Reports 2018



إن كنا في أدبياتنا السابقة قد ركزنا على الوحدة والديمقراطية والتنمية كالحلول المأمولة لأوجه الخلل المزمنة، فما زالت دول مجلس التعاون بعيدة كل البعد عن تحقيق أي منها. بل يمكن القول إن عام 2017 شهد تراجعا ملحوظاً في كافتها. فعلى مستوى الديمقراطية، تفاقم الخلل السياسي المتمثل في التمترس في السلطة الفردية المطلقة، وازدادت الممارسات الأمنية من اعتقالات ومحاكمات وسحب الجنسيات، في مقابل عدم تواجد أي إصلاحات تذكر تبشر بشاركة أوسع في اتخاذ القرار. أما على مستوى الوحدة، فقد حطمت أزمة الخليج أية أوهام عن "التعاون" فيما بين دول المجلس فضلًا عن الوحدة. كما زادت الاتكالية على القوى الخارجية من قبل كل دول الخليج لتوفير الأمن والغطاء لها، أكان ذلك متمثلاً في الحليف التقليدي الولايات المتحدة، والتي بدا واضحاً في خطاب رئيسها هاجس امتصاص أكبر كمية ممكنة من الأموال من دول الخليج، أو في دول أخرى قامت بنشر قواتها في منطقة الخليج، كما هو الحال مع قطر وتركيا.

انعكس هذا الوضع العام بشكل متفاوت على فئات الهامش التي كانت محل تركيز هذا الإصدار. فبينما تواصلت البنية التمييزية إجمالاً ضد المرأة من ناحية السياسات والقوانين، إلا أنه تم تشريع بعض التغييرات الرسمية المهمة وإن كانت محدودة، حيث دُشِّن قانون الأحوال الشخصية الجديد في البحرين، وتم السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية. وهكذا كانت الحال من ناحية العمالة الوافدة، حيث تم سن قانون الخدمة المنزلية في عدد من دول الخليج، وتم تعديل أنظمة الكفالة، إلا أن وضعهم القانوني والعملي ما زال قائمًا على أرضية غير صلبة من الحقوق. وقد لوحظ إجمالاً تبني خطابين من قبل دول الخليج، خطاب موجه للخارج يتغنى ويعد بالإصلاحات، وسلوك داخلي يراوح في تفعيل تلك التغييرات على أرض الواقع، مما يعكس في كثير من الأحيان الأهمية التي توليها دول الخليج نحو سمعتها والضغط الخارجي، عوضاً عن أي إصلاح جدي في الداخل.

والواقع أن قضايا فئات الهامش وإن كانت تحمل ظواهرها الخاصة، هي إحدى تجليات الحالة السياسية والاجتماعية العامة في المنطقة. فتفاقم أوجه الخلل المزمنة، وغياب الإصلاح السياسي، ينعكسان بتبعاتهما على الهامش وعموم المجتمع بأشكال متعددة، يجمعها تركز السلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أيدي قليلة تتحكم في أغلب مفاصل القرار. ومن غير الممكن التصدي لقضايا الهامش بشكل حقيقي، إن لم يتم التطرق إلى جذور أوجه الخلل المزمنة في دول المجلس.

ولذلك فقد لا يكون من الإجحاف الإستنتاج أن إجمالي سكان المنطقة يشاركون كثيرًا من التحديات التي تواجهها فئات الهامش. ولكن ما قد يبعث الأمل هو أنه على الرغم من الحالة العامة المتذبذبة، والقبضة الأمنية المشددة، فإن الحراك المجتمعي لم يحتضر، بل اشتد عوده في بعض الحالات، من. بينها حراك الفئات المهمشة التي تناولها هذا الإصدار، وهو ما يبرر الأمل في حيوية المجتمع، وأن السلطة لا يمكن أن تبسط سيطرتها المطلقة عليه. ويبقى السؤال ماثلاً حول إمكانية بناء تحالف فعاّل مكون من جل أطياف المجتمع، يلتف حول أهداف جامعة من الديمقراطية والوحدة والتنمية، وأن يدفع بقوة في اتجاهها في دول مجلس التعاون. الجواب في يد أهالي المنطقة، الذين تقع على كاهلهم مهمة تحقيق التغير المرجو. وفي ظل التشرذم والتفتت على المستوى الرسمي بين دول الخليج، أضحى من الضروري أن توطد العلاقات فيما بين القوى المجتمعية في أنحاء المنطقة حول أهداف جامعة موحدة، حيث بات واضحاً ان ما يدور في قُطرٍ واحدٍ ينعكس على بقية أقطار المنطقة، جامعاً إياهم في مصير واحد. ونأمل من خلال هذه السلسلة من الإصدارات، التي تواصل في إصرارها على الجمع بين الأقلام المهتمة والجادة من كافة أقطار مجلس التعاون لمناقشة همومها المشتركة، وأن نساهم في شق هذا الطريق، وإن كان بخطوة صغيرة واحدة.



الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها