتية لمدينة الكويت وضواحيها قبل البدء بأي مشروع جديد.
بداية إعادة إحياء المشروع كانت من خلال المرسوم الأميري رقم 240 لسنة 2012، الذي تضمن إنشاء جهاز تطوير مدينة الحرير (الصبية) وجزيرة بوبيان. كان للجهاز مهام مرتبطة بالخطة الإنمائية التي تقدمت بها الحكومة آنذاك، أهمها: متابعة وإدارة ميناء مبارك الكبير، واستكمال الأعمال الاستشارية لتنفيذ المخطط الهيكلي لمدينة الحرير ووضعها ضمن إطار زمني، وغيره. يحصل الجهاز على ميزانية سنوية، وله الحق في إبرام العقود اللازمة لتنفيذ بعض أعمال البنية التحتية.[19] ثم جاء المرسوم الأميري الثاني رقم 154 لسنة 2014 ليعزز من صلاحيات المرسوم الأول من الناحية التنفيذية ويحدد صلاحيات الجهاز بالتعاقد مع الاستشاريين والخبراء العالميين لتحضير وتجهيز مدينة الحرير، كما حدد المرسوم عضويات الجهاز ومجلس الإدارة وألزمهم بتحديد لائحة داخلية تنظم أعماله وكيفية عقد الاجتماعات ومدى دقتها.[20]
وفي نفس السنة 2014 تقدم مجموعه من النواب باقتراح لإنشاء الهيئة العامة لمدينة الحرير وجزيرة بوبيان. تضمن هذا الاقتراح عدة بنود وتفاصيل تحدد سلطة الهيئة ولكنه بنفس الوقت تعارض مع عمل عدة مؤسسات في الدولة (على سبيل المثال: تضمن الاقتراح استثناء ديوان المحاسبة والرقابة المسبقة)، وكذلك يعطي الاقتراح سلطة شبه مستقلة للهيئة بعيداً عن مؤسسات الدولة التنفيذية والرقابية والقضائية الموجودة. كان مصير الاقتراح الرفض من قبل اللجنة، ولاحقاً تم حل مجلس الأمة مما أدى إلى سقوط الاقتراح من جدول الأعمال. أشار تقرير اللجنة التشريعية والقانونية التي تناولت دراسة الاقتراح إلى أن هذا الاقتراح مماثل لما جاء به المرسوم السابق، لكنه بنفس الوقت لم يقم بالإشارة إلى الأسباب التي أدت إلى عدم تفعيل المرسوم، فبالتالي كان هناك خلل في تفعيل جهاز تطوير مدينة الحرير كما أشار التقرير، ولم يتمكن الاقتراح من إيجاد حل لهذا الخلل.[21] ولعل ذلك يبين سبب إصدار المرسوم الأميري الثاني في 2014 لإعطاء الجهاز سلطة استشارية تنفيذية شبة مستقلة.
وبعد ذلك، في نهاية سنة 2017 جاءت مشاركة الشيخ ناصر صباح الأحمد، ابن أمير البلاد الحالي، في التشكيل الوزاري كمحرك رئيسي للدفع بعجلة مشروع الشمال ومدينة الحرير. تولى الشيخ ناصر عدة مناصب حيوية منها نائب أول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، بالإضافة إلى كونه رئيس المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية.[22] وتمثل الدور المحوري الذي تبناه الشيخ ناصر في تفعيل جهاز تطوير مدينة الحرير وجزيرة بوبيان عن طريق رئيس الجهاز السيد فيصل المدلج، ومن ناحية أخرى أضاف الشيخ ناصر ثقل وقوة سياسية داخل الحكومة وفي مجلس الأمة كونه ابن الأمير، والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
خلال سنة من دخوله إلى التشكيل الوزاري، قام الشيخ ناصر صباح الأحمد بتوقيع اتفاقيات مشتركة مع جمهورية الصين كشريك استراتيجي في مشروع الشمال ومدينة الحرير. لم تكن هذه الاتفاقيات الرسمية بين الدولتين الخطوة الوحيدة التي تبناها نائب رئيس مجلس الوزراء، بل امتدت إلى الحياة الاجتماعية. فخلال نفس الفترة يناير 2019، قام فريق العمل الخاص بمكتب الشيخ ناصر بزيارة دواوين الكويت لعرض ونقاش رؤية الكويت 2035 والتركيز على مشروع الشمال ومدينة الحرير.[23] أتت هذه الخطوة لتأكد على أهمية التوافق الحكومي-النيابي-الشعبي من ناحية، وللتأكيد على أهمية المشروع لاستدامة تنمية ما بعد النفط من ناحية أخرى.
وفي سنة 2019 تقدمت الحكومة بمشروع قانون إلى مجلس الأمة لإنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية، وفي نفس الوقت قامت بإلغاء مرسوم إنشاء الجهاز لتطوير مدينة الحرير تمهيداً لمشروع القانون الجديد.[24] يتضمن مشروع القانون الجديد سلطة مطلقة للمؤسسة التي ستدير المنطقة الاقتصادية، فإذ تؤكد المادة الأولى من المشروع بقانون بأن المنطقة الجديدة تحت سيادة الدولة كاملة، إلا أنه بالنظر لباقي المواد يظهر أن المشروع يقدم صلاحيات تنفيذية كاملة لمجلس الأمناء دون أي نوع من الرقابة أو المحاسبة من قبل أي مؤسسة أخرى في الدولة على المنطقة الاقتصادية الشمالية.[25] وتقوم اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة بمناقشة المشروع حتى وقت كتابة هذه السطور، وقد بيّن بعض من النواب معارضتهم لهذا المشروع كونه يتعارض مع بعض مؤسسات الدولة ويتخطى البعض الآخر بشكل قد يشكل شبهة دستورية لاحقاً.[26] وحتى تاريخ كتابة هذه الورقة لم تبت اللجنة في القضية بعد.
وفي نوفمبر من سنة 2019، قام أمير البلاد بإعفاء الشيخ ناصر صباح الأحمد من منصبة كوزير للدفاع ونائب أول لرئيس مجلس الوزراء بمرسوم أميري بالإضافة إلى استقالة الحكومة كاملة بسبب قضية فساد تم إحالتها للنيابة العامة.[27] هذا التغيير المفاجئ الذي طرأ على التشكيل الوزاري وتعطيل جلسات مجلس الأمة بسبب استقالة الحكومة أدى إلى تأجيل تقرير اللجنة المالية والاقتصادية وكذلك تأخير نقاش مشروع منطقة الشمال في مجلس الأمة.
بدى واضحاً من خلال تتبع التسلسل التاريخي للمشروع بأن هناك خلل في تفعيل إدارة مشروع مدينة الحرير حتى جاء الشيخ ناصر صباح الأحمد. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة تحرك المشروع سياسياً واجتماعياً ودبلوماسياً.[28] وسأتطرق خلال القسم القادم إلى مدى فاعلية الدور الشعبي في المشاركة بقرار مشروع الشمال.
المشاركة المجتمعية: هل نحن بحاجة إلى مدينة جديدة؟
السؤال المطروح في عنوان هذا القسم يبقى سؤالاً بلا إجابة، فهو سؤال دائم في الذهن منذ أن قررت أن أبحث في موضوع مدينة الحرير. بعد التسلسل التاريخي لمراحل المشروع، سأقوم بعقد مقارنة تحليلية بين الخطط السابقة لمدينة الكويت (الأولى، والثانية على وجه التحديد) والخطة المتوقعة لمشروع الحرير حسب ما قدمه البرنامج الحكومي. بعد ذلك سأنظر إلى دور المشاركة السياسية-الشعبية في قرار مدينة الحرير وأتناولها بالنقد، خصوصاً الدور السياسي في إصدار تشريع للمدينة الجديدة من خلال لجان مجلس الأمة. وأخيراً، سأقوم بالنظر إلى فعالية المجتمع المدني من عدمها في المشاركة في صنع القرار.
بين الماضي والمستقبل: مقارنة بين الخطط السابقة ومخطط منطقة الشمال الاقتصادية
لم تكن المشاركة المجتمعية أو الشعبية إحدى الركائز الأساسية في تطوير خطط الدولة، حيث أن الخطة الأولى رسمت قبل الاستقلال والدستور، بينما الخطة الثانية أتت خلال فترة حل غير دستوري لمجلس الأمة من سنة 1976 إلى 1980، أي أن الخطتان وضعتا في فترات لم يكن لمؤسسات الدولة التي تمثل الشعب (مثل مجلس الأمة) أي سلطة أو دور في صناعة القرار. كذلك يشير محمد فوزي في رسالته للدكتوراه بعنوان "تمدين الكويت منذ الخمسينات" من سنة 1988 إلى أنه تم تطوير الخطتين الأولى والثانية من قبل خبراء أجانب لا يتمتعون بالخلفية المجتمعية التي تؤهلهم لتخطيط مدينة الكويت،[29] فالتخطيط انطلق دون دراسة مسبقة لحاجات المجتمع أو الأفراد الذين سينقلون من المدينة القديمة إلى الضواحي الجديدة. تضيف شريفة الشلفان في دراستها عن "ما بعد تطوير خطة الدولة" والصادرة سنة 2018 إلى كيفية تطوير منطقة الصليبيخات الواقعة بالقرب من ساحل الخليج، حيث تم تطوير المساحات المقاربة للبحر بشكل رئيسي لاستخدام السيارة كوسيلة للتنقل متناسين طبيعة المنطقة السكنية، والعلاقة التاريخية للمجتمع مع البحر، أو الأخذ برأي الساكنين في المنطقة ومتطلباتهم الحياتية في المساحات العامة.[30] بالإضافة إلى ذلك، تشير الشلفان في دراستها إلى أن اغلب الشركات الأجنبية التي قامت بتطوير خطط الدولة قد اتبعت نفس الأسلوب في نقل تجاربهم في المدن الغربية إلى الكويت دون أخذ المتطلبات المجتمعية أو الشعبية بالاعتبار، ما عدا الشركة الإيطالية BBPR التي قامت بمسح ميداني ونظرت إلى تجارب أخرى في المدن العربية والإسلامية المجاورة.[31] هذه الشركة مثلاً اقترحت افتتاح جامعة داخل مدينة الكويت، بحيث تكون حركة الطلاب داخل المدينة سبباً أساسي لحيوية المدينة بشكل يومي، بدلاً من إنشاء الجامعات على أطراف المدينة، وما يستتبعه ذلك من ارتفاع الازدحام المروري ونسبة استهلاك الوقود بحكم تنقل الطلاب إليها يومياً.
وإذا نظرنا إلى مشروع مدينة الحرير، نرى أنه لم تكن هناك أي بوادر حقيقة للأخذ برأي المجتمع منذ طرح الفكرة في السبعينات، لكن هذا التوجه اختلف مع إعادة إحياء المشروع مجدداً في السنوات الأخيرة. فبعد مشاركة الوزير الشيخ ناصر صباح الأحمد والدفع بالمشروع سياسياً واجتماعياً، ظهر الوزير في عدة مقابلات تلفزيونية محلية وصينية للحديث عن المشروع. ومن خلال مقابلته في تلفزيون محطة الكويت الرسمية صرح الوزير بإجراء استطلاع للرأي العام داخل الكويت والأخذ بعينات تجاوزت الثلاثة آلاف رد بالتعاون مع شركة Ipsos لاستطلاع الرأي.[32] هذا التوجه المختلف نوعاً ما عن تجارب الحكومة السابقة في التخطيط والتمدين، ويتناسب مع ما ذكره نايف الغيص وديفيد بولار في دراستهم عن "تسليط الضوء على مستقبل المدن الجديدة – حالة الكويت" والصادرة سنة 2018، حيث قاما باستطلاع رأي الكويتيين والمقيمين في الكويت، وقد أكدت نسبة 85 بالمئة من المشاركين على أهمية الأخذ برأي المجتمع في أي قرار تمديني جديد مثل إنشاء مدينة جديدة.[33] إذن توجه الحكومة الحالي في استطلاع الرأي والتواصل مع المجتمع من خلال زيارة الدواوين يدل على أهمية استطلاع الرأي المجتمعي والمشاركة في اتخاذ القرار لأي مشروع حيوي قادم. ومع ذلك، فإن أسلوب صياغة الحكومة لهذه المشاركة أو استطلاعات الرأي لم يكن متكاملاً، فمثلاً لم يتم أخذ آراء المقيمين غير الكويتيين في الاستطلاع الحكومي، وبالإضافة لذلك استخدم الاستطلاع كجزء من الخطة التسويقية للمشروع وبعناوين للدفع بآراء داعمة للمشروع،[34] ناهيك عن كون الدواوين التي جرت زيارتها منتقاة لتمثل طبقة مجتمعية أسرية معينة ذات خلفية تجارية، وهذا بحد ذاته قد يخلق صبغة نخبوية على مشروع مدينة الحرير.
عند النظر إلى القوانين الخاصة بالعمل في الكويت، فإن قانون التجارة يلزم أن يكون المشروع التجاري مملوكاً لشخص كويتي بنسبة لا تقل عن 51%، وأي شخص غير كويتي يجب أن يكون تحت كفالة شخص كويتي أو شركة اعتبارية ليتمكن من العمل في الكويت.[35] بينما إذا انتقلنا إلى مشروع مدينة الحرير، فإن لغير الكويتي الحق في تملك أي مشروع تجاري بنسبة كاملة حسب القانون المقترح للمنطقة الاقتصادية الشمالية.[36] بالتالي فإن نظام الكفالة سيكون ساري المفعول في مدينة الكويت، بينما قد لا تخضع مدينة الحرير له، كون القانون المقترح ينظر للكويتي وغير الكويتي على حدٍ سواء. هذا التوجه لخلق مدينتين بأنظمة مختلفة في نفس الدولة قد يخلق طبقات اجتماعية جديدة من غير الكويتيين بين المدينتين.
وبالنظر إلى مشروع القانون المقدم ورغم عدم وضوح الآلية التي سيتم اتباعها في مشروع الشمال ومدينة الحرير، فإن مثل هذه القرارات ستخلق خللاً إضافياً في التركيبة السكانية. فوجود مدينة تعمل وفق نظام الكفالة السائد وإلزام الملكية للشخص الكويتي بينما تسمح المدينة الأخرى لغير الكويتي بالتملك دون خيار الكفالة سيقود بلا شك إلى تعميق الخلل السكاني، بالإضافة لخلق طبقات اجتماعية ذات امتيازات معينه دون غيرها. لذلك، علينا التعلم من أخطاء الماضي بدلاً من تكرارها، فقد ذكر عمر الشهابي في دراسته عن "تفاقم الخلل السكاني في دول مجلس التعاون" والصادرة سنة 2014 بأنه لإيجاد حلول للخلل السكاني فإنه يجب تطبيق سياسات متعددة الجوانب مثل: إنشاء مؤسسة مركزية تابعة للدولة مختصة بأمور الهجرة وتبعاتها، والعمل على زيادة التقارب والترابط بين دول العالم العربي، وكذلك جدية دمج وتوطين نسبة من العمالة المقيمة التي تستوفي شروط معينه بما فيها اتقان اللغة العربية.[37]
دور المشاركة الشعبية-السياسية: بين الأمة والبلدية والمدنية
إن دور المشاركة السياسية في إنشاء منطقة الشمال الاقتصادية يعد جانباً محورياً في التوجه الحكومي الأخير.[38] ولكي نتمكن من فهم هذه العلاقة، يجب علينا تعريف القنوات الرسمية في النظام الكويتي للمشاركة بصنع القرار. ونجد أن هناك ثلاثة طرق للمشاركة، وهي:
1) مجلس الأمة ويمثل الجانب التشريعي والقانوني.[39]
2) المجلس البلدي ويتمثل دوره في المتابعة العمرانية ورسم السياسات ذات الصلة.[40]
3) جمعيات النفع العام التي تناقش المجالس أعلاه وتمثل التوجه المجتمعي، مثل الجمعية الاقتصادية الكويتية.[41]
بالنظر إلى دور مجلس الأمة الحالي، نرى أن المجلس يناقش المشروع بقانون الذي تقدمت به الحكومة خلال 2019 كما ذكرت أعلاه في القسم الثاني. هذا المشروع قوبل بردة فعل رافضة من داخل اللجنة الاقتصادية والمالية، حيث صرحت النائبة صفاء الهاشم في مقابلة تلفزيونه بأن المشروع عبارة عن "دولة داخل دولة"،[42] إشارة إلى السلطة الواسعة التي يعطيها القانون للمؤسسة التي ستتولى إدارة هذا المشروع. ومن ناحية أخرى، لم تقم اللجنة البرلمانية إلى الآن بدعوة للجهات المعنية لمناقشة المشروع، حيث منذ بداية دور الانعقاد الرابع لمجلس الأمة في أكتوبر 2019 لم تجتمع اللجنة بشكل كامل حسب تصريح النائبة الهاشم لجريدة الجريدة، حيث هددت باستقالة جماعية من اللجنة المالية إن لم يستجب أعضاء اللجنة للدعوة لحضور النقاش.[43] فحسب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، يجب على اللجنة أن تجتمع بأكثر من نصف العدد كي يكتمل النصاب،[44] وحتى كتابة هذه الورقة لم يحضر إلى اللجنة إلا ثلاثة من أصل سبعة نواب كما صرحت النائبة. إن سلطة اللجنة وصلاحياتها لنقاش وتعديل القوانين ليست موضوع هذه الورقة، لكنها جزء محوري في إشراك الجهات المختلفة مثل القانونيين والمعماريين والجهات التي تمثل المجتمع المدني للأخذ برأيهم وإشراكهم في مثل هذه الأمور. وهذه السلطة متروكة لأعضاء اللجنة المنتخبين من النواب، ورئيس مكتب اللجنة المعين من قبل الأمانة العامة لمجلس الأمة، فهم من يملك الصلاحية لدعوة الجهات الأخرى إلى طاولة النقاش وفق ما يرونه.
ولم يكن لجمعيات النفع العام خلال الفترة الماضية أي دور واضح في منطقة الشمال الاقتصادية، مع أنها إحدى ركائز خطة التنمية 2035 وعامود أساسي في موضوع الاستدامة.[45] إلا أن سبل الحوار مع المجتمع المدني لم تخرج عن إطار زيارات الدواوين للإفصاح والتوعية عن مشروع الشمال كما ذكرنا سابقاً، علماً بأن دور المجتمع المدني في المنطقة الشمالية ومدينة الحرير تحديداً يعتبر جزءاً أساسياً من المخطط. ففي نصوص قانون المنطقة الشمالية، تضمنت إحدى المواد الدعوة إلى المشاركة المجتمعية تحقيقاً للتنمية المستدامة بتخصيص جزء من صافي أرباح المؤسسة التي ستدير المشروع إلى نظام للتنمية المجتمعية وفقاً للضوابط التي ستحددها لاحقاً.[46] هذا بالنسبة للجانب الحكومي. وإذا ما نظرنا إلى الجانب الشعبي ممثلاً في مجلس الأمة، نرى أنه حتى هذه اللحظة لم يتم توجيه أي دعوة لأي جهة ممثلة للمجتمع المدني، في ظل عدم وجود تنسيق نيابي بين أعضاء اللجنة.
أما بالنسبة للمجلس البلدي، فيتمحور دوره الأساسي حول السياسات العامة المعنية بالعمران ووضع المخططات الهيكلية للمناطق السكنية والتجارية.[47] وليس واضحاً بعد إذا سيضطلع بأي دور في منطقة الشمال الاقتصادية، حيث أنه لم تجر مناقشة مشروع الشمال من قبل المجلس البلدي، وأيضاً لصعوبة الحصول على المضابط الخاصة بالمجلس البلدي أو تقارير اللجان. فمثلاً مجلس الأمة لديه قاعدة بيانات إلكترونية كاملة تحتوي على مضابط الجلسات وتقارير اللجان وغيره منذ التأسيس إلى اليوم، بينما لا وجود لمثل هذه القاعدة في المجلس البلدي، إذ لا تتوفر هذه البيانات إلا بطلب رسمي يجب الموافقة عليه من قبل المجلس.
تنحصر طرق المشاركة السياسية-الشعبية الرسمية الثلاثة في الكويت على المشاركة من الكويتيين فقط، فلا يمكن لغير الكويتي الانضمام لجمعية نفع عام[48] أو التصويت في انتخابات المجلس البلدي أو مجلس الأمة.[49] إذن ثلثي سكان مدينة الكويت من المقيمين لن يتمكنوا من المشاركة في قرار مشروع المدينة الشمالية. ومن هؤلاء المقيمين من كان لهم تواجد من بداية القرن العشرين في الكويت عبر أجيال ولم يتمكنوا من الحصول على الجنسية الكويتية، والبعض منهم عديمي الجنسية.[50]
تلخيصاً لهذا القسم، كانت المدينة القديمة جزءاً من منظومة مجتمعية مترابطة، حيث كان لسكان المدينة دور في التوسعة العمرانية والتحديات التي واجهوها في الماضي، لكنها فقدت هذا العنصر المهم خلال تطوير المدينة الحديثة. فجاءت المدينة الحديثة ككائن غريب، حدد صلاحيات خاصة لكلٍ من الكويتي وغير الكويتي، فأحدهم دائم والآخر مؤقت. وتم تقنين آليات التجارة والمواطنة بناءً على الجنسية، هذا بالإضافة إلى تحديد أداة جديدة للتنقل وهي السيارة. وجميع هذه الأمور أدت إلى علاقة اغتراب بين المدينة وسكانها. لاحقاً، رأينا التوجه الحكومي الخجول في الأخذ بموضوع المشاركة المجتمعية والشعبية في مشروع المنطقة الشمالية ومدينة الحرير، والذي يحتاج إلى مشاركة مدنية مجتمعية أصدق وأشمل من قبل المواطنين والمقيمين.
الاقتصاد السياسي – بين الحرير والمنطقة
كما أشرنا أعلاه، فإن بداية مشروع الشمال كان عبارة عن فكرة بناء مدن سكنية جديدة من ضمنها مدينة المنطقة الشمالية. إلا أنه بإعادة إحياء المشروع مجدداً وتحديداً في السنوات الأخيرة فإننا نرى توجهاً مختلفاً، فمدينة الحرير أصبحت الآن مشروعاً اقتصادياً لتقليل الاعتماد على النفط ولتنويع مصادر دخل الدولة وجزءاً رئيسياً من رؤية "كويت 2035" كما أشار لها أعضاء المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية الكويتي.[51]
إن خطوات الإعلان عن مشروع مدينة الحرير مؤخراً مثل تصوريها كمحاولة لجذب الاستثمار الأجنبي وتطويرها كمدينة ذكية[52] يجعل منها نسخه مشابة لمشروع مدينة "نيوم" في المملكة العربية السعودية،[53] أو إذا نظرنا للأمثلة الأخرى المتواجدة في الخليج مثل إمارة دبي فإن مشروع المنطقة الشمالية لا يختلف كثيراً عنها. فالمشروع يهدف إلى تعزيز المنطقة كمركز لوجستي (بوجود ميناء مبارك) ومركز مالي وصناعي تكنولوجي،[54] ولكن إذا نظرنا لإجمالي الإيرادات التي حققتها دبي في القطاعات غير النفطية نجد أنها لم تتعدى 10٪ من إجمالي الإيرادات في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.[55] وربما بدا التوجه الحكومي لمشروع مدينة الحرير مختلفاً بعض الشيء، فمن خلال مقابلة وزير الدفاع السابق الشيخ ناصر صباح الأحمد نجد استخدامه لكلمات مثل "إعادة تصور للهوية التاريخية والحضارية" في إشارة إلى الكويت، واستخدامه لكلمات مثل "الجغرافيا السياسية"،[56] وجميعها تهدف لإعادة تصور المشروع من جديد بهوية وطنية ومزجها مع الأهداف الاقتصادية والسياسية، ليبدو وكأنه مشروع مشترك بين المجتمع الكويتي والسلطة ظاهرياً.
في النهاية، قد لا تختلف مدينة الحرير عن باقي مدن الخليج الحديثة المدعومة حكومياً بالكامل للدفع بعجلة المشاريع الاستثمارية العملاقة. ولا يمكن إنشاء هذه المدن الحديثة بهذا التصور إلا عن طريق فرض سلطة القرار دون النظر إلى المشاركة المجتمعية أو تعزيز دور المجتمع المدني. فالسلطة ترى بأن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يحدث إلا عن طريق فرضه من الأعلى.[57] وفي هذا السياق نجد أن مشروع المنطقة الشمالية لا يعدو كونه مشروعاً لمدينة حديثة تعزز من التباعد الاجتماعي بين أطياف المجتمع ككل، ويعيد تكريس فكرة المدينة المؤقتة دون إعادة النظر في قوانين الجنسية والإقامة.[58]
خاتمة: نظرة أخيرة - المشروع الحلم
لا يمكن أن نبحث في مشروع منطقة الشمال الاقتصادية من منظور الاستدامة دون النظر إلى الماضي لكي نتعلم من أخطائنا. فمدينة الكويت الحديثة صعبة الاستدامة من عدة نواح، عمرانية وبيئية واقتصادية. وفي هذه الورقة البحثية لم أتطرق إلى الجانب البيئي لإيماني بأن هذا الشق يستدعي بحثاً مستقلاً يدرس الاستدامة البيئية فقط لتأخذ حقها من التحليل. أما من الناحية العمرانية، فهذه الورقة البحثية أتت لتركز على المشاركة الشعبية والمجتمعية في صنع قرار المدينة.
في فترة ما قبل النفط، كانت المدينة تشكل جزءاً حيوياً من الواقع المعاش، تتمدد وتنكمش بناءً على المعطيات المحيطة بطريقة مستمدة من متطلبات الحياة في تلك الفترة. أما اليوم، فنحن نعيش في مدينة الواقع، هذه المدينة التي شيدت بناءً على مخططات أجنبية لم تستشف ملامح الحياة الاجتماعية أو متطلبات المجتمع، فأتى القرار منفرداً من السلطة التنفيذية في هذا السياق. وعليه فإن التوجه الحكومي الأخير في خطة التنمية "كويت جديدة"، والذي يؤكد على أهمية المجتمع المدني، ليس كافياً كما أشرنا في هذه الورقة. بالإضافة إلى ذلك، علينا إدراج المشاركة المجتمعية في صنع القرار بشكل حقيقي، وبالأخص مشاركة المواطنين والمقيمين على حد سواء. إن مفهوم المواطنة والإقامة في الكويت يحتاج إلى إعادة تصور وترتيب، فلا يمكن فصل المدينة عن مشاعر الانتماء والهوية، خصوصاً مع وجود تصور لجعل مدينة الحرير مدينة كويت المستقبل.
هذه الورقة البحثية أتت كمقدمة تحليلية لمشروع مدينة الحرير، فهناك عدة جوانب لم يكن بالإمكان التوسع والخوض فيها. على سبيل المثال: بالإمكان تحري مضابط المجلس البلدي والتي لم أتمكن من الوصول لها، وكذلك التعمق في الخطط الخمسية التي بدأت منذ أواخر الستينات إلى اليوم بقانون أقره مجلس الأمة، لتتماشى مع ما استندت هذه الدراسة عليه أساساً من خطة الدولة الرسمية (Kuwait Masterplan) والتي توضع كل 20 سنة تقريباً، بالإضافة إلى مضابط مجلس الأمة وتقارير اللجان والدراسات الأكاديمية التي تناولت موضوع التمدين والاستدامة العمرانية.
وختاماً لمقدمتي أعلاه عن الاستدامة، فإنه يمكن تلخيصها في المشاركة المجتمعية السليمة في صنع القرار، وخصوصاً إذا كان القرار يخص مشاريع مصيرية مثل المدينة. فالمدينة عبارة عن مباني، ومساحات، وخليط من البشر. إذن مشاركة الإنسان في القرار الذي سيحدد مستقبل حركته، وإحساسه، وموطنه هو أساس الاستدامة.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الإصدار إلكترونيا
[1] اللجنة العالمية للبيئة والتنمية، مستقبلنا المشترك )الكويت: عالم المعرفة، اكتوبر 1989)، صفحة 66.
[2] F. Al-Nakib, Kuwait Transformed: A History of Oil and Urban Life (California: Stanford University Press, 2016).
[3] المرجع السابق.
[4] S. Alshalfan, The Aftermath of a Masterplan for Kuwait: An Exploration of the Forces that Shape Kuwait City (London: London School of Economics Publication, 2018).
[5] شفيق الغبرا، الكويت دراسة في آليات الدولة والسلطة والمجتمع (الكويت: آفاق للنشر، 2017).
[6] المرجع السابق.
[7] F. Al-Nakib, Kuwait Transformed: A History of Oil and Urban Life (California: Stanford University Press, 2016).
[8] Abu Hassan bin Abdul, Urban development and planning strategies in Kuwait (International Journal of Urban and Regional Research, octobar2019).
[9] المرجع السابق.
[10] S. Alshalfan, The Aftermath of a Masterplan for Kuwait: An Exploration of the Forces that Shape Kuwait City (London: London School of Economics Publication, 2018).
[11] Abu Hassan bin Abdul, Urban development and planning strategies in Kuwait (International Journal of Urban and Regional Research, octobar2019).
[12] S. Alshalfan, The Aftermath of a Masterplan for Kuwait: An Exploration of the Forces that Shape Kuwait City (London: London School of Economics Publication, 2018).
[13] Muhammad Fawzi Abdo, The urbanisation of Kuwait since 1950: planning, progress and issues, Doctoral thesis (England: Durham University), 1989.
[14] المرجع السابق.
[15] Yasser Mahguob, Kuwait future’s prospects (Abu Dhabi: Al Manakh, 2010).
[16] المرجع السابق.
[17] رؤية أمير البلاد (الكويت: الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية)، < https://www.scpd.gov.kw/hhVision.aspx >.
[18] محمد اليوسفي، من الاستقلال الى الاحتلال (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2013).
[19] مرسوم رقم 240 لسنة 2012 (الكويت: الكويت اليوم، 2012)، إنشاء جهاز تطوير مدينة الحرير (الصبية) وجزيرة بوبيان.
[20] مرسوم رقم 154 لسنة 2014 ((الكويت: الكويت اليوم 2014)، مرسوم بتعديل بعض احكام المرسوم بانشاء جهاز تطوير مدينة الحرير (الصبية) وجزيرة بوبيان.
[21] تقرير رقم 70 (الكويت: لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، 2015).
[22] "النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية،" كونا، 2019، < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2783962 >.
[23] "التخطيط الكويتي: مدينة الحرير جزء رئيسي من رؤية الكويت،" كونا، 2019، < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2770126&Language=ar >.
[24] مشروع قانون بشأن انشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية (الكويت: مجلس الوزراء، 2019).
[25] المرجع السابق.
[26] محمد المقاطع، "سيادة الدولة والحكم الذاتي لمشروع الحرير،" جريدة الجريدة، 2 اكتوبر 2019، < https://www.aljarida.com/articles/1569949272875945400/ >.
[27] "أمر أميري باعفاء وزيري الدفاع والداخلية وتكليف العاجل من شؤون المنصبين،" كونا، < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2834968&language=ar >.
[28] Kristin Diwan, Kuwait’s MbS: The Reform Agenda of Nasser Sabah al-Ahmad al-Sabah (Washington DC: AGSI, 2018)
[29] Muhammad Fawzi Abdo, The urbanisation of Kuwait since 1950: planning, progress and issues, Doctoral thesis (England: Durham University), 1989.
[30] S. Alshalfan, The Aftermath of a Masterplan for Kuwait: An Exploration of the Forces that Shape Kuwait City (London: London School of Economics Publication, 2018).
[31] المرجع السابق.
[32] "مقابلة الشيخ ناصر صباح الأحمد،" فيديو، تلفزيون الكويت، 2019، < https://www.youtube.com/watch?v=PyGODG3LW08 >.
[33] Nayef Alghais and David Pullar, Projection for new city future scenarios: A case study for Kuwait (Heliyon, 2018).
[34] "غالبية المواطنين: رؤية الكويت ومشروع الحرير يلبيان طموحاتنا،" جريدة الأنباء، < https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/890040/13-03-2019 >.
[35] عمر الشهابي، تصدير الثروة واغتراب الانسان (لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018).
[36] مشروع قانون بشأن انشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية (الكويت: مجلس الوزراء، 2019).
[37] عمر الشهابي، سكان الخليج: مظاهر الخلل وآليات المواجة (الكويت: آفاق للنشر، 2014).
[38] "مقابلة الشيخ ناصر صباح الأحمد،" فيديو، تلفزيون الكويت، 2019، < https://www.youtube.com/watch?v=PyGODG3LW08 >.
[39] اللائحة الداخلية لمجلس الامة (الكويت: مجلس الامة الكويتي) < http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=2025 >.
[40] المجلس البلدي واختصاصاته (الكويت: المجلس البلدي)، < https://municipalcouncil.gov.kw/sites/ar/MunicipalityCouncil/Pages/default.aspx?menuItem=item1 >.
[41] "التخطيط الكويتي يؤكد أهمية اشراك المجتمع وشركاء خطة التنمية في الرؤية الجديدة،" كونا، 2019 < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2745545&Language=ar >.
[42] "مقابلة مع النائبة صفاء الهاشم،" فيديو، تلفزيون الكويت، < https://www.youtube.com/watch?v=XX3e5r_6-EU >.
[43] "تصريح النائبة صفاء الهاشم،" جريدة الجريدة، 29 ديسمبر 2019، < https://twitter.com/aljarida/status/1211215718118764545 >.
[44] اللائحة الداخلية لمجلس الأمة (الكويت: مجلس الأمة الكويتي)، < http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=2025 >.
[45] "التخطيط الكويتي يؤكد أهمية إشراك المجتمع وشركاء خطة التنمية في الرؤية الجديدة،" كونا، 2018 < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2745545&Language=ar >.
[46] مشروع قانون بشأن انشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية (الكويت: مجلس الوزراء، 2019).
[47] المجلس البلدي واختصاصاته (الكويت: المجلس البلدي) < https://municipalcouncil.gov.kw/sites/ar/MunicipalityCouncil/Pages/default.aspx?menuItem=item1 >.
[48] قانون رقم 24 لسنة1962 في شأن جمعيات النفع العام.
[49] قانون الانتخاب (الكويت: مجلس الامة الكويتي، 1962)، < http://www.kna.kw/clt-html5/run.asp?id=2026 >.
[50] Claire Beaugrand, Stateless in the Gulf: migration, nationality and society in Kuwait (London: I.B. Tauris, 2018).
[51] "التخطيط الكويتي: مدينة الحرير جزء رئيسي من رؤية الكويت،" كونا، < https://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2770126&Language=ar >.
[52] "الاستثمارات بمدينة الحرير ستستقطب 650 مليار دولار،" القبس، < https://alqabas.com/article/642371 >.
[53] "معلومات أساسية عن مشروع نيوم السعودي العملاق،" بي بي سي العربية، < https://www.bbc.com/arabic/business-44725424 >.
[54] "لماذا يتعثر مشروع مدينة الحرير الصينية في الكويت،" الخليج الجديد، < https://thenewkhalij.news/article/152810/ >.
[55] عمر الشهابي، تصدير الثروة واغتراب الإنسان (لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018).
[56] "مقابلة الشيخ ناصر صباح الأحمد،" فيديو، تلفزيون الكويت، < https://www.youtube.com/watch?v=PyGODG3LW08 >.
[57] Karen E. Young, Saudi Arabia’s Neom: State-Led Growth Meets New Global Capitalism, (Washington DC: AGSI, 2017).
[58] F. Al-Nakib, Kuwait Transformed: A History of Oil and Urban Life (California: Stanford University Press, 2016).