الثابت والمتحول 2015 : الخليج والآخر
2.3 التطورات السياسية في قطر
-
الزيارات: 2529
عبدالعزيز الردادي
شهدت دولة قطر خلال العام 2014 العديد من التطورات السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً. وقد يرى المتابع لما تقوم به قطر دولياً – لا محلياً – ولدورها السياسي والإعلامي والرياضي، أن مبادئ سياستها الخارجية المُعلنة، مثل حرية التعبير وحق تقرير المصير، تنعكس بطبيعة الحال تطبيقاً عملياً في الداخل. ولكن قد يجد القارئ، من خلال هذا الملف واقعاً مغايراً. وتتمحور أهم المستجدات حول تأجيل انتخابات مجلس الشورى وتضييق محلي على الصحافة والرأي. أما إذا كانت هناك بوادر لسياسات مغايرة، فإنها لم توضع قيد التنفيذ بعد، بما فيها تلك المتعلقة بالعمالة الوافدة في خضم حملة دولية في هذا المجال. ويحاول هذا القسم أيضاً تسليط الضوء على الآخر السياسي في الإقليم واحتضان قطر له، مع التركيز على الإخوان المسلمين و المعارضة السورية وحركة طالبان الأفغانية.
انتخابات مجلس الشورى: تأجيل إثر تأجيل
منذ 2011، أكد الأمير حمد بن خليفة أن قطر ستشهد انتخابات تشريعية لمجلس الشورى عام 2013. بيد أن البلاد لم تشهد، حتى نهاية مارس 2015، أي انتخابات أو أي بوادر ممهّدة لها في ظل حكم إبنه الأمير تميم بن حمد.[1]عشية نقل السلطة إلى الأمير تميم بن حمد عام 2013، مدّد الأمير السابق ولاية مجلس الشورى ثلاث سنوات، مما يعني عدم وجود أي بوادر رسمية أو إجرائية للتمهيد للانتخابات التشريعية حتى في عام 2016.[2] ويتولى مجلس الشورى، بحسب الدستور القطري، السلطة التشريعية في الدولة، وله صلاحيات رقابية على أجهزة السلطة التنفيذية. ويتشكل من ثلاثين عضواً يُنتخبون عن طريق الاقتراع العام، وخمسة عشر عضواً يعيّنهم الأمير.[3] لكن عملية الاقتراع المكفولة في الدستور لم تر النور حتى الآن على أرض الواقع. وتُثار تساؤلات عما إذا كانت آلية الانتخاب ستُفتح أمام الجميع أم أنها ستقتصر على بعض المواطنين كما هي الحالة الإماراتية.[4]
وعلى الرغم من عدم وجود أي تقدم ملحوظ في مسألة انتخابات مجلس الشورى، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في تقريرها السنوي للعام 2013، وفي لغة اعتبرت جريئة نسبياً، الحكومة بالإسراع في إنجاز الخطوات الإجرائية اللازمة للعملية التشريعية. وأوصت بطرح مشروع القانون المنظم للعملية الانتخابية للحوار المجتمعي، وذلك حتى يأتي "ملبياً لطموحات الشعب القطري… خصوصاً أن الواقع السياسي لبعض الدول المجاورة شهد مشكلات عديدة ناتجة عن عدم مراعاة مثل هذه القوانين متطلبات المجتمع."[5] واعتبرت اللجنة أن سرعة إجراء الانتخابات تضمن "ممارسة الديمقراطية" التي تنعكس إيجابياً على الحياة السياسية في الدولة. وينبغي التوضيح هنا أن اللجنة هي مؤسسة وطنية أنشئت بمرسوم قانون رقم 38 لعام 2002،[6] وتتألّف من خمسة مهتمين بحقوق الإنسان، وممثلين عن ثماني جهات حكومية، ويُعيّن أعضاؤها بـ "قرار أميري." لهذا، وعلى الرغم من عدم استقلالية اللجنة، إلا أن توصيات تقريرها الأخير حول انتخابات مجلس الشورى قد يُنظر إليها كخطوة في اتجاه إنشاء مجتمع مدني مستقل.
ولكن من جهة أخرى، يُلاحظ أن الإعلام القطري، ممثلاً بالصحف المحلية، لم يتطرق إلى هذه الجزئية من تقرير اللجنة، و لو ضمنياً. أما دولياً، فإن الصحيفة الوحيدة التي تطرقت إلى الأمر كانت "العربي الجديد" المملوكة لشركة "فضاءات ميديا،" والتي يعتبرها البعض ممولة من حكومة قطر ويديرها عزمي بشارة.[7] وبغض النظر عن إدارتها ومالكها، إلا أن عدم إذاعة بيان اللجنة محلياً قد يشير إلى تدني تفاعل المجتمع القطري مع بيانات وأخبار كهذه وإلى فتور الحراك المدني السياسي المحلي.
حرية التعبير والصحافة
على الرغم من الدور الفعّال الذي لعبته قطر على المستوى الإقليمي إبان الانتفاضات العربية، كما هو واضح بتمثيلها الدبلوماسي وتغطيتها الإعلامية عبر قناة "الجزيرة،" لما تسميه بـ "إرادة الشعب" "وحق تقرير المصير" ورفع شعارات الكرامة وحرية التعبير، خاصة في بعض الدول العربية كسوريا ومصر، إلا أن وضع حرية التعبير محلياً لا يعكس المستوى التي تنادي به الدولة إقليمياً. فقد صُنّفت قطر، في آخر تقرير حول حرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" Reporters Without Borders في المرتبة 113 من بين 180 دولة، وهي مرتبة متدنية نسبياً. لكن ذلك، في الإطار الإقليمي، يعني احتلال قطر المرتبة الثانية في حرية الصحافة بعد الكويت (91)، ومتجاوزة جاراتها الإمارات (118)، وعمان (134)، والبحرين (163)، ثم السعودية (164).[8]
وعلى صعيد الحريات، أصدر الأمير تميم بن حمد في سبتمبر 2014 القانون رقم 14/2014 المعني بـ "مكافحة الجرائم الإلكترونية"[9] والتي يسمح للسلطات بحظر أي محتوى إلكتروني يهدد "سلامة البلاد،" وتصل عقوبة المتداول والمصدر للمحتوى إلى ثلاث سنوات من السجن، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى 500 ألف ريال قطري لمن أنشأ أو أدار أو نشر أو تداول مواد ومحتويات إلكترونية تتعارض مع "القيم الاجتماعية" أو "النظام العام فيها." وفي قراءة لمواد القانون الـ 20، يتبيّن أن الأحكام والمواد القانونية مبهمة الصياغة، خصوصاً المادتين السادسة والثامنة. وقد لقي القانون انتقادات من المنظمات الدولية المعنية بحرية التعبير والصحافة. وبحسب ملخص لبيان منظمة العفو الدولية ولجنة حماية الصحفيين وتقرير Human Rights Watch، يمثّل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية القطري وأحكامه المبهمة تضييقاً على الرأي العام وحرية التعبير والنشر الإلكتروني وسيؤثر بشكل كبير على استقلالية الخطاب العام للمواطن من خلال الشبكة الإلكترونية.[10] وفي المقابل، لم تصدر أي ردود رسمية من قبل الحكومة القطرية على هذه الاتهامات.
المستجدات المتعلقة بالعمالة الوافدة
بحسب الإحصاءات الرسمية عام 2013،[11] فقد بلغت نسبة المقيمين الأجانب في قطر حوالي 88٪ من إجمالي السكان البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة. كما ازدادت نسبة الناشطين الاقتصاديين والأيدي العاملة غير القطرية 20% خلال عامين فقط (2011/2013).[12] ويشكل الآخر الوافد في قطر أهمية كبرى في المجال الاقتصادي والتنموي بشكل خاص. وقد سلطت استضافة قطر لكأس العالم 2022 الضوء على بعض السياسات والقوانين المتعلقة بالعمالة وقانون العمل مما تعتبره بعض الأطراف الدولية خرقاً لحقوق الأنسان. ففي حين أن الحكومة تأمل بأن استضافة كأس العالم ستعود بالنفع الاقتصادي على الدولة، إلا أنها باتت أيضاً بطاقة في يد الأطراف الحقوقية للضغط من أجل إصلاحات لتحسين حقوق العمال الوافدة في قطر.[13] وركّزت هذه الأطراف على سوء الأحوال الصحية للعمال وأوضاع السلامة وآلية دفع الأجور وقانون الكفالة. وبغض النظر عن أسباب الحملة، وما إذا كانت ممنهجة أم لا، إلا أنها شكّلت دافعاً قوياً لتحرك الحكومة القطرية نحو تبنّي تغييرات جدية كان الهدف المعلن منها رفع مستوى حقوق العمالة والحد من إمكانية انتهاك حقوقهم واستغلالهم.
وأعلنت الحكومة القطرية في مايو 2014 إلغاء نظام الكفالة كلياً وتعديل قانون العمل 14 لسنة 2004 واستبداله بنظام آخر جديد – بات في مراحله الأخيرة، يتضمّن تغييرات تتعلق بقضايا كانت موضع جدل محلي ودولي. ويقوم قانون العمل ونظام الكفالة الجديد، بحسب ما صرح به وزير العمل والشؤون الاجتماعية القطري عبد الله الخليفي على ضمان "حقوق العامل المادية، حيث يشترط القانون الجديد تحويل راتب كل العاملين الأجانب إلى البنك نهاية الشهر" من خلال نظام حماية الأجور.[14] كما سيُلغى نظام "الخروجية" أو "مأذونية الخروج،" وسيستبدل بنظام آلي في وزارة الداخلية حتى لا يتم احتجاز الموظف أو استغلاله بعد تصفية حساباته مع صاحب العمل. ويفرض القانون غرامة مالية قدرها 15 ألف دولار على صاحب العمل الذي يحتجز جواز سفر موظفه.[15] وفي ديسمبر الماضي، تم الانتهاء من التعديلات والتوصيات على القانون الجديد، الذي سيتم بموجبه تفعيل قانون الكفالة الجديد من قبل مجلس الوزراء وإقراره في مجلس الشورى. وكشف مسؤول رسمي، بحسب صحيفة "العربي الجديد،" أن القانون في مراحله النهائية للتنفيذ سيُفعّل في غضون أسابيع قليلة. إلا أنه حتى لحظة كتابة هذه السطور، في فبراير 2015، لم يجر شيء من هذا.[16]
العلاقات الخارجية لدولة قطر
يمثل دور "المصلح" و"الوسيط" في حل النزاعات الداخلية في عدد من دول المنطقة العربية أحد أهم مرتكزات السياسة الخارجية لدولة قطر، والتي برزت في خضم الانتفاضات العربية. ويُلاحظ بأنه عادة ما يكون أحد طرفي النزاع تياراً إسلامياً حركياً وسياسياً. هذا التوجه الذي تتخذه حكومة قطر في دعم ما يسمى "الإسلام السياسي" ينعكس على الوضع المحلي في الدولة، خصوصاً أن تيارات سياسية مثيرة للجدل على الساحة الإقليمية اتخذت من الدوحة مقراً لها. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، استمرت قطر في توفير "الملاذ الآمن" لشخصيات محسوبة على تيار الإسلام السياسي بشكل عام، والإخوان المسلمين بشكل خاص. وتستضيف الدوحة شخصيات معارضة من الإخوان المسلمين، وعدداً من كبار قادة حركة طالبان وممثلي حركة حماس، على رأسهم خالد مشعل. كما تستقبل العاصمة القطرية وفوداً متنازعة من بعض الدول، كما هي الحال في المساعي التي استمرت سنوات لحل قضية دارفور بين حكومة عمر البشير والمعارضة، حيث تم استضافة ممثلو الوفدين في قطر. ومنذ اندلاع الثورة السورية، فتحت الدوحة أبوابها لعدد من ممثلي المعارضة السورية للإقامة فيها، وأصبحت قطر، كما يصفها أهلها، "كعبة المضيوم" لكبار شخصيات المعارضة السورية.
الإخوان المسلمون وتصدع البيت الخليجي
وتبدّى تأثير الآخر "السياسي" المقيم في الدوحة في خطبة للشيخ يوسف القرضاوي أثارت استياء دولة الإمارات. ففي فبراير 2014، وفي سياق الخطاب المعارض لعزل الجيش المصري الرئيس السابق محمد مرسي، انتقد القرضاوي، المقيم في الدوحة والحاصل على الجنسية القطرية، في خطبة جمعة بثت عبر قناة رسمية قطرية، الحملة التي تشنها دولة الإمارات العربية ضد الإخوان المسلمين[17]، الأمر الذي أدى إلى استدعاء الخارجية الإماراتية السفير القطري لإبلاغه بانزعاجها. وعبّر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش عن "بالغ استياء حكومة وشعب دولة الإمارات مما تلفظ به المدعو يوسف القرضاوي بحق الإمارات وعبر التلفزيون الرسمي لدولة جارة وشقيقة."[18] فيما علق وزير الخارجية القطري خالد العطية بالقول "إن سياسة قطر الخارجية تعبر عنها أجهزة الدولة الرسمية فقط."[19] لذا، فوجدت حكومة قطر نفسها في موقف صعب مع جاراتها دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي دفعها إلى إبرام "المعاهدة الأمنية"[20] والتي تكفل "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي" كما جاء في بيان رسمي للمجلس.
ورغم توقيع قطر على الاتفاقية، إلا أن بعض دول المجلس رأت أنها لم تضعها موضع التنفيذ حسب زعمها، مما دفعها– تحديداً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين – إلى عقد اجتماع طارئ في دولة لتحديد آلية تنفيذ الاتفاقية ومعرفة مدى جدية دولة قطر في إتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها من وجهة نظرها. إلا أن هذه الاجتماعات لم تسفر عن موافقة قطرية على الإجراءات التي تنص عليها الاتفاقية، ومنها وقف دعم الإخوان المسلمين واستقبال قياداتهم بشكل خاص، وحركات الإسلام السياسي بشكل عام. وفي سياق الضغط الدبلوماسي "اضطرت الدول الثلاث للبدء في إتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها، وذلك بسحب سفرائها من دولة قطر اعتبارا من... 5/3/2014."[21]
ومع تصاعد التوتر بين قطر والدول الثلاث، تدخّلت الكويت للوساطة، واتخذت الدوحة في منتصف سبتمبر 2014 إجراءات استجابة لمطالب المجموعة الخليجية كان من أهمها الطلب من بعض الأطراف المحسوبة على الإخوان المسلمين مغادرة قطر. ونقلت بي بي سي عن المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المقيم بالدوحة، أن أبرز القيادات المغادرة هي: عمرو دراج وزير التخطيط المصري السابق والقيادي في حزب الحرية والعدالة، ومحمود حسين أمين عام الإخوان، وجمال عبد الستار القيادي في الجماعة.[22] لكن صحيفة "الشرق" القطرية نقلت عن "فايننشال تايمز" حواراً مع وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية قال فيه إن الدوحة لم تطلب من قيادات الإخوان المغادرة، مؤكّداً أن "قطر ستبقى منصة للآراء المختلفة."[23] ألقت هذه التصريحات غموضاً على حقيقة الموقف القطري، إلا أن مقابلة أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني مع شبكة سي أن أن في سبتمبر 2014[24] قد وضعت النقاط على الحروف، إذ أكد أنه "بعد الانقلاب في مصر، ترك العديد [من قيادات الإخوان المسلمين] بلده وأتى بعضهم إلى قطر… وطالما أنهم لا يمارسون أي فكر سياسي فإنهم دائماً مرحب بهم."[25] وحول حقيقة إبعاد عدد من قيادات الجماعة تحت ضغط ثلاثي خليجي، قال أمير قطر إن "البعض منهم ما زال في قطر، والبعض الآخر يغادرون لأنهم يعتقدون بأن الوقت مناسب لممارسة السياسة."[26] وأضاف أن قوانين البلد تنص على "أنه طالما أنت هنا، فلا تستطيع أن تمارس السياسة ضد أي بلد عربي آخر."[27] بمعنى آخر، بدا أن قطر بدأت تتجه نحو التخفيف من النشاط الإعلامي والسياسي للإخوان في قطر، ولو نظرياً، عبر اعتمادها مؤشراً جديداً بعدم "ممارسة السياسة" ضد الدول العربية الأخرى وخصوصاً الخليجية.
هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض نوعية وقد تخفّف من ثقل التوترات داخل البيت الخليجي، لم تكن كافية من وجهة نظر الثلاثي الخليجي، وهكذا فشلت الوساطة الكويتية في الوصول إلى اتفاق منذ سحب السفراء في مارس 2014.[28] لكن الملك السعودي الراحل عبد الله بادر بالدعوة إلى اجتماع لقادة الخليج في الرياض في شهر نوفمبر 2014 ليعلن عقبه اتفاق الرياض التكميلي وعودة السفراء إلى قطر. وأعادت هذه الاجتماعات بعضاً من الوفاق إلى العلاقات الخليجية - الخليجية، إلا أن تفاصيل الاتفاق وبنوده لم تتضح بعد.[29] ومن غير الواضح ما إذا كانت نتائج هذه الاجتماعات تعني نهاية التوترات في سياسة قطر الخارجية مع السعودية والإمارات والبحرين، أم أنها حل مؤقت ومرحلي.
المعارضة السورية: دعم للثورة السورية وشكوك البعض حيالها
كما أثار وجود الإخوان المسلمين في الدوحة جدلاً واسعاً، كذلك كان الأمر بالنسبة للمعارضة السورية المتمثلة في عدد من القياديين السوريين في الجيش الحر. فقد أثار ذلك جدلاً في الإعلام الدولي حول دعم قطر وتمويلها لجماعات معارضة تصنفها بعض الدول الحليفة،[30] وعلى رأسها الولايات المتحدة، كـ "جماعات إرهابية". وعلى عكس ظهور خالد مشعل أو معاذ الخطيب في المؤتمرات أو الندوات التي تقام في الدوحة، تنعزل المعارضة السورية في مدن صغيرة خارج العاصمة. ونقل تقرير لوكالة "رويترز" أن بلدة أم العمد الواقعة شمال الدوحة، وهي بلدة منعزلة تضم مجموعة مزارع ومساجد صغيرة، تؤوي عدداً من قيادات جماعة التوحيد، إحدى الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الأسد.[31] والجدير بالذكر أن مجلس عزاء للقائد العسكري في لواء التوحيد عبد القادر صالح، أقيم في نوفمبر 2013 في منطقة صحراوية تبعد 20 كيلومتراً عن الدوحة.[32]
وفي تقرير مفصل نشرته "فورين بوليسي،" بعد مقابلتها شخصية سورية "هامشية" كانت تموّل عدداً من ألوية الجيش الحر وتملك عددا من المطاعم المشهورة في الدوحة، أكدت هذه الشخصية أن جنرالات سوريين سابقين يقيمون في الدوحة،[33] كان لهم دور كبير في المفاوضات مع "جبهة النصرة" لتحرير الكاتب الأمريكي بيتر ثيو كورتيس في أغسطس 2014 وبوساطة قطرية.[34] دفع نفوذ الدوحة في مفاوضات كهذه عدداً من دول، وتحديداً السعودية والإمارات و الولايات المتحدة، إلى التساؤل الحذر حول النفوذ القطري لدى هذه الجماعات. ونقلت وكالة رويترز عن مصدر سعودي أن "الملك تساءل عن أساليب قطر في تحرير الرهائن وطالب بمزيد من الرقابة على شخصيات في الدوحة تمول جماعات إرهابية."[35]ولاحظت الكاتبة الصحفية إليزابيث ديكنسون أن نوعية الفندق الذي يقيم فيه الآخر "السياسي" يشير إلى نوعية الدعم يحصل عليه من المضيف القطري، فرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل كان يقيم في فندق فور سيزنز الفخم، والمعارضة السورية تقيم في فندق ريتز كارلتون الفخم أيضاً. أما فندق دبليو هوتيل الحديث والفاخر، فتقيم فيه عادةً الوفود التي تسعى للاستثمار في العقارات أو الغاز الطبيعي. أما فندق الشيراتون، أقدم فنادق الدوحة، فقد أقام فيه كبار المتمردين في دارفور خلال مفاوضاتهم مع الحكومة السودانية.[36]
حركة طالبان: أول مكتب سياسي وتمثيل دبلوماسي للحركة منذ سقوطها في 2001
استضافت قطر كبار ممثلي حركة طالبان، حيث تم افتتاح مكتباً في الدوحة بهدف التوسط طالبان والحكومة الأفغانية. ويُذكر بان المكتب قد افتتح بمباركة أمريكية، حيث وصف الرئيس أوباما الخطوة بـ "المهمة،" قائلاً: "سنرى الأفغان لاحقاً يتحدثون إلى بعضهم بعضاً من أجل وقف العنف."[37] ويُذكر أيضاً بأن حكومة حامد كرزاي قد رفضت إجراء أي مفاوضات مع المكتب خشية أن يتم استغلاله لتوسيع علاقات طالبان مع بقية بلاد العالم أو تجنيد عناصر أو جمع تبرعات، ولكن تراجعت الحكومة الأفغانية عن ذلك الموقف في وقت لاحق.[38] ووفقاً لتقرير نشرته بي بي سي، وفّرت حكومة قطر لممثلي طالبان إقامة دائمة منذ ثلاث سنوات قبل إفتتاح المكتب في يونيو 2013 بحضور مساعد وزير الشؤون الخارجية القطري علي بن فهد الهاجري وعضو المكتب السياسي لطالبان جان محمد مدني. ونقل التقرير عن مصادر دبلوماسية في السفارة الأفغانية في الدوحة أن عدد عناصر طالبان الرفيعي المستوى في تزايد مستمر منذ الافتتاح، ووصل إلى عشرين شخصاً يعيشون برفقة عائلاتهم في أرقى الأحياء في الدوحة.[39]
وتمحورت القضية الأكثر جدلاً، في شأن افتتاح مكتب لطالبان في الدوحة، حول اللوحة التي عُلّقت على البوابة الخارجية، و التي حملت العبارة: "المكتب السياسي: إمارة أفغانستان الإسلامية،" مما أثار حفيظة حكومة كرزاي التي أبدت استياءها مما وصفته باعتراف حكومة قطر بحكومة طالبان كإمارة.[40] وقد تداركت الدوحة الموقف سريعاً وطلبت من المكتب تغيير اللوحة لتصبح "المكتب السياسي لحركة طالبان أفغانستان." ونقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن مصدر مسؤول في الخارجية القطرية أن "المكتب الذي افتتح أمس هو المكتب السياسي لطالبان أفغانستان في الدوحة، وليس المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية." وأضاف المصدر أن "المسمى الرسمي الذي اتفق عليه لافتتاح المكتب هو المكتب السياسي لطالبان في الدوحة."[41] وكانت إحدى ثمار افتتاح المكتب، خلال عام، هو نجاح صفقة تبادل الأسرى في يونيو 2014 بين طالبان والولايات المتحدة، والتي أُطلق بموجبها الرقيب في الجيش الأميركي باو برغدال المعتقل لدى طالبان منذ خمس سنوات مقابل خمسة من معتقلي طالبان في سجن غوانتانامو الأميركي.[42] وبموجب أحد شروط الصفقة، أقام المعتقلون الخمسة في قطر لمدة عام تحت مراقبة ورعاية قطرية.[43] وقد نُشر فيديو على اليوتيوب للحظة وصول المعتقلين الخمسة واستقبال ممثلي مكتب طالبان لهم في أحد شوارع الدوحة.[44]
هذا الاحتضان القطري لحركات سياسية معارضة لا بد أن يؤثر على الوضع السياسي والمدني والاجتماعي داخل الدولة وسياستها على المدى البعيد. ومما لا شك فيه أن بروز الدوحة في الساحة الإقليمية ودورها الملحوظ في الوساطات السياسية واحتضان الآخر السياسي، قد أثر على سياسة قطر الخارجية ونظرة جيرانها لها، وخصوصاً داخل البيت الخليجي. ومن الأسئلة المهمة المطروحة في المستقبل القريب هي: هل يمكن أن تستمر قطر على هذا النهج بعد المصالحة الخليجية؟ وما هو حجم التنازلات التي ستقدمها لجيرانها – أي السعودية والإمارات والبحرين؟ وما هي النظرة الخارجية لقطر حيال احتضانها حركات كالإخوان وطالبان، وما هو دور النفوذ الأمريكي الذي يمتلك قواعد عسكرية مهمة في قطر؟
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
[1]" قرار أميري بتمديد مدة مجلس الشورى،" صحيفة الراية، 25 يونيو 2013
<http://raya.com/news/pages/4541a5e6-2e1e-4894-b6af-e11beb959334>
أنظر أيضاً: "قطر: الشيخ حمد يسلم السلطة إلى إبنه تميم بعد خطاب الـ ٧ دقائق،" صحيفة الرياض، 26 يونيو2013 <http://www.alriyadh.com/847136>
[2]المصدر نفسه.
[3]أنظر الميزان (البوابة القانونية القطرية)، السلطة التشريعية
[4] التطورات السياسية في قطر،" في عمر الشهابي (محرر)، الخليج 2013: الثابت و المتحول (الكويت: مركز الخليج لسياسات التنمية، 2013)، 78 <http://www.gulfpolicies.com/media/files/Khaleej_2013_Grand_Research_Final.pdf>
[5] للاطلاع على التقرير السنوي 2013 للجنة حقوق الإنسان الوطنية، أنظر: <http://goo.gl/wCwdM6>
[6] مرسوم قانون إنشاء اللجنة رقم 38 لسنة 2002 ، اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان <http://goo.gl/4jfCy9> tar%20Economic%20Statistics%20aنفاذ"، جريدة الوطن،يةرإفراج عنه بكفالة مالية.اب أن "ريح نائب مجلس الامة الاسبق ير مشروعة في السك
[7] "حقوق الإنسان القطرية تدعو إلى انتخب مجلس الشورى بالبلاد،" صحيفة العربي الجديد، 5 يناير 2014
[8]للاطلاع على تقرير المنظمة وتصنيف الدول لعام 2014: <http://rsf.org/index2014/ar-index2014.php>
[9] "الأمير يصدر قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية،" صحيفة الراية، 16 سبتمبر 2014
<http://www.raya.com/news/pages/fa579432-3362-4ea0-9b89-cbdf69473813>
[10] "قطر: قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الجديد يعرض حرية التعبير عن الرأي للخطر،" منظمة العفو الدولية، 18 سبتمبر2014 <http://www.amnesty.org/ar/for-media/press-releases/qatar-new-cybercrimes-law-endangers-freedom-expression-2014-09-18>
أنظر أيضاً: "التقرير العالمي 2014: قطر، هيومن رايتس ووتش
<http://www.hrw.org/ar/world-report/2014/country-chapters/122037>
[11] “Qatar Population by Nationality", Bqdoha.com, 18 December 2013
[12] عدد الناشطين الاقتصاديين غير القطريين: في 2011 يساوي 1,196,394. أما في 2013 فالعدد حوالي 1,440,000. أنظر التقرير الصادر عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء:
[13] "قطر: الخطوات التي اتُخذت لوضع حد للاستغلال قبل موعد بطولة كأس العالم غير كافية تماماً،" منظمة العفو الدولية، 12 نوفمبر2014 .<http://www.amnesty.org/ar/news/qatar-steps-end-migrants-exploitation-ahead-world-cup-woefully-insufficient-2014-11-12>
[14]"قطر: القانون المعدل لكفالة العمال الأجانب سيصدر مطلع ،2015" الحياة، 17 نوفمبر 2014
[15]"مشروع قرار بإلغاء نظام الكفالة في قطر،" موقع قناة الجزيرة، 15 مايو 2014
[16]"قطر تؤكد إلغاء قانون الكفالة نهاية العام،" صحيفة العربي الجديد، 13 نوفمبر 2014
<http://www.alaraby.co.uk/economy/e2c85679-7387-4a3e-8c4d-bb9b674ba595>
[17]"الإمارات تحتج لدى قطر على خطبة للقرضاوي نقلتها الجزيرة،" بي بي سي العربية، 3 فبراير 2014
<<http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/02/140202_uae_qatar_qaradhawi_protest
[18]المصدر نفسه.
[19] "الإمارات تستدعي سفير قطر احتجاجاً على "تطاول" القرضاوي،" الشرق الأوسط، 3 فبراير 2014
[20]للاطلاع على نص المعاهدة الأمنية بين دول مجلس التعاون، أنظر: "نص الاتفاقية الأمنية كما أحالتها الحكومة إلى مجلس الأمة،" موقع الأنباء، 10 ابريل 2013 < http://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/373501/10-04-2013>
[21]محمد حسن عامر، "بيان السعودية والإمارات والبحرين لسحب سفرائها من قطر،" صحيفة الوطن الإلكترونية، 5 مارس 2015 <<http://www.elwatannews.com/news/details/430611
[22] "قطر تبعد 7 من قيادات الإخوان والمتعاطفين معها،" بي بي سي العربية، 13 سبتمبر2014 <http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2014/09/140913_qatar_brotherhood_egypt>
[23]"العطية: لم نطرد الإخوان ولا ضغوط على الجزيرة،" صحيفة الشرق القطرية، 16 سبتمبر 2014
[24] "حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في مقابلة خاصة لـCNN،" 26 سبتمبر 2014 <https://www.youtube.com/watch?v=IB0utUsZgjM>
[25] المصدر نفسه.
[26] المصدر نفسه.
[27] المصدر نفسه.
[28]"وساطة كويتية لتنقية الأجواء الخليجية،" الشرق الأوسط، 19 مارس 2014
<http://archive.aawsat.com/details.asp?section=1&article=765224&issueno=12895#.VMxtJtzRvpg>
[29]"عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر،" صحيفة الراية، 17 نوفمبر 2014
<http://www.raya.com/news/pages/df6531c8-a8a4-4ae7-a8fa-e8d23824d7f4>
[30]"معارضون سوريون يقيمون سرادق عزاء في صحراء قطر لقائد لواء التوحيد،" رويترز، 20 نوفمبر2013 <http://ara.reuters.com/article/idARAL5N0J545T20131120>
و أنظر: Elizabeth Dickinson, “The Case Against Qatar”, Foreign Policy, 30 September 2014
[31] المصدر نفسه.
[32] المصدر نفسه.
[33] المصدر نفسه.
[34] المصدر نفسه.
[35] Qatar Emir tells Saudi King he met terms to end GCC rift: Gulf source,” Reuters, 14 October 2014 <http://www.reuters.com/article/2014/10/14/us-qatar-saudi-rift-idUSKCN0I31CT20141014>
[36] Elizabeth Dickinson, “The Case Against Qatar.”
[37] "قطر: المكتب لطالبان لا لإمارة أفغانستان،" موقع قناة الجزيرة، 19 سبتمبر 2013
[38]عبدالباقي، مصباح. "كرزاي ومكتب طالبان في الدوحة،" موقع قناة الجزيرة، 4 أبريل 2013
[39] "كيف أصبحت قطر المكان المفضل للتفاوض مع طالبان،" بي بي سي العربية، 23 يونيو 2013 <http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2013/06/130623_qatar_taliban_office_why>
[40] "إزالة إسم ‘إمارة أفغانستان الإسلامية’ عن مكتب طالبان في قطر والمحادثات بين واشنطن والحركة علقت قبل أن تبدأ في الدوحة،" القدس العربي، 20 يونيو2014 <http://www.alquds.co.uk/?p=56133>
[41] "قطر: المكتب لطالبان لا لإمارة أفغانستان،" موقع قناة الجزيرة، 19 يونيو 2013 <http://goo.gl/0dcJ4J>
[42] "خارجية قطر تكشف لسي أن أن أسرار صفقة الولايات المتحدة وطالبان،" سي أن أن عربية، 3 يونيو 2014 <http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/06/03/first-cnn-qatar-says-showed-it-can-deliver>
[43] "قادة طالبان المفرج عنهم يصلون الدوحة،" موقع قناة الجزيرة، 1 يوليو 2014 <http://goo.gl/CmwOhp>
[44] لمشاهدة الفيديو لحظة وصول عناصر طالبان معتقلي غوانتانامو في الدوحة أنظر: "استقبال قادة طالبان في قطر،" 2 يونيو 2014 <https://www.youtube.com/watch?v=UgJXMHcFenQ>