حمزة إسماعيل أبوشنب

 

تهدف هذه الدراسة إلى التعرف إلى طبيعة العلاقة بين المملكة العربية السعودية وحركة المقاومة الإسلامية حماس وانعكاساتها في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية في المنطقة العربية، وتأثر فلسطين بها وتناقض التوجه السياسي بين السعودية، المؤيدة لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل إذا ما التزمت بمبادرة السلام العربية، وحماس الرافضة لنهج التسوية، والتي تعتمد المقاومة المسلحة في إدارتها للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وتم استخدم الدراسة الوصفية من خلال المنهج التاريخي والاعتماد على أداتي المقابلة والملاحظة.[1] خلصت الدراسة إلى أن حماس حاولت، منذ انطلاقتها، فتح قنوات إتصال مع السعودية، كما سعت الأخيرة إلى الاتصال بالحركة بسبب دورها في الانتفاضة وغضبها من قيادة منظمة التحرير. وحرص الطرفان على فصل العلاقة بينهما عن تنظيم الإخوان المسلمين. وقد قدمت السعودية لحماس دعماً مالياً رسمياً مرتين فقط، ولكنها تركت للحركة حرية جمع التبرعات من مواطنيها، مع فرض ضوابط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. وشهدت هذه العلاقة حالات مد وجزر، ولكن بدا واضحاً، من سياق تطورها، أن الطرفين قد تجنّبا قطيعة تامة رغم أن التطورات السياسية أثّرت على طبيعة هذه العلاقة، بخاصة في ما يتعلق باعتماد السعودية خيار التسوية، وهو ما تجلى في طرحها للمبادرة العربية التي لم توافق عليها حماس، وكذلك في ما يتعلق بانفتاح الحركة على إيران، وبكون حماس جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين. وقد لعبت شخصيات بارزة من الطرفين دوراً مهماً في تحديد طبيعة هذه العلاقة، كموقف الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز من رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل إثر انهيار إتفاق مكة، وتصدر شخصيات جديدة المسرح السياسي في السعودية تربطها علاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية. فيما لم يستثمر الطرفان تردي علاقة حماس مع محور طهران – دمشق لتحيسن العلاقة وتوثيقها.
 

خلفية تاريخية
 

منذ انطلاقتها، شكَّلت طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والدول المجلس، من بينها السعودية، إحدى روافع دعم القضية الفلسطينية. لكن موقف قيادة منظمة التحرير الداعم للعراق في حرب الخليج الثانية بقيادة صدام حسين في عام 1991 أغلق الأبواب الخليجية المفتوحة أمام المنظمة، وحال دون السماح بعودة آلاف الفلسطينيين ممن كانوا يقيمون في دولة الكويت قبل غزوها.
 

وبالتوازي، شهدت الساحة الفلسطينية صعوداً متسارعاً لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع دخولها معترك الانتفاضة الفلسطينية الأولى وتبنيها خيار المقاومة المسلحة، إضافة إلى أيديولوجيتها الإسلامية، ما فتح لها آفاقاً مع السعودية التي كانت تربطها علاقات طيبة مع الإخوان المسلمين الذين عملت معهم في دعم المقاتلين العرب في أفغانستان وكوسوفو، قبل أن تتبدّل هذه المواقف وتتغيّر في أكثر من اتجاه. ولا يمكن للبحث في طبيعة العلاقة بين حماس والسعودية تجاهل تعقيدات الواقع التي تفرض على أي باحث في الملف الفلسطيني وعلاقاته في المنطقة الالتفات إلى أربعة عوامل:
 

·         المملكة العربية السعودية وما يجمعها من علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام الملك عبد العزيز آل سعود، وتطور هذه العلاقة بعد إكتشاف النفط وحاجة السعودية لبيعه وشراء السلاح، واستمرار هذه العلاقة الاستراتيجية في ظل تطلع السعودية إلى قيادة العالم العربي والإسلامي.
 

  • إيران التي أسقطت حكماً موالياً للولايات المتحدة بصورة ثورية، والتي تهدف إلى توسيع نفوذها عن طريق تصدير تجربتها الثورية.
  • الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، بما فيها الدعم المفرط لإسرائيل وتحالفاتها في المنطقة العربية، كسوق مصدر للنفط وتجارة رابحة للسلاح.
  • طبيعة موقف الكيانين الإيراني والسعودي من قضية فلسطين. ففي حين تدعم الرياض حل الدولتين، ترى طهران في رفضها لوجود إسرائيل مصدراً لهويتها الثورية وسلاحاً يساعدها على الريادة الإقليمية في ظل الرفض العربي الشعبي لوجود إسرائيل.
  • تلعب هذه العوامل دوراً هاماً في الصراع بين السعودية وإيران، واللتان تشكّلان قوتين جيوسياسيتين تتنافسان على السلطة والنفوذ في كل أنحاء الخليج وبلاد الشام وفلسطين والعراق، وكذلك داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).[2]


سياسة المملكة العربية السعودية تجاه قضية فلسطين


ارتبطت السياسة السعودية تجاه قضية فلسطين بالخلفية الدينية التي تبناها مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود والتي تعتبر امتداداً طبيعياً للفكر الوهابي. وقد عملت السعودية جاهدة لنشر هذا الفكر وقيادة العالم العربي والإسلامي وإبراز دورها تجاه قضية فلسطين. حافظ هذا الدور على توجهٍ عام ارتبط بعلاقات المملكة والمتغيرات الإقليمية والدولية التي كان لها السمة الأبرز لسياسة السعودية تجاه قضية فلسطين، وارتكزت على تحميل الغرب مسؤولية النزاع العربي - الإسرائيلي ومسؤولية إيجاد حل ملائم له. بعد حادثة الأقصى في أغسطس عام 1929، ارتأى الملك عبد العزيز التوجه إلى ملك إنجلترا للفت نظره إلى النشاط الصهيوني في فلسطين. وفي عام 1936، ومع اشتداد الثورة الفلسطينية، وجه الملك عبد العزيز نداءً لوقف الثورة، وحث اللجنة العربية على التعامل مع "لجنة بل" الملكية التي أوفدتها بريطانيا لدراسة الوضع العام واقتراح الحلول عام 1937 .[3] وفي عشرين يونيو عام 1938، وجه الملك عبد العزيز رسالة إلى الحكومة البريطانية جاء فيها "... لو أطاعوني أهل فلسطين واتخذوا المطالبة بالطرق السلمية الوسيلة الوحيدة لمطالبهم مع بريطانيا." إضافة إلى ذلك، فقد حضرت السعودية مؤتمر لندن عام 1939 حول قضية فلسطين.[4] ومع تطوّر العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، طلب الملك عبد العزيز من الرئيس الأمريكي روزفلت في 15 ديسمبر ممارسة ضغوط على الحكومة البريطانية لتقليل حجم التأييد للحركة الصهيونية. كما وجه رسالة إلى الرئيس الأمريكي أكد فيها أن الخلاف حول فلسطين لن يؤثر على صداقته الدائمة مع الولايات المتحدة.
 

وبعد إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم وانسحاب بريطانيا من فلسطين، رفضت المملكة العربية السعودية هذه القرارات وشاركت، على قدر إمكانياتها، في حرب فلسطين عام 1948 ،[5] وأرسلت وحدات من جيشها إلى مصر تحت إمرة القيادة المصرية في صحراء النقب. وإبان العدوان الثلاثي، وجه الملك سعود بن عبد العزيز رسالة إلى الرئيس الأمريكي ايزنهاور مطالباً بمضاعفة جهود الولايات المتحدة لوقف العدوان. صبّت الجهود السعودية عموماً في دعم القرارات العربية، وقد غلب عليها الطابع السياسي ومقاربة طرح رؤى للحلّ عبر النظام الدولي. ومع التطورات السياسية في المنطقة العربية، من حرب 1967 إلى حرب 1973 وما تلاهما من الثورة الإيرانية عام 1979 وتحوّل الولايات المتحدة إلى قطب عالمي أوحد مع تراجع نفوذ الإتحاد السوفيتي ودعم السعودية للمقاتلين الأفغان، طرحت المملكة مبادرة عرفت بـ"مشروع فهد للسلام،" كان من أبرز نقاطها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي إحتلت عام 1967 بما فيها القدس العربية وضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر لجميع الأديان في الأماكن المقدسة وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتعويض من لا يرغب في العودة.
 

وشاركت السعودية في الجهود المبذولة لإحياء عملية السلام بما فيها مؤتمر مدريد للسلام 1991، وتكثفت جهودها في هذا الاتجاه. وبعدما شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 منعطفاً حادّاً في المنطقة وما أعقبها من احتلال أفغانستان والتلويح بمهاجمة العراق في ظل سيطرة القطب الواحد على السياسة الدولية، تبنت القمة العربية المنعقدة في بيروت في مارس2002 المبادرة السعودية للسلام واعتبرتها من وثائقها الرسمية. ونصت المبادرة على انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 تنفيذاً لقراري مجلس الأمن242  و338 مقابل إقامة الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل.[6] وتواصلت جهود المملكة في دعم هذا التوجه، فشاركت في مؤتمر أنابوليس للسلام 2007 ودعمت الطلب الفلسطيني بعضوية غير كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012.
 

الإخوان المسلمون الفلسطينيون في السعودية


 

بعد الأحداث المتلاحقة على الساحة الفلسطينية (نكبة 1948 ونكسة 1967)، هاجر الفلسطينيون إلى الأقطار العربية. وتركز جزء من الهجرة في دول المجلس التي بدأت تنال استقلالها عن بريطانيا في فترة الستينات والسبعينات. ومع بداية النهضة العمرانية والطفرة النفطية في السبعينات، كانت السعودية من الدول الحاضنة للفلسطينيين، ومن بينهم عناصر من تنظيم الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من الحضور الملحوظ للإخوان المصريين في السعودية التي شكّلت حاضنة لهم في ظل خلافهم مع جمال عبد الناصر، وكذلك للإخوان السعوديين والسوريين، إلا أن الإخوان الفلسطينيين عملوا منذ البداية بشكل منفصل من الناحية التنظيمية،[7] فشكلوا شُعَبَهم المستقلة التي تركزت في مدينتي الرياض وجدة، واستمر اتصالهم بالإخوان في فلسطين،[8] واختير الراحل خيري الآغا ممثلاً لهم، فكان يشارك في الاجتماعات التنظيمية في قطاع غزة، وقد عين في إحدى المرات مراقباً عاماً للإخوان في فلسطين خلفاً لهاني بسيسو الذي اعتقل في مصر.[9] واستمرت العلاقة منفصلة بين إخوان فلسطين وباقي فروع التنظيم الذين كانوا يمثلون في المجالس الشورية في الأردن بعد انتقال قيادة التنظيم من مصر إلى الأردن،[10] واهموا في تقديم الدعم المالي للمؤسسات الخيرية في فلسطين، وعملوا على استقبال الحجاج من الإخوان الفلسطينيين الذين كانوا يحضرون إلى السعودية لجمع التبرعات لمؤسساتهم في موسم الحج، كالمجمع الإسلامي الذي كان يرأسه الشيخ أحمد ياسين والجمعية الإسلامية. وساهمت المنح التعليمية التي قدمتها السعودية للطلاب الفلسطينيين في تعزيز نواة الإخوان الفلسطينيين في المملكة، إذ إستفاد عدد كبير منهم من هذه المنح التي كانت تهدف السعودية من خلالها إلى نشر الفكر السلفي.[11] في هذه البيئة، تأسست نواة صلبة للإخوان الفلسطينيين في السعودية وساهمت في قوة حضور حماس فيما بعد على الساحة السعودية.[12]


تطور العلاقة

سجلت انتفاضة الحجارة عام 1987 حضوراً لحركة حماس، وبرز دور المساجد في التفاعل مع أحداثها وعلا صوت الخطاب الديني في شعاراتها كـ "الإسلام هو الحل،" كما أُطلق عليها "انتفاضة المساجد." مثّل هذا الحضور الهام لحماس جعلها محط أنظار السعودية التي كانت تدعم حركة فتح ومنظمة التحرير بأشكال مختلفة.[13]


دشن اللقاء الأول بين مدير المخابرات السعودية و موسى أبو مرزوق في مدينة جدة عام 1988، بناءاً على طلب السعودية، بداية العلاقة بين الطرفين،[14] وقد نوقشت خلاله أسس العلاقة بين الطرفين وآليات تقديم الدعم المالي لحماس مع إبداء السعودية رغبتها في عدم انزلاق الحركة إلى العمل العسكري.[15] ولم يكن للإخوان المسلمين السعوديين أو من الموجودين في المملكة أية علاقة بفتح قناة الاتصال، بل كان هؤلاء حريصين على أن تكون العلاقة منفصلة بشكل كامل عن علاقة الإخوان بالسعودية.[16]


أثار موقف منظمة التحرير من غزو العراق للكويت عام 1990 حفيظة دول المجلس بينما أعلنت حماس موقفاً واضحاً برفضها للغزو، مما شجع السعودية على تعزيز العلاقة معها. وجمع لقاء ثانٍ أبو مرزوق ومحمد نزال، عضو المكتب السياسي لحركة حماس حالياً، مع مدير المخابرات السعودية أثناء حرب الخليج الثانية، نوقش خلاله تعزيز العلاقات وفتح مكتب إتصال في المملكة. كما طرحت فكرة استبدال منظمة التحرير بحماس، ووعدت السعودية بتقديم دعم مالي وسياسي للحركة.[17]


لكن سرعان ما تراجعت السعودية عن هذه الفكرة، ففي لقاء ثالث جمع أبو مرزوق ونزال مع المخابرات السعودية عام 1992 أكدت السعودية أنها لا تبحث عن بديل جديد على الساحة الفلسطينية وستستمر في اعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي للفلسطينيين طالما لم تغير الجامعة العربية مواقفها، كما أنها ليست في صدد قيادة اتجاه في الجامعة العربية للبحث عن بديل. وأكّدت أنها تشجع السلام العادل مع إسرائيل وتقبل بما يقبله الفلسطينيون وأنها لن تقوم بأي إجراء تطبيعي مع إسرائيل طالما أن قضية القدس لم تحل بطريقة تتناسب مع مكانتها الدينية في العالم الإسلامي. أما في حال التوصل إلى حل مقبول لقضية القدس فإن السعودية قد لا تتمكن من رفض تطبيع مطلوب من حلفائها الإقليميين والدوليين. إكتفت السعودية بتقديم دعم مالي مقطوع،[18] وأصبح لحماس مكتب غير معلن على أراضيها وممثل مكلّف بالتواصل مع الرياض بشكل مباشر، وهو لا يزال يعمل حتى مارس 2015.[19] وقد يعكس تراجع السعودية عن دعم حماس كبديل لمنظمة التحرير إلى العلاقة بين السعودية وجمهورية مصر العربية، إذ تعتبر الرياض أن منظمة التحرير من اختصاص النظام المصري، فهو الذي أنشأها وهو الذي يتحمل تبعات أي إجراء يتعلق بتطويرها أو تجميدها.


مخيم مرج الزهور وانفتاح حماس على سوريا وإيران


شكلت محطة مرج الزهور – وهو مخيم أقامه المبعدون الفلسطينيون على الأراضي اللبنانية عام1992  بعد قرار إسرائيل إبعاد 450 من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي –  نقطة تحول وبداية انفتاح في العلاقات مع سوريا وإيران. فبعثت رسالة من قيادة حماس إلى القيادة السورية وعُقد لقاء جمع القياديَين في الحركة عبد العزيز الرنتيسي و محمود الزهار مع مسؤولين سوريين، و عُين الأخير إثره ممثل للحركة في دمشق.[20] بدأت علاقات حماس مع إيران عام 1990، وتطورت بعد أن زار وفد حمساوي طهران عام 1991 للمشاركة في مؤتمر دعم الانتفاضة. وساهمت محطة مرج الزهور في توسيع العلاقة مع إيران والانفتاح على حزب الله نظراً إلى اتساق رؤيتهما بوجوب تحرير فلسطين كاملة من بحرها إلى نهرها وعدم الاعتراف بإسرائيل والتعاون في مسار المقاومة المسلحة. وتعززت العلاقات بعد تعيين ممثل لحماس في طهران.[21]


الاختراق في العلاقة بين حماس وطهران ما كان ليتحقق لولا عاملان أساسيان، الأول: فكر حماس المنفتح على العالم العربي الإسلامي، واعتبار قضية فلسطين قضية عربية إسلامية، والثاني: حاجة الحركة الماسة إلى السلاح والاستفادة من تجربة حزب الله في جنوب لبنان، وحاجة إيران إلى الورقة الفلسطينية في تدعيم مشروعها الإقليمي. وساهمت الظروف السياسية في المنطقة العربية، إثر هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية، في الضغط لإنجاز اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مدعومة من السعودية.


أوسلو وتصاعد الخلاف السياسي الفلسطيني


انقسمت الساحة الفلسطينية حيال التوقيع على اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993. وتفاقم الانقسام مع تبنّي حماس والجهاد الإسلامي استراتيجية إفشال الاتفاق بالعمليات الاستشهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى شن حملة اعتقالات واسعة ضد عناصر الحركتين. ولم تعارض السعودية الاتفاق، فشاركت في مؤتمر مدريد عام1991 وقدمت دعماً مالياً واسعاً للسلطة الفلسطينية[22] وحافظت على علاقة جيدة مع حماس رغم مشاركتها في قمة "صانعي السلام" في شرم الشيخ عام1996  بعد سلسلة عمليات في الأراضي المحتلة عام 1948، وركزت على دعم العملية السلمية واستمرار المفاوضات ومحاربة ما سمي ب"الإرهاب" وإدانة الهجمات الانتحارية بما فيها المنفذة ضد إسرائيل.[23] ولم تنعكس مواقف السعودية في المؤتمر على علاقتها بحماس، فحافظت على علاقة معها بعيداً عن الإعلام، وتواصل الدعم الخيري والمؤسساتي للحركة وجمعياتها. وتعززت هذه العلاقة بزيارة الشيخ أحمد ياسين للمملكة عام 1998 .[24]


زيارة الشيخ أحمد ياسين للمملكة العربية السعودية


بعد خروج الشيخ أحمد ياسين من السجن، كان وضعه الصحي يتطلب خضوعه لعمليات عاجلة. وبعد تواصل مع السعودية، أبدت الأخيرة استعدادها لاستقباله للعلاج على أراضيها.[25] وظهر جليًا أن السعودية أولت اهتمامًا رسميًا بالشيخ ياسين وأبدت تفهمًا واسعًا لمواقفه تجاه المقاومة المسلحة وبرنامج حماس السياسي المتعارض مع الطرح السعودي لمشروع السلام في المنطقة العربية المتمثل في حضورها مؤتمري مدريد وشرم الشيخ. ولم تتعامل الرياض مع الحركة، في ذلك الوقت، كحركة إرهابية، بل دعم الملك فهد مواقف الشيخ ياسين وحافظت المملكة على لتواصل مع الحركة بعيدًا عن الإعلام.[26] وعلى الرغم من أن الزيارة حظيت بتغطية إعلامية واسعة في وسائل الإعلام السعودية، بقي لقاء الشيخ ياسين والملك فهد، أثناء أداء الأول مناسك الحج، بعيداً عن التداول الإعلامي. ولم يكن برفقة زعيم حماس، في اللقاء الذي حضره أمراء سعوديون، أي من قيادات الحركة حماس في السعودية أو من أعضاء مكتبها السياسي. وهو سمع من الملك فهد يومها: "أنتم في قلوبنا ونحن معكم حتى تحرير القدس،" ووعده بتقديم الدعم. وبالفعل، تم إرسال أموال للشيخ ياسين لمرة واحدة قبل مغادرته السعودية.[27]


إلى ذلك، جمع الشيخ ياسين، في زيارته للسعودية، أكثر من لقاء مع الملك عبد الله بن عبد العزيز نوقشت خلاله الأوضاع السياسية. وكان تركيز الملك عبد الله على أهمية ترتيب العلاقات الفلسطينية من دون أية مشاكل. كما كان يبدو حرص المملكة على الحفاظ على البيت الفلسطيني في ظل تنامي قوة الحركة في الشارع الفلسطيني وخشيتها من الصدام الداخلي.[28]


حماس والسعودية ( 2000-2005 )


شهدت المنطقة العربية تطورات متلاحقة ومتسارعة كان لها الأثر البالغ في تغيّر العديد من السياسات الدولية والإقليمية والعربية، وألقت بظلالها على حماس وطبيعة علاقتها بالنظام السعودي. وأبرز هذه التحولات:

  • اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 إثر زيارة أرييل شارون، زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، للمسجد الأقصى في 28 سبتمر بعد انسداد الأفق السياسي وفشل مؤتمر كامب ديفيد الثاني، وقرار ياسر عرفات المشاركة في الانتفاضة بتقديم الدعم الشعبي والسماح بالعمل العسكري.
  • أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها من إعلان "الحرب على الإرهاب" التي بدأت بحرب أفغانستان ثم غزو العراق عام 2003. وشهدت الساحة العربية انقساماً بين "محور الاعتدال" بزعامة مصر والسعودية و "محور الممانعة" الذي يضم سوريا وإيران وحزب الله وحماس. وتفاقمت الأزمة الإيرانية - السعودية بعد بسط إيران نفوذها في العراق.
  • إعلان السعودية المبادرة العربية للسلام في مؤتمر القمة العربية عام2002  ورفض حماس للمبادرة واعتبارها تنازلاً عربياً في ظل تصاعد أعمال المقاومة.
  • اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان.
  • وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتزعم محمود عباس رئاسة المنظمة وتبنيه خيار المفاوضات وملاحقة المقاومة.


تفاعلت السعودية مع دعم انتفاضة الأقصى بشكل لافت ورفعت من حدة خطابها، وبرز ذلك في كلمة الملك عبد الله في مؤتمر القمة العربية 2000 والذي دعا فيه إلى عدم الإكتفاء بالدعم المعنوي والسياسي للفلسطينيين بل بوجوب مساندتهم بكل الوسائل. وأنشأت السعودية صندوقين لدعم انتفاضة الأقصى "صندوق انتفاضة القدس" الذي خُصص للإنفاق على عوائل الشهداء الفلسطينيين، و"صندوق الأقصى" لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة.[29]


الحماسة السعودية تجاه انتفاضة الأقصى والدور البارز حماس في أحداثها شكلا رافعة لمزيد من انفتاح الحركة على الشارع السعودي والاستفادة بشكل واسع من المؤسسات الخيرية السعودية التي نسقت مع مؤسسات حماس الاجتماعية لتقديم الدعم من خلالها. وإستمر هذا الانفتاح حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.[30]  انعكست أحداث سبتمبر على العلاقة بين الطرفين، ووجدت السعودية نفسها مضطرة إلى التعاطي مع حلفائها في مكافحة ما عرف في الغرب ب"الإرهاب". وبعدما طالت الانتقادات التوجهات الدينية الرسمية السعودية، وُضع الدعم الرسمي والشعبي للجماعات والجمعيات الإسلامية تحت المجهر، واضطرت السعودية إلى إقرار ضوابط كبيرة على دعم الشعب السعودي لأشقائه. وعلى الرغم من أن حماس لم تكن مستهدفة بهذه الإجراءات لكن ذلك إنعكس على احتمالات التطور الطبيعي في العلاقة بين الطرفين.[31]


ومع إعلان السعودية المبادرة العربية للسلام، لم يكن في وسع حماس دعم المبادرة التي تمس بالحقوق الفلسطينية بما فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتتعارض تماماً مع ثوابت الحركة. لكن هذا الرفض اتسم بنوع من الدبلوماسية تحاشياً لإزعاج المملكة، خصوصاً بعد سماعها تأكيدات من مسؤول سعودي كبير بأن المشروع ولد ميتاً لأن إسرائيل رفضته. إلا أن هذا الموقف لم يرق للمملكة، فشهدت العلاقات حالة من الفتور.[32]


وقد رفضت السعودية تصنيف حماس ضمن "المنظمات الإرهابية،" لكنها نفت في الوقت نفسه تقديمها دعماً مالياً للحركة، مؤكدة أن الأموال السعودية الرسمية تذهب إلى الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر الفلسطيني عن طريق السلطة الفلسطينية.[33] وفيما اتسعت الفجوة بين السعودية من جهة، استفادت طهران من انتفاضة الأقصى، فقدمت الدعم المالي والعسكري للفصائل الفلسطينية. وزادت حدة التوتر بين الرياض ودمشق بعد اغتيال رفيق الحريري في لبنان، مما ساهم في تعزيز حالة الاصطفاف العربي ورفع وتيرة التنسيق بين طهران ودمشق. وكانت حماس أقرب إلى محور طهران - دمشق -حزب الله، الذي وفر لها الدعم المالي والعسكري، ومقر إقامة لقياداتها السياسية في دمشق بعد طردها من الأردن عام 1999.


كما شهدت الساحة الفلسطينية تغييرات باستشهاد الشيخ ياسين في مارس 2004 وتولي خالد مشعل قيادة الحركة، فخسرت حماس الشخصية الرمزية. أما على صعيد السلطة الفلسطينية، فقد تولى محمود عباس رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ثم رئاسة السلطة الفلسطينية بعد رحيل ياسر عرفات في نوفمبر 2004، مما ساهم في انفتاح واسع على دول المجلس بشكل عام والسعودية بشكل خاص، بعدما قدم عباس اعتذاراً عن مواقف منظمة التحرير تجاه غزو الكويت. وبرحيل عرفات، انتهت الأزمة الخليجية مع منظمة التحرير بشكل نهائي، باعتبار أن شخصية عرفات هي التي تتحمل مسؤولية سوء العلاقة بعد دعمه للغزو العراقي للكويت.


فوز حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة


شكل فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 بوابةً لتوسيع علاقاتها العربية. وقد رحّبت الخارجية السعودية بفوز الحركة ورفضت حصارها وطالبت الأطراف الدولية باحترام نتائج الانتخابات، وأكدت على موقفها بضرورة تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط عبر المبادرة العربية للسلام.[34] لكن هذا الموقف المعلن لم يترجم على أرض الواقع. فبعد تشكيل الحكومة في مارس 2006، زار وزير خارجيتها محمود الزهار السعودية، وكانت محطته الثانية بعد مصر، إلا أنه لم يحظ باستقبال وفق العرف الدبلوماسي، فاستقبله وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في مكتبه، وكرر أثناء اللقاء التأكيد على تبني خيار السلام. فيما تطرق الزهار إلى رغبته في زيارة إيران طالباً رأي الفيصل الذي كان جوابه دبلوماسياً، إذ قال:"أنتم حركة وشعب تحت الاحتلال وتحتاجون مساعدة الجميع."[35] وفي غضون هذه الزيارة لم تعرقل السلطات السعودية تحركات الزهار، فقابل عدداً كبيراً من السعوديين والجالية الفلسطينية، كما عقد لقاءاً مع السفراء العرب المعتمدين لدى المملكة.[36]


 وحاول رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية زيارة السعودية في إطار جولته العربية. إلا أن كل المحاولات لم تتكلّل بالنجاح. ورغم تقديمه أكثر من طلب عبر السفارة الفلسطينية في الرياض، لم يحظَ بأي رد، لا لسلباً ولا إيجاباً بما ذلك على برقيات التهنئة التي بعث بها في مناسبات الأعياد الإسلامية والوطنية.[37]وتواصلت محاولات هنية بإرسال طلب لأداء فريضة الحج، فوافقت السعودية، وأرسل الملك عبد الله بن عبد العزيز طائرة ملكية خاصة أقلّت هنية وعدداً من وزراء حكومته، واستقبلوا في الضيافة الملكية كما هو متعارف عليه بروتوكولياً، لكن المسؤولين السعوديين اعتذروا عن عدم مقابلته بحجة الانشغالات.[38]



الدعوة إلى اتفاق مكة عام 2007


مع اشتداد الأزمة العربية وزيادة النفوذ السعودي في المنطقة، حاولت السعودية إبراز دورها كقائد قادر على حل الصراعات العربية -العربية، بعد ارتفاع حدة التوتر بين السعودية وحلف إيران - سوريا - حزب الله، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وتوجيه الرياض أصابع الاتهام إلى هذه الأطراف  التي كانت علاقتها بحماس تشهد انفتاحاً واسعاً، اعتُبرت معه الحركة جزءاً مما سمي بـ "محور الممانعة".في عام 2007 اشتد الصراع الفلسطيني -الفلسطيني بين حماس وفتح وتطور إلى حد الصدام المسلح، فوجه الملك السعودي نداءً عاجلاً في نهاية يناير من العام نفسه إلى الحركتين لعقد لقاء مصالحة بينهما في مكة المكرمة. وتجنبت السعودية إرسال دعوة شخصية لرئيس الحكومة إسماعيل هنية الذي حضر بصفته قيادياً في حماس وضمن وفدها[39] الذي ترأسه رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، فيما ترأس الرئيس محمود عباس وفد فتح. وأدّى إشكال بروتوكولي حول ترتيب الجلوس إلى تأخير بدء الجلسات، ما دفع إلى عقد اللقاء على طاولة مستديرة جلس عليها مشعل، وعباس بصفته رئيساً للسلطة، وهنية بصفته رئيساً للحكومة.[40] و لم يعقد مسؤولو حماس خلال هذه الزيارة أي لقاءات جانبية مع المسؤولين السعوديين، كما لم يُناقش فتور العلاقة مع الحكومة العاشرة (حكومة هنية).[41] وتم  خلال الزيارة إنجاز إتفاق مكة والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة هنية. ولوحظ خلال الحوارات المشتركة قوة العلاقة بين وزير الخارجية سعود الفيصل ورئيس المخابرات بندر بن سلطان مع قيادات حركة فتح والسلطة الفلسطينية حسب زعم بعض القيادات في حماس.[42]


القمة العربية في الرياض مارس 2007


عقدت جامعة الدول العربية الدورة الاعتيادية التاسعة عشرة في الرياض في 28 و29 مارس 2007، وحضرها الرئيس عباس وبصحبته هنية – رئيس وزراء حكومة الوحدة – الذي عقد على هامش القمة عدداً من اللقاءات الخاصة، كلقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية النرويجي.[43] وأثناء صياغة البيان الختامي للقمة في الجلسة المغلقة، خرج هنية أكثر من مرة للتشاور مع قيادة الحركة حول بعض البنود المتعلقة بالمبادرة العربية للسلام وصياغتها، وقد بدا في حالة عصبية.[44]


انهيار اتفاق مكة وتصاعد الأزمة مع حماس


لم ينزع إتفاق مكة فتيل الأزمة السياسية الفلسطينية في ظل استمرار الرفض الغربي لوجود حركة حماس في المشهد السياسي الفلسطيني الرسمي. وكان بادياً أن الولايات المتحدة وإسرائيل وأطرافاً فلسطينية تحاول إفشال الاتفاق، إذ لم يرفع الحصار المالي عن الحكومة وجرى تكرار ضرورة اعتراف حماس بشروط الرباعية الدولية، ما أدى إلى تفجير الصراع المسلح مجدداً. وتكوّنت لدى حماس قناعة بضرورة ضبط الوضع الأمني في قطاع غزة، فاتخذت قراراً بإنهاء حالة الفوضى والفلتان الأمني التي سبقتها إستقالة وزير الداخلية في حكومة الوحدة هاني القواسمي بسبب رفض تعاون الأجهزة الأمنية معه. وفي 14 يونيو، بدأت جولة الصراع الأخيرة التي انتهت بانهيار الأجهزة الأمنية الموالية لفتح وسيطرة حماس على قطاع غزة. ووصف الرئيس عباس ما جرى في قطاع غزة بأنه انقلاب عسكري.


سارعت السعودية إلى الاتصال بخالد مشعل لفهم الموقف، إلا أن الأخير لم يكن يمتلك تفاصيل ميدانية حول الأوضاع ليجيب المسؤولين السعوديين،[45] فاعتبرت الرياض ما جرى نقضاً من حماس لاتفاق مكة، معتمدة على رواية حركة فتح.[46] وحاول بعض قيادات الحركة الموجودين في السعودية تبرير أحداث قطاع غزة، وجال هؤلاء على عدد من المدن السعودية وأجروا لقاءات صحفية والتقوا عدداً كبيراً من علماء الدين من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في الموقف الرسمي.[47] واستمر توافد قيادات حركة حماس على السعودية كالمعتاد في مواسم الحج والعمرة، فيما انحصر التعامل الرسمي مع حكومة رام الله التي تشكلت بعد هذه الأحداث.[48]


حماس ومحاولات رأب الصراع في العلاقة مع السعودية


تعرض قطاع غزة لعدوان "الرصاص المصبوب" في نهاية عام 2008 من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ودعت قطر، في 16 يناير 2009، إلى عقد قمة عاجلة تغيبت عنها مصر والسعودية والرئيس عباس وعدد آخر من الدول العربية. شكلت هذه القمة حالة فريدة من الاصطفاف العربي - العربي وشهدت حضوراً واضحاً لما يسمى بتيار الممانعة، فحضر الرئيس السوري بشار الأسد الذي اعتبر في كلمته أن المبادرة العربية للسلام ميتة وطالب بـ "نقلها من سجل الأحياء إلى سجل الأموات."[49] كذلك حضر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووفد من فصائل المقاومة ضم خالد مشعل ورمضان شلح، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، وأحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة.


لم يغير عدوان "الرصاص المصبوب" من مواقف السعودية تجاه حماس، بل أدّى إلى تفاقم القلق من العلاقة التي تجمع الحركة بمحور "الممانعة" الذي هاجمته السعودية أثناء عدوان 2006 على لبنان، معتبرة خطف حزب الله جنوداً إسرائيليين مغامرة غير محسوبة.[50] تواصلت اللقاءات التي يعقدها مسؤولو حماس مع المسؤولين السعوديين خلال المواسم الدينية. وأعلنت الحركة أكثر من مرة عن رغبتها في ممارسة الراعي السعودي دوره المنتظر في إصلاح البيت الفلسطيني، مؤكدة على براءتها من تهمة إسقاط توصيات إتفاق مكة. لكن ذلك لم يقنع السعوديين.[51]وقام مشعل بزيارتين متقاربتين إلى الرياض نهاية عام 2009 وبداية عام 2010، الأولى بطلب من حماس والثانية بطلب من وزير الخارجية سعود الفيصل. وعقد في زيارته الأولى مؤتمراً صحفياً – الأمر الذي لا يحدث كثيراً – طالب خلاله السعودية بالتوسط في المصالحة الفلسطينية وكرر توضيحات الحركة في شأن العلاقة مع إيران، الأمر الذي تفهّمه الوزير السعودي. لكن ذلك لم ينعكس على الموقف السعودي الرسمي.


وفي الزيارة الثانية طلب الفيصل توضيحات حول ما تناقلته بعض الصحف عن أن انتقال ممثل حماس من إيران إلى اليمن كان لتمرير دعم إيراني للحوثيين، فأبدى مشعل استغرابه لأخذ السعودية هذا الأمر على محمل الجد، وأوضح أن ذلك لم يتعد كونه إجراءً روتينياً مرتباً قبل تفاقم أزمة الحوثيين. واستدل بعلاقة حماس المتميزة جداً مع الرئيس علي عبد الله صالح، فاقتنع السعوديون بأن هذه التعليقات الصحفية لا قيمة لها.[52]وكرر مشعل طلبه بتدخل السعودية لإصلاح البيت الفلسطيني، فوعد الوزير بالاستجابة بعد استشارة الملك. ويبدو أن الأخير قام فعلاً ببعض الجهد لكنه اصطدم بمعارضة الجانب المصري، التي كانت تطالب حماس بالاعتراف بالرباعية الدولية. وتلى ذلك تسريب رسالة من مشعل إلى الملك عبد الله بشكل مخالف للأعراف الدبلوماسية.[53] وكانت صيغة الرسالة استعطافية إلى حد كبير وبشكل يتعارض أيضاً مع الأعراف الدبلوماسية.[54]


بعد ذلك، زار مشعل السعودية مرتين لتقديم العزاء لسلطان بن عبد العزيز ونايف بن عبد العزيز، لكنه لم يلتقِ خلالهما أي مسؤول سعودي. ولم تسجل بعد ذلك أي زيارة لأي من قيادات الحركة إلى السعودية، سواء بقصد التواصل أو للعمرة أو الحج، كما لم تستجب السعودية لطلب هنية زيارتها رسمياً.[55]


وقد أثار نعي هنية لأسامة بن لادن، ووصفه له بـ "الشهيد المجاهد العربي" حفيظة السعودية.[56] وعلى أثر ذلك، اتصل  سعود الفيصل هاتفياً بهنية وطالبه بالتراجع عن موقفه، فبرّر الأخير موقفه بأن حماس اكتوت بنار الاغتيالات من دون محاكمات، وهي تتعاطف مع أي شخص يُقتل من دون أن يدافع عن نفسه.[57] ولم يسجل أي تواصل رسمي مع حكومة حماس في غزة. وفي أول موسم حج بعد وصول حماس إلى السلطة في غزة، لم تستجب وزارة الحج السعودية لطلب وزارة الحج في حكومة الحركة بالتنسيق المباشر بينهما وتجاوز رام الله، مما أدى إلى تعثر خروج الحجاج من غزة ذلك العام. وتمت ترتيبات الحج من غزة بالتنسيق بين وزارتي الحج في الرياض ورام الله، وإن كان يحسب في هذا المجال للسعودية استضافة ألف حاج سنوياً من ذوي الشهداء ومن الأسرى المحررين تقسم مناصفة بين غزة ورام الله. واستمر هذا التقليد لأربعة مواسم متتالية، كما تمت استضافة الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار في الحج على نفقة الحكومة السعودية، وفي الحالتين كان ذلك استجابة لطلب من حماس.[58]

حماس والسعودية بعد الانتفاضات العربية


طرأ عاملان هامان على العلاقة بين حماس والسعودية بعد الثورات العربية. الأول: خروج حماس من سوريا، والثاني: دعم حماس للانتفاضات العربية واعتبارها إحدى نتائج صمودها ضد إسرائيل ونقطة تحول هامة في مشروع التحرير. ودخلت الحركة مرحلة من الارتياح النسبي بعد فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات في مصر وتونس. انتهت العلاقة الحمساوية -الإيرانية بخروج الحركة من سوريا تحقيقاً لمبادئها المعلنة سابقاً بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول، وتكبّدت جراء ذلك خسارة كبيرة لم تتمكن بعد من تعويضها. وبالرغم من ذلك لم تتمكن أيضاً من استثمار هذا الموقف في إعادة فتح القنوات المغلقة مع السعودية وانشغلت في ترتيب العلاقات مع مصر وتركيا وقطر.


وبعد وصول الإخوان إلى حكم مصر، و دور السعودية في دعم السيسي الذي عزلهم عن الحكم، أصبحت علاقة حماس مع السعودية في وضع حرج، إذ ترى السعودية في حماس أحد فروع الإخوان المسلمين، مما يزيد من مخاوفها من استغلال الحركة رافعتها الفلسطينية لخدمة مشروع التنظيم الأم (الإخوان) في السعودية. وتنظر الرياض إلى المشروع الإخواني كمشروع أممي عابر للأقطار، قد يستخدم حماس أداة في أقطار أخرى كالسعودية وغيرها، رغم أنه لم يسجل على الحركة أي تدخل في شؤون الغير أو تصرف يتناقض مع التعريف الذي تطلقه على نفسها كمشروع وطني فلسطيني ذي مرجعية إسلامية خارجة من رحم الإخوان.[59] ورغم أن الحكومة السعودية لم تدفع في إتجاه أي إجراء ضد حماس أسوة بالإخوان، إلا أن العلاقات قد يتواصل فيها الفتور مع استمرار الحراك الإخواني ضد حكومة السيسي في مصر.[60]


وعلى رغم الفتور، لم تكفّ حماس عن كيل المديح للسعودية في وسائلها الإعلامية بعد كل موقف سعودي مساند لقضية فلسطين، ولم يُسجل في كل وسائل الإعلام التابعة للحركة والمقربة منها أي موقف ضد السعودية، حتى عندما كانت القنوات الحمساوية تبث رسائل التضامن مع الرئيس محمد مرسي بعدما عزله الجيش المصري. وعلى الجانب السعودي، لم تصنف الرياض حماس كحركة إرهابية على غرار ما فعلته مع الإخوان المسلمين ومازالت تتعامل مع ممثلها في السعودية، كما لم يتوقف دعمها المالي للمشروعات في قطاع غزة بما فيها إعادة الإعمار للبيوت المهدمة إثر حرب 2009 - 2008، عبر البنك الإسلامي للتنمية الذي يتواصل مع حكومة حماس في قطاع غزة.

خاتمة

 

في ختام هذه الورقة، بإمكاننا استنتاج النقاط التالية من خلال تفحص العلاقات بين السعودية وحماس على مدى نصف القرن الماضي:

1. سعت حماس، منذ انطلاقتها، فتح قنوات تواصل مع السعودية، اعتقاداً منها بأن المضمون الفكري لسياستها وسياسة السعودية يؤهلهما لتحالف من نوع ما. وكان التواصل الأول بما يشبه المبادرة من جانب الحكومة السعودية. فبعد حرب الخليج التي انتهت بتدمير الجيش العراقي وإخراجه من الكويت، كانت الغضبة السعودية على أشدها من موقف ياسر عرفات المنحاز للعراق. لذلك كان فتح علاقة غير معلنة مع حماس جزءاً من ثأر ضد عرفات وإعادة لتلميع الصورة الإسلامية للسياسة السعودية.  وكان الحديث خلال الزيارات الأولى يتضمن قدراً من الثناء على الموقف المتوازن لحماس خلال الحرب، مع قدر كبير من الشجب لموقف عرفات، كما كان هناك تفهم مشترك لضرورة وجود قناة للتواصل بين الطرفين.

2. منذ بداية العلاقة، كان واضحاً أن السعودية تنظّر لحل قضية فلسطين عبر الطرق السلمية والمنظمات الدولية، ولم تعارض مقاومة حماس المسلحة.

3. قدمت السعودية لحماس دعماً مالياً رسمياً مرتين فقط، الأولى عام 1992، والثانية خلال زيارة الشيخ أحمد ياسين. لكنها تركت الساحة الشعبية لحماس لجمع التبرعات بصورة غير معلنة، وإن حدّتها ببعض الضوابط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

4. حرصت كل من حماس والسعودية على فصل العلاقة بينهما عن تنظيم الإخوان المسلمين، وإن كان هاجس أممية حماس موجوداً دائماً لدى المسؤولين السعوديين.

5. شهدت العلاقة بين الطرفين حالات مد وجزر، لكن أياً منهما لا يريد وضع حد لهذه العلاقة. فالصورة التقليدية للسعودية القائمة على التدين تجعلها غير قادرة على تأييد أي اتفاق سلام مع إسرائيل وتحمل فاتورته التطبيعية من دون حل مقبول في العالم الإسلامي لقضية القدس، وأي حل يفرض عليها لا يناسبها يجعلها تستدعي علاقاتها مع حماس. أما لجهة الحركة، فهي تسعى منذ نشأتها إلى أن تكون السعودية حليفتها في تحرير فلسطين.

6. أثرت المتغيرات الإقليمية والعربية على طبيعة العلاقة بين السعودية وحماس، وهي:

  • موقف حماس من المبادرة السعودية.
  • انفتاح حماس على إيران التي توسع نفوذها وانكماش نسبي لدور الولايات المتحدة في ظل الصراع السعودي - الإيراني المتصاعد.
  • تخوف السعودية من أن تكون حماس جزءاً فاعلاً في المشروع الأممي العابر للحدود للإخوان المسلمين.
  • اتخاذ الملك السعودي عبد الله موقفاً شخصياً من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وتحميله مسؤولية انهيار إتفاق مكة.
  • تصدر جيل جديد للمسرح السياسي السعودي كوزير الخارجية سعود الفيصل ومدير الاستخبارات السابق بندر بن سلطان الأكثر انفتاحاً على السلطة الفلسطينية والأكثر تفهماً لضرورة السلام في المنطقة والأشد عداء لإيران.

7. لم تنعكس العلاقة بين حماس والسعودية على قضية فلسطين في السنوات العشر الأولى، فحافظت الرياض على موقف ثابت تجاه قضية السلام ولم تؤثر على الخيارات السياسية للحركة، في حين انعكست العلاقة سلباً على قضية فلسطين في العقد الثاني، فكان لمواقف الرياض من الحكومة العاشرة وحربي 2009 - 2014 أثر في عدم تحقيق إنجازات على الصعيد الحكومي وإضعاف الإنجاز الميداني في ظل غياب الموقف الرسمي الداعم للمقاومة.

8. ساهمت مواقف السعودية من حكومة حماس في الانفتاح الواسع على إيران، إذ لم تقدم السعودية دعماً مالياً للحركة عبر الحكومة، في وقت قدمت طهران دعماً أسهم في بقاء حماس في الحكومة لمدة عام قبل الانقسام الفلسطيني -الفلسطيني ولخمس سنوات بعده.


لم تستثمر كل من حماس والسعودية تردي العلاقة مع محور طهران –دمشق في ظل انشغال السعودية بالانتفاضات العربية.

 

لقراءة الجزء التالي من الاصدار

لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)

لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا

 

 

 

 

[1] المقابلات التي أجراها الباحث كانت مع مسؤولين في حماس اساساً، ولذلك فهي لا تمثل وجهة نظر الاطراف الاخرى.

[2] فريدريك وبري وكريم سجادبو، "توازن بعيد المنال: أمريكا وإيران والسعودية في الشرق الأوسط المتغير،" مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 28 مايو 2014 <http://goo.gl/L8EQR6>

[3] غسان سلامة، السياسة الخارجية السعودية منذ عام 1945، دراسة في العلاقات الدولية (بيروت ، معهد الإنماء العربي،1980، .  ) 549

[4] عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث (بيروت –المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1973)، 305.

[5] زاهية قدورة، تاريخ العرب الحديث (بيروت، دار النهضة، 1975)، 223.                

 [6] "مؤتمرات القمة العربية (1946 - 2012م)" موقع الجامعة العربية الخاص بقمة الدوحة 2013 <http://arableaguesummit2013.qatarconferences.org/arabic/arab-league.html>

[7] داوود أبو خاطر، من قيادات الإخوان الفلسطينيين، مقابلة مسجلة، (غزة، مركز التأريخ والتوثيق،14 أغسطس 2002).

[8] إسماعيل الخالدي، من قيادات الإخوان الفلسطينيين، مقابلة مسجلة، (غزة، مركز التأريخ والتوثيق يناير 2006 ).

[9] داوود أبو خاطر، مصدر سابق.

[10] المصدر نفسه.

[11] الشيخ أحمد ياسين، مؤسس وقائد حركة حماس، مقابلة مسجلة (غزة، مركز التأريخ والتوثيق، 5 أغسطس 2002 ).

[12] موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مقابلة شخصية، غزة، 7 يونيو 2014.

[13] أحمد يوسف، المستشار السياسي لرئيس الحكومة الفلسطينية العاشرة إسماعيل هنية، مقابلة شخصية، 15 يونيو2014.

[14] موسى أبومرزوق، مصدر سابق.

[15] المصدر نفسه.

[16] المصدر نفسه.

[17]  موسى أبومرزوق، مصدر سابق.

[18]  قيادي من حماس في الخليج، مقابلة عبر الهاتف والإيميل، سبتمبر2014.

[19]  موسى أبو مرزوق، مصدر سابق.

[20]  محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس ووزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية العاشرة من مارس 2006 حتى مارس 2007، مقابلة شخصية، 4  سبتمبر، 2014.

 [21]مركز الزيتونية، تقدير استراتيجي، مستقبل العلاقة بين حماس وإيران، مارس 2014.

[22] موقع وزارة الخارجية السعودية، <http://www.mofa.gov.sa/KingdomForeignPolicy/Pages/PalestineCause25461.aspx>

[23] نص إعلان قمة شرم الشيخ لصانعي السلام، موقع مقاتل http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/MazbahaKan/mol01.doc_cvt.htm>>

[24] موسى أبو مرزوق، مصدر سابق.

[25] الشيخ أحمد ياسين، مصدر سابق.

[26] موسى أبو مرزوق، مصدر سابق.

[27] الشيخ أحمد ياسين، مصدر سابق.

[28] المصدر نفسه.

[29]  "تاريخ القمم العربية،" موقع يا بيروت <http://www.yabeyrouth.com/pages/index1648.htm>

[30] قيادي في العمل الاجتماعي في حماس، مقابلة عبر الهاتف، 16 اغسطس 2014.

 [31] المصدر نفسه.

[32] المصدر نفسه.

[33] عادل الجبير، تصريح صحفي، صحيفة الوسط، العدد281 ، 14 يونيو 2003.

[34] "الموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية من وصول منظمة حماس الى السلطة الفلسطينية،" موقع وزارة الخارجية السعودية، 27 ديسمبر 2013 <http://www.mofa.gov.sa/KingdomForeignPolicy/KingdomPosition/Pages/NewsArticleID47023.aspx>

[35] محمود الزهار، مصدر سابق.

[36] المصدر نفسه.

 [37]وائل عبد العال، مدير مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني في الحكومة العاشرة ، مقابلة شخصية، 5 سبتمبر 2014.

[38] المصدر نفسه.

[39] وائل عبد العال، مصدر سابق.

[40] المصدر نفسه.

[41] محمود الزهار، مصدر سابق.

[42] المصدر نفسه.

[43] وائل عبد العال، مصدر سابق

[44] المصدر نفسه.

 [45]قائد في العمل الاجتماعي، مصدر سابق.

 [46]محمود الزهار، مصدر سابق.

[47] قائد في العمل الاجتماعي، مصدر سابق.

[48] قيادي في الخارج، مصدر سابق.

 [49] "قمة غزة بالدوحة تدعو لوقف التطبيع وإعمار القطاع،"موقع قناة الجزيرة، 17 يناير 2009 <http://goo.gl/d4iJhg>

 [50]قيادي في الخارج، مصدر سابق

[51] موسي أبو مرزوق مصدر سابق.

[52] قيادي في الخارج، مصدر سابق

[53] "'لأهرام' تنشر نص رسالة من خالد مشعل الى العاهل السعودي وابو مرزوق يؤكد وجودها وياسف لنشرها،" صحيفة القدس 27 يناير 2010 <http://www.alquds.com/news/article/view/id/149893>

[54] قيادي في الخارج، مصدر سابق

[55] المصدر نفسه.

[56] "إسماعيل هنية: بن لادن مجاهد عربي،" موقع قناة الجزيرة، 2 مايو 2011 <http://goo.gl/qJdYid>

[57] لقاء خاص مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية يونيو 2011.

[58] وائل عبد العال، مصدر سابق.

[59] قيادي في الخارج، مصدر سابق.

[60] موسى أبو مرزوق، مصدر سابق.



الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها