Reports 2016
- 1. مقدّمة: الخليج بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2. الخلل السّياسي
- 2.1 مقدّمة: الخلل السياسي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2.2 الخلل السياسي في دول الخليج العربية: استقصاء حول آراء المواطنين في الديمقراطية
- 2.3 المستجدّات السياسية في دولة الكويت
- 2.4 المستجدّات السياسية في سلطنة عمان
- 2.5 المستجدّات السياسية في المملكة العربية السعودية
- 2.6 المستجدّات السياسية في الإمارات العربية المتحدة
- 2.7 المستجدّات السياسية في دولة قطر
- 2.8 المستجدّات السياسية في مملكة البحرين
- 3. الخلل الاقتصادي
- 3.1 مقدّمة: الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 3.2 التقلبات في أسعار النفط وآثارها على ميزانيات دول الخليج العربية: مقارنة بين عقد الثمانينات والألفية الثالثة
- 3.3 مقابلات: ما هي أهم تطورات الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية ؟
- 4. الخلل الأمني
- 4.1 مقدّمة: الخلل الأمني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 4.2 السلام الضائع: الجذور التاريخية للصراعات الإقليمية في الخليج العربي
- 4.3 سياسات تغير المناخ وأمن الطاقة في دول مجلس التعاون
- 5. الخلل السّكاني
- 5.1 مقدّمة: الخلل السكاني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 5.2 المرأة وسوق العمل في الخليج
- 5.3 المرأة في ظل سياسات التنمية: حالة قطر
- 6. خاتمة: الخليج إلى أين؟
- الملخص التنفيذي - عربي
الثابت والمتحوّل 2016: الخليج بعد خمس سنوات من الانتفاضات العربية
2.7 المستجدّات السياسية في دولة قطر
-
الزيارات: 1419
محمود المحمود ومحمد الدوسري
أدى الزلزال السياسي الذي هز الوطن العربي من المحيط الى الخليج إلى تغيرات واضحة في السياسة القطرية، حيث حاولت القيادة السياسية التأقلم مع التغيرات المتسارعة في المنطقة. خارجياً، كان لدى صناع القرار في الدوحة طموح لمد نفوذهم السياسي في المنطقة عبر لعب دور الوسيط ما بين أطراف متصارعة في السودان وافغانستان وفلسطين، ولكن المتغيرات الخاطفة في الوطن العربي فتحت المجال أمام القيادة القطرية لتغيير نهج سياستها الخارجية، الحذرة نسبياً في حقبة ما قبل الانتفاضات العربية، إلى سياسة نشطة في مختلف الدول العربية، ما أدى الى اصطدامها مع المحور السعودي- الإماراتي في عدة ساحات عربية. لكن الدوحة تراجعت عن هذا التوسع السياسي الخارجي بعد مرور عدة أعوام على ترجيح المعارك السياسية في المنطقة – ولو بشكل مؤقت – لصالح القوى المحافظة (في مقابل القوى الداعية الى التغيير) ، إن صح التعبير، حتى عادت الدوحة إلى ما يشبه دورها التقليدي الحذر نسبياً والمتعاون مع دول المجلس الأخرى.
أما داخلياً، فشعرت القيادة السياسية في الدوحة، على مر السنوات الخمس (منذ 2011) بضغوط قوى التغيير المطالبة بالمشاركة السياسية في المنطقة، على ما يبدو، حيث قامت بتقديم وعود بالسماح للشعب القطري بالمشاركة السياسية عبر انتخابات برلمانية، ولكن لم يتم الوفاء بهذه الوعود. كما شهدت الساحة السياسية القطرية تغييراً مهما على الصعيد الداخلي، حيث قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالتنحي عن الحكم لصالح ابنه الشاب الشيخ تميم بن حمد.
الصعيد الداخلي: علاوات للمواطنين ووعود اصلاحية عالقة
يتميز المشهد السياسي القطري بالهدوء، حيث لم تشهد هذه الساحة صخب المظاهرات والإضرابات ووسائل الاحتجاج الاخرى التي لازمت الدول العربية الأخرى منذ 2011، بما فيها دول مجلس التعاون الأخرى. لكن هذا لا يعني نأي الحالة القطرية تماماً عن المجريات السياسية في المحيط العربي، إذ انتهجت القيادة السياسية القطرية سياسات تشبه سياسات جيرانها في تعاطيهم مع ضغوط هذه المرحلة، حيث قامت برفع اجور الموظفين القطريين بنسبة 120٪، كما قامت بتقديم وعد للشعب القطري باقامة انتخابات برلمانية في النصف الثاني من عام 2013. أتاحت هذه الوعود مجالاً للمناورة للقيادة القطرية، خصوصاً في الإعلام الغربي. فحينما يتم طرح مسألة الديمقراطية التي تنادي بها الدوحة في دول عربية أخرى، مثلاً، يقوم المتحدث الرسمي القطري بالإشارة إلى الانتخابات المزمع عقدها في المستقبل.[1] ولكن الواقع هو انه لم يتم الوفاء بهذا الوعد، حيث تم تأجيل الانتخابات ضمنياً بعد ما قامت القيادة الجديدة في البلاد – بقيادة الشيخ تميم – بتمديد عمر مجلس الشورى القطري المعين لثلاث سنوات أخرى.[2]
أما على صعيد المجتمع المدني والنخب المثقفة، فتم إصدار كتاب لمجموعة من الكتاب القطريين بتحرير د. علي خليفة الكواري بعنوان "الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً"، وقد تم منعه من معارض الكتاب في الدولة.[3] وبالنسبة للنشاط السياسي داخل قطر، فقد ركز على القضايا الإقليمية وخاصة القضية الفلسطينية، حيث قامت مجموعة "قطريون ضد التطبيع" بالمطالبة بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني كيفما تجلت مظاهره، كما قامت المجموعة بالتعاون مع جهات مختلفة بتنظيم "أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي" سنويا منذ عام 2012، وذلك بالتزامن مع قيام ناشطين باقامة فعاليات مشابهة في مختلف دول العالم.[4]
وواجهت قطر، التي تعتبر داعمة لكثير من القوى الناشطة في الانتفاضات في العالم العربي لدى البعض، انتقادات واسعة بعد الحكم بسجن الشاعر القطري محمد بن الذيب في 2011، إذ تم الحكم عليه بالمؤبد بتهمة التحريض على نظام الحكم، قبل ان يتم تخفيف الحكم إلى 15 عام.[5] وقد صدر قرار اخيراً في مارس 2016 يقضي بالعفو عن الشاعر بعد قضائه لثلث مدة الحكم الصادر بحقه.[6] ويعتبر محمد بن الذيب هو المعتقل السياسي الوحيد في قطر، وخروجه من السجن قد يبعد عن قطر الكثير من الانتقادات التي تتهمها بالتناقض بين سياستها الخارجية والداخلية.
وفي تطور يزيد من أهمية دور قطر في الإعلام العربي، أعلنت قناة العرب المملوكة من قبل رجل الأعمال الوليد بن طلال أنها حصلت على الموافقة للانتقال إلى الدوحة، وذكرت عبر لسان مديرها جمال خاشقجي "إن القناة حصلت على موافقات من أكثر من دولة أوروبية وإقليمية، لكن إدارة القناة فضلت قطر بسبب الأجواء الإعلامية المريحة فيها ورغبة القناة في البث في المنطقة الخليجية والعربية، وأن تكون قريبة من الأحداث في المجتمع العربي والخليجي".[7] وكانت القناة قد بثت من البحرين، إلّا انها أغلقت بعد يوم واحد من البث بسبب استضافتها أحد المعارضين.[8]
مناورات قطر الإقليمية تصل إلى طريق متعثر
تعتبر الدوحة مندرجة في فلك المنظومة الأمنية الأمريكية في المنطقة العربية، كما هو الحال مع بقية دول المجلس. ولكنها نجحت في تبوء موقع مميز لها، حيث لم تكتف بلعب دور الدولة التابعة لأي من القوى الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، لم تقم قطر، في حقبة ما قبل الانتفاضات العربية، بمزاحمة اللاعبين الإقليميين المؤثرين في الساحات السياسية في المنطقة، بل اكتفت بلعب دور الوسيط في الصراعات الداخلية في السودان وأفغانستان وفلسطين.[9] ولكن تحولت السياسة الخارجية إلى دور نشط في المنطقة ومتحيز لصالح "حق الشعوب لتقرير مصيرها" مع انطلاق الانتفاضات العربية، حسب وجهة نظر المتعاطفين مع سياسات قطر.[10]
اخذت هذه السياسة الخارجية الجديدة شكل دعم إعلامي عبر مختلف وسائل الإعلام (وعبر قناة الجزيرة على وجه الخصوص) للانتفاضات، خصوصاً تلك التي قامت في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا. ولكن يرى البعض أنه سرعان ما تجلت طبيعة الدعم القطري لقوى التغيير، إن صح التعبير، حيث لم تمتد لجميع التيارات السياسية المنادية للتغيير بل اقتصرت على دعم للحركات الإسلامية وتلك القريبة من حركة الاخوان المسلمين بالأخص.[11] راهنت الدوحة على بروز هذا التيار في دول عربية مختلفة وتناغم ايديولوجيتها مع قطاع واسع من الشعوب العربية، وذلك في وقت بدت أطراف مؤثرة في الولايات المتحدة فيه وكأنها على استعداد للتعاون مع هذه الحركات في حال وصولها إلى السلطة.[12] كما لم يشمل دعم قطر للحركات الاحتجاجية تلك التي وصلت الى الضفاف العربية من الخليج بنفس المستوى، حيث لم تغطي القنوات العربية المنبثقة من الدوحة الحركات الاحتجاجية في البحرين الكويت وعمان والمنطقة الشرقية من السعودية بنفس المستوى (على الرغم من اختلاف الحال في القنوات الإنجليزية المنبثقة من الدوحة). [13]بالرغم من ذلك، فقد أثار التوجه الجديد للسياسة الخارجية القطرية حفيظة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان عارضتا التغيير السياسي في عدة دول عربية وفي مصر تحديداً، كما أن مصالحها تتعارض مع وصول إسلاميين من فئة الإخوان المسلمين إلى الحكم في دولة عربية مؤثرة كمصر.
لذا نشب نزاع علني ما بين قطر من جهة والسعودية والامارات من جهة أخرى. أخذ هذا النزاع طابع المنافسة بالوكالة في عدة ساحات عربية كتونس ومصر وسوريا وليبيا، وذلك عن طريق تقديم مختلف أنواع الدعم للأطراف المتصارعة أو المتنافسة فيما بينها (حالة سوريا). ارتفعت حدة المنافسة ما بين هذه الدول إلى درجة أوصلتها إلى القطيعة الدبلوماسية، حيث سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة "بعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على توقيع الاتفاقية الأمنية من دون اتخاذ دولة قطر الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ"، في حين صرح وزير الخارجية القطري للإعلام أن "استقلال السياسة الخارجية لدولة قطر هو، ببساطة، غير قابل للتفاوض".[14]
السياسية الخارجية في عام 2015
إذا كان عام 2014 قد شهد عدة خلافات خليجية - خليجية، أدّت إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، فإن عام 2015 تميّز بعدم ظهور الكثير من الخلافات التي كانت موجودة ما بين قطر ودول الخليج الثلاثة. ففي آخر ديسمبر 2014، قامت قطر بإغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر"، والتي كانت ذات توجه معارض لحكومة عبدالفتاح السيسي، وتتهمها دول الخليج الثلاثة بتغطية أخبار مصر بطريقة "متحيّزة".[15] وكمحاولة لتهدئة التوتر مع دول الخليج، وكعامل استجابة لمبادرة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز لحل الخلافات بين قطر والحكومة المصريّة، جاء إغلاق القناة بعد يوم واحد من لقاء موفد من أمير قطر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوساطة سعودية.[16] ومع بداية 2015، وتولّي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية، يرى مراقبون أن تلك الخلافات لم تعد بارزة على السطح بسبب التغيّر في أولويات السياسة الخارجيّة السعودية.
وكان نتيجة ذلك بروز بوادر التعاون بين قطر ودول المجلس، والسعودية على وجه الخصوص، في عدة محاور. الأول هو مشاركة قطر في تحالف عاصفة الحزم بقيادة السعودية في اليمن، من خلال دعمها الإعلامي والعسكري للتحالف. كما كانت من المشاركين بريّاً في اليمن، من خلال إعلانها إرسال ألف جندي قطري في سبتمبر 2015، وإعلانها مقتل أحد جنودها في نوفمبر من العام نفسه.[17] وجاءت مشاركة قطر في اليمن في وقت لم تشارك فيه برياً سوى أربعة دول، هي السعودية والإمارات والبحرين وقطر، فيما رفضت مصر طلباً سعودياً للمشاركة في قوات برية داخل الأراضي اليمنيّة.[18] وعلى صعيد الملف السوري، أصبحت قطر والسعودية أقرب مما مضى في دعم المعارضة السورية، وأصبح محور السعودية - تركيا - قطر، الذي يعتبره البعض قد وصل إلى مرحلة التحالف،[19] المحور الأبرز في دعم المعارضة نظراً لبروز التنسيق على صعيد الدعم الدبلوماسي والعسكري للمعارضة السورية.[20] واستكمالاً لتعاون قطر مع السعودية في السياسة الخارجيّة، قامت قطر باستدعاء سفيرها من إيران في 6 نياير 2016 بعد اقتحام السفارة السعودية في مشهد بسبب إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر النمر، ودعماً لموقف السعودية التي سحبت كامل بعثتها الدبلوماسية من إيران.[21]
كانت الخلافات الإماراتية – القطرية قد وصلت ذروتها أثناء فترة سحب السفراء، فقد شملت الخلافات استدعاء الإمارات لموظفيها العاملين في بعض القنوات الرياضية القطرية، وانسحاب المنتخب الإماراتي لكرة اليد من كأس العالم المقام في قطر،[22] والحكم بسجن بعض القطريين في الإمارات بتهم مختلفة تتعلق بالإساءة لرموز الدولة.[23] إلّا ان الإمارات قامت بعد أيام من صدور الحكم ضد المواطنين القطريين بالإفراج عنهم، وجاء في وكالة الانباء الإماراتية، أن الإفراج عن القطريين جاء بناءاً على حرص الإمارات على توطيد العلاقات الأخوية مع قطر.[24] وقام أمير قطر في 15 يونيو 2015، بعد فترة من الجفاء بين البلدين، بزيارة أولى لأبو ظبي منذ عودة السفراء إلى الدوحة، فيما يعتقد البعض أن زيارة أمير قطر للإمارات كانت مشروطة بالإفراج عن المواطنين القطريين،[25] وهو ما أدّى إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين. وقد تكرّرت زيارة أخرى من أمير قطر للإمارات في 18 مارس 2016. وعلى الرغم من عدم بروز الخلافات الخليجية – الخليجية في 2015، والخلافات القطرية – الإمارتية على وجه التحديد، إلّا أن بعض المحللّين يرجّحون استمرار وجود آثار مستقبلية للخلافات السابقة. فرغم انتهاء أزمة سحب السفراء وعودة العلاقات بين قطر ودول الخليج الثلاثة إلى مستوى أقرب لما كانت عليه قبل التوترات، إلّا أن هنالك ترجيح لاستمرارية وجود أزمة ثقة بين بعض دول مجلس التعاون، نتيجة افتقاد منظومة راسخة لدول المجلس.[26]
كان السبب الأبرز في الخلافات متعلقاً بالمستجدات في مصر. ورغم وجود بوادر تطبيع للعلاقات بين قطر ونظام عبدالفتاح السيسي في مصر، كزيارة موفد أمير قطر لمصر واتصاله بالرئيس المصري مهنئاً له بحلول شهر رمضان، إلّا أن قناة الجزيرة لا تزال مستمرة بتغطيتها للأحداث الجارية في مصر، منتقدة في كثير من الأحيان لسياسات النظام المصري الداخلية والخارجية. وقد هاجمت الصحف المصرية قناة الجزيرة، واتهمتها باستئناف العداء مع مصر بعد رحيل الملك عبد الله، وذكرت أنه "رغم إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر فإن الجزيرة تمارس الهجوم من قنواتها الأخرى".[27] فيما رد بعض المحلّلين القطريين بأن مصر لم تنفذ أي بند من بنود المصالحة التي جرت بوساطة العاهل السعودي الراحل، كالإفراج عن صحفيي الجزيرة المعتقلين لديها منذ أغسطس 2013.[28] إلّا ان المحكمة المصرية قررت في فبراير 2015 الإفراج عن جميع صحفيي الجزيرة المتهمين، قام بعدها أمير قطر في مارس بزيارة الرئيس المصري في شرم الشيخ، قبيل ابتداء القمة العربية.[29] ويعد هذا التطور الأبرز من نوعه نحو تكريس المصالحة الخليجية في 2014، والمصالحة القطرية - المصرية على وجه التحديد، لكن استمرار تغطية قناة الجزيرة للأحداث في مصر، بنقد للنظام المصري، في مقابل استمرار هجوم بعض القنوات المصرية على قطر، لا يشير إلى زوال الخلافات بين البلدين خلال هذه الفترة.
وعلى صعيد العلاقات القطرية-المصرية، فقد اعترضت قطر على ترشيح مصر لأحمد أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة العربية، وأشارت بعض المصادر إلى تدخل بعض الدول الخليجية الأخرى من أجل تقريب وجهات النظر بين مصر وقطر.[30] ويرجح البعض معارضة قطر لأحمد أبو الغيط الذي كان وزير الخارجية في فترة حكم الرئيس المصري حسني مبارك، أنها تعود لتصريحات أحمد أبو الغيط بعد الإطاحة بالرئيس المصري بعد ثورة 25 يناير، إذ هاجم قطر ودور قناة الجزيرة في تأجيج الاحتجاجات وتدخلها في شؤون مصر حسب تعبيره.[31]
كما شهد عام 2015 مزيداً من التطور على صعيد العلاقات القطرية – التركية. فقد زار الرئيس التركي رجب أردوغان قطر في ديسمبر 2014، كأول زيارة له لبلد عربي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. كما أعلنت الحكومة التركية في يونيو 2015، بدء الاتفاقية العسكرية بينها وبين قطر، في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية، وتمركز القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية. وتنص الاتفاقية على أن البلد المضيف يسمح للبلد الآخر باستخدام موانئه البحرية وطائراته ومجاله الجوي، وبتمركز القوات العسكرية على الأرض مستفيدة من المنشآت العسكرية للدولة المضيفة.[32] وقد صرح السفير التركي في قطر في ديسمبر 2015، أن بلاده ستنشئ قاعدة عسكرية في قطر في إطار اتفاقية دفاعية، تهدف لمساعدة البلدين على مواجهة "الأعداء المشتركين".[33] وعلى صعيد دور قطر في الوساطة، فقد تكرّر مرة أخرى دور قطر كوسيط بين الجماعات الإسلامية والحكومات، التي قامت به في 2014 كوسيط بين حركة طالبان والولايات المتحدة الامريكية ادّت إلى تبادل للأسرى، إذ قامت قطر بالوساطة بين جبهة النصرة في سوريا والسلطة اللبنانيّة، مما أدى إلى إطلاق سراح 16 أسيراً من الجنود اللبنانيين لدى جبهة النصرة، مقابل إطلاق سراح 25 أسيراً لدى السلطات اللبنانية بينهم 17 إمرأة وأطفالهن.[34]
تطورات ملف كأس العالم
كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قد أعلن في ديسمبر 2014، عبر رئيس الغرفة القضائية التابعة للجنة القيم بالفيفا، براءة قطر وروسيا من اتهامات الفساد التي شابت ملفيهما الفائزين بحق استضافة بطولتي كأس العالم 2022 و 2018. إلّا أن أحداث الفيفا في 2015، كاستقالة رئيس الفيفا جوزيف بلاتر بسبب فضائح الفساد في الفيفا، قد أدت إلى تسليط الضوء مرة أخرى على الصعيد الإعلامي على ملف استضافة قطر لكأس العالم، خصوصاً بعد إيقاف رئيس لجنة التفتيش في الفيفا على عرضي استضافة كأس العالم 2018 و 2022 لسبع سنوات بتهم الفساد. ولم توضح الفيفا ما إذا كان إيقاف رئيس لجنة التفتيش يتعلّق باستضافة قطر للمونديال، وذكرت "أنه سيتم الكشف عن التفاصيل حين يصبح القرار النهائي نافذ المفعول".[35] بينما نفت الدوحة من خلال بيان اللجنة العليا لمونديال قطر 2022، أن يكون للأحداث التي يشهدها الاتحاد الدولي لكرة القدم أي تأثير على استضافة المونديال، وأن مشاريع الانشاء تسير وفق الخطط.[36] ومن المتوقع كما تقول قطر بأن تكلفة البطولة ستصل إلى 35.34 مليار دولار على الأقل.
وفي قضية أخرى حول ملف استضافة كأس العالم، قرّرت الفيفا رسميّا وبشكل نهائي السماح لقطر باستضافة كأس العالم في نوفمبر 2022 حتى ديسمبر من العام نفسه، ليكون في موسم الشتاء بدلاً من موسم الصيف، إذ شكل الطقس الحار في قطر أثناء فصل الصيف أحد العقبات في طريق استضافة قطر لكأس العالم، وقد أنهى هذا القرار الكثير من الجدل بهذا الخصوص. وستحصل الأندية الكبيرة على تعويضات على مشاركة لاعبيها في كأس العالم 2022، بسبب إقامة المونديال خلال فترة مباريات الأندية.[37]
التطوّرات الاقتصادية
ذكر تقرير صندوق النقد الدولي في إبريل 2015 أن السياسية المالية العامة في قطر مستدامة على المدى المنظور، ولكن نظراً للانخفاض الكبير في أسعار النفط، نوّه التقرير إلى ضرورة النظر في اتخاذ تدابير لزيادة الإيرادات واحتواء النفقات من أجل ضمان تحقيق العدالة بين الأجيال.[38] وكان ذلك جليّاَ من خلال توقع قطر، كسائر دول الخليج، أن تواجه خلال عام 2016 عجزاً في موازنتها العامة يبلغ 12.3 مليار دولار، بالإضافة إلى خفض توقع نمو الاقتصاد بسبب انخفاض أسعار النفط.[39] وحين عادت أسعار النفط للهبوط إلى ما دون 40 دولار في نوفمبر 2015، ذكر أمير قطر في كلمته في افتتاح الدورة العادية لمجلس الشورى القطري، أن انخفاض أسعار النفط يجب أن يقودنا إلى الحذر لا إلى الخوف، "لأن الخوف يشيع مناخات تؤثر سلباً على الاقتصاد والاستثمار".[40] وأكّد امير قطر أن معيشة المواطنين يجب أن تكون بعيدة عن التأثر بانخفاض أسعار النفط، وضرورة الاستمرار في المشاريع التي التزمت بها الدولة، "وإزالة كل العقبات التي تعترض سبيل الاستثمار في قطر، والتعقيدات التي يتعرض لها المستثمر المحلي والخارجي، وأهمية أن تكون هناك خطة زمنية واضحة لإنجاز ذلك".[41]
ومن جانب آخر يراه البعض مرتبط بانخفاض أسعار النفط، قامت شبكة الجزيرة المملوكة لقطر بتسريح عدد 500 من موظفيها بعد أن كانت توصف بأنها من أكثر الجهات الإعلامية المستقرة وظيفيّاً، بالإضافة إلى إعلانها إغلاق قناة الجزيرة الأمريكية في إبريل 2016، بعد أن تم شرائها بنصف مليار دولار. ويعتبر تسريح الجزيرة لهذا العدد من العاملين لديها من أكبر عمليات التسريح في المجال الإعلامي العربي. وذكرت الجزيرة أن الاستغناء عن الموظفين جاء من أجل "تعزيز قدرتها على مواكبة التطور المتسارع الذي تشهده الساحة الإعلامية".[42] إلّا أن صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت في سبتمبر 2015 تقريراً يتحدّث عن الصعوبات التي تواجه الجزيرة، وذكرت أن عمليات التسريح المرتقبة في قناة الجزيرة تعود إلى رغبة الدوحة في خفض الإنفاق مع تراجع أسعار النفط، خصوصاً وأن ميزانية المؤسسة شهدت تضاعفاُ في السنوات الأخيرة تجاوزت بضعة مليارات دولار، في وقت تراجع فيه إقبال المشاهدين حسب صحيفة الغارديان.[43] وترى الصحيفة أن من أسباب هذا التقليص في ميزانية شبكة الجزيرة، هو اتجاه الدوحة لدعم مؤسسسات إعلامية وبحثية أخرى، كالتي يشرف عليها الدكتور عزمي بشارة.[44]
وفي عملية تسريح أخرى قد تكون مرتطبة بإنخفاض أسعار النفط، قامت شركة قطر للبترول بتسريح عدد من الموظفين امتنعت عن الإفصاح عنه. وصرح الرئيس التنفيذي للشركة أنه على الرغم من عدم قدرة الشركة على التحكم في الأسواق والأسعار، إلّا أنه بإمكانها التحكم في التكاليف والمصروفات، وأن عمليات التسريح جاءت في ظل عملية إعادة هيكلة. وأكّد أنه لم يتم تسريح أي من الموظفين القطريين.[45]
ملف العمالة
وفي جانب آخر، برز موضوع إعلان قطر عن إلغاء نظام "الكفيل" ضمن قانون جديد لتنظيم حركة دخول وخروج الوافدين وشؤون إقامتهم. ويشكل هذا الموضوع أهمية كبرى لقطر كونه مرتبط بانتقادات لاذعة لقطر من منظمة العفو الدولية، تتهمها بفرض ظروف عمل قاسية على العمال الأجانب الذين يعملون في تشييد بناء الملاعب والبنى التحتية لمونديال 2022، وأنها تصل إلى العمل القسري احياناً. وكان القانون السابق يحظر على أي عامل أجنبي مغادرة البلاد من دون موافقة صاحب العمل، ويحرمه من إمكانية تغيير وظيفته. وقد أصدر أمير قطر في أكتوبر 2015 قانوناً جديداً، بحسب الصحف القطرية، يقضي بثلاثة أمور رئيسية، بدءأ من إلغاء مسمّى "الكفيل" واستبدالة بكلمة "المستقدم"، وإنشاء لجنة لتظلمات خروج الوافدين للبحث في حالات الاعتراض على الخروج، أي توفير مرونة أكثر في الحركة والسفر وتحويل عقود عملهم إلى جهة أخرى، وأن على الوافد أو المستقدم للعمل إبلاغ عن كل واقعة خروج قبل موعدها بثلاثة أيام على الأقل، على أن يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ في 2017.[46]
من جانبها، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش هذا القانون حيث اعتبرته "غير كاف". وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في مارس 2016، جاء بعنوان "الجانب القبيح للرياضة الجميلة"، ذكرت أن آلاف العمّال الأجانب في قطر لا زالوا يتعرضون للاستغلال والعمل القسري. واستندت في تقريرها إلى 234 من العمال الوافدين الذين يعملون في "أستاد خليفة" أو في مراكز الرياضة، حيث تحدثت أن أرباب عملهم يحتفظون بجوازات سفرهم، وأن بعض عمال البناء ينتظرون إلى ما يصل إلى سبعة أشهر للحصول على أجورهم، وأنهم يهدّدون بالطرد في حال احتجوا على ذلك حسب تقرير المنظمة.[47] بينما ردت اللجنة العليا للمشاريع المشرفة على مونديال قطر 2022 من خلال بيان صحفي، أن اللجنة ملتزمة بضمان صحة وسلامة كافة العاملين في مشاريعها وحماية حقوقهم وكرامتهم.[48] وكانت الحكومة القطرية قد ردت على تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية في ديسمبر 2015، دافعت من خلاله عن معاملتها للأجانب، وذكرت الحكومة "أن انتقادات منظمة العفو الدولية غير دقيق وخارج عن السياق وباطلة". وأن إصلاحات جوهرية في ملف العمالة قيد التنفيذ.[49]
خاتمة
دخلت دولة قطر فترة ما بعد الانتفاضات العربية منفردة عن بقية دول المجلس في سياستها الخارجية. ولكن بعد خمس سنوات من ذلك، قد يصعب على قطر الرجوع الى الدور التقليدي التي كانت تلعبه في المنطقة، والذي امتاز بالحذر من جهة والحياد النسبي. بالرغم من ذلك، يبدو أن قطر قد تراجعت، بشكل غير معلن، عن مواقفها التي كانت تتعارض مع سياسات المحور السعودي - الإماراتي. لذا، باتت قطر تلعب، بعد تعرضها لضغوط هائلة، دور مساند لجهود دول المجلس الأخرى بقيادة السعودية في أكثر من ساحة، وعلى رأسها الحرب في اليمن. ولكن هل سيصمد الموقف الخليجي الموحد في وجه التحديات المستقبلية، خاصة وأن الدوحة قد جاهرت بنزعتها الانفرادية في اكثر من موقف؟ قد لا يكون سيناريو التنسيق الخليجي مرجحاً للاستمرار على المدى البعيد بسبب غياب آليات واضحة داخل المنظومة الخليجية لحل النزاعات فيما بين الأعضاء والتعايش مع الاختلاف السياسي، وبسبب تناقض مصالح بعض دول المجلس إزاء بعض القضايا المحورية في المنطقة.
على الساحة السياسية العالمية ايضاً، اصبحت قطر محط أنظار الإعلام الغربي بسبب فوز قطر بحق استضافة كأس العالم للعام 2022، وهذا ما دفع صناع القرار القطريون بالتعهد بالقيام بإصلاحات في ما يُسمى بنظام الكفالة. كما أنه من المتوقع أن تصاحب الضعوط في اتجاه اصلاح نظام الكفالة مراجعةٌ لسياسة البلاد الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط، والتي ظهرت بوادره في شكل تسريح لاعداد من الموظفين واغلاق أكثر من فرع لقناة الجزيرة. أما داخلياً، فلا زال ملف الإصلاح السياسي معطلاً، حيث لم تقم الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في عام 2013. من المتوقع أن يلازم الغموض الطموحات الإصلاحية في قطر، خصوصاً وأن القيادة السياسية، بخلاف معظم دول المجلس الأخرى، لا تتعرض لضغوط شعبية كبيرة نسبياً في اتجاه الاصلاح السياسي. ولكن، بما أن الأضواء مسلطة على قطر في الإعلام الغربي، فهل يستثمر صناع القرار القطري ذلك لتحسين صورتهم عبر المبادرة بالإصلاح السياسي قبل ارتفاع محتمل للأصوات الإصلاحية في الداخل القطري في المستقبل، أم هل يستمر الركود السياسي مخيماً على الساحة السياسية المحلية القطرية؟
أدى الزلزال السياسي الذي هز الوطن العربي من المحيط الى الخليج إلى تغيرات واضحة في السياسة القطرية، حيث حاولت القيادة السياسية التأقلم مع التغيرات المتسارعة في المنطقة. خارجياً، كان لدى صناع القرار في الدوحة طموح لمد نفوذهم السياسي في المنطقة عبر لعب دور الوسيط ما بين أطراف متصارعة في السودان وافغانستان وفلسطين، ولكن المتغيرات الخاطفة في الوطن العربي فتحت المجال أمام القيادة القطرية لتغيير نهج سياستها الخارجية، الحذرة نسبياً في حقبة ما قبل الانتفاضات العربية، إلى سياسة نشطة في مختلف الدول العربية، ما أدى الى اصطدامها مع المحور السعودي- الإماراتي في عدة ساحات عربية. لكن الدوحة تراجعت عن هذا التوسع السياسي الخارجي بعد مرور عدة أعوام على ترجيح المعارك السياسية في المنطقة – ولو بشكل مؤقت – لصالح القوى المحافظة (في مقابل القوى الداعية الى التغيير) ، إن صح التعبير، حتى عادت الدوحة إلى ما يشبه دورها التقليدي الحذر نسبياً والمتعاون مع دول المجلس الأخرى.
أما داخلياً، فشعرت القيادة السياسية في الدوحة، على مر السنوات الخمس (منذ 2011) بضغوط قوى التغيير المطالبة بالمشاركة السياسية في المنطقة، على ما يبدو، حيث قامت بتقديم وعود بالسماح للشعب القطري بالمشاركة السياسية عبر انتخابات برلمانية، ولكن لم يتم الوفاء بهذه الوعود. كما شهدت الساحة السياسية القطرية تغييراً مهما على الصعيد الداخلي، حيث قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالتنحي عن الحكم لصالح ابنه الشاب الشيخ تميم بن حمد.
الصعيد الداخلي: علاوات للمواطنين ووعود اصلاحية عالقة
يتميز المشهد السياسي القطري بالهدوء، حيث لم تشهد هذه الساحة صخب المظاهرات والإضرابات ووسائل الاحتجاج الاخرى التي لازمت الدول العربية الأخرى منذ 2011، بما فيها دول مجلس التعاون الأخرى. لكن هذا لا يعني نأي الحالة القطرية تماماً عن المجريات السياسية في المحيط العربي، إذ انتهجت القيادة السياسية القطرية سياسات تشبه سياسات جيرانها في تعاطيهم مع ضغوط هذه المرحلة، حيث قامت برفع اجور الموظفين القطريين بنسبة 120٪، كما قامت بتقديم وعد للشعب القطري باقامة انتخابات برلمانية في النصف الثاني من عام 2013. أتاحت هذه الوعود مجالاً للمناورة للقيادة القطرية، خصوصاً في الإعلام الغربي. فحينما يتم طرح مسألة الديمقراطية التي تنادي بها الدوحة في دول عربية أخرى، مثلاً، يقوم المتحدث الرسمي القطري بالإشارة إلى الانتخابات المزمع عقدها في المستقبل.[1] ولكن الواقع هو انه لم يتم الوفاء بهذا الوعد، حيث تم تأجيل الانتخابات ضمنياً بعد ما قامت القيادة الجديدة في البلاد – بقيادة الشيخ تميم – بتمديد عمر مجلس الشورى القطري المعين لثلاث سنوات أخرى.[2]
أما على صعيد المجتمع المدني والنخب المثقفة، فتم إصدار كتاب لمجموعة من الكتاب القطريين بتحرير د. علي خليفة الكواري بعنوان "الشعب يريد الإصلاح في قطر... أيضاً"، وقد تم منعه من معارض الكتاب في الدولة.[3] وبالنسبة للنشاط السياسي داخل قطر، فقد ركز على القضايا الإقليمية وخاصة القضية الفلسطينية، حيث قامت مجموعة "قطريون ضد التطبيع" بالمطالبة بوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني كيفما تجلت مظاهره، كما قامت المجموعة بالتعاون مع جهات مختلفة بتنظيم "أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي" سنويا منذ عام 2012، وذلك بالتزامن مع قيام ناشطين باقامة فعاليات مشابهة في مختلف دول العالم.[4]
وواجهت قطر، التي تعتبر داعمة لكثير من القوى الناشطة في الانتفاضات في العالم العربي لدى البعض، انتقادات واسعة بعد الحكم بسجن الشاعر القطري محمد بن الذيب في 2011، إذ تم الحكم عليه بالمؤبد بتهمة التحريض على نظام الحكم، قبل ان يتم تخفيف الحكم إلى 15 عام.[5] وقد صدر قرار اخيراً في مارس 2016 يقضي بالعفو عن الشاعر بعد قضائه لثلث مدة الحكم الصادر بحقه.[6] ويعتبر محمد بن الذيب هو المعتقل السياسي الوحيد في قطر، وخروجه من السجن قد يبعد عن قطر الكثير من الانتقادات التي تتهمها بالتناقض بين سياستها الخارجية والداخلية.
وفي تطور يزيد من أهمية دور قطر في الإعلام العربي، أعلنت قناة العرب المملوكة من قبل رجل الأعمال الوليد بن طلال أنها حصلت على الموافقة للانتقال إلى الدوحة، وذكرت عبر لسان مديرها جمال خاشقجي "إن القناة حصلت على موافقات من أكثر من دولة أوروبية وإقليمية، لكن إدارة القناة فضلت قطر بسبب الأجواء الإعلامية المريحة فيها ورغبة القناة في البث في المنطقة الخليجية والعربية، وأن تكون قريبة من الأحداث في المجتمع العربي والخليجي".[7] وكانت القناة قد بثت من البحرين، إلّا انها أغلقت بعد يوم واحد من البث بسبب استضافتها أحد المعارضين.[8]
مناورات قطر الإقليمية تصل إلى طريق متعثر
تعتبر الدوحة مندرجة في فلك المنظومة الأمنية الأمريكية في المنطقة العربية، كما هو الحال مع بقية دول المجلس. ولكنها نجحت في تبوء موقع مميز لها، حيث لم تكتف بلعب دور الدولة التابعة لأي من القوى الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، لم تقم قطر، في حقبة ما قبل الانتفاضات العربية، بمزاحمة اللاعبين الإقليميين المؤثرين في الساحات السياسية في المنطقة، بل اكتفت بلعب دور الوسيط في الصراعات الداخلية في السودان وأفغانستان وفلسطين.[9] ولكن تحولت السياسة الخارجية إلى دور نشط في المنطقة ومتحيز لصالح "حق الشعوب لتقرير مصيرها" مع انطلاق الانتفاضات العربية، حسب وجهة نظر المتعاطفين مع سياسات قطر.[10]
اخذت هذه السياسة الخارجية الجديدة شكل دعم إعلامي عبر مختلف وسائل الإعلام (وعبر قناة الجزيرة على وجه الخصوص) للانتفاضات، خصوصاً تلك التي قامت في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا. ولكن يرى البعض أنه سرعان ما تجلت طبيعة الدعم القطري لقوى التغيير، إن صح التعبير، حيث لم تمتد لجميع التيارات السياسية المنادية للتغيير بل اقتصرت على دعم للحركات الإسلامية وتلك القريبة من حركة الاخوان المسلمين بالأخص.[11] راهنت الدوحة على بروز هذا التيار في دول عربية مختلفة وتناغم ايديولوجيتها مع قطاع واسع من الشعوب العربية، وذلك في وقت بدت أطراف مؤثرة في الولايات المتحدة فيه وكأنها على استعداد للتعاون مع هذه الحركات في حال وصولها إلى السلطة.[12] كما لم يشمل دعم قطر للحركات الاحتجاجية تلك التي وصلت الى الضفاف العربية من الخليج بنفس المستوى، حيث لم تغطي القنوات العربية المنبثقة من الدوحة الحركات الاحتجاجية في البحرين الكويت وعمان والمنطقة الشرقية من السعودية بنفس المستوى (على الرغم من اختلاف الحال في القنوات الإنجليزية المنبثقة من الدوحة). [13]بالرغم من ذلك، فقد أثار التوجه الجديد للسياسة الخارجية القطرية حفيظة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان اللتان عارضتا التغيير السياسي في عدة دول عربية وفي مصر تحديداً، كما أن مصالحها تتعارض مع وصول إسلاميين من فئة الإخوان المسلمين إلى الحكم في دولة عربية مؤثرة كمصر.
لذا نشب نزاع علني ما بين قطر من جهة والسعودية والامارات من جهة أخرى. أخذ هذا النزاع طابع المنافسة بالوكالة في عدة ساحات عربية كتونس ومصر وسوريا وليبيا، وذلك عن طريق تقديم مختلف أنواع الدعم للأطراف المتصارعة أو المتنافسة فيما بينها (حالة سوريا). ارتفعت حدة المنافسة ما بين هذه الدول إلى درجة أوصلتها إلى القطيعة الدبلوماسية، حيث سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة "بعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على توقيع الاتفاقية الأمنية من دون اتخاذ دولة قطر الإجراءات اللازمة لوضعه موضع التنفيذ"، في حين صرح وزير الخارجية القطري للإعلام أن "استقلال السياسة الخارجية لدولة قطر هو، ببساطة، غير قابل للتفاوض".[14]
السياسية الخارجية في عام 2015
إذا كان عام 2014 قد شهد عدة خلافات خليجية - خليجية، أدّت إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، فإن عام 2015 تميّز بعدم ظهور الكثير من الخلافات التي كانت موجودة ما بين قطر ودول الخليج الثلاثة. ففي آخر ديسمبر 2014، قامت قطر بإغلاق قناة "الجزيرة مباشر مصر"، والتي كانت ذات توجه معارض لحكومة عبدالفتاح السيسي، وتتهمها دول الخليج الثلاثة بتغطية أخبار مصر بطريقة "متحيّزة".[15] وكمحاولة لتهدئة التوتر مع دول الخليج، وكعامل استجابة لمبادرة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز لحل الخلافات بين قطر والحكومة المصريّة، جاء إغلاق القناة بعد يوم واحد من لقاء موفد من أمير قطر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوساطة سعودية.[16] ومع بداية 2015، وتولّي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية، يرى مراقبون أن تلك الخلافات لم تعد بارزة على السطح بسبب التغيّر في أولويات السياسة الخارجيّة السعودية.
وكان نتيجة ذلك بروز بوادر التعاون بين قطر ودول المجلس، والسعودية على وجه الخصوص، في عدة محاور. الأول هو مشاركة قطر في تحالف عاصفة الحزم بقيادة السعودية في اليمن، من خلال دعمها الإعلامي والعسكري للتحالف. كما كانت من المشاركين بريّاً في اليمن، من خلال إعلانها إرسال ألف جندي قطري في سبتمبر 2015، وإعلانها مقتل أحد جنودها في نوفمبر من العام نفسه.[17] وجاءت مشاركة قطر في اليمن في وقت لم تشارك فيه برياً سوى أربعة دول، هي السعودية والإمارات والبحرين وقطر، فيما رفضت مصر طلباً سعودياً للمشاركة في قوات برية داخل الأراضي اليمنيّة.[18] وعلى صعيد الملف السوري، أصبحت قطر والسعودية أقرب مما مضى في دعم المعارضة السورية، وأصبح محور السعودية - تركيا - قطر، الذي يعتبره البعض قد وصل إلى مرحلة التحالف،[19] المحور الأبرز في دعم المعارضة نظراً لبروز التنسيق على صعيد الدعم الدبلوماسي والعسكري للمعارضة السورية.[20] واستكمالاً لتعاون قطر مع السعودية في السياسة الخارجيّة، قامت قطر باستدعاء سفيرها من إيران في 6 نياير 2016 بعد اقتحام السفارة السعودية في مشهد بسبب إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر النمر، ودعماً لموقف السعودية التي سحبت كامل بعثتها الدبلوماسية من إيران.[21]
كانت الخلافات الإماراتية – القطرية قد وصلت ذروتها أثناء فترة سحب السفراء، فقد شملت الخلافات استدعاء الإمارات لموظفيها العاملين في بعض القنوات الرياضية القطرية، وانسحاب المنتخب الإماراتي لكرة اليد من كأس العالم المقام في قطر،[22] والحكم بسجن بعض القطريين في الإمارات بتهم مختلفة تتعلق بالإساءة لرموز الدولة.[23] إلّا ان الإمارات قامت بعد أيام من صدور الحكم ضد المواطنين القطريين بالإفراج عنهم، وجاء في وكالة الانباء الإماراتية، أن الإفراج عن القطريين جاء بناءاً على حرص الإمارات على توطيد العلاقات الأخوية مع قطر.[24] وقام أمير قطر في 15 يونيو 2015، بعد فترة من الجفاء بين البلدين، بزيارة أولى لأبو ظبي منذ عودة السفراء إلى الدوحة، فيما يعتقد البعض أن زيارة أمير قطر للإمارات كانت مشروطة بالإفراج عن المواطنين القطريين،[25] وهو ما أدّى إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين. وقد تكرّرت زيارة أخرى من أمير قطر للإمارات في 18 مارس 2016. وعلى الرغم من عدم بروز الخلافات الخليجية – الخليجية في 2015، والخلافات القطرية – الإمارتية على وجه التحديد، إلّا أن بعض المحللّين يرجّحون استمرار وجود آثار مستقبلية للخلافات السابقة. فرغم انتهاء أزمة سحب السفراء وعودة العلاقات بين قطر ودول الخليج الثلاثة إلى مستوى أقرب لما كانت عليه قبل التوترات، إلّا أن هنالك ترجيح لاستمرارية وجود أزمة ثقة بين بعض دول مجلس التعاون، نتيجة افتقاد منظومة راسخة لدول المجلس.[26]
كان السبب الأبرز في الخلافات متعلقاً بالمستجدات في مصر. ورغم وجود بوادر تطبيع للعلاقات بين قطر ونظام عبدالفتاح السيسي في مصر، كزيارة موفد أمير قطر لمصر واتصاله بالرئيس المصري مهنئاً له بحلول شهر رمضان، إلّا أن قناة الجزيرة لا تزال مستمرة بتغطيتها للأحداث الجارية في مصر، منتقدة في كثير من الأحيان لسياسات النظام المصري الداخلية والخارجية. وقد هاجمت الصحف المصرية قناة الجزيرة، واتهمتها باستئناف العداء مع مصر بعد رحيل الملك عبد الله، وذكرت أنه "رغم إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر فإن الجزيرة تمارس الهجوم من قنواتها الأخرى".[27] فيما رد بعض المحلّلين القطريين بأن مصر لم تنفذ أي بند من بنود المصالحة التي جرت بوساطة العاهل السعودي الراحل، كالإفراج عن صحفيي الجزيرة المعتقلين لديها منذ أغسطس 2013.[28] إلّا ان المحكمة المصرية قررت في فبراير 2015 الإفراج عن جميع صحفيي الجزيرة المتهمين، قام بعدها أمير قطر في مارس بزيارة الرئيس المصري في شرم الشيخ، قبيل ابتداء القمة العربية.[29] ويعد هذا التطور الأبرز من نوعه نحو تكريس المصالحة الخليجية في 2014، والمصالحة القطرية - المصرية على وجه التحديد، لكن استمرار تغطية قناة الجزيرة للأحداث في مصر، بنقد للنظام المصري، في مقابل استمرار هجوم بعض القنوات المصرية على قطر، لا يشير إلى زوال الخلافات بين البلدين خلال هذه الفترة.
وعلى صعيد العلاقات القطرية-المصرية، فقد اعترضت قطر على ترشيح مصر لأحمد أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة العربية، وأشارت بعض المصادر إلى تدخل بعض الدول الخليجية الأخرى من أجل تقريب وجهات النظر بين مصر وقطر.[30] ويرجح البعض معارضة قطر لأحمد أبو الغيط الذي كان وزير الخارجية في فترة حكم الرئيس المصري حسني مبارك، أنها تعود لتصريحات أحمد أبو الغيط بعد الإطاحة بالرئيس المصري بعد ثورة 25 يناير، إذ هاجم قطر ودور قناة الجزيرة في تأجيج الاحتجاجات وتدخلها في شؤون مصر حسب تعبيره.[31]
كما شهد عام 2015 مزيداً من التطور على صعيد العلاقات القطرية – التركية. فقد زار الرئيس التركي رجب أردوغان قطر في ديسمبر 2014، كأول زيارة له لبلد عربي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. كما أعلنت الحكومة التركية في يونيو 2015، بدء الاتفاقية العسكرية بينها وبين قطر، في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية، وتمركز القوات المسلحة التركية على الأراضي القطرية. وتنص الاتفاقية على أن البلد المضيف يسمح للبلد الآخر باستخدام موانئه البحرية وطائراته ومجاله الجوي، وبتمركز القوات العسكرية على الأرض مستفيدة من المنشآت العسكرية للدولة المضيفة.[32] وقد صرح السفير التركي في قطر في ديسمبر 2015، أن بلاده ستنشئ قاعدة عسكرية في قطر في إطار اتفاقية دفاعية، تهدف لمساعدة البلدين على مواجهة "الأعداء المشتركين".[33] وعلى صعيد دور قطر في الوساطة، فقد تكرّر مرة أخرى دور قطر كوسيط بين الجماعات الإسلامية والحكومات، التي قامت به في 2014 كوسيط بين حركة طالبان والولايات المتحدة الامريكية ادّت إلى تبادل للأسرى، إذ قامت قطر بالوساطة بين جبهة النصرة في سوريا والسلطة اللبنانيّة، مما أدى إلى إطلاق سراح 16 أسيراً من الجنود اللبنانيين لدى جبهة النصرة، مقابل إطلاق سراح 25 أسيراً لدى السلطات اللبنانية بينهم 17 إمرأة وأطفالهن.[34]
تطورات ملف كأس العالم
كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قد أعلن في ديسمبر 2014، عبر رئيس الغرفة القضائية التابعة للجنة القيم بالفيفا، براءة قطر وروسيا من اتهامات الفساد التي شابت ملفيهما الفائزين بحق استضافة بطولتي كأس العالم 2022 و 2018. إلّا أن أحداث الفيفا في 2015، كاستقالة رئيس الفيفا جوزيف بلاتر بسبب فضائح الفساد في الفيفا، قد أدت إلى تسليط الضوء مرة أخرى على الصعيد الإعلامي على ملف استضافة قطر لكأس العالم، خصوصاً بعد إيقاف رئيس لجنة التفتيش في الفيفا على عرضي استضافة كأس العالم 2018 و 2022 لسبع سنوات بتهم الفساد. ولم توضح الفيفا ما إذا كان إيقاف رئيس لجنة التفتيش يتعلّق باستضافة قطر للمونديال، وذكرت "أنه سيتم الكشف عن التفاصيل حين يصبح القرار النهائي نافذ المفعول".[35] بينما نفت الدوحة من خلال بيان اللجنة العليا لمونديال قطر 2022، أن يكون للأحداث التي يشهدها الاتحاد الدولي لكرة القدم أي تأثير على استضافة المونديال، وأن مشاريع الانشاء تسير وفق الخطط.[36] ومن المتوقع كما تقول قطر بأن تكلفة البطولة ستصل إلى 35.34 مليار دولار على الأقل.
وفي قضية أخرى حول ملف استضافة كأس العالم، قرّرت الفيفا رسميّا وبشكل نهائي السماح لقطر باستضافة كأس العالم في نوفمبر 2022 حتى ديسمبر من العام نفسه، ليكون في موسم الشتاء بدلاً من موسم الصيف، إذ شكل الطقس الحار في قطر أثناء فصل الصيف أحد العقبات في طريق استضافة قطر لكأس العالم، وقد أنهى هذا القرار الكثير من الجدل بهذا الخصوص. وستحصل الأندية الكبيرة على تعويضات على مشاركة لاعبيها في كأس العالم 2022، بسبب إقامة المونديال خلال فترة مباريات الأندية.[37]
التطوّرات الاقتصادية
ذكر تقرير صندوق النقد الدولي في إبريل 2015 أن السياسية المالية العامة في قطر مستدامة على المدى المنظور، ولكن نظراً للانخفاض الكبير في أسعار النفط، نوّه التقرير إلى ضرورة النظر في اتخاذ تدابير لزيادة الإيرادات واحتواء النفقات من أجل ضمان تحقيق العدالة بين الأجيال.[38] وكان ذلك جليّاَ من خلال توقع قطر، كسائر دول الخليج، أن تواجه خلال عام 2016 عجزاً في موازنتها العامة يبلغ 12.3 مليار دولار، بالإضافة إلى خفض توقع نمو الاقتصاد بسبب انخفاض أسعار النفط.[39] وحين عادت أسعار النفط للهبوط إلى ما دون 40 دولار في نوفمبر 2015، ذكر أمير قطر في كلمته في افتتاح الدورة العادية لمجلس الشورى القطري، أن انخفاض أسعار النفط يجب أن يقودنا إلى الحذر لا إلى الخوف، "لأن الخوف يشيع مناخات تؤثر سلباً على الاقتصاد والاستثمار".[40] وأكّد امير قطر أن معيشة المواطنين يجب أن تكون بعيدة عن التأثر بانخفاض أسعار النفط، وضرورة الاستمرار في المشاريع التي التزمت بها الدولة، "وإزالة كل العقبات التي تعترض سبيل الاستثمار في قطر، والتعقيدات التي يتعرض لها المستثمر المحلي والخارجي، وأهمية أن تكون هناك خطة زمنية واضحة لإنجاز ذلك".[41]
ومن جانب آخر يراه البعض مرتبط بانخفاض أسعار النفط، قامت شبكة الجزيرة المملوكة لقطر بتسريح عدد 500 من موظفيها بعد أن كانت توصف بأنها من أكثر الجهات الإعلامية المستقرة وظيفيّاً، بالإضافة إلى إعلانها إغلاق قناة الجزيرة الأمريكية في إبريل 2016، بعد أن تم شرائها بنصف مليار دولار. ويعتبر تسريح الجزيرة لهذا العدد من العاملين لديها من أكبر عمليات التسريح في المجال الإعلامي العربي. وذكرت الجزيرة أن الاستغناء عن الموظفين جاء من أجل "تعزيز قدرتها على مواكبة التطور المتسارع الذي تشهده الساحة الإعلامية".[42] إلّا أن صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت في سبتمبر 2015 تقريراً يتحدّث عن الصعوبات التي تواجه الجزيرة، وذكرت أن عمليات التسريح المرتقبة في قناة الجزيرة تعود إلى رغبة الدوحة في خفض الإنفاق مع تراجع أسعار النفط، خصوصاً وأن ميزانية المؤسسة شهدت تضاعفاُ في السنوات الأخيرة تجاوزت بضعة مليارات دولار، في وقت تراجع فيه إقبال المشاهدين حسب صحيفة الغارديان.[43] وترى الصحيفة أن من أسباب هذا التقليص في ميزانية شبكة الجزيرة، هو اتجاه الدوحة لدعم مؤسسسات إعلامية وبحثية أخرى، كالتي يشرف عليها الدكتور عزمي بشارة.[44]
وفي عملية تسريح أخرى قد تكون مرتطبة بإنخفاض أسعار النفط، قامت شركة قطر للبترول بتسريح عدد من الموظفين امتنعت عن الإفصاح عنه. وصرح الرئيس التنفيذي للشركة أنه على الرغم من عدم قدرة الشركة على التحكم في الأسواق والأسعار، إلّا أنه بإمكانها التحكم في التكاليف والمصروفات، وأن عمليات التسريح جاءت في ظل عملية إعادة هيكلة. وأكّد أنه لم يتم تسريح أي من الموظفين القطريين.[45]
ملف العمالة
وفي جانب آخر، برز موضوع إعلان قطر عن إلغاء نظام "الكفيل" ضمن قانون جديد لتنظيم حركة دخول وخروج الوافدين وشؤون إقامتهم. ويشكل هذا الموضوع أهمية كبرى لقطر كونه مرتبط بانتقادات لاذعة لقطر من منظمة العفو الدولية، تتهمها بفرض ظروف عمل قاسية على العمال الأجانب الذين يعملون في تشييد بناء الملاعب والبنى التحتية لمونديال 2022، وأنها تصل إلى العمل القسري احياناً. وكان القانون السابق يحظر على أي عامل أجنبي مغادرة البلاد من دون موافقة صاحب العمل، ويحرمه من إمكانية تغيير وظيفته. وقد أصدر أمير قطر في أكتوبر 2015 قانوناً جديداً، بحسب الصحف القطرية، يقضي بثلاثة أمور رئيسية، بدءأ من إلغاء مسمّى "الكفيل" واستبدالة بكلمة "المستقدم"، وإنشاء لجنة لتظلمات خروج الوافدين للبحث في حالات الاعتراض على الخروج، أي توفير مرونة أكثر في الحركة والسفر وتحويل عقود عملهم إلى جهة أخرى، وأن على الوافد أو المستقدم للعمل إبلاغ عن كل واقعة خروج قبل موعدها بثلاثة أيام على الأقل، على أن يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ في 2017.[46]
من جانبها، انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش هذا القانون حيث اعتبرته "غير كاف". وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في مارس 2016، جاء بعنوان "الجانب القبيح للرياضة الجميلة"، ذكرت أن آلاف العمّال الأجانب في قطر لا زالوا يتعرضون للاستغلال والعمل القسري. واستندت في تقريرها إلى 234 من العمال الوافدين الذين يعملون في "أستاد خليفة" أو في مراكز الرياضة، حيث تحدثت أن أرباب عملهم يحتفظون بجوازات سفرهم، وأن بعض عمال البناء ينتظرون إلى ما يصل إلى سبعة أشهر للحصول على أجورهم، وأنهم يهدّدون بالطرد في حال احتجوا على ذلك حسب تقرير المنظمة.[47] بينما ردت اللجنة العليا للمشاريع المشرفة على مونديال قطر 2022 من خلال بيان صحفي، أن اللجنة ملتزمة بضمان صحة وسلامة كافة العاملين في مشاريعها وحماية حقوقهم وكرامتهم.[48] وكانت الحكومة القطرية قد ردت على تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية في ديسمبر 2015، دافعت من خلاله عن معاملتها للأجانب، وذكرت الحكومة "أن انتقادات منظمة العفو الدولية غير دقيق وخارج عن السياق وباطلة". وأن إصلاحات جوهرية في ملف العمالة قيد التنفيذ.[49]
خاتمة
دخلت دولة قطر فترة ما بعد الانتفاضات العربية منفردة عن بقية دول المجلس في سياستها الخارجية. ولكن بعد خمس سنوات من ذلك، قد يصعب على قطر الرجوع الى الدور التقليدي التي كانت تلعبه في المنطقة، والذي امتاز بالحذر من جهة والحياد النسبي. بالرغم من ذلك، يبدو أن قطر قد تراجعت، بشكل غير معلن، عن مواقفها التي كانت تتعارض مع سياسات المحور السعودي - الإماراتي. لذا، باتت قطر تلعب، بعد تعرضها لضغوط هائلة، دور مساند لجهود دول المجلس الأخرى بقيادة السعودية في أكثر من ساحة، وعلى رأسها الحرب في اليمن. ولكن هل سيصمد الموقف الخليجي الموحد في وجه التحديات المستقبلية، خاصة وأن الدوحة قد جاهرت بنزعتها الانفرادية في اكثر من موقف؟ قد لا يكون سيناريو التنسيق الخليجي مرجحاً للاستمرار على المدى البعيد بسبب غياب آليات واضحة داخل المنظومة الخليجية لحل النزاعات فيما بين الأعضاء والتعايش مع الاختلاف السياسي، وبسبب تناقض مصالح بعض دول المجلس إزاء بعض القضايا المحورية في المنطقة.
على الساحة السياسية العالمية ايضاً، اصبحت قطر محط أنظار الإعلام الغربي بسبب فوز قطر بحق استضافة كأس العالم للعام 2022، وهذا ما دفع صناع القرار القطريون بالتعهد بالقيام بإصلاحات في ما يُسمى بنظام الكفالة. كما أنه من المتوقع أن تصاحب الضعوط في اتجاه اصلاح نظام الكفالة مراجعةٌ لسياسة البلاد الاقتصادية في ظل انخفاض أسعار النفط، والتي ظهرت بوادره في شكل تسريح لاعداد من الموظفين واغلاق أكثر من فرع لقناة الجزيرة. أما داخلياً، فلا زال ملف الإصلاح السياسي معطلاً، حيث لم تقم الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في عام 2013. من المتوقع أن يلازم الغموض الطموحات الإصلاحية في قطر، خصوصاً وأن القيادة السياسية، بخلاف معظم دول المجلس الأخرى، لا تتعرض لضغوط شعبية كبيرة نسبياً في اتجاه الاصلاح السياسي. ولكن، بما أن الأضواء مسلطة على قطر في الإعلام الغربي، فهل يستثمر صناع القرار القطري ذلك لتحسين صورتهم عبر المبادرة بالإصلاح السياسي قبل ارتفاع محتمل للأصوات الإصلاحية في الداخل القطري في المستقبل، أم هل يستمر الركود السياسي مخيماً على الساحة السياسية المحلية القطرية؟
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
[1]على سبيل المثال، شاهد هذا المقطع القصير المقتطف من مقابلة ما بين صحفي يعمل لدى قناة الجزيرة الانجليزية ووزير الخارجية القطري خالد العطية: Al Jazeera English, “UpFront - Qatar's foreign minister: 'We have our own democracy'”, youtube, 1:28 minutes https://www.youtube.com/watch?v=jLvtJw13nUo
[2] سعد هشام الشهابي، "التطورات السياسية في المملكة العربية السعودية"، في عمر الشهابي (محرر)، الخليج 2013: الثابت والمتحول، مصدر سابق، 81 http://www.gulfpolicies.com/media/files/Khaleej_2013_Grand_Research_Final.pdf
[3] عبدالفتاح ماضي "تنويه بكتاب:الشعب يريد الإصلاح في قطر أيضاً"، مركز الخليج لسياسات التنمية
http://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1157:-q-q-&catid=51:2011-04-09-07-47-31&Itemid=364
http://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1157:-q-q-&catid=51:2011-04-09-07-47-31&Itemid=364
[4] عمر الشهابي، مصدر سابق.
[5] Amnesty International, “Qatari authorities must free poet serving 15-year jail sentence”, 10 November 2015 https://www.amnesty.org/en/latest/news/2015/11/qatari-authorities-must-free-poet-serving-15-year-jail-sentence
[6] "قطر.. عفو عن الشاعر محمد بن الذيب"، سكاي نيوز عربية، 16 مارس 2016 http://goo.gl/DjYZuH
[7] "خاشقجي يكشف لـ"بوابة الشرق" الأأسباب الحقيقية لانتقال قناة "العرب"للدوحة"، بوابة العرب، 16 مارس 2016 http://www.al-sharq.com/news/details/410603
[8] "بعد 24 ساعة من انطلاقها.. إيقاف بث قناة العرب"، روسيا اليوم، 5 فبراير 2015 https://goo.gl/7tYDDm
[9] Kristian Coates Ulrichsen, “Qatar and the Arab Spring: Policy Drivers and Regional Implications,” Carnegie Endowment for International Peace, September 2014 http://carnegieendowment.org/files/qatar_arab_spring.pdf
[10] " Analysis: Qatar's foreign policy - the old and the new," Aljazeera, 21 November 2014 http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/11/analysis-qatar-foreign-policy--2014111811274147727.html
[11] Ulrichsen, “Qatar and the Arab Spring.”
وقد قامت قطر بتقديم مساعدات مالية كبيرة للقوى السياسية التي تدعمها في الاقليم، ما يفسر الارتفاع الكبير في المساعدات الخارجية التي قدمتها قطر في فترة ما بعد 2011 لمقارنة ما بين الاموال التي تبرعت بها قطر في فترة ما قبل 2011 وبعدها، انظر:
Mon Sanroma, “Qatar during the reign of Hamad Al Thani (1995-2013): from soft power to hard power,” Institut Català Internacional per la Pau, Barcelona, March 2015 http://icip.gencat.cat/web/.content/continguts/publicacions/workingpapers/2015/WP_1_2015.pdf
وقد قامت قطر بتقديم مساعدات مالية كبيرة للقوى السياسية التي تدعمها في الاقليم، ما يفسر الارتفاع الكبير في المساعدات الخارجية التي قدمتها قطر في فترة ما بعد 2011 لمقارنة ما بين الاموال التي تبرعت بها قطر في فترة ما قبل 2011 وبعدها، انظر:
Mon Sanroma, “Qatar during the reign of Hamad Al Thani (1995-2013): from soft power to hard power,” Institut Català Internacional per la Pau, Barcelona, March 2015 http://icip.gencat.cat/web/.content/continguts/publicacions/workingpapers/2015/WP_1_2015.pdf
[12] Elise Labott, “The Muslim Brotherhood courts Washington,” Security Clearance blog, CNN, 7 April 2012 http://security.blogs.cnn.com/2012/04/07/the-muslim-brotherhood-courts-washington
[13] “Analysis: Qatar's foreign policy - the old and the new,” Al Jazeera, 21 November 2014 http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2014/11/analysis-qatar-foreign-policy--2014111811274147727.html
[14] "التطورات السياسية في قطر"، في عمر الشهابي ومحمود المحمود ونورة الحسن (محررون)، الثابت والمتحول 2014: الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال، مصدر سابق، 109 http://www.gulfpolicies.com/attachments/article/1752/GCCS%202014%20digital%20final%20single%20page.pdf
[15] "شبكة الجزيرة توقف بث الجزيرة مباشر مصر"، البي بي سي عربية، 23 ديسمبر 2014 http://goo.gl/7Ljcqm
[16] المصدر السابق.
[17] "مقتل جندي قطري في المعارك داخل اليمن"، الجزيرة نت، 11 نوفمبر 2015 http://goo.gl/LPQg4T
[18] "نبيل فهمي: مصر رفضت إرسال قوات برية لليمن"، الجزيرة نت، 16 فبراير 2016 http://goo.gl/2L7TTA
[19] أنور الخطيب، "5 أولويات أمام القمة الخليجية اليوم"، العربي الجديد، 9 ديسمبر 2015 http://goo.gl/PE5S6M
[20] المصدر السابق.
[21] "قطر تستدعي سفيرها من إيران"، البي بي سي عربية، 6 يناير 2016 http://goo.gl/nPVWKW
[22] "الإمارات والبحرين تنسحبان من مونديال قطر لكرة اليد"، فرنسا 24، 9 نوفمبر 2014 http://goo.gl/x4uQyO
[23] "الحكم على خمسة ضباط قطريين بالسجن في الإمارات" روسيا اليوم، 19 مايو 2015 https://goo.gl/cOMu9Q
[24] "الإمارات تفرج عن القطريين الحمادي والجيدة، العربي الجديد، 18 مايو 2015 https://goo.gl/hfUTkW
[25] بلال الخالدي "تأكيداً لانفراد عربي 21.. امير قطر يزور الإمارات"، موقع عربي 21، 15 يونيو 2015 http://goo.gl/DNJdzy
[26] إسلام حسن،"الخلافات الخليجية – الخليجية، الأسباب وآليات الحل"، الجزيرة للدراسات، 15 يناير 2015 http://goo.gl/MLsMDg
[27] عادل القاضي "مستقبل المصالحة المصرية السعودية بعد وفاة العاهل السعودي"، صحيفة التقرير، 28 يناير 2015 http://goo.gl/wCUsuT
[28] المصدر السابق.
[29] أمير قطر في شرم الشيخ.. ما الذي جرى بين السيسي وتميم بأول لقاءقبل القمة العربية؟، سي ان ان عربية، 29 مارس 2015 http://goo.gl/sveouw
[30] "اعتراض قطري على اختيار أحمد أبو الغيظ أميناً عاماً"، العربي الجديد، 10 مارس 2016 http://goo.gl/Kzjmkn
[31] "راديو فرنسا يكشف تحفظ قطر على احمد أبوالغيظ"، 11 مارس 2016 http://goo.gl/G8jPKg
[32] "تركيا تعلن بدء سريات الاتفاقية الدفاعية مع قطر"، روسيا اليوم، 8 يونيو 2015 https://goo.gl/IAcKFC
[33] "تركيا تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في قطر"، روسيا اليوم، 16 ديسمبر 2015 https://goo.gl/tQl5H3
[34] "قطر.. وساطتنا بطلب لبناني وحرصاً على حياة العسكريين المختطفين"، العربي الجديد، 1 ديسمبر 2015 http://goo.gl/sQwjfS
[35]"فضيحة الفيفا"إيقاف 7 سنوات لمسؤول تقييم ملفي 2018 و2020""، سي ان ان، 6 يوليو 2015 http://goo.gl/fCNSJ2
[36] "الدوحة: الأحداث الأخيرة في الفيفا لن تؤثر على تحضيرات مونديال 2022"، سي ان ان، 3 يونيو 2015 http://goo.gl/9QlrYo
[37] "الفيفا : مونديال قطر في الشتاء، وتعويضات للأندية الأوربية"، صحيفة الجزيرة، 25 سبتمبر 2012 http://goo.gl/Vg86d1
[38] "قطر – تقرير القضايا مختارة"، صندوق النقد الدولي، إبريل 2015 https://goo.gl/4lGcOC
[39]أنور الخطيب،"عجز موازنة في الكويت وقطر"، جريدة العربي الجديد، 17 ديسمبر 2015 https://goo.gl/FCtCDe
[40] "أمير قطر يدعو إلى الحذر من انخفاض أسعار الطاقة" العربي الجديد، 3 نوفمبر 2015 https://goo.gl/02M3OK
[41] المصدر السابق.
[42] ميرزا الخويلدي"الجزيرة القطرية تسرح 500 من موظفيها"، جريدة الشرق الأوسط، 28 مارس 2016 http://goo.gl/IqOvkd
[43] "الغارديان: شبكة الجزيرة تفصل المئات من موظفيها"، حريدة الرأي اليوم، 23 سبتمبر 2015 http://www.raialyoum.com/?p=320183
[44] المصدر السابق.
[45] "قطر للبترول تسرح موظفين وتتخارج من الأنشطة الأساسية"، رويترز، 23 يناير 2015 http://goo.gl/AoDmnD
[46] "قطر تلغي نظام الكفيل وتستبدله بنظام جديد"، ام بي سي، 28 أكتوبر 2015 http://goo.gl/IwMak0
[47] "العفو الدولية تتهم قطر مجددا بالفشل في ملف العمالة"، دويتشه فيل، 31 مارس 2016 http://goo.gl/qrBU5r
[48] المصدر السابق.
[49] "قطر ترفض انتقادات العفو الدولية لاوضاع العمالة لديها"، دويتشه فيل، 21 ديسمبر 2015 http://goo.gl/kMK3oM
الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها