الثابت والمتحول 2015 : الخليج والآخر
الثابت والمتحول 2015 - الملخص التنفيذي
-
الزيارات: 1317
الملخص التنفيذي
الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر
هذا هو الإصدار الثالث في سلسلة "الثابت والمتحول" السنوية من مركز الخليج لسياسات التنمية، وكما هو الحال دائماً في هذه السلسلة، فإنه دعوة متواصلة للتطرق إلى أوجه الخلل المزمنة التي تواجه دول الخليج العربية، بهدف المساهمة في الوصول إلى مبدأ الدولة المستقلة المبنية على التنمية والديمقراطية والتكامل بين أعضائها.
وبأمكاننا تلخيص اوجه الخلل المزمنة في أربعة: الخلل السياسي المبني على الاستئثار بالسلطة وتدني المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، والخلل الإقتصادي المتمثل في الاعتماد المطلق والمتزايد على النفط كمصدر رئيسي للدخل وكمحرك لسائر الاقتصاد، والخلل الأمني المتمثل في عدم مقدرة دول المجلس على تأمين حمايتها العسكرية والأمنية منفردة، واستمرار إتكاليّتها ، المزمنة وشبه المطلقة، على القوى الغربيّة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وذلك بغرض توفير الأمن الخارجي لها. أما الخلل السكاني، فيتمثل في دول يُشكل فيها وافدون غير مواطنين نسبةً عاليةً من سكان وقدرات المجتمع الإقتصاديّة والثقافيّة والإجتماعية، لفترةٍ ممتدّة ومتّصلةٍ من الزمن.
وكما كان الحال في الإصدار الأول، فإن هذا العمل يرتكز في إعداده على مساهمات أكثر من 14 باحثاً ومختصاً من دول الخليج، انطلاقاً من مبدأ أن "أهل مكّة أدرى بشعابها"، وأنّ أهل المنطقة هم المعنيّون - في نهاية المطاف – بتبعات ما يحصل لها، حيث تجمعهم وحدة الأرض والمصير. ويجمع الإصدار بين رصد أهم التطورات في كل دولة من دول المجلس في عامي 2014 و2015، بالإضافة إلى التركيز على ملفات المعمقة في كل من أوجه الخلل المزمنة.
ويتمركز محور هذا الإصدار حول "الخليج والآخر": يقال انه اذا اردت التعرف على الذات، فعليك تحليل علاقاتك مع "الآخر". ونتبنى هذا المفهوم كنقطة انطلاق لتحليل علاقات مجتمعات الخليج مع الأطراف الفاعلة في تحديد مصيرها، أكانت في الداخل، كالعلاقة مع الوافدين، أو في الخارج، بما فيها دول الجوار والقوى الغربية. ولقد أصبح هذا الموضوع ملحاً اليوم، لا سيما وأن الخليج والعالم العربي الأوسع يتعاطى مع مرحلة متفجرة سياسياً، في ظل تصاعد وتيرة التغيّرات داخلياً وفي المحيط الأوسع، مما يحتم فهم طبيعة العلاقات بين مجتمعات الخليج والقوى الفاعلة الأخرى في هذه المرحلة.
وفي هذا النطاق، يشمل الإصدار ملفاً معمقاً حول العلاقة التاريخية ما بين دول المجلس والجمهورية العربية اليمنية، والذي من المؤمل أن يساهم في فهم التطورات المتصاعدة في اليمن. كما يتضمن دراسة ترصد بشكل منهجي لحالات التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى السياسي والاقتصادي في دول المجلس، في محاولة لإعادة البوصلة نحو القضية المحورية في العالم العربي "فلسطين". وعلى نفس المنوال، يخصص الإصدار ملفاُ معمقاُ لتحليل العلاقة التاريخية ما بين المملكة العربية السعودية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
أما في الشأن السكاني والاقتصادي، فيختبر الإصدار مدى استدامة السياسات التنموية القائمة في دول المجلس، و يخصص ملفاً معمقاً لدراسة حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة في السعودية، كأول جهد رسمي من نوعه في الألفية الجديدة للتعاطي مع الخلل السكاني المتفاقم في دول المجلس.
وتدل تطورات السنتين الماضيتين على أن أوجه الخلل المزمنة لازالت في تفاقم، ولا يوجد ما يدل على بوادر لحلول لها. فبعد ما آلت إليه الانتفاضات العربية، اتجهت السلطات إلى الحل الأمني. من جانب آخر، نجد انه على الرغم من إنفاق دول المجلس اموالاً طائلة على التسلح، الا انها لا زالت تتكل على الحماية الأجنبية لضمان أمنها، بل أن هناك بوادر تطبيع مع الكيان الصهيوني. وفيما يتعلق بالخلل السكاني، لا تزال دول مجلس التعاون على حالها، مشكلّة ظاهرة فريدة من نوعها عالمياً، تقترب نسبة الوافدين الرسمية من نصف اجمالي السكان.
الخلل السياسي
تدل الأحداث في عامي 2014 و2015 بأنه لا يوجد بوادر انفراج في الخلل السياسي. فمع انتصاف عام 2015، بات واضحاً أن المنحنى الأمني هو السائد على المشهد السياسي في دول الخليج العربية، سواء على المستوى الداخلي في التعاطي مع المعارضة المحلية في كل دولة، أم على المستوى الإقليمي في العلاقات مع دول الجوار. فعلى المستوى المحلي، لا زال الخيار الأمني يشكل الاستراتيجية المتبعة في الإمارات وعمان والبحرين والسعودية، ولوحظ أيضا تصاعد وتيرته في الكويت. وقد أصبح الانقسام السياسي هو السمة الطاغية في الدول ذات البرلمانات المنتخبة كالكويت والبحرين، وقد لجأت المعارضات السياسية في هاتين الدولتين إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية لعدم تجاوب السلطة لمطالبها، حسب وجهات نظرها. أما على المستوى الإقليمي، فتفجر الأوضاع على كل حدود دول المجلس، أكانت في سوريا أو العراق أو اليمن، والعلاقة العدائية المتبادلة مع إيران، يؤكد بأن التعاطي الأمني هو الخيار السائد، حيث يبين قسمي التطورات السياسية في الإمارات وقطر، بأن سياساتهم الخارجية النشطة تتقاطع وتتنافر في كثير من الأحيان، مما سبب خصومات تجاوزت حدود الدولتين.
الخلل الأمني
يأخذ قسم الخلل الأمني، والذي بطبيعته يركز على علاقات دول المجلس مع القوى الإقليمية والعالمية، نصيب الأسد في هذا الإصدار. لقد عرفنا الخلل الأمني سابقاً بأنه عدم مقدرة دول المجلس على تأمين سيادتها وحمايتها العسكرية والأمنية منفردة، واستمرار إتكاليّتها، المزمنة وشبه المطلقة، على القوى الغربيّة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وذلك بغرض توفير السيادة والأمن الخارجي لها. ولا يبدو أن هناك تغير جوهري، إذ لا زال يتواجد حوالي 50 ألف عنصر عسكري أجنبي في دول المجلس ومياه الخليج، بينما تستمر دول الخليج في كونها الأعلى انفاقاً على الأسلحة وعلى جيوشها على مستوى العالم.
نوسع في هذا الإصدار مساحة العلاقات الدولية التي نقوم بتحليلها. لقد تشبعت الصحف وموجات الأثير بأخبار التطورات في الأراضي اليمنية الشقيقة، وذلك في خضم توسع الحوثيين العسكري وعملية "عاصفة الحزم" التي تقودها دول مجلس التعاون. ولهذا فإننا في أمس الحاجة إلى تحليل تاريخ العلاقات اليمنية – الخليجية ، حيث نفرد ملفاً معمقاً يبحث في المحددات التاريخية لعلاقة ما بين طرفين هما في الحقيقة يمثلان كتلة جغرافية واحدة. يبحث هذا الملف في التاريخ الحافل بالتحالفات تارة، و الخلافات تارة اخرى. و في خضم التقلبات التاريخية، قامت كل من دول الخليج بدعم أطراف مختلفة في المشهد السياسي اليمني، حيث لم يكن نادراً أن تدعم دولة أحد الأطراف في فترة معينة، لتكون معادية له بعد فترة زمنية قصيرة. وهكذا كان الحال مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والجنوب اليمني، حيث تغير التعاطي معهما بناء على الحقبة التاريخية، حيث بدى وأن كل طرف يسعى لمصلحتة الآنية، مما خلق حالة من المد والجزر بين دول الخليج واليمن عموماً، مما يجعل الوصول إلى حل شامل أمراً معقداً.
كما يركز القسم الأمني أيضاً على القضية العربية الأم – فلسطين - عبر فرد ملفين لها. يبحث الملف الأول في علاقات المملكة العربية السعودية، باعتبارها الدولة الأكبر في منظومة دول المجلس، مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس). و قد قام معد هذا الملف بمقابلة العديد من المسؤولين في حماس لرصد علاقة المنظمة مع السعودية على مر العقود الأخيرة من وجهة نظرهم. وتخرج الورقة بعدة استنتاجات، منها ان للطرفين أولويات وظروف ومنهجيات مختلفة عند التعاطي مع القضية الفلسطينية، حيث أن السعودية تعتبر "المبادرة العربية" التي تدعو إلى السلام مع الكيان الصهيوني هي مرجعيتها في التعاطي مع قضية فلسطين، فيما تواصل حماس في موقفها الرافض من الإعتراف بالكيان. الا ان العلاقة ما بين السعودية وحماس لم تصل إلى القطيعة حتى في فترات فتور هذه العلاقة، كعندما اقتربت حماس من إيران نظراً للدعم التي كانت تقدمه الأخيرة، بل أن التواصل بين الطرفين مستمر.
أما الملف الثاني، فيقوم برصد حالات التطبيع ما بين دول المجلس و الكيان الصهيوني، حيث وجدت الدراسة بان هناك بوادر مقلقة للتطبيع على المستوى الرسمي ما بين بعض المسؤولين والشخصيات في دول المجلس والكيان الصهيوني، وتظهر هذه البوادر في كل دول المجلس في ما عدى الكويت. اما الجزء الثاني من هذه الورقة، فترصد نشاطات شركات عالمية ضالعة في دعم الاحتلال بشكل مباشر ولديها مصالح تجارية كبيرة في دول المجلس. كما تقدم الورقة سياسة بديلة تتناسب مع واجب دول المجلس للتضامن و مساندة الفلسطينيين، الا و هي سياسة المقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات (Boycott, Divestment and Sanctions – BDS). و تقوم هذه السياسة على الضغط على هذه الشركات ذات المصالح التجارية الكبيرة في دول المجلس لسحب استثماراتها من الكيان الصهيوني، بطريقة يجعل الضغط عليها مهمة قابلة للإنجاز – على عكس حملات المقاطعة التي اُطلقت في دول المجلس في السابق و لم تنجح في تحقيق اهدافها المرجوة.
الخلل الاقتصادي
لا يزال الخلل الاقتصادي مستمراً عبر اعتماد دخل الحكومات شبه المطلق على ريع النفط. ففي الوقت الذي يرى فيه العديد من المحللين أن الطفرة النفطية الثالثة قد شارفت على الانتهاء، لا يبدو أن دول مجلس التعاون قد استفادت من تجاربها السابقة. فعلى الرغم من أن أسواق النفط مرت بفترات رواج سابقة تلتها فترة ركود، تصرفت دول مجلس التعاون مع الطفرة النفطية في العقد المنصرم كما لو أن فترة رواج سوق النفط دائمة، فأخذت الدول جميعها، من دون استثناء، تتسابق في زيادة إنفاقها بنسبة لا تقل عن 13% سنوياً، حتى أصبح سعر البرميل المطلوب لمعادلة الميزانية يتجاوز 100 دولار في بعض الدول. وفي الربع الأخير من 2014، انخفض سعر برميل النفط ليفقد أكثر من 50% من قيمته السابقة، كاسراً بذلك الكثير من القواعد والمسلمات في تلك الفترة.
يبحث القسم الاقتصادي مدى استدامة الوضع الحالي في ظل ازدياد الانفاقات من جهة، والاعتماد شبه المطلق على الإيرادات النفطية من جهة أخرى. والفرضية التي يختبرها الملف بسيطة: لو تواصلت أنماط ومعدلات النمو على وتيرتها نفسها على مدى العقود الثلاثة الماضية، هل يعتبر الوضع الراهن مستداماً؟ وجدت هذه الورقة أن الاستمرار على هذا المنوال غير ممكن على الإطلاق، فدول المجلس، التي يتكون القسم الأكبر من ميزانياتها من نفقات جارية كالرواتب يصعب خفضها بسبب تركز أغلبية المواطنين في القطاع الحكومي، ستتضاعف انفاقاتها في غضون أقل من عشرين سنة إن أستمر الحال على ما هو عليه، وستتطلب أن يصل سعر برميل النفط إلى ما فوق مئتي دولار في بعض الحالات. كما أن نسبة استهلاك النفط محلياً في إرتفاع مستمر، مما يقلل من نسبة النفط الذي بالإمكان تصديره، وهذا يسبب ضغطاً على ميزانيات دول المجلس بما أن النفط يباع محلياً بسعر مدعوم جداً أقل من السعر المحصل خارجياً.
الخلل السكاني
لا تزال التركيبة السكانية الفريدة من نوعها عالمياً على حالها في دول مجلس التعاون، حيث ارتفع عدد السكان 3% عن السنة السابقة ليصل إلى 51 مليون شخص في عام 2014، 52% منهم مواطنين و48% وافدين. ويشكل الوافدون أغلبية العمالة في دول المجلس، حيث شكلوا 69% من اجمالي عدد العمال في المنطقة البالغ عددهم 22 مليون نسمة. وأن استمرت وتيرة النمو الحالية، فسيصل اجمالي عدد سكان دول المجلس إلى 100 مليون بحلول عام 2030، 60% منهم من الوافدين.
وقد ركزنا في هذا القسم على تحليل الحملة في السعودية التي عرفت بإسم "حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة"، والتي أدت إلى ترحيل مئات الآلاف من الوافدين ممن لم يستوفوا شروط الإقامة. وكما تشير الدراسة، فإن هذه الحملة تمثل حقلاً غنياً لدراسة سوق العمل والتركيبة السكانية في دول الخليج العربية، إذ أنها أول مبادرة في الألفية الثالثة، من دولة انتهجت استراتيجية نشطة لمواجهة المشاكل البنيوية في سوق العمل وفي التركيبة السكانية، خصوصاً أنها أكبر دولة في الخليج اقتصاداً وسكّاناً. وبما أن الحملة أثرت على مئات الآلاف من المقيمين في السعودية، أكانوا وافدين أو مواطنين، فإن من المهم تتبعها ودراستها، بما في ذلك دوافعها، وتأثيراتها على أصحاب المصلحة، وآراؤهم فيها، ونتائجها وتبعاتها.
وترصد الدراسة بأن الحملة واجهت عدة مشاكل، فهي لم تتمكن من وضع حداَ للخلل السكاني، أو تقليل نسبة البطالة بين المواطنين. في المقابل فقد تمت "شيطنة" الوافدين إعلامياً بداعي أنهم يمثلون خطراً أمنياً، وقد أثرت الحملة على بعض الجاليات الوافدة أكثر من غيرها، خصوصاً اليمنية والإثيوبية.
ختاماً، يبدو أن صعوبة ظروف المرحلة الراهنة والمسؤوليات المتنامية الناتجة عنها قد اربكت صناع القرار، و والتي تعاملت مع التحديات، بما فيها ”الآخر“ في الداخل و في الإقليم، كتهديدات أمنية أساساً. ولكن الحلول الأمنية هي بمثابة تأجيل انفجار الأزمات، أكانت متمثلة في حراك معارض موسع كما هو الحال في البحرين، ام في تفاقم اعداد الوافدين الطالبين للقمة العيش، كما هي الحال في السعودية و بقية الدول المجلس، أم نشاطات مسلحة في دول إقليمية مجاورة. تحتاج دول المجلس جميعاً إلى إعادة النظر في السياسة الأمنية ووضع إستراتيجية بعيدة النظر تتعاطى من خلالها مع المسبباب البنيوية التي تولد الأزمات، و هذا ليس فقط للتعاطي مع تحديات المرحلة الراهنة نفسها، بل لتجنب تكرار امثالها في المستقبل أو التحضير لها على أقل تقدير. باختصار، ان مهمة تدارك الخلل السياسي والأمني والاقتصادي والسكاني، والمبادرة بتقديم حلول حقيقية لكل منها، هي مسؤولية صناع القرار وجميع المواطنين – تجنباً لتراكم القلاقل و تعمق الأزمات من جهة، و في سبيل ضمان حياة كريمة للجميع تحت نموذج تنموي مستدام ودولة حديثة مبنية على الإتحاد والمواطنة الكاملة والمتساوية للجميع.
تتطلب هذه التحديات نقاشا صريحا يشارك فيه كل من له مصلحة في إنجاح هذا المشروع، اي المواطنون جميعا دون إستثناء. في هذا السياق، تمثل جهود مركز الخليج لسياسات التنمية، بما فيها هذا الإصدار، محاولة لوضع المادة العملية ما بين أيدي أهل المنطقة، بإعتبارهم المعنيوين أساساً بمستقبل الخليج، حيث تربطهم وحدة الأرض والمصير، على أمل المساهمة في فتح حوار جدي حول سبل الوصول إلى دولة ليست قوية بأجهزتها الأمنية، بل قوية بسواعد أهلها وتكاتفهم.