Reports 2018



من نافل القول إن  سوق العمل في دول مجلس التعاون فريد من نوعه عالمياً، إذ أنه يعتمد أساساً على الوافدين من غير المواطنين، الذين يشكلون أكثر من ثلثي إجمالي العاملين في المنطقة. ويعتبر نظام الكفالة من أهم دعائم عملية إدارة الوافدين المقيمين في كل دول الخليج. وقد أضحى هذا النظام محور تركيز العديد من الأطراف والمؤسسات ليس في الخليج فحسب بل على امتداد العالم، نظراً لتبعاته على ما يقارب ثلاثين مليون وافد مقيم في الخليج في عام 2017، بالإضافة الى عائلاتهم الذين يعتمدون عليهم كمصدر للدخل في مختلف قارات العالم.

تركز هذه الورقة على بحث تاريخ نشوء سوق العمل "العالمي" هذا في المنطقة، وبالتحديد على جذور نظام الكفالة للعمالة الوافدة. [1] إذ أن التعمق في تاريخ نشوء هذا النظام يوفر المفتاح لفهم حالة العمالة الوافدة في دول الخليج في الزمن الحالي. وحتى نسرد هذه القصة، علينا العودة إلى ما قبل عصر النفط، وتحديداً إلى مرحلة الحكم البريطاني في المنطقة.

بادئ ذي بدء، ماذا نعني بمصطلح "الكفالة"؟ يرجع أصل كلمة الكفالة إلى الجذر "كفل"، الذي يأخذ فعله معان متعددة. فـ"كَفَلَ­­­­" قد تعنى أن يصبح الفاعل هو الوصي القانوني للمفعول به، أو أن يوفر الطعام والكسوة له، أو أن يضمنه ويصبح مسؤولاً عنه.[2] وكمفهوم قانوني، فللكفالة جذور في الشريعة الإسلامية، حيث يقدم أحد الطرفين (الكفيل) ضماناً قانونياً نيابة عن الطرف الآخر (المكفول)، ويتعهد بتحمل مسؤولياته القانونية في حال عجز الأخير عن ذلك. وهذا عادة يأتي في نموذجين: الأول أن يتم ضمان الشخص نفسه، كضمان حسن سلوكه أو عدم هربه وحضوره للمحكمة أثناء المحاكمة. أما النموذج الثاني فهو أن يضمن الكفيل دفع مبلغ من المال مستحق على المكفول في حال تخلفه عن السداد، وهذا عادة ما يطبق في حالة القروض والديون. وهذان النوعان من الضمانات ليسا فريدين ولا هما حكر على الخليج أو العالم الإسلامي، إذ يستخدمان على نطاق واسع عالمياً.

لكن الفريد في حالة الخليج هو تطبيق هذا النوع من الضمان على الأيدي العاملة، وعلى وجه التحديد العمالة الوافدة، حيث ترتبط قدرة الوافد على الحصول على الوظيفة بكونه مكفولاً. والكفيل، الذي يجب أن يكون مواطناً (أو شركة يملكها مواطن)، يصبح مسؤولا قانونياً عن الوافد المكفول أثناء إقامته كموظف في إحدى دول الخليج حتى عودته إلى وطنه مع نهاية فترة عمله. وبالتالي، فإن الكفالة تمثل جوهر الهوية القانونية للوافد وقدرته على استخدام قوة عمله ضمن المساحة الجغرافية للدولة. لذلك من المفيد أن نفكر في نظام الكفالة باعتباره شبكة من العلاقات القانونية-العمالية ضمن إطار دولة معينة تربط ما بين الكفيل والدولة والمكفول، يتحمل الكفيل عبرها نظرياً التمثيل والمسؤولية القانونية للعامل الوافد المكفول ضمن المساحة الجغرافية للدولة، بحيث ليس من حق العامل الوافد قانونياً أن يدخل البلد ويعمل فيه إلا عبر وجود هذا الكفيل. إذن، فإن جوهر نظام الكفالة يتمثل في تفويض الدولة السلطة على حق الوافد لدخول الدولة والعمل فيها إلى المواطن صاحب العمل.[3]

وقد جرى تطبيق نظام الكفالة عبر مجموعة من الإجراءات البيروقراطية والقانونية التي تنظم العلاقة بين الكفيل والوافد والدولة. وعلى الرغم من تواجد بعض الاختلافات في الإجراءات عبر الدول والأزمنة، فإن أهم هذه الإجراءات البيروقراطية-القانونية ارتكزت على ما يلي:
  • تأشيرة الدخول/الإقامة – تأشيرة تصدرها الدولة ويحتاجها الوافد كي يكون قادراً على العمل قانونياً في البلاد. وهي بحاجة إلى كفيل مواطن (أو شركة يملكها مواطن) يكفل الوافد لاستخراجها.
  • تأشيرات الخروج – تأشيرة تصدرها الدولة تسمح للوافد بالخروج من البلاد قانونياً.
  • شهادة عدم اعتراض (No Objection Certificate) – شهادة مطلوبة قبل مغادرة الوافد للبلد أو تغيير الكفيل في الدولة، بحيث تبين الشهادة أن الكفيل الحالي ليس لديه اعتراض على مغادرة العامل للدولة أو أن ينقل كفالته لكفيل آخر.
  • وديعة مالية – تطلب بعض الدول من الكفيل إيداع مبلغ معين من المال كضمان لأي تكاليف متعلقة بمغادرة أو ترحيل العامل الوافد من الدولة.
 
وعموماً، فإن الدراسات حول تاريخ نشوء وتطور سوق العمل المعتمد على الوافدين ونظام الكفالة الذي ينظمه في الخليج شبه معدومة، على الرغم من أهمية هذا النظام في أنماط الهجرة العالمية. فقد تكهن بعض الباحثين الغربيين أن نظام كفالة العمالة قد تم مزاولته منذ الأزمنة الغابرة في الخليج، وأنه نشأ من عرف بدوي قديم لمنح الحماية لزوار المنطقة،[4] إلا أن هذا التكهن يفتقر للأدلة القوية الداعمة. وما سنوضحه في هذه الورقة هو أن إجراءات الدولة القانونية والبيروقراطية المرتبطة بنظام كفالة العامل الوافد نشأت أساساً خلال حقبة الاستعمار البريطاني في الخليج، وخاصة في البحرين ومن ثم الكويت في الفترة من عشرينات القرن الماضي إلى السبعينات، التي شكلت أساس نشوء سوق العمل في الخليج المعتمدة بشكل جذري على العمالة الوافدة. فحتى استقلال هذه الدول (وفيما عدا السعودية)، كانت لبريطانيا سلطة قانونية على جميع "الأجانب" الساكنين فيها. ولما كان المسؤولون البريطانيون قد نظروا بصورة متزايدة إلى "العمالة الوافدة" إلى الخليج على أنها ضرورة اقتصادية ومشكلة أمنية في آن واحد، ولذلك فإنها تحتاج إلى التنظيم سواء من وجهة النظر الأمنية أو بغرض النمو الاقتصادي، فقد مهدت لدخول العمالة الوافدة بشكل موسع إلى الخليج للعمل، وتم ربط ذلك بحزمة من القوانين والإجراءات للتحكم في هذا التدفق من العمال، ما أسس لجوهر نظام الكفالة الحالي.

 
بريطانيا في الخليج: أوامر مجلس الملكة والسيادة المنقسمة

كانت البحرين هي نقطة البداية لتبلور هذا النظام في الخليج، لكونها أول منطقة في الخليج بسط فيها البريطانيون نفوذهم على المجتمع المحلي في خضم المنافسات مع الإمبراطوريات الأوروبية الأخرى في بداية القرن العشرين، والتي دفعت اللورد كرزون (Lord Curzon) حاكم الهند آنذاك إلى السير في "السياسة الأمامية" (Forward Policy)، والتي اقتضت توسعة نفوذ الإمبراطورية البريطانية في الخليج. فمع تعيين أول وكيل سياسي "أبيض" في البحرين عام 1904، دخل البريطانيون مباشرة في إدارة الأمور الداخلية للبلاد وباشروا بتوسعة نفوذهم محلياً، ودأبوا على إنشاء البيروقراطية الحديثة فيها كي تتولى إدارة عملية توسعة نفوذهم محلياً، فيما كان اهتمامهم سابقاً مقتصراً على تنظيم العلاقات الخارجية لحكام الخليج. فبدءاً من هذا العام، أجبر البريطانيون الحاكم الشيخ عيسى بن علي تحت تهديد السلاح بأن يتنازل ويعطيهم السيادة على كل "الأجانب" في البلاد. وبذلك، تم تصنيف السكان القاطنين في البحرين إما إلى "أجانب" أو "محليين"، بحيث أصبح الأجانب تحت حكم وسيادة البريطانيين، و"الرعايا المحليين" تحت سيادة الحاكم المحلي.[5] وقد تم تقنين هذا النظام من خلال "قرار مجلس الملكة المتعلق بالبحرين" لعام 1913 (Bahrain Order in Council BOIC)، الذي وُضع قيد التنفيذ رسمياً بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 1919، ما يمثل بداية البيروقراطية القانونية المحدثة في البحرين. أنشأ الـ BOIC المحاكم برئاسة ضباط بريطانيين كانوا مسؤولين عن القضايا القانونية "للأجانب"، فضلاً عن "المحكمة المختلطة" التي خُصصت للقضايا التي تشمل الأجانب والسكان المحليين.

يكمن لب القضية في كون فئة "الأجانب" مستحدثة وغير محددة ومعرفة مسبقاً، وبذلك أصبحت هذه التسمية ومن تشمل محل خلاف بين المسؤولين البريطانيين والحاكم المحلي، مع تداعيات سياسية وقانونية كبيرة. ومما زاد الأمر تعقيداً غياب البيروقراطية الحديثة في غالبية المنطقة في ذلك الوقت، بما فيها رسم الحدود، ومكاتب الهجرة والجوازات، وسياسات الجنسية. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان عدد سكان البحرين يتغير بشكل كبير على مدار فصول السنة، خصوصاً عند وصول عدة الآلاف من الغواصين من المناطق المجاورة في الخليج خلال موسم اللؤلؤ. ولذلك، تصادم الحاكم مع المسؤولين البريطانيين حول تصنيف المحلي مقابل الأجنبي، إذ أراد كل طرف أن يزيد عدد الرعايا تحت سيادته. وقد بنى المسؤولون البريطانيون تعريفهم للمحلي والأجنبي أساساً على تصنيف اثني-طائفي، بحيث قسموا السكان إلى اثنيات وطوائف مختلفة، كل منها تحت سيادة إما الحاكم أو المسؤولين البريطانيين.[6] وبحلول عام 1923، كان الوكيل السياسي البريطاني يزعم بأنه على الرغم من وجود 550 شخصاً فقط من الرعايا البريطانيين (أكثرهم من الهند) من أصل 100,000 نسمة تقريباً في البحرين، فإن عدد السكان الذين تشملهم السيادة القضائية البريطانية، بما فيهم كل "الأجانب"، يصل إلى 40,000 شخص، ويزداد عددهم في موسم الغوص إلى 60,000 – 70,000، أي أن الوكيل البريطاني كان يزعم السيادة على حوالي نصف سكان جزيرة البحرين.[7]

وقد وصلت الخلافات والتناقضات من نظام تقسيم السيادة هذا إلى درجة الغليان في عام 1923، إذ نشبت الاشتباكات والاضطرابات المتعددة في البحرين، والتي اتخذت منحنى اثني وطائفي مع فشل نظام تقسيم السيادة. وحينها قرر المسؤولون البريطانيون إعادة تركيب نظام الحكم ليكون أكثر اتساقاً مع إدارتهم، فاستولوا على الحكم المحلي وتم الإطاحة بالحاكم الشيخ عيسى بن علي وانتقل الحكم إلى ابنه الشيخ حمد، واستقدم المستشار البريطاني بلجريف ليدير أمور الحكم المحلي من خلف الحاكم الجديد.

واستمر الحكم المنقسم تحت النظام الجديد، ولكن النزاعات على حدود السيادة قد انفرجت إلى حد كبير بعد تغيير الحاكم، حيث أصبح كل من الحاكم الجديد والمسؤولين البريطانيين متفقين على نفس الرؤية التي صاغها البريطانيون. فواصلت بريطانيا ممارسة حكمها على الرعايا الأجانب، بينما مارس الحاكم السيادة رسمياً على الرعايا المحليين، مع تولي المستشار بلجريف إدارة الشؤون المحلية فعلياً من خلفه.

 
تقنين الغوص من قبل البريطانيين وتبلور نظام الكفالة

ولم يكن مبدأ قرار مجلس الملكة Order in Council (OIC) الذي استخدم لتنظيم الحكم على ما سمي بالأجانب في البحرين بقرار جديد كلياً على الخليج، إذ صدر على سبيل المثال قرار مجلس الملكة المتعلق بمسقط عام 1867[8] إلا أن هذه القرارات السابقة انطبقت فقط على "الرعايا البريطانيين" في الخليج، وكانت أعدادهم قليلة جداً لا تتعدى بضعة عشرات، وعادة ما كانوا من التجار الهنود ممن يقطنون المنطقة لفترة معينة من السنة، خصوصاً في موسم تجارة الغوص. إلا أن التفسير الجديد لقرار مجلس الملكة في البحرين، الذي وسع سيادته لتشمل كل "الأجانب"، رفع عدد من انطبق عليهم القرار فجأة إلى عشرات الآلاف من سكان الجزيرة. وعلى الرغم من أن الأشخاص وعائلاتهم ممن شملهم هذا التعريف الجديد كانوا يعيشون في المنطقة منذ أجيال متعددة، إلا أن البريطانيين اعتبروهم "أجانب" تحت سيادتهم كطريقة لزيادة نفوذهم في المنطقة. وبهذا، فإن البريطانيين أتوا بنظام قانوني وسياسي جديد، وحاولوا تطبيقه على العلاقات السكانية والاجتماعية القائمة في المنطقة منذ عقود وقرون قبل حضور القوات البريطانية، وكان لذلك تبعات جمة.

ومع ممارسة بريطانيا لسيادتها السياسية والقضائية على هذا العدد الكبير من "الأجانب" الواقعين تحت سيادتهم، تزايدت أهمية السيطرة على حركتهم وتنقلاتهم في المنطقة. وكان الوجود المؤسسي البريطاني في الخليج في هذه الفترة صغيراً جداً، ونادراً ما تجاوز اثنان من المسؤولين البريطانيين الذين يديرون مبنى الوكالة السياسية في كل دولة، مع بضعة عشرات من الموظفين من جنسيات مختلفة أخرى من العاملين تحت إمرة البريطانيين في مبنى الوكالة. ولذلك أصبحت المشكلة التي تواجه البريطانيين هي: كيف يمكن لهذه البيروقراطية الصغيرة أن تتحكم وتدير شؤون سبعين ألف "أجنبي" يسكنون في البحرين وحدها؟

وازدادت هذه المسألة إلحاحاً مع رسم الحدود في المنطقة، وتطبيق مبدأ إصدار جوازات السفر[9] وتحديد نقاط العبور لهذه الحدود الحديثة. إذ أصبحت هذه الوثائق الرسمية المتعلقة بالسفر من الجوازات، وتأشيرات الدخول، وتأشيرات الخروج، أموراً رئيسية معترف بها على نحو متزايد في جميع أنحاء الخليج وشبة الجزيرة العربية في عشرينات القرن الماضي، كما جرى البدء في إصدار أول قوانين للجنسية في المنطقة في هذه الفترة. [10] من هنا اكتسبت مسألة التنقل عبر هذه الحدود وكيفية تنظيمها أهمية متزايدة.

كان المسؤولون البريطانيون قد تولوا مسؤولية إصدار تأشيرات الدخول إلى البحرين،[11] إذ كان دخول المسافرين إلى الجزيرة يتطلب اعتماد جوازات سفرهم من قبل الوكيل السياسي في البحرين، بالإضافة إلى الحصول على فيزا الدخول.[12] وقد تم تأسيس نقطة تفتيش للجوازات لأول مرة عام 1929، وبدأت الدولة بإصدار جوازاتها الخاصة في عام 1930.[13] وكان بإمكان رعايا حكام الخليج الآخرين تحت الحماية البريطانية، بالإضافة إلى السعودية، أن يدخلوا البحرين دون تأشيرات دخول، شريطة أن تكون لديهم وثائق سفر صالحة.

وقد بدأ سريان هذا النظام "الدولي" الجديد قبل اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية، وتم تطبيقه على سكان منطقة لم يعتادوا تواجد الحدود والإجراءات القانونية والبيروقراطية على أراضيهم، إذ كان البشر يتنقلون على مدى ضفاف الخليج وشبه الجزيرة العربية، وتكونت روابط أسرية وثقافية عميقة على امتداد هذه المنطقة. لذلك وجب على ساكني المنطقة التأقلم مع هذا النظام الجديد، والعكس صحيح، إذ كان على هذا النظام الجديد تفادي تأجيج الاضطرابات في العلاقات السكانية والاجتماعية القائمة في المنطقة قدر الإمكان. وكان من المحتم أن تبرز المشاكل سريعاً في بداية نشأة هذا النظام، كونه يضم عدداً كبيراً من الحكومات والسلطات، كل منها تصدر وثائقها الخاصة بها وتنظم عملية التنقل عبر أراضيها بطريقتها المعينة. وسرعان ما أصبحت موانئ الخليج ذات التواجد البريطاني الضعيف، كما كان الحال مع دبي،[14] مركزاً يجذب الناس للحصول على تأشيرات وجوازات السفر بسهولة نسبية كوسيلة للإفلات من الضوابط البريطانية. وسرعان ما برزت حالات التنقل "غير القانونية" وتزوير الوثائق كمشكلة تؤرق السلطات البريطانية.[15]

وكانت صناعة غوص اللؤلؤ القديمة في المنطقة والمحرك الرئيسي لاقتصادها تمثل مصدر القلق الرئيسي للسلطات البريطانية في البحرين.[16] فمع بداية كل موسم لؤلؤ، وكما كان الحال لأجيال متعاقبة، يتدفق إلى البحرين الآلاف من العمال من المناطق المجاورة في شرق المملكة العربية السعودية، وقطر، والساحل الشرقي للخليج للعمل في سفن الغوص في البحرين.

ومع تطبيق نظام الحدود الجديد في عشرينات القرن الماضي، أصبح هذا التنقل للسكان بين ضفاف الخليج بالطريقة التي اعتادوا عليها لمئات السنين يمر على حدود أكثر من دولة، وكان هذا مصدر قلق متزايد للبريطانيين. ولذلك أصبحت قضية تنظيم الغواصين الآتين إلى البحرين مسألة ملحة للسلطات البريطانية، خاصة وأنهم صنفوا هؤلاء الغواصين "أجانب". ومما زاد حدة هذه القضية تدهور العلاقات فيما بين حكام البحرين وقطر وإيران في هذه الفترة، في مقابل قدوم الجزء الأكبر من الغواصين من المناطق تحت سيادة هؤلاء الحكام خلال موسم اللؤلؤ.[17] ولذلك، أصبحت قضية إدارة هذا التدفق العمالي أمراً ملحاً للبريطانيين.

وكان الحل الذي طوره البريطانيون هو تطبيق مبدأ الكفالة على الغواصين القادمين إلى البحرين، ممهداً لأول استعمال حديث للنظام في الخليج. فأعلن المستشار البريطاني بلجريف عن القانون الجديد في ديسمبر 1928،[18] وأعقبته سريعاً إجراءات جوازات سفر جديدة في يناير 1929 نصت على ما يلي:[19] يعتبر كل قبطان سفينة (نوخذة) مسؤولاً عن كل "الأجانب" المتواجدين في مركبه، بحيث يلزم عليه أن يبلغ موظفي الجمارك عن عددهم واسم كل منهم وتصاريح سفرهم الصالحة. ويسمح فقط للغواصين المسجلين في سجلات الغوص الصادرة عن حكومة البحرين بالنزول إلى أرض البحرين، وإذا تم اكتشاف أي غواصين فارين من متن السفينة حين مغادرتها للميناء، فسيتحمل قائد السفينة مسؤوليتهم وستصادر قواربه.

وشمل هذا النظام، الذي "كان الهدف الأساسي منه هو التحكم في القادمين والمغادرين، ومنع غير المرغوب فيهم من دخول البحرين" بحسب المقيم البريطاني، كل المتطلبات القانونية التي تجسد نظام الكفالة الحديث: تواجد الكفيل (في هذه الحالة قبطان السفينة) الذي يتحمل المسؤولية عن الغواصين "الأجانب" على متن سفينته؛ وديعة يدفعها القبطان كتأمين لتسفير الوافد؛ تأشيرة دخول؛ إذن عمل صالح (في هذه الحالة تصاريح الغواصين)؛ بالإضافة إلى الحاجة إلى تأشيرة خروج.[20] والأهم هو أن هذه الإجراءات ربطت مسألة كفالة العامل الوافد ضمن حدود البحرين (الذين كان في هذه الحالة من فئة غواصي اللؤلؤ "الأجانب") بتواجد الكفيل (النوخذة)وهكذا، كان على قائد السفينة أن يكفل الغواصين على سفينته، بحيث يضمن مسؤولية رحيلهم في نهاية موسم الغوص من البحرين دون أي "سوء تصرف" من وجهة نظر الجهات الرسمية. وبذلك، ولد نظام الكفالة الحديث في الخليج، الذي طبقه البريطانيون بداية على العلاقات السكانية الاجتماعية والإنتاجية القائمة في المنطقة منذ سنين طويلة، والتي أصبحت تشكل قلقاً متزايداً للبريطانيين مع تبلور مبدأ الدول والحدود، ولذلك تم تنظيمها في البحرين عبر تطوير نظام الكفالة.

ولم يكن مبدأ استخدام الكفالة بأمر جديد للمسؤولين البريطانيين، إذ كانوا يمارسونه بانتظام في جميع أنحاء الإمبراطورية. فبالإضافة إلى تطبيق مبدأ الكفالة لضمان تسديد الديون، وهي ممارسة منتشرة في جميع أنحاء العالم، استخدم المسؤولون البريطانيون الكفالات أيضا كأداة أمنية لضمان حسن سلوك أفراد بل قبائل بأكملها في مناطق تحت استعمارهم. وقد انتشرت هذه الممارسة بشكل خاص في منتصف القرن التاسع عشر في الهند، وخصوصاً في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية (North Western Frontier Province)، حيث استعملها البريطانيون كطريقة لإنهاء الانتفاضة الهندية الكبرى التي اندلعت هناك عام 1857،[21] إذ فرضوا على وجهاء القبيلة أن يوقعوا تعهداً مكتوباً وأن يقدموا أفراداً معينين من القبيلة كرهائن لضمان حسن سلوك القبيلة بأكملها.

كما طبق مبدأ الكفالة للتحكم في تنقل الناس بين موانئ بحر العرب التي كانت تحت الاستعمار البريطاني، ففرض مبلغ من المال على قباطنة السفن الراسية في عدن التي تحمل حجاجاً متوجهين إلى مكة، ليضمنوا أن يتم فحص كل راكب للكوليرا، على أن يعود المبلغ بعد التأكد من ذلك.[22] كما طبق البريطانيون نظام كفالة شبيه من أجل السيطرة على حركة الأشخاص من الدول الغربية الأخرى في أنحاء الخليج، ولا سيما من الدول الإمبريالية المنافسة لها، إذ كان على حاكم كل إمارة الحصول على "شهادة عدم ممانعة" (No Objection Certificate) من المقيم السياسي البريطاني في الخليج في حال اعتزام أي شخص غربي زيارة أراضيهم، حيث يعد الحاكم بموجبها بأن يرعى ويضمن سلامة الزائر. كمثال، طلب حاكم دبي الشيخ بطي بن سهيل من التجار الفرنسيين الذين كان بودهم زيارة الإمارة في عام 1911 أن يحصلوا مسبقاً على شهادة عدم ممانعة من المقيم السياسي البريطاني.[23]

وبذلك أثبت مبدأ ضمان الكفالة فائدته كطريقة بسيطة وغير مكلفة بيروقراطياً، يستطيع المسؤولون البريطانيون عبرها ممارسة سيطرتهم على مختلف الأطراف المتنقلة في الخليج، من خلال تفويض المسؤولية عن سلوك هؤلاء الأفراد إلى أطراف أخرى. وقد ساعد في ترسيخ هذه الممارسات واقع كون مبدأ الكفالة معروفاً ويطبق بنطاق واسع في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، خصوصاً فيما يتعلق بمسائل الإفراج بكفالة في القضايا الجنائية وكضمان للديون. ولكن كان الابتكار الجذري الذي قدمه المسؤولون البريطانيون في أواخر العشرينات من القرن الماضي هو تطبيق مبدأ الكفالة هذا على قوة العمل المتنقلة، وخاصة على غواصي اللؤلؤ، وربط البيروقراطية المتعلقة بهذا النظام في الدولة، حيث تبلورت هذه الممارسات لأول مرة على أرض الواقع في البحرين. وعلى مر الوقت، تم توسيع نطاق استخدام هذا النظام ليشمل تنظيم حركة أي موظفين "أجانب" يدخلون البحرين.
 

عصر النفط

إذن، بدأ نظام الكفالة المتعلق بتنظيم العمالة المتنقلة أساساً مع بروز مبدأ الدول والحدود، وتم تطبيقه على العلاقات السكانية والإنتاجية الموجودة سابقاً في منطقة الخليج، وخصوصاً في صناعة الغوص. إلا أنه مع بروز صناعة النفط في البحرين عام 1932، سرعان ما تبلورت علاقات عمل جديدة كلياً في المنطقة، حيث لجأت السلطات البريطانية إلى فتح الباب لتدفق العمالة الوافدة إلى الخليج من مناطق لم تكن تاريخياً تزود الخليج بكمية كبيرة من العمال. ولم يكن من المستغرب أن توجهت السلطات البريطانية إلى فتح الباب لاستقطاب العمالة من المناطق التي كانت تحت نفوذ الاستعمار البريطاني، وخصوصاً شبه القارة الهندية، صاحبة التاريخ الطويل في تزويد قوة العمل المهاجرة في مناطق أخرى تحت الاستعمار البريطاني.[24] إلا أنه تم تطوير نظام الكفالة الذي طبق على العمال في صناعة اللؤلؤ وتطبيقه على العمالة الوافدة المتزايدة في صناعة النفط، وخصوصاً تلك القادمة من شبه القارة الهندية.

وسرعان ما اعتمدت إجراءات الضمانات المالية من قبل الكفيل، وتصريحات العمل، وتأشيرات الخروج، وشهادة عدم الممانعة وتطبيقها بشكل موسع على كل العمال الوافدين إلى البحرين، بحيث أصبحت جزءاً أساسياً من الممارسة البيروقراطية للهجرة في الجزيرة. فابتداء من الثلاثينات، وخوفاً من الهجرة "غير القانونية" المتزايدة من الهند،[25] نصت السلطات البريطانية على كل موظف أجنبي آت للعمل في البحرين، سواء في شركة النفط أو غير ذلك، أن يحصل على شهادة عدم ممانعة (No Objection Certificate) من الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، قبل أن يستطيع التقديم على الفيزا من السلطات البحرينية للقدوم إليها. ومن أجل الحصول على شهادة عدم الممانعة هذه، ألزم صاحب العمل/الكفيل بإيداع مبلغ 60 روبية، يتم إعادتها إليه عند التأكد من مغادرة العامل المكفول البلاد.[26] وتم تطبيق هذا النظام على كل العمال الوافدين القادمين إلى البحرين من مناطق خارج سيادة حكام الخليج، بما فيها العمال الغربيين أو العاملين في شركة النفط.[27] وبحلول الحرب العالمية الثانية، ومن أجل فرض المزيد من الرقابة على تنقلات الناس خلال هذه المرحلة الحساسة، فرضت السلطات البريطانية أيضاً مبدأ الحصول على تأشيرات الخروج منها كشرط لجميع الأفراد المسافرين من وإلى البحرين.[28]

وعموماً، كان مبدأ تواجد الجنسيات وجوازات السفر قد أصبح سارياً في غالبية دول العالم بحلول ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين. ولذلك، فإن "الأجانب" الذين بدأوا بالتوافد إلى البحرين مع ظهور صناعة النفط، والذين أتوا بشكل متزايد من شبه القارة الهندية، كانت لديهم جوازات سفر وجنسيات محددة بوضوح، على عكس الحال عندما طبق البريطانيين قرار مجلس الملكة BOIC على سكان البحرين في بداية القرن العشرين، والذي قسم سكان الجزيرة بين محليين وأجانب بشكل اعتباطي بناء على الاثنية والطائفة. ولذلك، فلم يكن تصنيف الأجنبي مقابل المواطن ضبابياً مع بروز عصر النفط في الخليج والهجرة المرتبطة به.[29]

ومن التطورات الملحوظة خلال هذه الفترة تزايد استخدام عمال الخدمة المنزلية من قبل الموظفين الوافدين في البحرين، وكانت هذه الظاهرة منتشرة تحديداً بين الموظفين المهنيين من فئة "الياقة البيضاء"، وخصوصاً الغربيين والهنود منهم. فقد رأوا أن "الرعايا المحليين" (وهو المصطلح الاستعماري للمواطنين) في البحرين غير مؤهلين تأهيلاً جيداً للعمل في الخدمة المنزلية، وبذلك زادت الطلبات المقدمة منهم بشكل ملحوظ للحصول على شهادات عدم الممانعة لاستقطاب العمالة المنزلية من الهند.[30] ومثلما كان الحال مع العمال الوافدين الآخرين، فقد تطلب ذلك إيداع ضمانة مالية على كل عامل منزلي من قبل الكفيل لإصدار شهادات عدم الممانعة، على أن يتم إرجاع المبلغ للكفيل عند عودة العامل لوطنه.

ولم يكن هذا المبدأ حكراً على البحرين فقط، إذ استخدم البريطانيون عملية مماثلة لاستقطاب عمال الخدمة المنزلية في ماليزيا وسنغافورة الخاضعة لاستعمارهم.[31] وقد كان المسؤولون السياسيون البريطانيون أنفسهم من أشد مستخدمي العمالة الوافدة للخدمة المنزلية. ففي مارس 1934، كتب الوكيل السياسي في البحرين المشورة التالية إلى الوكيل السياسي المساعد القادم حديثاً إلى البحرين: "لا يوجد خدم جيدين هنا، وأنصح أن تجلبهم معك (إذا كان لديك أي منهم في الهند) ... سأرسل لهم شهادة عدم ممانعة لأمكنهم من السفر من دون مواجهة أية صعوبات." [32]

وقد بدأ تدفق الوافدين المتزايد إلى البحرين يزعج الحاكم المحلي، سيما وأن إجراءات التوظيف قد سيست وأصبحت مسألة خلاف محلياً. إذ تم تنظيم عدة احتجاجات وإضرابات وانتفاضات تطالب بفرص عمل ومميزات أفضل للمواطنين في البحرين. وفيما كان عدد الرعايا الهنود في البحرين في مرحلة ما قبل النفط قليلاً جداً، لا يتجاوز 69 شخصاً في عام 1908،[33] أغلبهم من التجار الموسميين، فقد وصل عددهم مع تطور صناعة النفط إلى 1421 شخصاً بحلول عام 1941، وتضاعف العدد إلى 3043 بحلول عام 1950. وكانت الغالبية منهم من الموظفين المهنيين ذوي الياقات البيضاء في شركات النفط أو من التجار في المدينة، فيما كان عدد العمال في الوظائف الدنيا (فيما عدى الخدمة المنزلية) شبه معدوم في هذه الفترة، التي تركزت بشكل أساسي على المواطنين. واعتباراً من عام 1949، اتفق الوكيل السياسي البريطاني مع الحاكم على أن يتم التشاور معه قبل إصدار أي شهادات عدم ممانعة أخرى للقادمين من باكستان والهند، في سبيل إرضائه وإيهامه بالتحكم في أعداد العمالة الوافدة. [34]

 
حالة "العزاب"

وبنهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، كان قد مضى على إنتاج النفط 13 عاماً في البحرين، وكان لدى الإداريين الاستعماريين البريطانيين خبرة ممتدة لأكثر من عقد في تطبيق الإجراءات المتعلقة بالتحكم في العمالة الوافدة عبر قانون الكفالة. وخلال هذه الفترة، برزت الكثير من التقسيمات والفئات القانونية والبيروقراطية المختلفة التي أصبحت جزءاً رئيسياً من نظام سوق العمل في الخليج حتى اليوم، وقد يكون أفضل مثال على ذلك فئة الوافدين "العزاب".

فقد أصبح ما يسمى بالعمال الوافدين "العزاب" جزءاً لا يتجزأ من أسواق العمل اليوم في دول مجلس التعاون. ويستخدم مصطلح "العزاب" للإشارة إلى العمال الوافدين (وأغلبهم من الذكور) من ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى الذين يقيمون لوحدهم دون أسرهم في الخليج. وهذا المصطلح ينطبق بغض النظر عما إذا كان "العزاب" متزوجين في الواقع أم لا، فحتى من ترك زوجته وأولاده في وطنه الأم يعتبر "عازباً" في الخليج. وبذلك، أصبحت فئة "العازب" هي مجموعة من الرزم القانونية والإجراءات البيروقراطية التي لها تداعيات مادية على أولئك الذين يتم تعريفهم على هذا النحو، بما في ذلك مقدرة "العازب" على جلب عائلته معه. فغالبية دول الخليج لديها قوانين تمنع الوافدين الذين يقل مدخولهم عن نسبة معينة من جلب عائلتهم معهم، وبذلك يتم تصنيفهم قانونياً واجتماعياً كـ "عزاب".

و"العازب" (كفئة قانونية) له حضور قديم داخل البيروقراطية الاستعمارية البريطانية في الهند، التي سبقت عصر النفط في الخليج بسنوات عدة.[35] وكان تصنيف "عازب" يشكل محدداً رئيسياً للأجور والمزايا التي يحصل عليها الموظف في الخدمة المدنية الاستعمارية للهند، بالإضافة إلى تحديده لطبيعة السكن الذي يحصل عليه "العازب" ونمط الحياة التي سيعيشها في الخارج،[36] حتى وإن كان الشخص متزوجاً في الواقع، فالعازب كان كل من لا يأخذ عائلته معه للعمل في الخارج.[37]

تم إدخال مفهوم "العازب" في البيروقراطية في الخليج مع نشأة الإدارة الاستعمارية البريطانية في المنطقة.[38] وقد كان من المفضل توظيف "العازب" في كثير من الأحيان على أولئك المرتبطين بأسرة، حيث كانت رواتبهم ومتطلبات سكنهم أقل كلفة.[39] إلا أن تطبيق مبدأ "العزاب" على نطاق واسع كفئة عمالية بدأ في شركة النفط، وخصوصاً في تحديد أجور وإقامة العمال "ذوي المهارات المتدنية"، إذ تقاطعت "العزوبية" مع الجنسية، والطبقة، والمهارة لتحديد بشكل مفصل الأجر وامتيازات السكن التي يحصل عليها العمال "غير المهرة" ذوي الدخل المحدود. وقد كان لدى المسؤولون البريطانيون هوس بتصنيف وتقسيم العمال ورواتبهم وحقوقهم حسب هذه الخانات المختلفة حتى أدق التفاصيل.

وبديهياً، أدت هذه التصنيفات المختلفة إلى نشوب الاضطرابات فيما بين العاملين في شركة النفط. ففي عام 1938، أضرب العمال البحرينيون مطالبين بظروف عمل أفضل، لا سيما عند مقارنتهم بما يجنيه "الهنود" و"الأوروبيين"، حيث كان المواطنون خلال هذه الفترة في القاع من ناحية الرواتب والمميزات. وبهدف تجنب المزيد من المشاكل العمالية، كانت ردة فعل السياسيين البريطانيين والمسؤولين في شركة النفط متمثلة في الاهتمام بأدق التفاصيل المتعلقة برواتب ومكان سكن العمالة المحلية والوافدة. فبشأن الأجور، كتب الوكيل السياسي البريطاني في البحرين إلى المقيم السياسي في الخليج في ديسمبر 1938 أن "الحقيقة الواضحة هي أن البحرينيين عموماً لا يستحقون نصف الأجر الذي يعطى للهنود." أما في ما يتعلق بالسكن، فقد أضاف ما يلي:[40]

" هناك نوعان من الصعوبات هنا. أولا أن المتزوجين من الموظفين البحرينيين من جميع الطبقات لا يريدون نقل عائلاتهم إلى مخيم شركة النفط لأنهم سيخسرون ملذات المعيشة في المدينة. ولذلك لم تبن الشركة مسكناً كبيراً للمتزوجين، خصوصاً وأنه من المتوقع أن يظل شاغراً. في المقابل، فمن المهم من الناحية التشغيلية للشركة أن يعيش عدد من الموظفين البحرينيين بالقرب من المصفاة... وعلى الرغم من أن معظم الناس من هذا النوع قد عاشوا لأجيال في أكواخ سعف "برستي" (Barasti)، فإنهم الآن يطالبون بسكن مبني من الإسمنت. ولدى الشركة مخططات لتلبية هذا الطلب بناء على مبدأ سكن "العزابية"."

أما فيما يخص سكن العمال الوافدين، فقد كان هذا التبادل فيما بين الوكيل السياسي وممثل شركة النفط بابكو في نفس العام:
"بالنسبة إلى ما ذكرته عن "الآسيويين" من العمال، وأفترض أنك تعني الفئة 2A و2B من العمال، فنحن نتوقع في وقت البناء أن يكون هناك 250 من الرعايا الهنود من جميع الأنواع. سيعيش الهنود من الدرجات الأفضل في المنامة وسيتم توفير نقلهم ذهاباً وإياباً. أما الآخرون فسيتم إيوائهم مؤقتاً في أكواخ "برستي" ريثما يتم بناء أماكن دائمة لهم، التي لا يمكن أن نبدأ فيها حتى يتم الانتهاء من برنامج البناء للموظفين الأوروبيين والأمريكيين... تتواجد حالياً 40 غرفة للعزاب في منازل الموظفين الحالية، ونحن في طور بناء 32 غرفة إضافية، ما يجعل مجموعهم 72 غرفة. سيكون هناك رجلان في كل غرفة، ولذلك ستستوعب هذه المنازل 144 رجلاً. بالإضافة إلى ذلك، نقوم حالياً ببناء 96 غرفة في مبان مؤقته، وسيتم ترتيب المباني في مجموعات تتكون من أربعة مباني، مع حمام مركزي في وسط كل مجموعة. وستصبح هذه الأماكن لاحقاً السكن الدائم للعزاب."[41]

وكانت مثل هذه التقارير تصدر بشكل دوري خلال هذه الفترة، ونقدمها بتفاصيلها المملة كمثال على كيفية توثيق إدارة شركة النفط والسياسيون البريطانيون لأدق التفاصيل والتصنيفات المرتبطة بالرواتب والمزايا والمساكن للفئات المختلفة من العمال منذ الأيام الأولى لشركة النفط. وبحلول الأربعينات من القرن العشرين، كانت هذه الفئات القانونية والبيروقراطية المختلفة التي قسمت العمال إلى فئات بناء على الجنسية والطبقة والـ "عزوبية"، والتي تم إدارتها بشكل عام تحت نظام الكفالة، قد أصبحت مكوناً أساسياً في أساليب الحكم والضبط التي تستخدمها السلطات البريطانية للتحكم في العمال في البحرين، وانتشرت منها إلى بقية دول الخليج لتصبح جزءاً رئيسياً من خصائص سوق العمل فيها.

 
انتشار نظام الكفالة إلى باقي الخليج: حالة الكويت

أخذت السلطات البريطانية نظام الكفالة الذي اعتمدته للسيطرة على العمال الوافدين في البحرين وبدأت بتطبيقه في الأجزاء الأخرى من الخليج الواقعة تحت الاستعمار البريطاني. ففي عام 1915، تم إصدار قرار مجلس الملكة OIC المتعلق بمسقط، والذي كان مبنياً على قرار مجلس الملكة المتعلق بالبحرين.[42] وأعقب ذلك OIC الكويت عام 1925،[43] وOIC قطر عام 1938، وأخيراً OIC إمارات الساحل المتصالح (الإمارات العربية المتحدة اليوم) عام 1946.[44]

وعلى الرغم من أن جميع أوامر مجلس الملكة هذه كانت مبنية على نسخة البحرين، بحيث أسست هذه الأوامر لمبدأ سيادة بريطانيا على "الأجانب" في هذه الأراضي، إلا أن اختلافاً جوهرياً اعتراها، فخلافاً للحال في البحرين، حيث كانت سيادة الحاكم المحلي فقط على ما اعتبره البريطانيون "السكان المحليين"، نجح الحكام في باقي المناطق في تعريف سيادتهم لتشمل جميع المسلمين، فيما عدى رعايا الهند (وباكستان فيما بعد). في المقابل، اقتصرت السيادة البريطانية على غير المسلمين والهنود (والباكستانيين). وكان ذلك يعني أن عدد الأشخاص الذين تنطبق عليهم أوامر المجلس في فترة ما قبل النفط ضئيل جداً في هذه المناطق بالمقارنة مع البحرين، حيث كما رأينا وقع ما يقرب من نصف سكان الجزيرة تحت السيادة البريطانية نظراً للتعريف الموسع "للأجنبي". ففي وقت صدور OIC الكويت في عام 1925، وقد كانت حينها ثاني أكبر مدينة ذات ثقل سكاني على سواحل الخليج العربية بعد البحرين، كانت سيادة بريطانيا تنبسط فقط على ثلاثة من صغار التجار الهنود الساكنين هناك.[45]

ولكن مع بدء عصر النفط في الكويت، تصاعدت هذه الأرقام بشكل متسارع. فبحلول عام 1945، وكان النفط قد اكتشف وشرع في بناء مرافق الشركة على الرغم من عدم تصديره بعد، فقد ارتفع عدد الأفراد تحت السيادة البريطانية إلى 225. ومع تدفق صادرات النفط في العام التالي، ارتفع العدد إلى 528، ومن ثم إلى 1651 في عام 1947،[46] وتواصل العدد بالارتفاع بشكل مطرد في السنوات التي تلتها. في المقابل، ففي مسقط، والتي تمتعت تاريخياً بعلاقة سكانية أوطد بشبه القارة الهندية مقارنة بالكويت، فلم يتواجد فيها سوى حوالي 500 من الرعايا الهنود تحت السيادة البريطانية حتى خمسينات القرن الماضي (غالبيتهم من التجار)، ولم يتغير هذا الحال حتى اكتشاف النفط فيها في الستينات.[47]

ولعبت الأحداث في الكويت في الفترة من بداية تصدير النفط منها عام 1946 وحتى استقلالها عام 1961 دوراً محورياً في تطور نظام الكفالة في الخليج من الجذور التي تم زرعها في البحرين. وقد غذى هذا التطور على وجه الخصوص عاملان مهمان، جعلا حالة الكويت تختلف عن حالة البحرين: أولهما هو أنه على الرغم من أن تصدير النفط بدأ في البحرين، إلا أن الكويت كانت أول دولة في الخليج تدفقت عليها كميات هائلة من إيرادات النفط بشكل استثنائي أدى إلى مضاعفة دخل الدولة أكثر من 50 مرة في غضون بضعة أعوام. بالإضافة إلى ذلك، وعلى نقيض الحال في البحرين، لم يستطع البريطانيون بسط سيطرتهم كاملة على إدارة الشؤون المحلية في البلاد، حيث استطاع نظام الحكم المحلي أن يحافظ على نسبة أكبر من استقلاليته مقارنة بشبيهه في البحرين.

تواصلت أعداد العمال المهاجرين الخاضعين للسيادة البريطانية في التصاعد بشكل مطرد مع تصدير النفط. فبحلول عام 1953، كان هناك حوالي 3000 من الهنود و2000 من الباكستانيين المقيمين في الكويت تحت السيادة البريطانية، وقد كانوا يعملون بشكل رئيسي في شركة نفط الكويت KOC ومشاريع "خطة التنمية" في مدينة الكويت. وكما كان الحال في البحرين، فقد تزايد قلق السلطات البريطانية من هذا الكم المتصاعد من العمال الخاضعين لسيادتها القضائية، وأصبحت قضية التحكم والسيطرة عليهم أمنياً قضية ملحة، خصوصاً بعد نشوب الاضطرابات فيما بينهم. ففي عام 1948، نفذ العمال الهنود والباكستانيون في شركة النفط إضراباً موسعاً، أعقبه إضراب موسع آخر من نفس الجنسيات عام 1953.[48]

بناء على ذلك، تم إصدار حزمة من القوانين بداية من عام 1947، والتي كانت تشبه تلك التي استخدمت لتنظيم هجرة "الأجانب" في البحرين. فأصدرت لائحة تنظيم جوازات السفر في نفس العام،[49] وبدأت الوكالة السياسية البريطانية بإصدار تأشيرات السفر للقادمين من الخارج نيابة عن حكومة الكويت. كما صدر أول قانون جنسية كويتي في عام 1948، وأصدر رئيس دائرة الجوازات إخطاراً في العام التالي يلزم جميع الأجانب بالتسجيل لدى الدائرة.[50] كما تم إصدار قوانين تنظم إصدار تصاريح الإقامة للوافدين في عام 1952، والتي ألزمت الأشخاص الخاضعين للسيادة البريطانية بالحصول على تصاريح الإقامة من الوكيل السياسي البريطاني.[51]

وكما كان الحال في البحرين، أدخل البريطانيون نظام الكفالة كوسيلة سهلة وخفيفة بيروقراطياً من أجل تنظيم العمالة الوافدة في الكويت الخاضعة لسيادتهم. فكما يروي الأنثروبولوجي الشهير من أكسفورد بيتر لينهاردت(Peter Leinhardt) عن زيارته للكويت عام 1953،[52] فقد كان عليه أن يبحث عن كفيل قبل وصوله للكويت، إذ أن الإدارة البريطانية وضعت ذلك كشرط لأي زائر للدولة، حتى ولو كانت زيارته لفترة قصيرة. وعلى غرار الوضع في البحرين، فقد ارتفع الطلب على العمالة المنزلية بشكل مطرد خلال الخمسينات، خصوصاً من قبل الموظفين الأجانب في شركة النفط من ذوي الياقة البيضاء. وعلى نفس المنوال، فقد تطلب استقطاب هذه العمالة كفيلاً يتعهد بإعادة العامل إلى بلده عند إنهاء خدمته.[53]

غير أن الوضع اختلف فيما يتعلق بالعمال الوافدين الخاضعين لسيادة الحاكم المحلي، والذين واجهوا مجموعة مختلفة من القواعد والإجراءات التي كانت أكثر سهولة نسبياً من تلك المطبقة على الوافدين تحت السيادية البريطانية خلال فترة الخمسينات. بل إن مبدأ الكفالة لم يكن يطبق عليهم حينها. ففي عام 1952، كان هناك إلغاء متبادل لمتطلبات التأشيرات مع سوريا ولبنان، مما سبب امتعاضاً عند السلطات البريطانية لعدم استشارتها في المسألة. وكان واقع الحال أنه خلال فترات طويلة من الخمسينات، لم يحتج رعايا دول الخليج الأخرى (باستثناء مسقط)، بالإضافة إلى العراق والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا ومصر وفلسطين إلى تأشيرات دخول، ناهيك عن كفيل، للسفر والعمل في الكويت.[54]

في المقابل، فقد انتقلت ممارسات شركة النفط في البحرين من ناحية تصنيف العمال إلى الكويت، وهذا لم يكن غريباً نظراً للتنسيق الوثيق بين الوكالة السياسية البريطانية في الكويت والبحرين، حيث استمر الهوس بتصنيف العمال حسب الجنسية والعرق والطبقة والحالة الزوجية، وأرسلت تقارير مطولة ودورية عن الموضوع من قبل مسؤولي شركة النفط والوكالة السياسية. وكما كان الحال في البحرين، فقد نشطت هذه التقارير بشكل خاص عند اندلاع الإضرابات و"المشاكل" من قبل العمال، حيث تضمنت هذه التقارير معايير مفصلة ودقيقة لأحجام وأنواع الغرف المختلفة لكل مجموعة من العمال وفقاً للتصنيفات المذكورة أعلاه. وقد لعبت "المقارنات النسبية مع حالات العمال في شركات النفط الأخرى في المنطقة، ولا سيما شركة النفط في البحرين، دوراً رئيسياً في تطوير هذه المعايير".[55]

فبعد أن أضرب العمال الهنود والباكستانيين في أغسطس 1948، أرسلت وزارة الخارجية البريطانية خبير عمل إلى الكويت في فبراير 1949 ليتحقق من أوضاع العمال في شركة النفط. وأشار التقرير إلى أن عدد العمال في الشركة ارتفع من 1,900 عامل في بداية عام 1947 إلى أكثر من 18,000 عامل في يناير 1949. وارتفع عدد الهنود العاملين في الشركة في نفس الفترة من 236 إلى أكثر من 4,000. وعلى نفس نمط التقارير في البحرين، فقد ركز جزء كبير من التقرير على تصنيف العمال حسب فئات الجنسية والعرق التالية: البريطانية، والأمريكية، والهندية، والباكستانية، والعرب، و"السكان المحليين" (أي المواطنين). وقد ركز التقرير بشكل خاص على ظروف العاملين من الهند وباكستان نظراً لسيادة بريطانيا عليهم، والذين جرى تصنيفهم حسب الديانة، والمهارة الوظيفية، فضلاً عن الحالة الزوجية. وقد حظيت حالة السكن الذي خصص لكل من هذه الفئات العمالية باهتمام خاص من قبل الخبير، الذي شدت انتباهه "القرية" التي بنيت للعمال العرب نظراً لأنها كانت "رديئة" بشكل استثنائي.[56]

وكانت قضية توظيف الكويتيين والعرب في مقابل الباكستانيين والهنود قد أصبحت مسألة تصادم بين الحاكم والمسؤولين البريطانيين. ولم يكن ذلك مستغرباً، ليس فقط لرواج القومية العربية في هذه الفترة، بل أيضاً لكون كل من هاتين الفئتين تحت سيادة الطرفين المختلفين، ولذلك فقد حاول كل طرف زيادة الموظفين من الجنسيات الوافدة التي تقع تحت سيادته. ولذلك، ضغط الحاكم على شركة النفط لزيادة توظيف العرب الخاضعين لسيادته،[57] فيما تردد المسؤولين البريطانيين الذين رأوا ذلك كخطوة "خطرة". وكانت الاستراتيجية التي تبناها المسؤولون البريطانيون السياسيون هي زيادة أعداد الموظفين العرب في شركة النفط بوتيرة "يتم السيطرة عليها بعناية"، بحيث تضمن رضا الحاكم ولكن تبقي أرقام العرب منخفضة نسبياً، فيما تتم زيادة هجرة الوافدين تحت سيادتهم، خصوصاً من شبه القارة الهندية. [58] وبذلك، تم تسييس إجراءات التوظيف وتصنيف العمال بناء على الجنسية، وأصبحت هذه الحالة جزءاً لا يتجزأ من الشأن العمالي والسياسي في الخليج حتى يومنا هذا، مع اختلاف تفاصيل تطبيقها على مر الزمن.

كما برزت في هذه الفترة شركات "استقدام الأيدي العاملة " (manpower agencies) لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المشهد العمالي في الخليج. وقد تطور نوعان أساسيان من هذه الشركات. أولها كانت وكالات مقرها في الخارج مكلفة باستقطاب الأيدي العاملة من دولها إلى الشركة في الكويت. وقد لاقت هذه الوكالات رواجاً لدى شركات النفط، التي عينت وكلاء لها في دول متعددة لإيجاد موظفين مناسبين بشكل منظم ودوري، كما كان حال الوكيل الخاص لشركة نفط الكويت في بومباي. أما النوع الثاني من الشركات، فكانت شركات مقاولات محلية توفر الأيدي العاملة بشكل مؤقت وحسب الطلب للشركات التي تعاني من نقص طارئ في الأيدي العاملة محلياً. حيث تقوم الشركة بالدفع إلى المقاول الذي يوفر الأيدي العاملة، بينما يتكفل المقاول بدفع رواتب الموظفين بعد أن يأخذ عمولته. وعلى الرغم من تواجد هذا النوع من مقاولي الأيدي العاملة في البحرين، إلا أن استخدامهم انتشر بشكل موسع في الكويت والسعودية وقطر بعد تصدير النفط. وكانت شركات النفط من أوائل من استخدم هؤلاء المقاولين لتوظيف العمال محلياً، حيث لجأت شركة نفط الكويت لهم منذ عام 1949،[59] وكان الحال مماثلاً في السنوات الأولى لأرامكو في السعودية[60] وشركة النفط في قطر.[61]

 
إعادة السيادة وحصر حق الكفالة على المواطنين

وقد أدت استقلالية الحاكم الشيخ عبد الله السالم إلى بروز علاقة مشحونة وتنافسية بينه وبين المسؤولين البريطانيين وشركة النفط، بحيث كان على الأطراف الثلاثة العمل مع بعضهم في حين، والمناورة فيما بين بعضهم البعض في حين آخر. ومع مرور عقد الخمسينات، بدأ الحاكم المحلي بتوسعة سلطاته والعمل بشكل مستقل عن الأطراف الاخرى، حتى بلغت هذه الحالة ذروتها مع استقلال البلاد عام 1961، وقد انعكس ذلك على الأوضاع العمالية في البلاد.

ففي عام 1954، أنشأت حكومة الكويت لجنة عمالية تضم أعضاء كويتيين وبريطانيين للإشراف على إصدار تأشيرات العمل في البلاد،[62] حيث كان هدف اللجنة هو "تصميم سياسات دخول الأجانب للعمل في الكويت (بما فيها قضية إصدار الفيز وتأشيرات العمل)."[63] ومع مرور الزمن، بدأت الخلافات تظهر بين المسؤولين البريطانيين والكويتيين. ففي عام 1959، توجه الكويتيون نحو إصدار قانون عمل جديد مبني على قانون العمل البحريني 1957، يطبق على جميع الأشخاص الخاضعين لسيادتهم. وقد أناطوا كتابة الصياغة الأولية إلى خبير مصري دون استشارة البريطانيين، مما أغضب هؤلاء بحجة أنه فيما لم يتم التنسيق بين السيادتين، فإن هذا سيخلق مجموعتين مختلفتين من القوانين المطبقة على العمال تحت السيادة الكويتية في مقابل العمال تحت السيادة البريطانية البالغ عددهم 25 ألف فرداً. بالإضافة إلى ذلك، فقد أراد المسؤولون البريطانيون تجنب أن تبدو القوانين المطبقة على العمال تحت سيادتهم أقل تقدمية من تلك المطبقة على العمال تحت السيادة الكويتية في القانون الجديد.[64] كما شعرت السلطات البريطانية أن القانون المقترح يمهد للحكومة الكويتية أن تستولي على عدة محاور كانت تخضع للسيادة البريطانية سابقاً، إذ تطلب القانون الجديد من جميع العمال (بمن فيهم العاملين في شركة نفط الكويت) الحصول على تصريح عمل من إدارة التنمية الاجتماعية.

وبذلك، فقد أصبحت ظاهرة السيادة المنقسمة فيما بين البريطانيين والحاكم قضية مسيسة محلياً تسبب حرجاً متصاعداً للحاكم، إذ كان ينظر إليها بصورة متزايدة من قبل العديد من الكويتيين على أنها اعتداء على سيادتهم.[65] وعموماً فإن مبدأ السيادة المنقسمة قد أصبح حالة شاذة على مستوى العالم مع انتشار مبدأ استقلال الدول المستعمَرة في عقد الخمسينات. ومع مرور الوقت، أصبح حتى المسؤولون البريطانيون ينظرون إليه كممارسة مكلفة ومرهقة إدارياً. فمع ارتفاع عدد الوافدين في الكويت، زاد عدد القضايا القانونية التي تنظر فيها المحاكم البريطانية من أربع قضايا في عام 1953 إلى 200 قضية في عام 1955.[66] وبذلك، أصبح مبدأ إعادة السيادة القضائية والسياسية على كل سكان الدولة للحاكم المحلي أمراً مرغوباً من قبل الكويتيين والبريطانيين معاً. وقد بدأت عملية إعادة نقل السيادة إلى الدولة الكويتية في شباط / فبراير 1960، واستكملت العملية مع الاستقلال الكامل في فبراير 1961. وبذلك، فإن السيادة القضائية على جميع المقيمين، سواء أكانوا مسلمين أم "أجانب"، أصبحت الآن تخضع للحكومة الكويتية.

وقد أدت فترة إعادة السيادة إلى تغيرات محورية في طبيعة نظام الكفالة الحديث في الخليج. فمع الاستقلال، كثفت مؤسسة الدولة الناشئة من نشاطاتها لتعزيز نفوذها وسيطرتها على السكان. وكما كان الحال في الكثير من الدول المستقلة حديثاً، زادت الحقوق والمزايا الممنوحة للمواطنين. وفي السياق الخاص بالكويت وبقية دول الخليج، التي تفردت في هذه المرحلة بكونها تعتمد على أغلبية من العمالة الوافدة، انعكس ذلك في زيادة القيود والفروقات القانونية فيما بين المواطنين والوافدين.[67] ففي عام 1958، ظهرت دعوات من قبل بعض الكويتيين لإدراج جنسيات كانت تحت سيادة الحاكم المحلي ولا تتطلب تأشيرات للعمل، مثل الفلسطينيين، تحت نظام الكفالة مثل ذاك الممارس على الأجانب تحت السيادة البريطانية. [68] وفي عام 1960 صدر قانون جنسية كويتي جديد يعتمد بشكل أساسي على مبدأ "حق الدم" (jus sanguinis)[69] حيث أصبح من المستحيل فعلياً على الوافدين الحصول على الجنسية. وكان هذا على خلاف قانون الجنسية السابق لعام 1948 الأقرب إلى مبدأ حق الأرض (jus soli)، والذي حصل عبره بعض من الوافدين العرب على الجنسية الكويتية.[70]

وتواترت التشريعات التي حصرت العديد من المزايا الاقتصادية في المواطنين. فصدر مرسوم يحصر ممارسة المحاماة في الكويتيين فقط (مرسوم رقم 21/1960)، وآخر يحصر التقاعد الحكومي في المواطنين (مرسوم رقم 3/1960)، وفتح الصيدليات (القانون رقم 25/1960)، بالإضافة إلى قيادة سيارة الأجرة والحصول على منحة حكومية في الخارج.[71] وحصر القانون التجاري لعام 1964 الوكالات في الكويتيين فقط دون أي وسطاء، وفرض على أي مستثمر أجنبي أن يكون له شريك كويتي يمتلك أغلبية الاسهم.[72] وصدر قانون العمل للقطاع الخاص لعام 1964، الذي حدد فترة العقود مع الموظفين الأجانب بما لا يزيد على خمس سنوات، ويفرض على كل العمال الأجانب التسجيل لدى الدولة، على أن تكون أولوية الوظائف للكويتيين ثم للعرب الآخرين.[73] وتبع ذلك اقتصار حق الكفالة على المواطنين والشركات الكويتية. وبحلول عام 1969، كان مبدأ الحصول على تأشيرة عمالية عبر كفيل كويتي مبدأ مطبقاً بشكل عام في البلاد، وجرى تدوين ذلك رسمياً في تعديل قانون الإقامة للأجانب لعام 1975، مع تحديد دور الكفيل بشكل صريح بوصفه صاحب العمل.[74]

وكما بينا، لم تكن هذه الممارسة المتعلقة بكفالة العمالة الوافدة بالأمر الجديد على الساحة، إذ أنها طبقت على نطاق واسع من قبل السلطات البريطانية في الخليج منذ العقود الأولى من القرن العشرين. لكن التغير المحوري الذي أدخلته الحكومة الكويتية تمثل في حصر كفالة العمالة الوافدة في المواطنين. ففي ظل حكم السيادة البريطانية، أكان ذلك في البحرين أم في الكويت، كان بإمكان الوافدين أيضاً أن يكفلوا وافدين آخرين للقدوم والعمل. إلا أنه تم تشديد القوانين من قبل السلطة المحلية في فترة الاستقلال، وكانت النتيجة هي تبلور السمات الفريدة لنظام الكفالة في دول مجلس التعاون والتي تتواجد حتى اليوم: هجرة عمالية غير مقيدة، في مقابل حقوق جنسية مقيدة، بحيث يتم التحكم في هذه الهجرة عبر نظام كفالة المواطنين للوافدين من العمال. 

وانتشرت هذه السياسة من الكويت إلى السعودية ودول الخليج الأخرى تحت الاستعمار البريطاني مع توجهها نحو الاستقلال في الستينات. ففي البحرين، وبناء على قانون مشابه صدر في الكويت في السنة التي سبقتها، صدر قرار يتطلب تسجيل كل الشركات في غرفة التجارة في فبراير 1961، [75] ما مأسس التوجه نحو احتكار رأس المال الوطني للسوق المحلية. ففي العقود السابقة تواجدت الكثير من شركات ووكالات الاستيراد المملوكة من قبل تجار هنود،[76] وكانت هذه مصدر قلق للحاكم المحلي والتجار المحليين.[77] ومع تطبيق قانون تسجيل الشركات، كان هناك بعض التجار الهنود والباكستانيين والبدون الذين لم يسمح لهم بتسجيل شركاتهم، وتم رفض عضويتهم. وفي نفس السنة، أصدرت السعودية قانوناً تلزم كل الشركات بأن تكون مملوكة لمواطنين بنسبة 51% على الأقل، ولكن ذلك استثنى العرب، بحجة أن نفس القوانين تطبق عليهم كالمواطنين. إلا أنه سرعان ما تم تقوية وضع ملاك رؤوس الأموال المحليين مقارنة بغيرهم، حيث منع الأجانب فيما عدى اليمنيين من فتح الشركات والدكاكين الصغيرة عام 1966، كما ألغيت القوانين السابقة التي سمحت لكل التجار العرب بالدخول إلى السوق دون إقامة.[78] وهكذا نرى أن القوانين بدأت تنتشر وتتلاقح فيما بينها في دول الخليج.

كما بدأت سياسات توطين الوظائف والإحلال بالظهور، خصوصاً في الوظائف المرتبطة بالدولة. ففي البحرين، تم الاتفاق بين حكومة البحرين ومجلس التجارة على بحرنة المطار المدني في 1968، وأوصى مسح مجلس التنمية بإعطاء أربع سنوات إنذار لكل التجار الهنود والباكستانيين لإنهاء أعمالهم التجارية أو الحصول على شريك بحريني.[79] وعلى الرغم من أن سياسة التوطين نجحت على مستوى رأس المال، فإنها لم تنجح على مستوى العمال سوى على شركات المشاريع العامة، إذ أن القطاع الخاص قاومها، معللاً بالحجة القديمة-الجديدة بغياب البحرينيين من ذوي المهارات المطلوبة.[80] وكانت حكومة البحرين قد أتت بمفتش عمالي عام 1959 ليتأكد من تطبيق قانون العمل في كل الشركات بما فيها شركات القطاع الخاص. ولكن تم تطفيش وعرقلة هذا المفتش، وسرعان ما بان بأن مؤسسات الدولة غير قادرة ولا تريد تطبيق قوانين العمل في القطاع الخاص البحت واتخاذ الإجراءات اللازمة على من لا يطبقه.[81] وبذلك انحصرت سياسة البحرنة والرقابة الحكومية على الحقوق العمالية في المشاريع العامة، بحيث لم تستطع الدولة بسط سيطرتها على الشركات الخاصة العائلية، والتي ترك المجال لها مفتوحاً لتوظف من تشاء وبالأحوال التي تريدها دون أي رقابة فعلية عليها.

أما في السعودية، فمنذ عام 1958 تم إصدار قوانين تفرض على الأجانب الحصول على رخصة عمل، وكان المسؤولون يعطونها فقط لمن "لديهم خبرات ليست متواجدة بين المواطنين"، بحيث لا يزيد عدد الأجانب في أي مؤسسة على 25%، ولا تتعدى الرواتب المدفوعة لهم 55% من إجمالي الرواتب.[82] وفي البداية، استثني الوافدين العرب من هذا القانون جرياً على مبدأ معاملتهم كمواطنين. إلا أنه ما لبث أن حصر هذا الأمر في السعوديين واليمنيين في الستينات، حيث شكل اليمنيون الأغلبية الساحقة من الوافدين إلى السعودية خلال هذه الفترة، وكانت المؤسسات الرسمية ما زالت تقنن أعداد الوافدين بناء على توجهات الملك الفيصل. ولم تكن القوانين والإجراءات قد ثبتت بشكل واضح وموحد على كل المؤسسات الحكومية بعد، نظراً لعدم مركزية اتخاذ القرار فيها. كمثال، كانت بعض المؤسسات تتطلب وسيط سعودي في أي مناقصات لها، بينما كانت مؤسسات حكومية أخرى تحذر الشركات الأجنبية من دفع أي عمولة لوسيط سعودي![83]

وكما كان الحال في الكويت، بدأت السلطات البريطانية بإعادة حقوق السيادة إلى الدول الواقعة تحت استعمارها في الخليج في الستينات، بحيث انتهى نظام "السيادة المنقسمة" كلياً مع استقلال هذه الدول في 1971. ففي فبراير1961، فوضت السلطات البريطانية الحكومة البحرينية لإصدار شهادات عدم الممانعة (No Objection Certificate) وتأشيرات إعادة الدخول (re-entry visa) للرعايا الأجانب تحت سيادتها، بحيث تبنت الحكومة البحرينية الإجراءات التي تم تطويرها تحت الإدارة الاستعمارية، على أن يبقي للسلطات البريطانية حق إصدار تصاريح الإقامة. وبحسب المقيم السياسي البريطاني، فقد كانت الحكومة البحرينية تتولى مهامها بالتحكم في أعداد وتشكيلة الوافدين من ناحية الجنسيات بشكل سلس، فابن الوز عوام.[84]

وتم تحويل كامل السلطات المتعلقة بالهجرة والإقامة إلى حكومة البحرين عام 1964. ومن الطرائف المتعلقة بالنقاش الذي دار حول الأشخاص الذين سيتم استثنائهم للبقاء تحت السيادة البريطانية، فبالإضافة للموظفين السياسيين والعسكريين، كان المسؤولون البريطانيون حريصون على استثناء عمال الخدمة المنزلية أيضاً، نظراً لأهميتها بالنسبة لهم ولأن "هناك صعوبة كبيرة في الحصول على عمال الخدمة المنزلية في البحرين" كما رأينا (حسب رأيهم). ولم يهدأ للوكيل السياسي البريطاني بال حتى حصل على تطمينات أكيدة من البحرينيين على تسهيل دخول عمال الخدمة المنزلية![85]

وقد أبدت السلطات البريطانية اهتماماً حثيثاً في الإشراف على سن التشريعات المحلية الجديدة المتعلقة بالهجرة، والتي كانت مبنية على ما كانوا يمارسونه سابقاً، والتأكد من أهلية السلطات البحرينية على تطبيقها. وبناء على ذلك، فقد تجذر نظام الكفالة بشكل رسمي في صلب التشريعات المحلية التي صدرت في 1964 لإدارة أمور الوافدين، بناء على التشريعات البريطانية السابقة. فبحسب التشريع، يتطلب من أي وافد أن يحصل على ترخيص إقامة من إدارة الهجرة (المادة 15)، ولن يتم إعطاء أو تجديد الإقامة لشخص يود بدء أو مواصلة العمل في البحرين، إلا إذا كان هناك ترخيص من دائرة العمل لرب العمل بأن يقوم بتوظيف الشخص (مادة 18). كما كان على صاحب العمل أن يضع وديعة لا تتعدى ألف ربية لتحمل تكاليف تسفير الوافد، أو أن يدخل في تعهد مع دائرة الهجرة بأنه سيتكفل بهذه الإجراءات والتي ستكون قانونياً بمثابة الدين عليه (المادة 8 أ). كما أعطى التشريع السلطات الحق بترحيل أي شخص مخالف لبنود هذا القانون (المادتين 24 و25). وبذلك، تواصلت الجدلية بين الجانب الأمني والاقتصادي فيما يتعلق بهجرة الوافدين إلى دول الخليج، بحيث كان ينظر إليهم كضرورة اقتصادية وخطر أمني محتمل في نفس الوقت، ولذلك يجب التحكم فيهم وتقنينهم، وهذا أساس العقلية التي تواصل التحكم بهم حتى يومنا هذا.

ومن مفارقات هذه الفترة أن الحاكم المحلي في البحرين كان ضد إعادة السيادة إليه لأنه كان لا يريد "التعامل مع مشاكل الأجانب" في البحرين، وكان المسؤولون البريطانيون هم الذين يدفعونه نحو استرجاع السيادة.[86] ومع مرور الوقت، قبل الحاكم بذلك على مضض، وأعاد البريطانيون تدريجياً السيادة حول القضايا المدنية، والعمالية، والجنائية، وشؤون الهجرة حتى استقلال الدولة كلياً في أغسطس 1971.[87] وبنهاية عام 1971، كانت جميع دول مجلس التعاون الخليجي قد حققت استقلالها، مع عودة كامل السيادة السياسية والقضائية على جميع المقيمين فيها. وهكذا، فإن الأجانب الذين كانوا في السابق خاضعين للسيادة القضائية البريطانية، أصبحوا الآن يخضعون لقوانين ومحاكم الدولة المحلية. وعلى غرار ما حدث في الكويت، بدأت كل من الدول بتمرير قوانين تحصر العديد من المزايا الاقتصادية على المواطنين فقط. فتم سن تشريعات تتطلب أن تكون أغلبية الأسهم في أي شركة مملوكة من قبل المواطنين، وتم حصر كفالة الوافدين على المواطنين. وبذلك فإن الدولة، التي كانت تعتمد في السابق على السلطات البريطانية للتعامل مع "الأجانب"، قامت الآن بتفويض الكفيل المواطن للتعامل مع الوافدين.

 
خاتمة

مع اكتمال فترة الاستقلال في بداية السبعينات، كان نظام الكفالة قد اخذ شكله الحديث في دول الخليج العربية. تبع ذلك سريعاً الطفرة النفطية لعام 1973، والتي صاحبها ارتفاع أعداد الوافدين العاملين في الخليج بالملايين. وأصبح نظام الكفالة الذي طُور على مدى العقود السابقة هو محور عملية تنظيم تدفق الوافدين في سوق العمل منذ تلك الفترة إلى يومنا هذا. وقد اضحى نظام الكفالة اليوم قضية رئيسية تشغل بال لا دول الخليج فحسب، بل جهات ومؤسسات ممتدة على مستوى العالم، وذلك نظراً لتبعاته على سوق العمل والملايين من الوافدين الذين يعملون تحت إطاره. وحتى يتم التطرق إلى هذا النظام بشكل واف وإصلاحه، فإنه من الضروري أن نفهم الجذور التاريخية لنشأته.
 
لذلك، كان هدف هذه الورقة هو تفصيل تاريخ نشوء نظام كفالة العمالة الوافدة في دول الخليج العربية، حيث انصب تركيزنا على تبلور نظام الكفالة كمجموعة من القوانين والاجراءات البيروقراطية التي ربطت فيما بين الكفيل والعامل الوافد المكفول والدولة. ولفهم هذا النظام، كان علينا تتبع جذوره في حقبة الاستعمار البريطاني في الفترة من عشرينات القرن الماضي حتى استقلال كل دول الخليج في الستينات والسبعينات. وقد برزت أولى ملامح هذا النظام مع محاولة الإدارة البريطانية تقنين صناعة اللؤلؤ في البحرين، إذ نظر المسؤولون البريطانيون إلى العمالة التي تأتي الى البحرين من بقية الخليج في موسم الغوص كضرورة اقتصادية ومشكلة أمنية في آن واحد، مما تطلب إدارتهم عبر حزمة من القوانين والإجراءات أسست لبذور نظام الكفالة الحديث. واستلهمت أهم ملامح هذا النظام وطبقت على نطاق واسع مع تزايد العمالة الوافدة القادمة إلى شركات النفط، في البحرين أولاً ومن ثم الكويت وبقية الخليج. وشكلت عملية تقنين العمالة الوافدة المنزلية و"العزاب" محطة رئيسية في تبلور هذا النظام. ومع إعادة السيادة الإدارية والقضائية على الأجانب إلى دول الخليج مع استقلالها، توارثت بيروقراطيات هذه الدول نظام الكفالة، مع تغيير محوري يتمثل في حصر قدرة كفالة العمالة الوافدة على المواطنين فقط. وبذلك ولد نظام الكفالة الحديث الذي تستمر أهم آلياته القانونية والبيروقراطية بالتحكم في أحوال العمالة الوافدة في الخليج إلى يومنا هذا.
 
 
[1] سيكون محتوى هذه الورقة جزء من كتاب سيصدر للمؤلف تحت عنوان:
عمر هشام الشهابي، تصدير الثروة واغتراب الانسان: تاريخ الخلل الإنتاجي في دول الخليج العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، تحت النشر).
[2] A. Longva, Walls built on sand: Migration, exclusion, and society in Kuwait (USA: Westview Press, 1999), p.78.
[3] لقد تم التطرق بالتفصيل الى خصائص نظام الكفالة في عصرنا الحالي في نسخة سابقة من هذا الإصدار. أنظر:
"الكفالة والتبعية والإقصاء في مجتمعات الخليج العربية"، الثابت والمتحول: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة (بيروت: مركز الخليج لسياسات التنمية ومنتدى المعارف، 2015)، ص442.
[4] G. Beaugé, 'La kafala: un système de gestion transitoire,' Revue européenne des migrations internationales 2.1 (1986): 109-122.
[5] للمزيد حول هذه التفاصيل أنظر:
O. AlShehabi, "Contested modernity: divided rule and the birth of sectarianism, nationalism, and absolutism in Bahrain," British Journal of Middle Eastern Studies (2016): 1-23.
[6] كمثال: كان ما صنفه البريطانيون كـ"البحارنة" و"الهولة" يعتبرون سكاناً محليين تحت سيادة الحاكم، أما من تم تصنيفهم كـ"فرس" أو "نجادة" فاعتبروا أجانب تحت سيادة البريطانيين.
[7]Qatar Digital Library and British Library: India Office Records and Private Papers [Henceforth QDL], IOR/L/PS/10/249, <http://www.qdl.qa/archive/81055/vdc_100035092757.0x000029>.
[13] تم اصدار قانون الجنسية البحرين عام 1937. للمزيد انظر:
[16] وقد أدت طبيعة العلاقة الإنتاجية القسرية في صناعة الغوص إلى أن يخمن بعض الباحثين بأن العلاقات الإنتاجية في هذه الصناعة قد تكون اصل تبلور نظام الكفالة (انظر كمثال longva). اذ كان غالبية الغواصين مديونين لنوخذة سفينتهم، مما ربطهم بالعمل لديهم مدى حياتهم وحتى حياة أبنائهم عند توارثهم للدين من دون قدرتهم للانتقال إلى عامل آخر. لكن هذا النوع من العلاقة الإنتاجية هي علاقة ارتباط العامل مع صاحب العمل عبر الدين، أي نظام تسخير العامل لدفع الدين debt peonage، وهذه العلاقة تختلف جذرياً عن نظام الكفالة في آلياتها. فالعلاقة في نظام الكفالة لا تستند إلى الدين، بل تستند على شرط تواجد كفيل حتى يسمح للوافد بالعمل في مساحة الدولة الجغرافية. ولذلك فإن العلاقة الإنتاجية في النظامين تختلفان، على الرغم من درجة القسر العالية التي قد تتواجد في كليهما. وهذا لا يمنع من تواجد نظام تسخير العامل لدفع الدين في بعض المناطق التي يأتي منها الوافدين إلى الخليج في العصر الحال، خصوصاً في شبه القارة الهندية، من حيث يأتي الكثير من العمال إلى الخليج وهم مثقلين بالديون إلى الوسطاء والسماسرة في بلادهم، والتي تفرض عليهم دفع رواتب عدة سنوات من العمل لانهاء الدين.
 
[17] للمزيد حول الخلافات مع ايران انظر:
[21] وقد فرض البريطانيون هذا النوع من الكفالة على عدد كبير من القبائل من الهند خلال فترة الانتفاضة كطريقة لانهائها. للمزيد انظر:
[24] وقد تواجدت العمالة المهاجرة من شبه القارة الهندية على مدى القرنين الثامن والتاسع عشر في مناطق متعددة مثل جنوب افريقيا وجنوب شرق آسيا وجزر الكاريبي، إلا أن العلاقات الإنتاجية كانت تختلف عن تلك المطبقة تحت نظام الكفالة.
[28] لمثالين من علاقة شركة النفط بشركة استيراد وتصدير بريطانية، أنظر:
[29] ولكن برزت قضية مهمة في دول الخليج وهي المتعلقة بما أصبح يعرف بعديمي الجنسية أو "البدون"، الذين تكونوا أساساً من مجموعات من سكان الخليج وشبه الجزيرة العربية ممن لم يتم تسجيلهم تحت قوانين الجنسية البارزة حديثاً في البلاد، إما خوفاً من استعمال السلطات لهذه القوانين كوسيلة للتحكم فيهم، أو لأنهم لم يدركوا أهمية التسجيل، أو لأنه لم يسمح لهم بالتسجيل أصلاً. للمزيد انظر:
Claire Beaugrand, Stateless in the Gulf: Migration, Nationality and Society in Kuwait (London: IB Tauris, 2017).
[30] يحتوي هذان الملفان على عدة وثائق حول هذه الممارسة:
[31] ولذلك فإنه ليس بالغريب أن تكون هاتين الدولتين من أكثر الدول استخداماً للعمالة المهاجرة حتى يومنا هذا، وإن لم تكن بنفس حدة دول مجلس التعاون. ولا زالت بقايا هذا النظام كاستعمال "شهادات عدم الممانعة" لجلب العمالة الوفادة فاعلة حتى نهاية القرن العشرين في هاتين الدولتين.
وهذه حالة متكررة، كما تبين لنا الرسائل بين المقيم السياسي ومساعديه حول العمالة المنزلية من عام 1936:
[35] لأمثلة من الخدمة المدنية الهندية:
[36] انظر كمثال الجدال حول المبنى الجديد المقترح للقنصلية البريطانية في الأحواز، وان كان يصلح لعازب او عائلة:
[37] أنظر كمثال الرسالة التي بعثتها مدرسة لتدريب الشرطة في بونا عندما أراد أحد أفراد العائلة الحاكمة في البحرين الانضمام إليها عام 1937. إذ تم إبلاغه بأن المدارس تدار على نمط "العزاب"، وعليه أن يعيش مع الطلاب الآخرين في حرم المدرسة، ولا يجوز له أن يستأجر بيتاً خاصاً للعيش مع عائلته:
[38] كان هذا هو الحال، على سبيل المثال، في عملية توظيف مدير المجلس الثقافي البريطاني في البحرين:
[39] أنظر كمثال عملية توظيف جنود فرقة مسقط في ثلاثينات القرن العشرين:
[52] P. Lienhardt, Disorientations: a society in flux: Kuwait in the 1950s, (Ithaca 1993), p.30. Quoted in Longva, Walls Built on Sand, p.109, note 2.
[53] Letter from foreign office to Gulf political resident inquiring regarding availability of jobs in Gulf for domestic workers from Seychelles, August 22, 1958. FO 371/132892, The National Archives [heareafter BNA].
[55] انظر كمثال المراسلات بين شركة النفط والوكالة السياسية عقب إضرابات عمال من الهند وباكستان عام 1953:
LAB 13/483, BNA.
[56] M.T. Audsley, Report on Labour Conditions in KOC, February 1949, LAB 13/483, BNA.
[57] Letter from British embassy in Beirut, 18 June 1957, LAB 13/1187, BNA.
[58] Letter from political agency in Kuwait, 25 June 1957. LAB 13/1187, BNA.
[59] من ضمن هؤلاء المقاولين كانت شركات "الغانم للأيدي العاملة الماهرة" والتي أتت بموظفين عراقيين مهرة، و"شركة الكويت للمقاولات" التي وفرت عمال محليون، و"شركة المقاولات والانشاء"، والتي أيضا وفرت عمال محليون لشركة النفط. في الاجمال، كان هناك تسع شركات مقاولات وفرت ايدي عاملة بمبدأ العمل اليومي لشركة النفط الكويتية في بداية عملها. للمزيد انظر:
Report by M.T. Audsley on visit to Kuwait between 3 February 1949 and 10 February 1949, p.26, LAB 13/483, BNA.
[60] كمثال شركة المقاولات باحسين، بن لاحج، والتميمي (BLT)، والتي استقطبت الكثير من العمال البحرينيين للعمل في المنطقة الشرقية في خمسينيات القرن الماضي. مقابلة مع عبدالعزيز الشهابي.
 
[61] وقد تكون اشهرها شركة جاسم درويش للتوظيف في قطر.
[62] Letter from political agency, 25 May 1954, LAB 13/483, BNA.
[63] تبع ذلك اعلان اول نظام عمل للموظفين في الحكومة الكويتية، والذي كان مبنياً بشكل كبير على نظام العمل في شركة النفط الكويتية. انظر:
Letter from Political agency in Kuwait, 28 November 1955, LAB 13 / 483, BNA.
[64] Letter from British embassy in Beirut, 28 March 1959, LAB 13/1187, BNA.
[65] Letter from political agency Kuwait. Dated 2 April 1959, LAB 13/1187, BNA.
[66] S. C. Smith, Kuwait, 1950-1965: Britain, the al-Sabah, and oil, (Oxford 1999), 100-105
[67] Dispatch from the political agent, 14 August 1960, FO 371/148911, BNA.
[68] رسالة من ح.ع.م في بريد القراء، مجلة الفجر، العدد 48 (الكويت، 14 أكتوبر 1958)، ص10. وتمثل هذه أول ذكر قد مر علي لمصطلح "الكفالة" عند استعماله للحديث عن العمال الوافدين. شكر خاص لطلال الرشود لتزويدي بالوثيقة.
[69] يعرف jus sanguinis في القضاء بأن رابطة الدم من ناحية الأب هي المبدأ الأساسي لحق الجنسية، وعادة ما يقارن ذلك مع مبدأ حق الأرض (jus soli)، الذي يقر بأن للإنسان الحق في جنسية الأرض التي ولد فيها، وهو ما يطبق في بعض الدول مثل كندا وأمريكا، عادة بالتزامن مع مبدأ حق الدم.
Letter from Political agency, 11 September 1960, FO 371/148911, BNA.
لنص قانون الجنسية أنظر:
[71] Letter by Richmond, FO 371/148911, BNA.
[72] BNA, FO 371 174601
[73] للمزيد حول مزايا المواطنين:
J. Crystal, Oil and politics in the Gulf: Rulers and merchants in Kuwait and Qatar (UK: Cambridge 1995), p 79-80.
[74] Longva, Walls Built on Sand, 78-79.
[75] BNA, FO 371/1567171960 .
[76] BNA, FO 371/91297.
[77] BNA, FO 1016/684.
[78] Chaudhry, The price of wealth, p. 87.
[79] BNA, FCO 8/532.
[80] BNA, FO 371/168672, 1962.
[81] BNA, FO 371/156717.
[82] BNA, FO 371/133156.
[83] BNA, POWE 63/1024, PET /1066/658/5.
تقرير من السكرتير الثالث (التجاري) في زيارة ميدانية للمنطقة الشرقية بتاريخ 24 أكتوبر 1968
[84] BNA, FO 371/156717.
[85] BNA, FO 371/174545.
[86] Letter from British Political Agency in Bahrain, 26 February 1966, FO 371/185350, BNA.
[87] للمزيد حول إعادة السيادة في الخليج من قبل البريطانيين، انظر:
BNA, FCO 8/107, FO 371/185360, FCO 8/1649 and FCO 8/1015.


الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها