Reports 2018
- 1 المقدمة: هامش التنمية في الخليج
- 2 المستجدات السياسية في دول مجلس التعاون
- 2.1 مقدمة: المستجدات السياسية في خضم أزمة الخليج
- 2.2 المستجدات السياسية في مملكة البحرين - بدر النعيمي
- 2.3 المستجدات السياسية في دولة الكويت - مراد الحايكي
- 2.4 المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية - إبراهيم محمد
- 2.5 المستجدات السياسية في دولة قطر - آمنة المري ومريم الهاجري
- 2.6 المستجدات السياسية في دولة الإمارات - سارة السلطان
- 2.7 المستجدات السياسية في سلطنة عمان - هاجر السعدي
- 3 ملفات: هوامش التنمية
- 3.1 مقدمة: هوامش التنمية في دول مجلس التعاون
- 3.2 (السيداو) في دول مجلس التعاون: تمكين للمرأة أم استمرار لسياسات التهميش - خليل بو هزاع
- 3.3 العمالة المنزلية: نظرة مقارنة بين البحرين وبقية دول مجلس التعاون - هناء بوحجي
- 3.4 تاريخ نشوء نظام الكفالة للعاملين الوافدين في دول الخليج العربية - عمر الشهابي
- 3.5 قراءة في تحولات الحركة النسوية السعودية: من الهامش إلى المركز - نورة الدعيجي
- 3.6 قانون أحكام الأسرة الموحد في البحرين - منى عباس فضل
- 3.7 الحرية الأكاديمية في جامعات الخليج: "المرأة في الاسلام" في جامعة قطر نموذجاً - هتون الفاسي
- 3.8 كيف يتم تمثيل المرأة في كتاب العلوم الإجتماعية؟ - نعيمة الراشدي
- 4 خاتمة: نحو مركزية الهامش
- الثابت والمتحول 2018: التنمية في هامش الخليج
الثابت والمتحول 2018: التنمية في هامش الخليج
2.4 المستجدات السياسية في المملكة العربية السعودية - إبراهيم محمد
-
الزيارات: 2466
منذ تولي الملك سلمان سدة الحكم في السعودية، مرت المملكة بالكثير من التحولات السياسية الضخمة وبصورة متسارعة، والتي نتج عنها عدة متغيرات في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة. فبعد أن كانت السياسة السعودية توصف بأنها تتسم بالحذر، أصبحت سياستها الخارجية والداخلية هي الأكثر نشاطاً في المنطقة. تسعى هذه الورقة إلى رصد أهم هذه التطورات والمستجدات السياسية في السعودية، وإلقاء الضوء على تبعات هذه المستجدات على الفئات الواقعة على هامش سياسات التنمية.
المستجدات في القوانين والهياكل التشريعية
شهد العام 2017 تحولات كبيرة على مستوى ترتيب هياكل الحكم في السعودية. وكان أبرز تلك التحولات هو القرار الملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى المناصب الأخرى التي كان يشغلها، وعزل ولي العهد السابق محمد بن نايف. وجاء هذا القرار بعد موافقة هيئة البيعة السعودية التي صوتت بالغالبية العظمى (31) من (34) لصالح تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد كما جاء في القرار الملكي[1]. وكان القرار قد أكد على عزل محمد بن نايف من جميع مناصبه بما فيها وزارة الداخلية، وهو ما زاد من تنبؤات الصحف الغربية حول وضعه تحت الإقامة الجبرية وتجميد أمواله. ولكن سرعان ما تم نفي ذلك من قبل أحد المسؤولين السعوديين، الذي علق على تقارير بعض الصحف بأن هذا " ليس صحيح 100 في المائة". وكانت قد ظهرت العديد من الصور للأمير محمد بن نايف بعد عزله من منصبه وفي مواقع مختلفة داخل المملكة[2]. تبع هذا القرار الملكي قرارات أخرى تركز أغلبها على تعيين أبناء أحفاد المؤسس في مناصب قيادية، في خطوة لترتيب البيت الداخلي للحكم السعودي[3].
رافق هذه القرارات الملكية إجراء تعديل على الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم لتكون كالتالي: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس، عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل اَل سعود وأبناء الأبناء ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية المؤسس"[4]. وجاء التعديل على الفقرة (ب) بإضافة جملة "ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية المؤسس" على نص الفقرة قبل التعديل لتؤكد على عدم أحقية الأحفاد في تسمية أولياء للعهد من نفس الفرع الذي ينتمون إليه، كالأبناء والأخوة والأحفاد في حال توليهم مقاليد الحكم، بعكس أحقية أبناء المؤسس في فعل ذلك كما فعل الملك سلمان بتعيين ابنه محمد بن سلمان وليا للعهد[5]. ويرى بعض الكتاب أن تعديل هذه الفقرة جاء ليطمئن العائلة الحاكمة بمصير الحكم مستقبلاً ودورها المستقبلي فيه، وليقطع الطريق حول المخاوف بنية محمد بن سلمان توريث الحكم لأبنائه[6].
وجاءت هذه القرارات الملكية بعد قرارات أخرى كان قد أمر بها الملك سلمان بن عبدالعزيز في أبريل 2017، ومنها ما قضى بإعادة جميع البدلات والمكافآت إلى موظفي الدولة بعد إيقافها طبقاً لسياسات التقشف في العام الذي سبقه، إضافة إلى صرف راتبين للعسكريين المشاركين في العمليات العسكرية في اليمن "عاصفة الحزم" و"إعادة الأمل"[7].
كما صدرت عدة تعيينات وإعفاءات طالت الكثير من أمراء المناطق والوزراء والسفراء وبعض القيادات العسكرية. وكان النصيب الأكبر من هذه التعيينات في المناصب الكبيرة لجيل الشباب من العائلة الحاكمة. وبحسب البعض تأتي هذه الخطوة والخطوات التي تبعتها كمحاولة لتحكيم خطة الحكم للعقود القادمة، ومن الممكن أيضاً النظر لهذه الخطوة كضمان لولاء هذا الجيل الشاب عبر إشراكهم في إدارة الدولة ومنحهم الحق في إدارة ما يرونه مناسباً حسب المهام الموكلة إليهم[8].
وفي مزيد من التغييرات الهيكلية والتنظيمية للقطاعات الحكومية في السعودية، قام الملك سلمان بإصدار أمر ملكي بتغيير اسم مسمى هيئة التحقيق والادعاء العام إلى النيابة العامة ومسمى رئيسها إلى النائب العام في 17 يونيو 2017، كما جاء في الأمر الملكي أن ترتبط النيابة العامة مباشرة بالملك بعد أن كانت مرتبطة مباشرة بوزارة الداخلية. وفقاً للأمر الملكي فإن هذه الخطوة جاءت لتمنح النيابة العامة مزيداً الاستقلالية وذلك لأهمية فصل السلطة التنفيذية والهيئة باعتبارها جزءاً من السلطة القضائية [9].
بعد ذلك بثلاثة أيام أصدر الملك أمر ملكي آخر في 20 يونيو2017 يقضي بإنشاء جهاز رئاسة أمن الدولة وتعيين عبد العزيز الهويريني رئيساً لها بمرتبة وزير مع استمراره مديراً للمباحث العامة. أكد هذا الأمر الملكي على ضم عدد من القطاعات الأمنية إلى هذا الجهاز الجديد، تتكون في مجملها من خمس قطاعات هي: المديرية العامة للمباحث العامة، ومركز المعلومات الوطني، وقوات الطوارئ الخاصة وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، إضافة إلى كل ما يتعلق بمحاربة الإرهاب وتمويله[10]. نص القرار الملكي أيضاً على أن يكون رئيس أمن الدولة عضواً في مجلس الشؤون السياسية والأمنية. ووفقاً للقرار الملكي فقد اعتمد هذا التنظيم الهيكلي بناءً على ما سبق اقتراحه من قبل الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الداخلية السابق لتعديل الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية بما يضمن فصل قطاع الشؤون الأمنية في جهاز مستقل[11].
وينظر لهذا القرار الملكي من منظورين، الأول يتعلق بزيادة كفاءة هذا الجهاز في قضايا الأمن القومي والإرهاب، وتخفيف الأعباء والمهام على وزارة الداخلية وزيادة تركيزها على القيام بدورها بما يختص بالمهام التي تقدمها الخدمات المرورية والشرطة والجوازات، وهو ما تحدثت به وأكدت عليه بعض وسائل الإعلام السعودية[12] أما المنظور الثاني فهو ما تطرقت له وكالة أنباء بلومبيرغ الدولية حين قالت أن هذا الأمر شبيه ببعض الأوامر السابقة الهادفة إلى كسر توازن القوى المعمول به لعقود داخل العائلة المالكة. فبعد أن ظلت وزارة الداخلية سنوات طويلة في يد نايف بن عبد العزيز ثم في يد أبنه محمد بن نايف قبل انتقالها أخيراً إلى حفيده وهو الأمير عبدالعزيز بن سعود، جاء الدور الاَن لكسر هذه المسلمات التي عملت عليها الإدارة السعودية لعقود طويلة[13].
وفي هذا الصدد قامت السعودية أيضاً في نوفمبر2017 بتعديل قانون مكافحة الإرهاب وتجريم تمويله المعمول به منذ عام 2014، حيث قام الملك بإصدار مرسوم ملكي يقضي بتعديل 21 مادة من هذا القانون. أبرز هذه التعديلات حسب ما ذكرها عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى عطا السبيتي في حديثه للعربية نت هي التأكيد على حق المتهم في تعيين محامٍ بدءاً من مرحلة التحقيق بعد أن كان هذا الحق مقتصراً على مرحلة التقاضي، إضافة إلى حماية الشهود[14].
يحتوي هذا القانون على 10 فصول تنظيمية و96 مادة قانونية، وعززت هذه المواد القانونية من دور النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة بعد أن كان يقتصر تطبيقها على وزارة الداخلية فقط بوصفها الجهة التنفيذية للدولة. كشف هذا القانون عن نوعية التهم والعقوبات لمرتكبيها، فمثلاً حدد القانون عقوبة السجن لمدة 5-10 سنوات لكل من يتعرض للملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن بالدين والعدالة، و 10-20 لكل من أنشأ كياناً إرهابياً أو تولى منصب القيادة فيه[15]. وانتقدت هيومن رايتس ووتش تعديلات قانون مكافحة الإرهاب وتجريم تمويله، واصفة إياه بالاحتواء على تعاريف غامضة وفضفاضة للأفعال الإرهابية، حيث تصل بعض العقوبات للإعدام[16]. وبحسب نص نظام جرائم مكافحة الإرهاب وتمويله، فإن العقوبة تصل إلى القتل في حق الممول أو المنفذ للعملية الإرهابية في حال نتج عنها وفاة شخص أو أكثر[17].
وبالحديث عن الإرهاب وطرق مكافحته، قامت السعودية مع بعض الدول الأخرى بإنشاء مركز لمكافحة الفكر المتطرف تحت مسمى "اعتدال"، وعيّنت الرياض مقراً له في 21 مايو 2017. دُشِّن المركز إبان زيارة الرئيس الأمريكي وقادة الدول العربية والإسلامية لقمة الرياض 2017. يهدف هذا المركز حسب إعلانه الرسمي إلى مكافحة الإرهاب من خلال محاربة التطرف الفكري إعلامياً ورقمياً إضافة إلى ترسيخ المبادئ الإسلامية المعتدلة في العالم[18]. وكان ترمب قد أكد قبيل زيارته إلى الرياض في مؤتمر صحفي أن الهدف من هذه الزيارة هو الاجتماع مع قادة دول العالم الإسلامي للوصول إلى شراكة جديدة مع المسلمين من أجل مكافحة الإرهاب والتطرف، حسب تعبيره[19].
مستجدات المطالب السياسية
بالرغم من الضعف المخيم على الحراك الحقوقي والمطالب السياسية في السعودية لأسباب عديدة، إلا أن بعض هذه المطالب تخرج بين الفينة والأخرى وتنشط كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي. يتصدر هذه المطالب مطلب إسقاط الولاية عن المرأة السعودية، الذي ينشط في "تويتر" تحت وسم حملة إسقاط الولاية. يقود هذه الحملة التي تجاوزت أكثر من 500 يوم الكثير من الناشطات السعوديات والأكاديميات، من أبرزهن الدكتورة هيا مبارك والأستاذة عزيزة اليوسف. في هذه الحملة تدعو الناشطات الحكومة السعودية بإسقاط جميع الأنظمة التي تلزم المرأة بالحصول على موافقة أو تصريح الرجل.
رافق هذه المطالب أصداء وخلافات كبيرة في الشارع السعودي. هذه الخلافات ألقت بظلالها على الكثير من العلماء، بمن فيهم عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء، وهي المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية. فلقد حذر المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ من هذه المطالب ووصفها بالجريمة التي تستهدف المجتمع السعودي، وأكد المفتي أنه لا يجوز إسقاط الولاية على المرأة وأن مثل هذه الدعوات مخالفة لشرع الله وسنة رسوله[20]. من جهة أخرى، قال عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع أنه لا ولاية للرجل على المرأة إلا في الزواج، أما ما دون ذلك فيحق للمرأة متى بلغت سن التكليف أن تدير أموالها وممتلكاتها بالبيع والتوكيل وغيره[21].
وكان الملك قد وجه في تعميم ملكي في مايو 2017 جميع القطاعات الحكومية بعدم مطالبة المرأة بموافقة ولي الأمر ما لم يكن هناك مسوغ نظامي يستند على أحكام الشريعة الإسلامية. وأكد هذا التعميم على ضرورة مراجعة الإجراءات والقوانين المعمول بها في هذا الخصوص لحصر جميع الاشتراطات التي تتطلب موافقة ولي الأمر وإيضاح الأساس النظامي الذي يستند عليه ومن ثم الرفع بها خلال ثلاثة أشهر[22]. لاقى هذا الأمر ترحيباً كبيراً من قبل الناشطات السعوديات والمطالبين بإسقاط ولاية الرجل على المرأة، ففي تحقيق قامت به نورة العطوي لجريدة الرياض ذكرت الدكتورة هتون الفاسي أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يدشن لحقبة جديدة من التعاطي مع المرأة وعهد جديد تنال فيه المرأة السعودية حقوقها، ولكن الدكتورة الفاسي شددت على ضرورة العمل على المزيد من الإصلاحات التي تتعلق بحقوق المرأة ومنها ما يتعلق بالقيود المفروضة على سفر المرأة[23]. ومن جهة أخرى، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات السعودية بتفكيك نظام الولاية بشكل كامل وبجميع أشكاله ومنها ما يتعلق بالسفر والحصول على جواز السفر والزواج، وانتقدت المنظمة أيضاً صمت الحكومة بعد مرور فترة الثلاثة أشهر من الأمر السامي الذي حدد هذه المدة للرفع بحصر جميع الأنظمة والقوانين المتعلقة بهذا الشأن[24]. وحتى كتابة هذه السطور لم تصدر الحكومة أي بيان يعلن عن نتائج مراجعة هذه الإجراءات والقوانين.
الوضع الحقوقي
وكغيره من الملفات في السعودية، شهد الملف الحقوقي الكثير من التطورات التي تصاعدت وتيرتها في 10 سبتمبر 2017، حيث قامت السلطات السعودية باعتقال رجال دين وإعلاميين ومثقفين، من بينهم الدكتور سلمان العودة والدكتور عوض القرني والشاعر زياد بن نحيت والباحث عبدالله المالكي والدكتور مصطفى الحسن، والكاتب الاقتصادي عصام الزامل (الذي ساهم في النسخة السابقة من هذا الاصدار) وغيرهم، حيث تجاوز عدد المعتقلين الثلاثين شخصاً[25]. وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الاعتقالات، حيث علقت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش بأنه "يبدو أن لهذه الاعتقالات دوافع سياسية"[26]. بينما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية في 11 سبتمبر عن مصدر مسؤول قوله "أن رئاسة أمن الدولة تمكنت في الأيام الماضية من رصد أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص تعمل لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي بهدف إثارة الفتنة والمساس باللحمة الوطنية"، في إشارة إلى حملة الاعتقالات الأخيرة[27].
وفي ذات السياق، أصدر الملك أمراً ملكياً في 4 نوفمبر 2107 يقضي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد وعضوية رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والنائب العام ورئيس الأمن الدولة ورئيس هيئة الرقابة لحصر قضايا الفساد العام. أكد الأمر الملكي على استثناء هذه اللجنة من جميع الأنظمة والتعليمات والأوامر والقرارات السابقة لتقوم بحصر المخالفات والجرائم المرتكبة من قبل الأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، إضافة إلى اتخاذ ما تراه هذه اللجنة مناسباً تجاه المتورطين[28]. وبعد ساعات من هذا القرار بدأت اللجنة بإعلان المتهمين الذين تجاوز عددهم الأربعين شخصاً. حوت قائمة المعتقلين أمراءً ووزراء سابقين ورجال أعمال، منهم الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني السابق بعد عزله بقرار ملكي بنفس التاريخ وذلك بتهم صفقات سلاح، والأمير تركي بن عبدالله أمير الرياض السابق والذي تتعلق تهمه بقضايا فساد في مشروع الرياض، والأمير الوليد بن طلال. وعلى رأس الوزراء السابقين المتهمين بالفساد كان رئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري ووزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه، إضافة إلى وزير المالية السابق إبراهيم العساف. كما تضمنت القائمة أيضاً الكثير من رجال الأعمال، من ابرزهم رئيس مجموعة MBC وليد الإبراهيم، ورجل الأعمال صالح كامل وأثنين من أبنائه[29].
وتجاوز عدد المتهمين بالفساد 208 شخصاً حسب بيان النائب العام الشيخ سعود المعجب في 9 نوفمبر، حيث أكد أنه تم الإفراج عن 7 أشخاص دون توجيه اتهامات. كما أكد النائب العام أن حجم الاختلاسات في القضايا التي تحقق فيها اللجنة بلغ 100 مليار دولار، أي قرابة 400 مليار ريال سعودي. وذكر البيان الصادر عن النائب العام أن النشاط التجاري العادي في المملكة لن يتأثر بهذه التحقيقات، فتعليق الحسابات المصرفية كان يستهدف الحسابات الشخصية فقط، أما فيما يتعلق بالشركات والبنوك، فلا مانع من مواصلة معاملاتها وتحويلاتها كالمعتاد[30].
وفي بيان اَخر في 5 ديسمبر ذكر النائب العام أن عدد الموقوفين حتى هذا التاريخ بلغ 320 شخصاً، وأن هذا الارتفاع في عدد الموقوفين سببه المعلومات التي أدلى بها الموقوفون سابقاً. وصرح النائب العام بإحالة 161 شخصاً إلى النيابة العامة، وبذلك أصبح عدد الموقوفين 159 شخصاً حتى تاريخ البيان. وذكر البيان أن معظم من وجّهت لهم تهم الفساد قد وافقوا على التسوية، وعلى ذلك قررت اللجنة التحفظ على عدد محدود منهم والإفراج عن البقية. كذلك شرح بيان النائب العام الإجراءات المعمول بها مع المتهمين وهي على مرحلتين، المرحلة الأولى تتمثل في التفاوض والتسوية، التي تعني عرض اتفاقية تسوية بين المتهم واللجنة لتسهيل عملية استعادة أموال الدولة وذلك مقابل قيام اللجنة بالتوصية بصدور عفو عن المتهم فيما يتعلق بحقوق الدولة. أما المرحلة الثانية فتتمثل في إحالة المتهمين إلى النيابة العامة لمواصلة التحقيق معهم ومن ثم البتّ في أمر الإيقاف على ذمة التحقيق، والتي قد تصل حسب الأنظمة إلى 6 أشهر وفقاً لصلاحيات النائب العام[31].
بخلاف غيرهم من المعتقلين، قبع هؤلاء المتهمون في فندق الريتز كارلتون في الرياض. وفي سابقة إعلامية قامت الصحافية في البي بي سي ليس دوسيت بزيارة فندق الريتز كارلتون بعد أن سمحت لها السلطات السعودية بالدخول. وأفادت دوسيت في تقريرها المصور أنها استطاعت الدخول ولكن لم يسمح لها بتصوير المتهمين أو تسجيل أحاديثهم. كذلك أكدت دوسيت أن السلطات السعودية قد قامت بمصادرة هواتف المتهمين، ولكنهم يحظون بخط ساخن يمكنهم من الاتصال بالمحامين وعوائلهم، إضافة إلى المشرفين على شركاتهم الخاصة[32].
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد أبدت مخاوفها حقوقية من هذه الاعتقالات الجماعية. ودعت المنظمة السلطات السعودية للكشف فوراً عن الأساس القانوني والأدلة التي دعت السلطات إلى احتجاز هؤلاء. وذكرت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط "أن إنشاء جهاز جديد ضد الفساد وحملة الاعتقالات التي تلتها تثير مخاوف حول هذه الحملة والتي قد تكون متصلة بشكل أكبر بصراعات سياسية"[33]. كذلك نقلت "بي بي سي عربي" عن المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة الشفافية الدولية مروة فطافطة أنها تعتقد أن محاربة الفساد في السعودية تستخدم "كحصان طروادة لتحقيق ماَرب سياسية"، وأن استخدام تهم الفساد هي الطريق لإبعاد المنافسين السياسيين المحتملين[34]. في الجهة المقابلة أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" أن النائب العام اكتشف "سرقة جزء كبير من موازنتنا، ولا يمكن السكوت على هذا الفساد، فعندما يحل الفساد لا يمكن أن نحقق العدالة أو نجذب الاستثمارات"[35].
فئات المجتمع الواقعة على "هامش التنمية"
رغم التطورات التي شهدتها السعودية في مجال حقوق المرأة في السنوات الأخيرة، إلا أن الناشطات والناشطين في مجال المرأة يرون أن النساء ما زلن يعانين أشكالاً مختلفة من التمييز في بعض الأنظمة والقوانين المطبقة، إذ ما تزال المرأة غير قادرة على استخراج جواز السفر والسفر الخارج ومغادرة السجن والزواج دون تجاوز القيود التي يفرضها نظام الولاية[36]. وفي خطوة رآها الكثير كإيجابية تجاه قضايا المرأة، قام الملك بإصدار مرسوم ملكي يسمح بقيادة المرأة في السعودية، منهياً بذلك الحظر على قيادة المرأة المعمول به منذ عقود. وقد لاقى هذا القرار ترحيباً دولياً كبيراً، ووصفه البيت الأبيض بالخطوة الإيجابية تجاه حقوق المرأة السعودية. كذلك رحبت الخارجية الأمريكية بهذا القرار ووصفته بالخطوة الإيجابية في الطريق الصحيح[37].
كذلك أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة تركي اَل الشيخ في 8 ديسمبر أنه بتوجيهات من الملك سلمان فقد تقرر البدء في السماح للعائلات بدخول الملاعب وفقاً "للضوابط الخاصة" في مطلع 2018، على أن تكون البداية في الرياض والدمام وجدة[38]. وكانت الحكومة السعودية قد أدلت في كلمتها في المناقشة العامة لبند النهوض بالمرأة ضمن أعمال اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية خلال الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تمكين المرأة السعودية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ومنحها حقوقها سيسهم في دفع عجلة التنمية وفق رؤية المملكة 2030[39].
لم تكن هذه القرارات الوحيدة المعنية بالمرأة في عام 2017، فقد صدرت قرارات أخرى وصفت بأنها جاءت ضمن إطار رؤية 2030. من هذه القرارات ضبط زواج القاصرات، حيث أقرت الجهات التشريعية إجراءات ضبط زواج القاصرات ممن هن في سن السابعة عشرة فما دون، واشترطت السلطات الحصول على إذن من المحكمة المختصة شرط أن يكون طلب التزويج مقدماً من المرأة نفسها أو وليها الشرعي في النكاح. وصدر كذلك قرار مجلس الوزراء لتنظيم صندوق النفقة للمطلقات والأبناء، والذي يهدف إلى صرف النفقة على المستفيدين دون انتظار صدور الحكم بصرفها والذي قد يستغرق الكثير من الوقت، وبذلك يلزم الزوج المحكوم عليه بالنفقة بسداد المبلغ الذي حكم عليه للصندوق[40].
كذلك قام الملك بإصدار أمرٍ يوجه فيه وزير الداخلية بإعداد مشروع نظام لمكافحة التحرش، حيث لاقى هذا القانون الكثير من الشد والجذب في السنوات الماضية بين مؤيد ورافض. فقد اعتبر الرافضون أن القانون من شأنه أن يُلغي اجتهاد القاضي نحو ستر القضية والحفاظ على الأعراض، إضافة إلى عدم وجود مصطلح "التحرش" في المعاجم الفقهية والشرعية[41]. وقد أكد المحامي والمستشار القانوني فيصل مشوح في حديثه لصحيفة (سبق) أن مشروع قانون التحرش كان "يدور بين أروقة الوزارات و تتقاذفه الجهات بين معارضة وموافقة ومتحفظة حتى جاء الأمر السامي لينهي الجدل القائم بشأن هذا القانون"[42]. أيضاً اتخذ وزير التعليم قراراً لا يقل إثارة للجدل عن مشروع قانون التحرش، وهو قرار يقضي بالبدء بتطبيق برنامج التربية البدنية في مدارس البنات، بعد أن أقره مجلس الشورى في 2014 ولاقى اعتراضاً كبيراً من رجال الدين[43].
وما تزال المطالب بإسقاط الولاية بشكل كامل مستمرة حتى وقت كتابة هذه السطور. وتتعالى أكثر المطالبات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي تنادي فيها الناشطات بضرورة تحقيق المساواة بين المرأة الرجل. وقد أشادت منظمة هيومن رايتس بالخطوات التي قامت بها السلطات السعودية ولكنها دعت إلى إزالة جميع القيود التي تعرقل من حرية المرأة بما فيها القيود المتعلقة بالسفر وأي قيود إضافية غير مفروضة على الرجل[44].
وعلى صعيد اَخر ازدادت مطالب المواطنات بتصحيح أوضاع أبنائهن من غير المواطنين. وتطالب المواطنات بحق منح الجنسية لأبنائهن، وازدادت وتيرة هذه المطالبات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً "تويتر" تحت وسم "أبناء السعوديات سعوديين"، إضافة إلى إنشاء موقع إلكتروني باسم "أبناء السعوديات". ويهتم هذا الموقع بتسليط الضوء على المعاناة التي تقاسيها المواطنات وأبنائهن فيما يتعلق بحق التجنيس، وهو ما يعكسه المحتوى الذي جمعه الموقع.
وكغيره من القوانين، يحمل قانون الجنسية السعودي في عدد من بنوده تمييزاً ضد المرأة. فالقانون يمنح ابن المواطن السعودي الجنسية السعودية بسبب ارتباطه بوالده بـ "رابطة الدم"، بينما يشترط على أبناء المواطنة من الذكور التقديم على طلب الجنسية بعد اتمامهم سن 18 عاماً، ويخضع إلى عدة إجراءات، منها قدرة المقدم على جمع 7 نقاط (يحصل عليها بناء على معايير يحددها القانون كمدة الإقامة والمؤهل الدراسي وغيرهما) ثم يعرض ذلك على لجنة متخصصة لتقوم بدراسته وزارة الداخلية بعد ذلك. وفي نفس الوقت لا يسمح قانون الجنسية بخضوع أبناء المواطنات من الإناث لنفس الإجراءات، بل يشترط عليهن الزواج من سعودي للحصول على الجنسية السعودية[45]. وكانت السعودية قد وقعت على اتفاقية (سيداو) القاضية بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة بما في ذلك أحقية المرأة بنقل جنسيتها إلى أبنائها، ولكن السعودية تحفظت على الفقرة الثانية من البند التاسع من الاتفاقية المتعلق بجنسية الأطفال[46].
ويعاني أبناء السعوديات الكثير من صعوبات الحياة، بما فيها صعوبة إيجاد العمل ومراجعة الدوائر الحكومية والمستشفيات، ولكن السلطات السعودية قامت بإجراء بعض التعديلات للتخفيف من معاناتهم. فمثلاً قررت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في أكتوبر 2017 السماح لأم المواطن والمواطنة وابن وابنة المواطنة بالعمل في المهن التي يعمل بها السعوديين وتحديداً في شركات النقل عبر التطبيقات الذكية كأوبر وكريم[47]. أيضاً قامت وزارة الصحة في أبريل 2017 بالتعميم على مديرياتها بأن يتم التعامل مع أبناء السعوديات من أب أجنبي كمواطنين، أي أنه أصبح بمقدور أبناء المواطنات العمل في وزارة الصحة والحصول على ميزات المواطن الوظيفية[48]. وكانت وزارة العمل قد أصدرت قراراً باحتساب أبناء وأزواج المواطنات ضمن نسبة السعودة لدى القطاع الخاص في 2011[49].
العمال الوافدون
أصبح نظام الكفالة محل جدل كبير في عام 2017، حيث صدرت الكثير من التقارير التي تؤكد عزم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إلغاء نظام الكفالة بشكل نهائي، غير أن الوزارة نفت ذلك عبر حسابها الرسمي في تويتر في يناير 2017 مؤكده أنه لا يوجد أي أمر بذلك[50]. وكانت وزارة العمل قد أصدرت قراراً في سبتمبر 2016 يقضي بعدم أحقية احتجاز صاحب العمل لجواز سفر العامل، كما أكد الناطق باسم الوزارة خالد أبا الخيل أنه لا يجوز لصاحب العمل حجز جواز السفر إلا في حالة وجود اتفاق مسبق بين العامل وصاحب العمل، ولكنه أقر أن المشكلة ما تزال قائمة وأن الوزارة عازمة على تطبيق العقوبة التي حددتها اللائحة التنفيذية لنظام العمل والتي تقدر بألفي ريال[51]. وبدأت الوزارة باتخاذ خطوات شكلية منذ 2012 لتغيير نظام الكفيل في السعودية، فقامت باستبدال جميع المصطلحات المتعلقة بنظام الكفيل ومنها تلك الأسماء المدرجة في اللائحة الخاصة، كتغيير مسمى "نقل الكفالة" إلى "نقل الخدمات"، إضافة إلى إعلانها حق العامل الوافد في حرية التنقل وحرية الاحتفاظ بالوثائق الرسمية[52].
ويواجه نظام الكفالة انتقادات كبيرة من عدة أطراف، لكونه يمنح الكفيل قانونياً حق تقرير مصير المكفول، وتستفيد الشركات والأفراد من هذا النظام عبر المتاجرة بإقامات العمل. وفي حال ترك العامل أو العاملة المنزلية العمل يتم تسجيل ذلك في مراكز الشرطة كحالة هرب، ما يعني أن العامل سوف يظل ملاحقاً دون أي اعتبار لأسباب تركه للعمل[53]. وكان مجلس الشورى قد أصدر مشروع قانون في 2009 (وقد تم إقراره) من أجل تحسين أوضاع العمالة المنزلية. ويلزم هذا القانون أصحاب العمل بمنح العاملات المنزليات تسع ساعات راحة يومية مع منحهن إقامة لائقة وأوقات راحة خلال ساعات العمل. وفرض هذا القانون عقوبات مالية على صاحب العمل المخالف تتراوح بين ألفي ريال وخمسة اَلاف ريال فضلاً عن منعه من الاستقدام لثلاث سنوات أو نهائياً في حال ارتكب صاحب العمل المخالفة للمرة الثالثة[54].
وكانت هيومن رايتس ووتش قد انتقدت نظام الكفالة، وخصوصاً الإساءات بحق العاملات المنزلية في السعودية، في تقرير خاص بعنوان "وكأنني لست إنسانة" في 2005. ذكرت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الكثير من القصص التي تعرضت لها العاملات المنزليات في السعودية، خصوصاً العاملات القادمات من آسيا. وانتقدت المنظمة الطريقة التي يعمل بها نظام الكفالة حيث أنه يربط تأشيرة عمل العمال بأصحاب العمل مما يزيد من احتمالية استغلالهم والإساءة لهم[55].
وفي الوقت الذي يطالب فيه البعض بتحسين أوضاع العمالة، قامت السعودية بفرض رسوم مالية شهرية إضافية على العمالة عبر برامج جديدة ضمن رؤية 2030 وهي كالتالي: برنامج "المقابل المالي" الذي طبق في النصف الثاني من عام 2017، وهو عبارة عن رسوم شهرية على المرافقين والمرافقات فقط بواقع 100 ريال عن كل مرافق، وفي 2018 سوف تطبق الرسوم على الأعداد الفائضة عن أعداد العمالة بواقع 400 ريال شهرياً عن كل عامل، وفي 2019 سوف ترتفع الرسوم إلى 600 شهريا ًمقابل 300 ريال شهرياً عن كل مرافق، وفي عام 2020 سوف يتم تحصيل 700 ريال على كل عامل وافد[56].
وتهدف السعودية من خلال فرض هذه الرسوم إلى تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة بغرض توطين العمل في عدد من القطاعات الاقتصادية وخفض نسبة البطالة التي تقدر بحوالي 13 بالمئة[57]. وتأتي هذه الخطوات الحكومية بالتزامن مع حملة باسم "السعودية للسعوديين" أطلقها بعض الناشطين وشارك فيها الآلاف، حيث تهدف هذه الحملة إلى فرض المزيد من القيود على العمالة الوافدة وإحلال المواطنين السعوديين في سوق العمل كبديل جاهز[58]. وبسبب التغيرات الاقتصادية الأخيرة أصبح لهذا الوسم دور هجومي أكبر ضد الأجانب العاملين في المملكة، وساهم في خلق حالة من الذعر إضافة إلى تعبئة مشاعر الكراهية ضد الأجانب، الذين يظهرهم بعض المغردين في هذا الوسم بأنهم يعملون بشكل ممنهج لمنع المواطن السعودي من الحصول على وظيفة، كالحملات التي تحدث في تويتر ضد بعض الجنسيات العربية.
المستجدات في العلاقات مع الدول الأخرى
استمرت السعودية على نفس السياسة النشطة التي انتهجتها منذ 2015، وكانت سنة 2017 مليئة بالأحداث الضخمة التي رافقتها تغيرات محورية على مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية. فخليجياً، استقبلت الرياض الرئيس الأمريكي ترمب في 20 مايو 2017 في جولته الخارجية الأولى بعد توليه منصب الرئاسة. جاء حضور الرئيس الأمريكي بشكل استثنائي حيث عقد ثلاث قمم: قمة سعودية أمريكية، قمة خليجية أمريكية، وقمة إسلامية أمريكية، حيث ضمت قمة الرياض 55 قائداً عربياً وإسلامياً[59]. وجاءت زيارة ترمب بعد فتور في العلاقات الأمريكية السعودية في عهد إدارة الرئيس أوباما، التي أوقفت جزءاً من صفقات الأسلحة وحدت من دعمها العسكري للسعودية في اليمن[60]. وركزت الزيارة على مكافحة الإرهاب ومحاربة تمويله، إضافة إلى مواجهة إيران في المنطقة[61]. وكانت السعودية قد وقعت في هذه الزيارة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية بقرابة 350 مليار دولار خلال عشر سنوات، وجاءت أبرز هذه الاتفاقيات على شكل تصميم المنصات البحرية، وتوطين سلع وخدمات حقول النفط، واتفاقيات شراء الطائرات بين الخطوط السعودية وبيونغ، وتطوير أنظمة الدفاع الجوي والأسلحة الذكية بالسعودية، ودعم تجميع 150 طائرة هليوكبتر بلاكهوك أس-70 في السعودية[62].
بعد هذه الزيارة بشهر واحد وتحديداً في 5 يونيو، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر إضافة إلى اليمن والمالديف قطع علاقاتها مع قطر، وتوالت القرارات بهذا الشأن ومنها منع مواطني هذه الدول من السفر إلى قطر، وإغلاق المجال البحري والجوي. وأوضحت السعودية في بيان لها أن قطع العلاقات مع قطر يعود إلى أسباب أمنية وأن قرارها يهدف إلى حماية أمنها الوطني من مخاطر الإرهاب والتطرف[63].
وجاءت تداعيات هذه الأزمة بعد اتهامات حول تصريح نقلته وكالة الأنباء القطرية لأمير قطر خلال رعايته تخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة الوطنية يقول فيه أن قطر تتعرض لحملة ظالمة تتزامن مع زيارة ترمب إلى الرياض، وأن هذه الحملة تريد ربط قطر بالإرهاب وتشويه جهودها في محاربته. وأضاف أمير قطر حسب التصريح أن قاعدة العديد تمثل لقطر حصانة من بعض الدول المجاورة، في الوقت الذي أكد فيه على دور إيران الإقليمي وضرورة عدم التصعيد معها[64]. نفت قطر هذه التهم، وعلق سيف اَل ثاني مدير الاتصال الحكومي قائلاً أن "قطر لا تدعم الإرهاب من قريب ولا من بعيد"، مؤكداً أن الدول المقاطعة لقطر تسعى إلى شن حملة أخبار مزيفة ضد الدوحة[65].
وفي بداية الأزمة أصدرت قطر بياناً قالت فيه أن هذه التصريحات المنسوبة لأمير قطر غير صحيحة، وأكدت أن الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية تعرض لاختراق من قبل جهة غير معروفة، ولاحقاً أعلنت وكالة قنا اختراق حسابها على تويتر أيضاً[66]. بعد ذلك اتهمت الدوحة الإمارات بالضلوع في تنفيذ عملية الاختراق بعد كشفها لمصدر المواقع التي تمت من خلالها عملية اختراق موقع الوكالة[67]. ولكن سرعان ما نفى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش تلك الاتهامات[68].
واستجابةً لهذه الأزمة قدمت السعودية والدول المقاطعة لقطر قائمة من 13 بنداً كشرط لعودة العلاقات إلى طبيعتها. وبحسب بعض التقارير فإن بعض هذه المطالب تتعلق بالعلاقات القطرية الإيرانية إضافة إلى العلاقات التركية القطرية، حيث تطالب الدول المقاطعة من قطر تخفيض مستوى علاقتها مع إيران وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر[69]. رفضت قطر هذه المطالب رسميا في 1 يوليو 2017، وجاء هذا الرفض على لسان وزير الخارجية القطري حيث أكد أن بلاده ترفض قائمة المطالب بسبب أنها "وضعت لكي ترفض" وأوضح أن هذه المطالب تريد تقويض سيادة قطر[70]. تطور هذا الخلاف لينتقل إلى أروقة مقر الجامعة العربية، حيث تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعض المشادات التي حدثت بين الممثل السعودي والقطري، إضافة إلى أروقة الأمم المتحدة التي كانت مسرحاً اَخر لهذه الخلافات وحملات المواجهة[71].
عربياً، طورت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بعد أن قطعت العلاقات الدبلوماسية معها في 2016. وكانت الزيارة التي قام بها الجبير إلى العراق في مطلع 2017 قد مهدت الطريق إلى مزيد من الزيارات بين مسؤولي البلدين. بعد عدة أشهر من زيارة الجبير قام الرئيس العراقي بزيارة السعودية والتقى خلالها الملك سلمان وتم الاتفاق على تأسيس مجلس تنسيقي يعنى بتطوير العلاقات بين البلدين[72]. وفي أغسطس اتفق البلدان على إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين بعد قرابة الـ 30 عاما من إغلاقها، كما تم الاتفاق على استئناف الرحلات الجوية بين المدن السعودية والعراقية. واستمراراً لهذا التحسن الذي طرأ على العلاقات العراقية السعودية، قام الرئيس العراقي بزيارة أخرى إلى السعودية في أكتوبر لتوقيع اتفاقية مجلس التنسيق العراقي السعودي وحضور جلسته الافتتاحية[73].
أما على صعيد العلاقات السعودية اللبنانية، فقد شهدت توتراً غير مسبوق بين البلدين بعد إعلان سعد الحريري استقالته من الرياض، الأمر الذي دعا الرئيس اللبناني ميشال عون ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى التهديد بتقديم شكوى في مجلس الأمن ضد الرياض في خطوة غير مسبوقة على مستوى العلاقات اللبنانية السعودية[74]. وكان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قد أعلن استقالته في 4 نوفمبر 2017 في الرياض وفي خطاب بثته قناة العربية هاجم فيه الحريري حزب الله وإيران وتحدث عن محاولتهم لاستهداف حياته كما فعلوا مع والده في 2005[75]. وهو ما اعتبره الرئيس عون ضغوط سعودية وصلت إلى اعتبار بقاء الحريري في السعودية أمراً خارجاً عن إرادته، معتبرا إياه عملاً عدائياً تجاه لبنان[76].
رافق هذه الخطوة ردود فعل دولية كبيرة، دعت السعودية إلى استدعاء سفيرها في برلين احتجاجاً على تصريحات وزير خارجية ألمانيا التي قال فيها أن رئيس وزراء لبنان سعد الحريري محتجز ضد إرادته، وأعربت السعودية عن استغرابها واستهجانها تجاه هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الألمانية[77]. وبالمقابل أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان عن أن معلوماته تشير إلى أن سعد الحريري حر في تنقلاته في السعودية، مؤكداً أن ذهاب الحريري إلى أبو ظبي دليل على ذلك[78]، وهو ما أكده الحريري نفسه في مقابلة أجراها مع قناة المستقبل من الرياض، تحدث خلالها عن عودته إلى لبنان خلال أيام، مبدياً استعداده للتراجع عن الاستقالة وفق شروط قال أنه سوف يطرحها في لبنان تختص في مجملها عن دور حزب الله المتفاقم في الشأن السياسي اللبناني[79].
وفي أول تعليق سعودي بعد تراجع الحريري عن استقالته، أكد وزير الخارجية عادل الجبير أن الرئيس عون وحزب الله لم يمنحوا الحريري الهامش السياسي المفترض وقاموا باستخدامه كغطاء لتمرير القانون الانتخابي وهو ما دفع الحريري للاستقالة، مؤكداً أن السعودية لم تمارس على الحريري أي ضغوط في مسألة استقالته وتراجعه عنها[80].
أما على صعيد العلاقات السعودية السودانية فقد مرت بالكثير من المنعطفات التي من الممكن تلخيصها في ثلاث مراحل هي: مرحلة الصمت، ومرحلة التقارب، ومرحلة الفتور. كان للأزمة الخليجية دور كبير في تخييم حالة من البرود على العلاقات السعودية السودانية، حيث واجهت السودان معضلة كبيرة في اتخاذ موقف يساند طرف لصالح طرف اَخر، وحيث اعتمدت السودان على المساعدات القطرية عبر صندوق إعادة إعمار دارفور بعد توقيع اتفاقية الدوحة للسلام بين الحكومة وأطراف المعارضة[81]. وكانت السودان قد أصدرت بياناً دعت فيه إلى تهدئة النفوس والعمل على تجاوز الخلافات بعد الأزمة الخليجية[82].
أما مرحلة التقارب فكانت من خلال سعي السعودية إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، وهو ما أشاد به وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، مؤكداً أن جهود الملك سلمان ووزارة الخارجية كانت فعالة في رفع العقوبات الأمريكية[83]. وعلى إثر ذلك ثمن الرئيس السوداني عمر البشير الدور السعودي في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان خلال مكالمة هاتفية مع الملك سلمان[84].
أما مرحلة الفتور فبدأت بعد أن منح السودان تركيا حق تطوير جزيرة سواكن في أواخر 2017 لمدة غير معلنة.[85] لم يصدر تصريح رسمي من السعودية ولكن تناول الإعلام السعودي هذا بشيء من القلق، إذ نشرت صحيفة عكاظ السعودية خبر إعلان موافقة الخرطوم على منح تركيا حق تطوير ميناء سواكن بعنوان "الخرطوم تمنح أنقرة سواكن.. السودان إلى الحضن التركي"، مؤكدة في هذا التقرير أن الأمر لا يقتصر على تطوير ميناء تجاري فحسب، بل تعتزم تركيا بناء قاعدة عسكرية فيه كما فعلت في الصومال[86].
بعد ذلك بشهرين قام ولي العهد محمد بن سلمان بزيارة إلى روسيا تباحث فيها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تم توقيع 4 بروتوكولات تعاون بين البلدين[87]. تبع هذه الزيارة زيارة أخرى للملك سلمان في أكتوبر وصفت بالتاريخية لكونها أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى روسيا. عقدت في هذه الزيارة الكثير من الصفقات ومنها إنشاء صندوق استثماري بمبلغ مليار دولار، إضافة إلى موافقة السعودية على شراء أنظمة دفاع جوي روسية. وتم خلال هذه الزيارة الاتفاق على تخفيض إنتاج النفط حتى شهر مارس 2018 لضمان ارتفاع أسعار النفط، ويأتي هذا كله في ظل وجود بعض الاختلافات في ملفات أخرى كالملف السوري، حيث تعتبر روسيا حليفاً عسكرياً رئيسياً لبشار الأسد، بينما السعودية تُعد من أكبر داعمي بعض فصائل المعارضة[88].
وداومت السعودية على انتقاد إيران في كل مناسبة دولية بسبب ما تراه السعودية من استمرار لتدخلات إيران السلبية والمزعزعة لاستقرار المنطقة بما فيها اليمن، والتي تطور الانقسام فيها إلى أعلى مستوياته بعد مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين في ديسمبر 2017[89]. وفي أول رد للسعودية على خبر مقتل صالح أكد سفير السعودية لدى اليمن محمد سعيد اَل جابر "أن الجرائم التي ترتكبها جماعة الحوثيين ونقضهم للعهود التي يقطعونها هي جزء من تربيتهم الإيرانية"، وعلى الجانب الاَخر أكد زعيم جماعة الحوثي أن مقتل صالح يعتبر نهاية للتبعية اليمنية للسعودية في إشارة إلى تقارب سعودي مع الرئيس السابق قبل مقتله، فيما كان الطرفين على النقيض قبل ذلك[90].
على الجهة الأخرى ظلت الشائعات وتصاريح كبار المسؤولين في دولة الاحتلال حول وجود اتصالات سرية بين السعودية والكيان الصهيوني تلاحق السعودية طوال هذا العام، ولكن الجبير نفى ذلك في مقابلة بثتها قناة "سي بي إس" المصرية في أواخر نوفمبر، حيث أكد أن الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية لا يزال ثابتاً، داعياً إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية[91]. وكانت السعودية قد انتقدت قرار ترمب بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس المحتلة، حيث أصدر الديوان الملكي بياناً بخصوص هذا القرار تأسفت فيه المملكة على إعلان ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، محذرة من عواقب هذه الخطوة غير المسؤولة، وأكدت السعودية أن هذه الخطوة لن تغير من حقوق الشعب الفلسطيني ولن تفرض واقعاً جديداً على جهود السلام[92]. وكانت السعودية قد صوتت ضمن 128 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو الولايات المتحدة إلى التراجع عن اعترافها بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال بالتزامن مع التهديدات التي أطلقها ترمب بشأن الدول التي تنوي التصويت ضد قراره[93].
خاتمة
مرت السعودية بالكثير من المتغيرات المفصلية سواءً كان ذلك في سياستها الداخلية أو الخارجية، اتفق واختلف حولها الكثيرون. فيرى المؤيدون أن الملك سلمان ساهم في إعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها بما يمنح السعودية مزيداً من الاستقرار في العقود القادمة من خلال عزل ولي العهد محمد بن نايف وتنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد، وما سبقه من تعيينات لأبناء الأحفاد في مناصب قيادية إضافة إلى الخطوات الاقتصادية وما تم إعلانه من مشاريع وفقاً لرؤية 2030 والتي تُعد مشاريع مختلفة عما تم إعلانه في العهود السابقة. من جهة أخرى، يرى المخالفون أن هذه الخطوات من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً لما قد تفضي إليه من صراع داخل العائلة المالكة واستياء شعبي تجاه هذه المشاريع الاقتصادية والتي تتضمن حزمة من التغيرات الاقتصادية التقشفية فرضت فيها السعودية بعض الضرائب كضريبة القيمة المضافة والضريبة على السلع الانتقائية، بالإضافة الى تركز السلطة السياسية بشكل كبير في شخص واحد. أما خارجياً، فاستمرت السياسة السعودية بنفس الديناميكية والحدة التي انتهجها الملك سلمان منذ توليه السلطة، حيث قام الملك سلمان بجولات اَسيوية وخليجية وعقد صفقات كبيرة كان النصيب الأكبر فيها لقطاع التسليح وهو ما تم خلال زيارته إلى روسيا. كذلك استمرت السعودية باتخاذ مواقف أكثر حدة تجاه التحركات الإيرانية في المنطقة بعد أن كانت تنتهج سياسة تميل إلى المحافظة في الفترة السابقة. وعلى الرغم من التغيرات المحورية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والخارجي، يبقى الثابت هو استمرارية السلطة السياسية المطلقة، بحيث لا زال غالبية الشعب خارج دائرة اتخاذ هذه القرارات المحورية.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
"مركز "اعتدال" يعتمد تقنيات غير مسبوقة لمكافحة التطرف،" العربية نت، 22 مايو 2017 < http://goo.gl/vYrWGg >.
قناة الغد، "تقرير | البيت الأبيض يصف زيارة ترمب للسعودية بالتاريخية"، يوتيوب، 19 مايو 2017 < https://www.youtube.com/watch?v=lQXEALiT1a0 >
"بالأدلة.. موقع وكالة الأنباء القطرية لم يكن مخترقاً،" العربية نت، 2017 < https://goo.gl/EkzyuA >.