الثابت والمتحول 2014: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة
1. مقدّمة: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة
-
الزيارات: 1527
يركز هذا الإصدار على رصد وتحليل أوجه الخلل المزمنة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي نلخصها في الخلل السياسي، والخلل الإقتصادي، والخلل الأمني، والخلل السكاني. وبما أن النسخة الأولى من هذا الإصدار الدوري ركزت على تعريف أوجه الخلل المزمنة الأربعة[1]، فإننا نركز في هذه النسخة الثانية على تفصيل حالات معينة من أوجه الخلل المزمنة. وقد إخترنا أن يكون محور هذا الإصدار موضوعين رئيسيين ومترابطين، وهما حالة الشقاق المجتمعي في دول الخليج كظاهرة من الخلل السياسي، بالإضافة إلى ترابط المال والسلطة كإحدى إنعكاسات الخلل الإقتصادي.
والمتتبع لشأن المنطقة يلاحظ تصاعد وتيرة هاتين الظاهرتين بوضوح. فبات بارزاً تهديد شبح الشقاق المجتمعي لنسيج دول المجلس، الناتج عن تزايد حدة الإنقسامات السياسية بناء على الطائفة أو الإثنية أو القبيلة، أو غيرها من الهويات الفرعية، حتى أصبح خطر الإحتقان الأهلي واقعاً حقيقياً يواجه بعض دول المنطقة. في مقابل هذا الشقاق المجتمعي، فإن سمة بارزة في اقتصاديات دول المجلس هي ترابط المال والسلطة، وتركز الثروات الخاصة والنفوذ السياسي في فئة صغيرة من الأفراد. وهكذا بات الشقاق والتصادم على المستوى السياسي-المجتمعي، يقابله تشابك وتمركز في النفوذ والسلطة على المستوى السياسي-الإقتصادي. وقلما تم رصد وتحليل هاتين الظاهرتين على مستوى دول الخليج، ولذلك إخترنا جعلهما محور الحديث في هذا الإصدار.
ولا يعني التركيز على هذين المحورين إهمالنا لبقية أوجه الخلل المزمنة في المنطقة، فكما كان الحال في الإصدار السابق، يتوزّع هذا العمل على أربعة أقسام رئيسية، يُركّز كلٌّ منها على واحدٍ من أوجه الخلل المزمنة والتطورات المتعلّقة به، وخلال الفترة الزّمنيّة التي يعني بها الاصدار في عامي 2013 و2014. فنفرد ملفات معمقة في كلٍّ من الأجزاء الأربعة تتطرّقُ إلى حالةٍ معينة من الخلل محلّ الدّراسة، والتركيز على تحليله بشكل منهجي. فنخصص ملفّاً لمناقشة القوانين المتعلقة بحرية تنظيم المجتمع المدني في قسم الخلل السياسي، بالإضافة إلى ملف لتحليل الطائفية كنموذج لأحد حالات الشقاق المجتمعي. ونفرد أجزاء منفصلة لمناقشة التطورات السياسية في كل دولة من دول المجلس على مدى عامي 2013 و2014، مولين تركيزاً خاصاً لأوجه الشقاق المجتمعي في كل دولة، زائداً مناقشة أهم التطورات السياسية المحلية في الفترة الزمنية المحددة.
أما قسم الخلل الإقتصادي، فبالإضافة الى الملف المعني بتحليل الترابط بين المال الخاص والسلطة السياسية، فإننا نفرد ثلاثة ملفات أخرى لمناقشة الرؤى الإقتصادية والتنموية لدول المجلس، والقطاع المصرفي، وقطاع النفط والغاز. وكما جرت العادة، فإننا نخصص قسماً لمناقشة التطورات الإقتصادية في كل دولة على مدى عامي 2013 و2014، حيث يدور محور الحديث حول أهم المستجدات فيها، بالإضافة إلى تحليل أوجه تشابك المال والسلطة في كل من هذه الدول.
يتطرق قسم الخلل الأمني إلى علاقة دول ومواطني الخليج مع الأطراف السياسية الرئيسية في جمهورية مصر الشقيقة، مولين العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين إهتماما خاصأ. وأخيراً وليس آخراً، يدور محول الحديث في قسم الخلل السكاني على تحليل ظاهرة "الكفالة" التي تنظم العلاقة ما بين الدولة والموطنين والوافدين في دول المجلس، هذا بالإضافة إلى تحليلنا للإحصائيات الرسمية والمستجدات المتعلقة بالخلل السكاني خلال عامي 2013 و2014.
وعمق أوجه الخلل المزمنة في الخليج وتجذّرها، ومصيريّة المتغيّرات المترتبة منها؛ تفرضُ علينا فتح النقاش حولها بشكل علمي ومنهجي. ونظراً لحدّة وتضارب الآراء والخواطر حول هذه المواضيع الحيوية، فإنّنا نلتمس من القارئ رحابة الصدر ومقاربة ما يطرح في هذا الإصدار من باب الجدلية العلمية، ومن هذا المنطلق نرحّبُ بأيّة مشاركاتٍ أو تعليقات حول محتوى هذا الاصدار. فمن الطبيعي أنّ عملاً كهذا سيُصيب البعض، ويجانب الصواب في البعض الآخر. وقد حاولنا في طرحنا الالتزام بمنهج المهنيّة العلمية، والنّابع – أساساً - من حسٍّ وطنيّ همّهُ الأوّل هو أهل الخليج. وفي الوقت ذاته، فلا يمكننا إدعاء الحياد الكلي والموضوعية الشاملة، فإنهّ مقدر لأيّ طرْح أن يأتي من وجهة نظرٍ معيّنة، والتي نأملُ هنا أنّها تعكس همومَ أهل الخليج الطّامحة إلى بناء مجتمع قوامه دولة الوحدة والدّيمقراطيّة والتّنمية.
وكما كان الحال في الإصدار الأول، فإن هذا العمل يرتكز في إعداده على مساهمات أكثر من عشرين باحثاً ومختصاً من دول الخليج، انطلاقاً من مبدأ أن "أهل مكّة أدرى بشعابها"، وأنّ أهل المنطقة هم المعنيّون - في نهاية المطاف – بتبعات ما يحصل لها، حيث تجمعهم وحدة الأرض والمصير. وواجب علي أن أشكر كلّ الذين ساهموا في إنجاز هذا العمل، مقدّراً جهودهم ودورهم في استكمال أعمدته. وأتمنى أن يُحقّق الفائدة والمتعة لك القارئ العزيز، كما كان لنا في إعداده.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا