الثابت والمتحول 2015 : الخليج والآخر
6. خاتمة
-
الزيارات: 1229
مع انتصاف عام 2015، بات واضحاً أن المنحنى الأمني هو السائد على المشهد السياسي في دول المجلس، سواءاً على المستوى الداخلي في التعاطي مع المعارضة المحلية في كل دولة، أم على المستوى الإقليمي في العلاقات مع دول الجوار. فعلى المستوى المحلي، لا زال الخيار الأمني يشكل الاستراتيجية المتبعة في الإمارات والبحرين والسعودية، ولوحظ أيضا تصاعد وتيرة الخيار الأمني في الكويت أيضاً. أما على المستوى الإقليمي، فتفجرت الأوضاع على كل حدود دول المجلس، أكانت في سوريا أو العراق أو اليمن، ناهيك عن العداء المتبادل مع إيران، مما رسخ أهمية الخيار الأمني لدى صُناع القرار.
وقد غلب الطابع الأمني في الجانب السكاني أيضاً، كما وجدنا في ملف حملة تصحيح أوضاع العمالة الوافدة في السعودية، حيث اتخذت السلطات خطوة جديدة وحازمة في التعاطي مع "الآخر" الاقتصادي و السكاني المتمثل في العمالة الوافدة. وللحملة دلالة هامة وهي إدراك صناع القرار في الرياض للمشكلة المتمثلة في الاعتماد المتزايد على الوافدين في سوق العمل، ولكن عانت نتائج الحملة عدة مشاكل، فهي لم تتمكن من وضع حد للخلل السكاني من جهة، و من جهة أخرى تمت "شيطنة" الوافدين إعلاميا بداعي انهم يمثلون خطراً أمنياً. ولم يتم إنجاز الهدف المعلن للحملة أيضا، أي توفير الوظائف للعمالة المحلية، حيث لم يتم التعاطي مع المسببات البنوية التي تحفّز استقدام هذه العمالة إلى السعودية و بقية دول المجلس بأعداد متنامية.
الحل الأمني بطبيعته هو عبارة عن ردة فعل آنية لتطورات خرجت عن السيطرة بشكل أو بآخر، و لذلك فإنه عبارة عن نمط من أنماط إدارة الأزمات crisis management ولا يأتي، بطبيعته، بحلول طويلة المدى، خاصة بالنسبة لأوجه الخلل المزمنة الأربعة التي نركز عليها في سلسلة إصدارات "الثابت و المتحول." ففي بعض الحالات نجد بأن الحل الأمني ليس خيارا قابلا للطرح أصلاً، كما هي الحال مع محور الملف المعمق في القسم الاقتصادي والذي كشف عدم استدامة النمط الاقتصادي الحالي، و الذي يقوم على الاعتماد على عوائد النفط لتغطية النقات المحلية المتزايدة في كل دول المجلس. ولا الخيار الأمني سيكون هو الحل البعيد المدى في اليمن العربي الشقيق، حيث يبين ملف العلاقات الخليجية – اليمنية في هذا الإصدار وجود حاجة ماسة لتجاوز حالة الشد والجذب التي سادت العلاقة على مدى الخمسة العقود الماضية، والسعي للتوصّل إلى حل جذري يضمن علاقة وطيدة بين الأطراف المنازعة و التي هي، في نهاية المطاف، جزء من كيان جغرافي واحد.
وتتطلب المسؤولية الإقليمية المتنامية على دول المجلس إعادة بوصلة هذا النشاط إلى القضية المصيرية الأم في الوطن العربي و هي فلسطين. فلاحظنا عبر الملفين المعمقين في هذا الإصدار بأن هناك بوادر قلق للتطبيع على المستوى الرسمي مع الكيان الصهيوني. ولاحظنا أيضاً أن التطبيع مع العدو يشمل أشكالاً أخرى كالتعاملات التجارية ما بين دول المجلس و الشركات العالمية الضالعة في اضطهاد الفلسطينيين. في المقابل، وجدنا أن النشاط المعادي لهذه الأشكال من التطبيع لا ينتهج استراتيجية بعيدة المدى وذات أهداف محددة، خاصة اذا ما قورنت بحملات مقاطعة على مستوى العالم. يأتي هذا الملف، اذن، كنداء لتنشيط هذه التضامن مع القضية الفلسطينية وترتيب الجهود للضغط على العدو من خلال حملات مناهضة التطبيع.
وكما هو الحال دائماً في سلسلة "الثابت والمتحول،" فنجدد هنا الدعوة للتطرق إلى أوجه الخلل المزمنة التي تواجه دول المجلس و المتمثلة في الخلل السياسي و الاقتصادي و الأمني و السكاني، بهدف الوصول إلى مبدأ الدولة الحديثة المبنية على الديمقراطية والتنمية والوحدة. أما غير ذلك من استراتيجيات، بما في ذلك محاولة مواجهة الأزمات عبر حلول أمنية، فإنها لن تفلح في إيجاد مخرج من المأزق التنموي التي تعاني منه دول المجلس. بل وحتى وأن بدت الحلول الأمنية وكأنها قد طبطبت على مشكلة ما على المدى القصير، فإنها عادةً ما تزيد من تجذرها، لا حلها.
الخلاصة هي أن دول المجلس تواجه تحديات جمة وعميقة. تتطلب هذه التحديات نقاشا صريحا يشارك فيه كل من له مصلحة في إنجاح مشروع الدولة الحديثة، أي المواطنون جميعا دون استثناء. في هذا السياق، تمثل جهود مركز الخليج لسياسات التنمية، بما فيها هذا الإصدار، محاولة لوضع المادة العملية ما بين أيدي أهل المنطقة، باعتبارهم المعنيين بنهاية الأمر بمستقبل الخليج، حيث تربطهم وحدة الأرض والمصير، على أمل المساهمة في فتح الحوار حول سبل الوصول إلى دولة ليست قوية بأجهزتها الأمنية وبطشها، بل قوية بسواعد أهلها وتكاتفهم.