تتّكل دول مجلس التعاون الخليجي على دول غربية لحمايتها أمنيًا عسكريًا بشكل شبه مطلق، الأمر الذي نعتبره خللًا أمنيًا يضاهي أوجه الخلل الأخرى التي تعاني منها هذه الدول. وقد ركّزنا في الإصدار السابق على تبيان طبيعة هذا الخلل من ناحية الوجود العسكري الغربي في دول مجلس التعاون،[1] ونكتفي في هذه المقدمة بإعادة سرد أهم المعلومات المتعلقة بالتواجد العسكري الأجنبي في دول المجلس من حيث نوعية هذه القوات نظرًا إلى عدم وجود تغييرات تُذكر. ففي ما يتعلق بعدد القوات العسكرية الأجنبية، لا تزال أعدادها تقارب الثلاثين ألفًا (29,500) تمثل القوات الأمريكية القسم الأكبر منها، إضافة إلى نحو 22,000 عنصر عسكري أمريكي يقومون بدوريات أمنية في مياه الخليج، مما يعني أن مجمل القوات الأجنبية الموجودة في المنطقة يفوق 50,000. ولكن على الرغم من وجود هذه الأعداد الكبيرة من القوات الأجنبية في أراضي دول المجلس ومياهها، إلا أنها تزال تُعد من أعلى الدول إنفاقًا على التسلح العسكري. كما يبين الرسم أن مجموع إنفاق دول المجلس يفوق الإنفاق العسكري في المملكة المتحدة وإسرائيل معًا.


كل هذه الأرقام تدل على "الثابت" في الصعيد الأمني. أما بالنسبة إلى ما هو متحوّل، فلا شك في أن الوضع الأمني والسياسي في العالم العربي قد فرض تغييرات هامة على سياسات دول المجلس داخليًا وخارجيًا. ولعل من أهم التطورات على الصعيد الإقليمي هي أحداث مصر، التي تراقبها سلطات دول المجلس وشعوبها عن كثب بإعتبارها من أكثر الدول العربية تأثيرًا في الساحة الإقليمية.


وقد إنشغلت حكومات دول المجلس بالملف المصري بإهتمام بالغ منذ عام 2011، نظرًا إلى إنعكاس ما يجري على الساحة السياسية المصرية على الساحة الخليجية من حراك شعبي وإنتخابات رئاسية غير معهودة وحملات أمنية يؤيدها البعض ويعارضها البعض الآخر. وحتّم كل هذا أن تنتهج بعض دول المجلس سياسة فاعلة تجاه الأزمة السياسية المصرية، فيدعم فريق من دول المجلس، وعلى رأسهم السعودية، المؤسسة العسكرية المصرية، في حين تذهب قطر إلى مساندة منظمة الإخوان المسلمين. تكررت الصدامات الخليجية - الخليجية بعد إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي من منصبه، فسارعت بعض دول المجلس إلى دعم الحكومة الإنتقالية إقتصاديًا. أما قطر فلا تزال تدعم الإخوان إعلاميًا عبر أجهزتها الإعلامية، وأدّى كل هذا، أخيرًا، إلى أزمة دبلوماسية حادّة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى. أما داخليًا، فتأهبت السعودية والإمارات، بشكل خاص، لتكرار محتمل، من وجهة صناع القرار، لحراك الإخوان فيهما. لذلك أصدرت هاتان الدولتان، على خلفية أحداث مصر، قرارات أمنية جرّمت الإنتماء إلى جماعة الإخوان بإعتبارها منظمة "إرهابية".[2]


 

ونظرًا إلى أهمية أحداث مصر على الوضع الأمني في دول المجلس، فقد تناولنا محددات العلاقة الخليجية - المصرية منذ ولادة الجمهورية المصرية في 1952 وحتى الفترة الراهنة. وتطرقنا في هذا الملف إلى ما يربط الطرفين من علاقات على مستوى السلطة السياسية وإستثمارات رأس المال وإستقطاب أيد عاملة مصرية إلى دول المجلس، إضافة إلى تاريخ علاقة تنظيم الإخوان المسلمين بدول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية.

  

[1] للمزيد من التفاصيل، راجع النسخة الأولى من هذا الإصدار: عمر الشهابي (محرر)، الخليج بين الثابت والمتحول (بيروت: منتدى المعارف، 2014).

[2] للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر ملفي المستجدات السياسية في الإمارات العربية المتحدة و قطر من هذا الإصدار.

 

 


الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها