الثابت والمتحول 2014: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة
3.9 التطورات الاقتصادية في سلطنة عمان
-
الزيارات: 5119
كان لإرتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، خلال 2012، وزيادة إنتاج النفط الخام، أثر إيجابي على الأداء الكلي للإقتصاد في السلطنة. وركّزت سياسة الحكومة على قضايا سوق العمل والإستثمارات العامة كرد فعل على الدعوات إلى توفير المزيد من فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة وللإبقاء على "السلم الإجتماعي". فقامت بتوسيع التوظيف في القطاع العام، ورفع الأجور والمزايا، وتقديم إعانات مالية للباحثين عن عمل. وتمكّنت من التوسع في الإنفاق وزيادة الإستثمار في المشاريع الإجتماعية وإنشاء بنية تحتية جديدة بفضل عائدات النفط المرتفعة.
التركيبة العامة للإقتصاد
حقق الناتج المحلي الإجمالي نموًا قدره 5.8% في 2012 ليبلغ 24.06 مليار ريال عماني مقارنة بنمو بلغ 1% في 2011 بقيمة 22.55 مليار ريال عماني. ويُتوقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي نموًا قدره 5% في 2013 ليبلغ 23.68 مليار ريال عماني، وذلك بفضل إستمرار الزيادة في القيمة المضافة للأنشطة النفطية خلال 2013.
بالنظر إلى الأرقام (المثبتة بأسعار 2010)، بلغت مساهمة قطاع النفط من الناتج المحلي الإجمالي 42% في 2012، فيما بلغت مساهمة قطاع الخدمات 37.9% في العام نفسه، وتليها الأهمية النسبية لقطاع الأنشطة الصناعية بنسبة 18.5% في 2012.[2]
وعلى الرغم من أن الإقتصاد يحقق نموًا مستمرًا على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، تعتمد القطاعات الإنتاجية للإقتصاد في شكل كبير على إجمالي الأنشطة النفطية، ويتأثّر النمو الإقتصادي بتطورات الإيرادات المتأتية من قطاع النفط.
فالهياكل الإنتاجية للإقتصاد لم تتغيّر كثيرًا عما كانت عليه منذ 1970، ولا يزال القطاع النفطي يهيمن على بقية الأنشطة الإنتاجية الأخرى. وتزيد مساهمة قطاع الأنشطة النفطية والخدمات (قطاع الخدمات يعتمد في شكل مباشر أو غير مباشر على القطاع النفطي) على 80% من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من إرتفاع الأهمية النسبية للقطاع الصناعي وتطوّره منذ 1970، إلا أن هذا القطاع لا يمكنه أن يقود النمو في هذه المرحلة أو أن يحل محل النفط. ومن جهة أخرى، فإن مساهمة قطاع الصناعة التحويلية الذي يتمتّع بشبه إستقلالية عن القطاع النفطي وبقدرة على المنافسة في السوق من دون دعم أو حماية، ستقل بكثير في الناتج المحلي الإجمالي. علمًا أن هذه الصناعة ساهمت عام 2012 بنسبة 11% من هذا الناتج.
المالية العامة
حققت الإيرادات العامة 13.47 مليار ريال عماني في 2012، بزيادة 27% عن عام 2011. وتُعزى هذه الزيادة، في شكل رئيسي، إلى إرتفاع إيرادات النفط بنسبة 3% مقارنة بعام 2011. كما زاد إجمالي الإنفاق العام للدولة بنسبة 26% ليبلغ 13.56 مليار ريال عماني في 2012 مقارنة بـ 10.74 مليار ريال عماني عام 2011. فقد بلغ حجم المصروفات الجارية 8.77 مليار ريال عماني في 2012، أي بنسبة 65% من جملة الإنفاق، مقارنة بحجم المصروفات الإستثمارية البالغة 2.89 مليار ريال عماني، أي بنسبة 21% من جملة الإنفاق. وبلغ حجم الإنفاق على المساهمات والدعم 1.9 مليار ريال عماني، أي حوالي 14% من جملة الإنفاق في 2012.
وبالنظر إلى الإيرادات والنفقات الكلية، حققت المالية العامة عجزًا ماليًا قدره 80.6 مليون ريال عماني بنسبة 0.1%. ويُتوقع أن يزيد الإنفاق الحكومي في 2013 بحوالي 13% عن عام 2012، وأن تحقق المالية العامة عجزًا يساوي 1.7 مليار ريال عماني.
وقد بلغت الإيرادات النفطية 11.42 مليار ريال عماني في 2012، وشكلت 85% من دخل الحكومة. ويُتوقع أن تزيد الإيرادات النفطية بحوالي 22% عام 2013، وأن تشكل 84% من دخل الحكومة. وتشير الأرقام إلى إستمرار أهمية الموارد النفطية في المال العام، وإلى عدم وجود مصادر دخل بديلة تساوي أو توازي الدخل المتأتي من بيع النفط.
وبلغ حجم الدين العام 1.36 مليار ريال عماني في 2012 بنسبة 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي.[3]
قطاع النفط والغاز
بلغ متوسط الإنتاج اليومي للنفط 918.5 ألف برميل عام 2012، مقارنة بـ 884.9 ألف برميل يوميًا عام 2011، بزيادة قدرها 4% يوميًا، وذلك بفضل تقنية الإستخلاص المعزز (oil enhanced recovery). وعليه، بلغ الإنتاج الكلي عام 2012 نحو 336.6 مليون برميل، وتم تصدير 279.8 مليون برميل، مما يعني أن حجم الإستهلاك المحلي بلغ 56.4 مليون برميل أو 17%، وهذه النسبة مساوية لنسبة الإستهلاك المحلي عام 2011.
جدير بالذكر، أن الشركات المنتجة للنفط تمكّنت عبر إستخدام تقنية الإستخلاص المعزز من زيادة الإنتاج السنوي بحوالي 24% على مدى السنوات الخمس الماضية من 714 ألف برميل في اليوم في 2007.
وبلغ إنتاج الغاز1,271,731 مليون قدم مكعب (million standard cubic MNSCF feet) في 2012 مقارنة بإنتاج قدره 1,228,521 MNSCF عام 2011 بزيادة نسبتها 3.5%.
وأعلن مسؤولون كبار من وزارة النفط والغاز في وسائل الإعلام المحلية إضافة 389 مليون برميل إلى إحتياطات النفط والمكثّفات، و1.2 تريليون قدم مكعب إلى إحتياطات الغاز. وتعمل الحكومة جاهدة لزيادة إنتاجها من النفط والغاز عن طريق حفر الآبار الإستكشافية والإستثمار في شكل كبير في مجال التقييم والتطوير وزيادة إنتاجية الحقول. وقدّر وكيل الوزارة إجمالي النفط الكامن بحوالي 50 مليار برميل، لكن النفط القابل للإنتاج حاليا يبلغ 5 مليارات برميل.[4]
التجارة الخارجية وتحويلات الأجور
زاد حجم الواردات بحوالي 19% في 2012 مقارنة بعام 2011، وبلغت قيمة الواردات السلعية 11.01 مليار ريال عماني. وزادت الصادرات السلعية بنسبة 11% في 2012 مقارنة بعام 2011. وبلغت قيمة الصادرات السلعية في 2012 حوالي 20.05 مليار ريال عماني. وزادت قيمة الصادرات النفطية عام 2012 حوالي 11%، والصادرات غير النفطية 18%، وإعادة التصدير 10%.
وكما كان عليه الأمر في السنوات الماضية، تشير الأرقام التي ينشرها البنك المركزي العماني إلى أن تحويلات أجور العمالة الوافدة زادت بنسبة 12% لتصل إلى 3.11 مليار ريال عماني في 2012، من 2.77 مليار ريال عماني عام 2011، كنتيجة طبيعية لإستمرار زيادة عدد العاملين الوافدين في القطاع الخاص. وبلغ صافي العجز في ميزان الخدمات وحساب الدخل والتحويلات الجارية بنسبة 29% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في 2012، ليصل إلى 7.06 مليار ريال عماني.
سوق العمل
بلغ عدد العاملين في القطاع الحكومي المدني 194,326 عاملًا وعاملة في 2012، بزيادة قدرها 5% عن عام 2011، وبلغت نسبة العمانيين منهم 86%. ووصل عدد العاملين في القطاع الخاص إلى 1,488,948 عاملًا وعاملة في 2012، بزيادة قدرها 15.5% عن عام 2011. واستمر التراجع في نسبة العاملين من العمانيين في القطاع الخاص من 13.5% إلى 11.5%. ويُعزى ذلك إلى زيادة عدد الوافدين في القطاع الخاص وإستقالة عدد كبير من المواطنين من هذا القطاع للعمل في القطاع العام في 2011 و2012، بعدما فتحت الحكومة أبواب التوظيف في القطاع العام إثر مظاهرات 2011.[5] ومع توحيد جدول رواتب العاملين في القطاع العام في 2013 والذي زاد من نسبة الأجور التي يتقاضاها هؤلاء، يصبح السؤال مشروعًا عما إذا كان القطاع الخاص سيشهد عزوفًا للعمانيين عن العمل في القطاع الخاص والإنتظار، مهما طال الأمر، لوظيفة في القطاع العام بأجر وظروف عمل أحسن؟
التحدي الإقتصادي والتنمية
حقق الإقتصاد نموًا حقيقيًا سنويًا بلغ 6% في الفترة 1970–2012، وزاد متوسط دخل الفرد السنوي بحوالي 3% في الفترة نفسها، لكن ذلك لم يؤد إلى تقليل الإعتماد على النفط وإلى تنويع قاعدة الإنتاج وتطوير هياكل إنتاجية قادرة على تحقيق التنمية المستدامة. والعلاقة بين النمو الإقتصادي وزيادة فرص عمل المواطنين في القطاع الخاص ضعيفة. ففي الوقت الذي زادت فيه أعداد الوافدين بشكل كبير في القطاع الخاص، زادت نسبة الباحثين عن العمل بين المواطنين.
والقطاع الخاص، في وضعه الحالي، غير قادر على قيادة التنمية والنمو الإقتصادي. إذ أنه لم يصبح الموظف الأساسي للمواطنين باحثين عن عمل كما كان يأمل.[6] بل أثبتت مظاهرات 2011، وما تلاها من فتح الحكومة أبواب التوظيف، أن هذا القطاع غير قادر على توظيف المواطنين، مع أنه يوظف حاليًا حوالي 1.5 مليون وافد بحسب آخر إحصائيات النشرة الإحصائية الشهرية للمركز الوطني للإحصاء (يناير 2014). فبعد أن فتحت الحكومة مجال التوظيف، تشير التقديرات إلى أن نحو 80 ألفًا من المواطنين إستقالوا من القطاع الخاص للعمل في القطاع العام في 2011 و2012.[7]
وتوصّلت البحوث العديدة التي درست تجربة التنمية في عُمان والدول المصدرة للنفط إلى أن النمو كان حصيلة زيادة جهد العاملين وعددهم، وزيادة رأس المال العامل، ولم يكن لكفاءة استغلال عناصر الإنتاج والتراكم المعرفي والإبداع والإبتكار التقني والإداري دور رئيسي في قيادة عملية التنمية.[8] فتم إستخدام الموارد المتأتية من النفط لزيادة عدد العاملين وإنشاء عدد أكبر من الطرق والمباني الفاخرة. ويرى الببلاوي ولوتشياني أن الدول النفطية إستخدمت مواردها النفطية بإنشاء مبانٍ ووزارات ضخمة وفاخرة تساوي الملايين من دون أن يكون لها مردود حقيقي على الإقتصاد، بل يعود نفعها في شكل مباشر إلى منفّذي تلك المشاريع لتخرج نسبة كبيرة من تلك الأرباح، وبسرعة، إلى خارج الإقتصاد في شكل مباشر، أو عن طريق شراء المزيد من السلع الفاخرة والإستيراد.[9]
والتنويع الإقتصادي وإستدامة التنمية يتطلبان إدارة كلية تتصف بالكفاءة وموارد بشرية قادرة على الإنتاج والإستجابة للمتغيرات الإقتصادية والإجتماعية المحلية والإقليمية والعالمية. ولتقليل الإعتماد على النفط والغاز وتنويع قاعدة الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة، يجب أن يكون لعوامل الإنتاج الكلية (التكنولوجيا) دور أساسي في قيادة النموالإقتصادي. وعوامل الإنتاج الكلية مرتبطة مباشرة برأس المال البشري القادر على الإبتكار والإبداع والإدارة الحسنة للموارد، كما أن التقدّم التقني ورأس المال البشري يرتبطان بإستثمار طويل الأجل يركز على التعليم والبحث والتطوير، وتخصص له الأولوية في الإنفاق المالي العام.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
[1] "الفصل التاسع: الاقتصاد والمال،" الكتاب الإحصائي السنوي 2013. <http://www.ncsi.gov.om/NCSI_website/book/SYB2013/14-National%20Accounts.pdf>
[2] قطاع الأنشطة الصناعية يشمل قطاع الإنشاءات الذي ساهم بنسبة بلغت 4.6% في الناتج المحلي الإجمالي في 2012
[3] البنك المركزي العماني، التقرير السنوي 2012، ص 61.
[4] "النفط الكامن في السلطنة يصل إلى 50 مليار برميل"، جريدة عمان، 14 اغسطس 2013. <http://main.omandaily.om/?p=18166>
[5] "إقتصادية الشورى تركز في مناقشاتها على جوانب تهم المواطن وترفد الإقتصاد الوطني،" جريدة عمان، ص 10، 26 مارس 2012.
[6] توقعت الرؤية المستقبلية للإقتصاد العماني 2020 أن يكون القطاع الخاص هو الموظف الأساسي للباحثين عن عمل من المواطنين
[7] "عُمان تعول على القطاع الخاص لتوظيف شبابها"، العربية، 26 نوفمبر 2012. <http://www.alarabiya.net/articles/2012/11/26/251812.html>
[8] سعيد الصقري، "مصدر النمو في الإقتصاد الخليجي وعوامل الإنتاج الكلي: النموذج العماني،" مؤتمر الجمعية الإقتصادية العمانية، 2010 و
Abdullahi D. Ahmed and Said Al-Saqri, 2012, "Natural Resource Depletion, Productivity and Optimal Fiscal Strategy: Lessons from a Small Oil-Exporting Economy," The IUP Journal of Applied Economics, IUP Publications, vol. (1), pp. 56-80. <http://ideas.repec.org/a/icf/icfjae/v11y2012i1p56-80.html>
[9] Hazem Beblawi and Giacomo Luciani (Eds.). The Rentier State. vol. 2 (London: Routledge, 1987)