Reports 2016
- 1. مقدّمة: الخليج بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2. الخلل السّياسي
- 2.1 مقدّمة: الخلل السياسي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2.2 الخلل السياسي في دول الخليج العربية: استقصاء حول آراء المواطنين في الديمقراطية
- 2.3 المستجدّات السياسية في دولة الكويت
- 2.4 المستجدّات السياسية في سلطنة عمان
- 2.5 المستجدّات السياسية في المملكة العربية السعودية
- 2.6 المستجدّات السياسية في الإمارات العربية المتحدة
- 2.7 المستجدّات السياسية في دولة قطر
- 2.8 المستجدّات السياسية في مملكة البحرين
- 3. الخلل الاقتصادي
- 3.1 مقدّمة: الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 3.2 التقلبات في أسعار النفط وآثارها على ميزانيات دول الخليج العربية: مقارنة بين عقد الثمانينات والألفية الثالثة
- 3.3 مقابلات: ما هي أهم تطورات الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية ؟
- 4. الخلل الأمني
- 4.1 مقدّمة: الخلل الأمني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 4.2 السلام الضائع: الجذور التاريخية للصراعات الإقليمية في الخليج العربي
- 4.3 سياسات تغير المناخ وأمن الطاقة في دول مجلس التعاون
- 5. الخلل السّكاني
- 5.1 مقدّمة: الخلل السكاني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 5.2 المرأة وسوق العمل في الخليج
- 5.3 المرأة في ظل سياسات التنمية: حالة قطر
- 6. خاتمة: الخليج إلى أين؟
- الملخص التنفيذي - عربي
الثابت والمتحوّل 2016: الخليج بعد خمس سنوات من الانتفاضات العربية
2.8 المستجدّات السياسية في مملكة البحرين
-
الزيارات: 2056
مقدمة
منذ اندلاع الاحتجاجات في فبراير 2011 وحتى تاريخ كتابة هذه السطور في مايو 2016، والحالة السياسية في البحرين مضطربة. فلم تصل الأطراف السياسية، ممثلة في الحكم والمعارضة والحركات السياسية المناوئة للمعارضة، إلى مخرج من الأزمة السياسية التي تحيط بالبلاد. فبالرغم من ظهور عدد من المبادرات الداعية للحوار والمصالحة، إلا أن النجاح لم يحالف أي منها.
وعلى الرغم من انخفاض وتيرة المظاهرات المرخصة وغير المرخصة، وانخفاض نشاط الجمعيات السياسية المعارضة بشكل عام، إلا ان التواجد الأمني لا زال قوياً، خصوصاً في بعض قرى البحرين التي تنشط فيها المظاهرات. كما أن مركز الحركة الاحتجاجية المعارضة في فبراير 2011 – أي "دوار اللؤلؤة" في المنامة - لا زال محاطاً أمنياً، في حين لا زالت المظاهرات المتفرقة تشتبك مع قوات الأمن، وإن خفت وتيرتها، ناهيك عن تواصل الاعتقالات والمحاكمات بشكل متفرق.
وقد شعر المواطنين والحكومة أيضاً بضائقة مضاعفة مع دخول البلاد أزمة اقتصادية جراء هبوط أسعار النفط في عام 2015، خصوصاً وأن سعر معادلة الميزانية العامة للدولة وصل إلى ما فوق الـ 100 دولار للبرميل. وكان من المتوقع أن يصل عجز الميزانية في عام 2016 إلى 90% من إيرادات الدولة حسب توقعات صندوق النقد الدولي،[1] مما دفع حكومة البحرين، إثر ذلك، إلى الإعلان عن سلسلة إجراءات تقشفية متمثلة في تقليل الدعم الموجه اإلى المحروقات والطاقة والمياه. أما إقليمياً، فقد أصبحت البحرين جزءاً من العمليات العسكرية في سوريا ضد داعش، وفي اليمن كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية ضد قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيين.
لذا، تأتي أحداث العام 2016 استمراراً لمسلسل أحداث 2011، الذي أدى إلى إنهاك البحرين سياسياً واقتصادياً.
2011 - 2015 استمرار للأزمة السياسية
من أعراض الأزمة السياسية انحسار دور المعارضة المعترف بها رسمياً، والممثلة في الجمعيات السياسية، وتواجدها في الساحة السياسية الرسمية، خصوصاً في البرلمان، بعد أن قاطعت انتخابات عام 2014. كما صعد تيار سياسي معارض غير معترف به رسمياً وأصبح يزاحم الجمعيات السياسية المعترف بها حضوره في "شارع المعارضة"، مثل "ائتلاف شباب 14 فبراير" وغيرهم، في ظل استمرار الدولة في انتهاج الحلول الأمنية في تعاملها مع الأزمة السياسية. أما الحكومة فقد دخلت في مواجهة مع عدد من الحركات السياسية، وعلى رأسها الجمعيات السياسية ذات التوجه الإسلامي الشيعي، وعدد من أنصار القوى السياسية "المدنية." كما أدت السنوات الخمس الأخيرة إلى نزيف كبير في ميزانية حكومة البحرين المالية وصورتها في الإعلام العالمي، خصوصاً في الغرب.
أما في الجانب الآخر من الساحة السياسية في البحرين، فقد واصلت الجمعيات السياسية الرسمية المناوئة للمعارضة انحسارها. ففي العام 2014 وخلال الانتخابات النيابية، خسرت تلك القوى السياسية العديد من المقاعد في البرلمان لصالح "النواب المستقلين" غير المنتمين لجمعيات سياسية. فعلى سبيل المثال، تقدمت جمعية الوحدة الوطنية التي انبثقت عن حراك "تيار الفاتح" بعدد سبعة مرشحين في الانتخابات النيابية، إلا انه لم يتمكن أي من مرشحيها من الوصول إلى المجلس.[2] وأفرزت الانتخابات النيابية الاخيرة التي أقيمت في 2014 عن تركيبة جديدة لمجلس النواب البحريني، فمع مقاطعة جمعيات المعارضة للانتخابات وخسارة الجمعيات السياسية الإسلامية المحسوبة على التيار السني في البحرين لمقاعدها السابقة، بات النواب "المستقلون" يسيطرون على غالبية المقاعد النيابية.[3]
من الممكن اعتبار الأزمة السياسية التي اندلعت في 2011 امتداداً لأزمة سياسية أخرى نتجت إثر إصدار الملك حمد بن عيسى آل خليفة لدستور مملكة البحرين الجديد في 2002، وتمثلت في أزمة دستورية حسب قراءة المعارضة، إذ ترى المعارضة أن هذا الدستور لا يتضمن الوعود التي وافقت عليها الغالبية الساحقة من شعب البحرين عند تصويتها على ميثاق العمل الوطني في العام 2001، وعلى رأسها إنشاء مجلس تشريعي منتخب كامل الصلاحيات. وكما تقول وجهة نظر المعارضة، فانه لم يتم التوافق على الدستور الحالي من قبل القوى السياسية كافة، بل تم وضعه بشكل منحة من قبل هرم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البحرين متمثلة في الملك، وعبره تم إبطال دور المجلس التشريعي المنتخب من خلال تعيين مجلس شورى غير منتخب مواز له.[4]
وقد حاولت أطراف النزاع السياسي – أي الحكومة والمعارضة والمناوئون للمعارضة – منذ اندلاع أزمة 2011، الجلوس عدة مرات على طاولة الحوار، حيث عقد الحوار الوطني الأول في يوليو 2011،[5] والحوار الوطني الثاني في فبراير 2013،[6] وعقد لقاء علني بين ولي العهد وأمين عام جمعية الوفاق في 15 يناير 2014،[7] كما تم طرح عدة مبادرات من الحكومة[8] والمعارضة[9] وجهات اخرى في محاولة لتقريب وجهات النظر ما بين الأطراف المتفرقة،[10] وقد يكون أهمها تشكيل "اللجنة المستقلة لتقصى الحقائق"، والتي باشرت تحقيقها في أحداث عام 2011 وقدمت تقريرها الرسمي في الوقائع في نوفمبر 2011، ولكنها جميعها لم تنجح في حل الأزمة السياسية، بل تواصلت الصدامات الأمنية وسقوط عدد من القتلى من صفوف الشرطة والمحتجين.
وقد جاءت الانتخابات النيابية والبلدية في العام 2014، في ظل أجواء متوترة، حيث تصاعدت فيها الدعوات من قبل الأطراف المعارضة، وبشكل غير مباشر بعض الجمعيات المناوئة للمعارضة،[11] لمقاطعتها وعدم المشاركة فيها، في حين سعت أطراف أخرى من الجمعيات الأخيرة، إلى جانب الحكومة، نحو دفع المواطنين في اتجاه المشاركة. واستبقت الحكومة الانتخابات بتعديل الدوائر الانتخابية[12] والغاء المجلس البلدي (المنتخب) للعاصمة المنامة واستبداله بأمانة معينة.[13] كما قامت الحكومة بطرح وثيقة سياسية جديدة، مبتغاها المعلن هو إجراء إصلاحات سياسية، والتي عُرفت بـ"وثيقة الأعيان"، والتي رأت المعارضة بأنها غير كافية لحلحلة الأزمة السياسية. [14]
على المستوى الاقليمي والدولي، توترت العلاقات البحرينية–الأمريكية خلال عام 2014، ووصلت إلى مداها بقرار وزارة الخارجية البحرينية اعتبار مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية للشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان، توماس مالينوسكي، شخصاً غير مرحب به، ملزمة إياه بمغادرة البلاد.[15] كما حضر ملف البحرين "حقوقياً" على طاولة منظمات حقوق الإنسان الدولية. وقد جاء البيان المشترك الذي وقعته 35 دولة في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ورفضته الحكومة البحرينية، معبراً عن قلق بالغ إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بما في ذلك سجن من يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، كما أبدى البيان قلقاً إزاء انعدام المساءلة.[16] وانخرطت البحرين عسكرياً ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي في الصراع اليمني–اليمني، عبر مشاركة القوات العسكرية البحرينية في تحالف "عاصفة الحزم"، العملية العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية منذ 25 مارس 2015 في اليمن وعلى حدودها الجنوبية ضد الحوثيين والقوات موالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وقد راح عدد من الجنود البحرينيين ضحية لهذه الحرب.[17]
2015: الأزمة مستمرة
أدى اعتقال قيادات الصف الأول في الجمعيات السياسية المعارضة إلى ضعف الحراك السياسي والشعبي لهذا التيار، ولم يشهد العام 2015 أي تطور نوعي في تعاطي الجمعيات والحركات المعارضة مع الأوضاع في البحرين. فقد قل عدد الجماهير في التجمعات والمسيرات التي تدعو لها تلك الجمعيات، بينما تواجدت بعض وجوه المعارضة في بعض المحافل خارج البلاد التي تنتقد الأوضاع السياسية والحقوقية في البحرين، خصوصاً في الغرب. كما يبدو أن الاتصال بين الحكومة والمعارضة قد انقطع نهائياً، حيث ظهر أكثر من شخص من قيادات المعارضة في الإعلام ليؤكد هذا الأمر.[18] هذا وقد أصدرت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة، في تاريخ 16 يونيو 2015، حكمها الابتدائي بحق الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، إذ قضت بسجنه لمدة 4 سنوات بعد إدانته بتهم التحريض على بغض طائفة وعدم الانقياد للقوانين وإهانة وزارة الداخلية، وبرّأته المحكمة من تهمة إسقاط النظام بالقوة.
كما اتهمت جهات حقوقية الحكومة بالتضييق على حرية الرأي والتعبير من خلال اتخاذها عدة إجراءات بحق مغردين وصحفيين وغيرهم من الشخصيات التي تتعاطى في الشأن العام بوجهة نظر مخالفة لتلك التي تتبناها مؤسسات النظام. ففي تاريخ 28 مارس 2015 قامت السلطات باعتقال فاضل عباس، أمين عام جمعية التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي، وحكم عليه بتاريخ 28 يونيو 2015 بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "إذاعة أخبار كاذبة وشائعات مغرضة، وبث دعايات مثيرة من شأنها إلحاق الضرر بالعمليات الحربية للقوات المسلحة،"[19] وذلك على خلفية إصدار بيان من قبل جمعيته انتقد فيه دخول البحرين طرفاً في الحرب في اليمن إلى جانب التحالف التي تقوده المملكة العربية السعودية. كما تم الحكم على الناشط الحقوقي نبيل رجب في أبريل بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة "الإهانة العلنية لمؤسسات رسمية". وقد أطلق سراحه قبل انتهاء فترة محكوميته بسبب "ظروفه الصحية".[20]
وأيدت محكمة الاستئناف الثانية في 15 يونيو 2015 تغريم يعقوب سليس، وهو عضو ائتلاف شباب الفاتح، الذي يعتبر أحد الأطراف السياسية المنبثقة من "تجمع الفاتح" ، 200 دينار بقضية "إهانة الجيش". وكان يعقوب سليس قد اعتقل لبضعة أيام، ووجهت النيابة العامة له تهمة مفادها أنه "أهان بإحدى طرق العلانية الجيش، وذلك عن طريق الكتابة في واقعةٍ تعود إلى 7 يونيو 2014"، وذلك بعدما دعى سليس الحكومة إلى عدم تسيير أصوات العسكريين في الانتخابات النيابية للعام 2014. من جهته، نفى سليس التهمة الموجهة له أمام المحكمة.[21]
وقد ثار جدل موسع في مواقع التواصل الاجتماعي عندما احال مجلس النواب عدة شكاوى إلى النيابة العامة رفعت ضد مغردين بتهمة "الإساءة إلى مجلس النواب"، حيث رأى رافعي القضايا بأن "التعليقات التي وردت من بعض هؤلاء "المغردين" تجاوزت الحق المكفول في الدستور لحرية التعبير والرأي، ووصلت لحد السب والقذف والشتم والاستهزاء والنيل من الأعراض والشرف، موضحًا أن ما أثير في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هؤلاء المغردين يفوق وصف الأدب"،[22] في حين رأى معارضي هذه الخطوة، وهم يحسبون على "تيار الفاتح" بالإضافة إلى "تيار اللؤلؤ"، بأن هذا يمثل تعدي من قبل مجلس من المفروض أن يكون منتخباً من قبل الشعب على حقوق أفراد الشعب في التعبير عن رأيهم في مجلس كثرت الانتقادات حول عدم فاعليته في التطرق إلى هموم المواطنين.
كما تم، في يونيو 2015، الإفراج عن المعارض إبراهيم شريف، الأمين العام السابق لجمعية وعد (وهي جمعية معارضة ذات توجه العروبي/ اليساري)، بعدما قضى فترة عقوبته في السجن لمدة خمسة سنوات. ولكن، تم اعتقال شريف مجدداً في غضون اسابيع من إطلاق سراحه، وذلك بعد تقديمه كلمة في تأبين أحد القتلى من المتظاهرين قال فيها أن الشعب منهك بعد خمس سنوات من "القمع"، وأن الحراك سيعود في حال استمرار الأزمة.[23] وتم توجيه تهم "التحريض على تغيير نظام الدولة، وكذلك التحريض على كراهية النظام والازدراء به" – وهي تهم أنكرها شريف – وتم الحكم عليه بأربع سنوات.[24]
وقد شهد هذا العام إصدار أحكام طويلة الأمد على عدد من المواطنين في قضايا متعددة تتعلق بالأزمة السياسية. ففي نهاية عام 2015 حكم على 29 مواطناً بأحكام تتراوح ما بين 5 و25 عاماً بتهمة تدبير عملية تفجير استهدفت رجال شرطة في عام 2014.[25] كما تم الحكم على 57 مواطناً من سُجناء سجن جو بالسجن 15 سنة على خلفية اشتباك السجناء مع السلطات هناك، كما تزعم السلطات بأن السجناء قاموا بأعمال تكسير داخل السجن.[26] وقد مثلت زيارة أهالي احد السُجناء بمثابة الشرارة التي اشعلت أحداث سجن جو، حسب ما نقلته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، حيث نشب نزاع ما بين الأهالي ورجال الأمن، وسرعان ما خرج الوضع خارج السيطرة حيث قام سُجناء آخرون بالإحتجاج. ونقلت المنظمة عن السجناء بان ردة فعل السلطات تضمنت إساءة نفسية وجسدية تجاههم، بما في ذلك توجيه شتائم طائفية واستخدام الغاز المسيل للدموع في داخل السجن واستخدام السلاح ذو الرصاص الانشطاري (المعروف محلياً ب"الشوزن") والضرب المبرح.[27] في حين السلطات لم تعلق على إتهامات السجناء لها، ألا انها قامت بنشر مقاطع من أحداث السجن، مصحوبة بتعليق باللغة الإنجليزية، وذلك في محاولة لإثبات صحة روايتها بأن السجناء هم من تسبب في إثارة الأحداث.[28]
واستمرت ظاهرة التفجيرات ومهاجمة رجال الشرطة بقنابل المولوتوف الحارقة في هذا العام في حدثين بارزين، وقع أولهما في جزيرة سترة، حيث تسبب الانفجار بمقتل شرطيين وجرح ستة اخرين. قامت السلطات جراء هذا الحدث باعتقال خمسة أشخاص وإتهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية رسمياً بتدبير هذه العملية.[29] أما العملية الأخرى، فوقعت في قرية كرباباد، حيث تعرضت سيارة شرطة لقنبلة مولوتوف حارقة أودت بحياة شرطي وجرحت آخرين.[30] من جهتها، قامت جمعيات المعارضة بإدانة أعمال العنف التي تستهدف رجال الشرطة في بياناتها.[31] وقد قامت السلطات لاحقاً باعتقال 11 شخصاً ووجهت لهم تهمة تدبير العملية.[32]
وفي سياق التدابير الأمنية التي تتخذها الدولة في مواجهة ما تراه تهديدات لأمن البلاد، قامت السلطات البحرينية بطرد ما بين سبع وعشر عوائل لبنانية مقيمة في البحرين بحجة أن المطرودين هم من المتعاطفين مع جماعة حزب الله، التي تعتبرها السلطات جماعة "إرهابية".[33] في هذا الشأن، علق وزير الخارجية خالد بن أحمد على الموضوع بالقول أن حزب الله لا تزال تمثل "تهديداً" لأمن البحرين. كما قامت السلطات بطرد خمسة مواطنين ممن سحبت الحكومة جنسياتهم البحرينية في ديسمبر 2015.[34] ويُذكر بأن السلطات البحرينية قامت بسحب جنسية ما لا يقل عن 208 مواطن بسبب تهم متعلقة بما تعتبره إرهاباً، حيث شملت القائمة عناصر قيل أنها مؤيدة لما يُسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وآخرين محسوبين على تيارات إسلامية شيعية معارضة للنظام.[35]
لعله من الصعب احصاء عدد التظاهرات التي جرت في البحرين خلال عام 2015، وذلك بسبب صغر حجمها نسبيا عن الأعوام السابقة، وبسبب عدم تمكن المتظاهرين من الخروج بالمظاهرات خارج حدود القرى نحو العاصمة كما حدث في عام 2011. إلا أن هذه المظاهرات تواصلت بشكل مستمر، وكان أبرزها تلك التظاهرات هي التي جرت في بعض مناطق البحرين احتجاجا على إعدام رجل الدين السعودي من الطائفة الشيعية نمر النمر، والتي واجهتها السلطات بمسيلات الدموع وإستخدام السلاح ذو الرصاص الانشطاري (الشوزن).[36] وقد قامت السلطات بمنع تصريح المسيرة العمالية السنوية التي تنظمها النقابات العمالية سنوياً في يوم عيد العمال، وتعتبر هذه أول مرة يتم منع المسيرة العمالية منذ دخول البحرين ما يُسمى بسنوات الإصلاح (أي في حقبة ما بعد 2001).[37] وفي سياق متصل، قامت السلطات بطرد أربعة صحفيين أمريكيين أتوا إلى البلاد لتغطية المظاهرات التي كانت متوقعة في الذكرى الخامسة لانطلاق الحركة الاحتجاجية.[38] أما الرواية الرسمية، فتقول بأن الصحفيين دخلوا البلاد بشكل غير مشروع، وكانوا متهمين بالاشتراك في "تجمهر غير مشروع بقصد ارتكاب جرائم والإخلال بالأمن العام، وتعريض وسائل المواصلات للخطر".[39]
القوانين والتشريعات
شهد المشهد السياسي البحريني حدثاً نادراً من نوعه في عام 2016، حيث ادى قرار الحكومة برفع تحفظاتها على مجموعة من البنود في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والمعروفة بـ"سيداو"، إلى انقسام تيارات المجتمع البحريني بشكل فريد من نوعه. ففي حين صادقت أغلبية مجلس النواب على القرار، وساندته بقوة مجموعة من قطاعات المجتمع المدني، بما فيها تلك المحسوبة على المعارضة "المدنية" (كجمعية العمل الوطني الديقراطي (وعد)[40] والمنبر الديمقراطي التقدمي ذو التوجه اليساري)،[41] اتجهت القوى الإسلامية السنية والشيعية، بما فيها جمعية الوفاق، إلى الدفع في اتجاه معارضة رفع تحفط البحرين على بنود الاتفاقية.[42] وقد أبقت البحرين تحفظها على مساواة الرجل والمرأة في حق منح الجنسية لأطفالها، فيما رفعت تحفظاتها عن عدة مواد، الأمر الذي قد يفتح المجال لأطراف دولية ومحلية للضغط في اتجاه تحقيق المساواة الكاملة ما بين الجنسين، وذلك حسب ما تنص عليه المعاهدة. وتتضمن المواد التي تم رفع التحفظ عنها ما يلي:[43]
· المادة رقم 2، والتي تتضمن البنود:
أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى...
ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة
ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة...
و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة
· المرسوم رقم 70 على البند الرابع من المادة 15، والتي تتضمن النص: "تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم."
· المادة 16، والتي تتضمن النص: " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
أ) نفس الحق في عقد الزواج
ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل
ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه
ح) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية...
د) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف
ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل
كما أصدر مجلس النواب مشروع قانون مثير للجدل في شهر مايو 2016، يقضي بمنع تدخل شؤون الدين في السياسة، وذلك عبر منع خطباء المساجد من الانتماء إلى جمعيات سياسية أو ممارسة أنشطة سياسية، وذلك بعد تعديل قانون الجمعيات السياسية ليتضمن بنداً يشترط على المنتمي إلى جمعية سياسية ألا يكون خطيباً في مسجد أو منخرطاً في نشاط ديني ما ولو بشكل خيري. كما يحظر قانون الجمعيات استخدام المنابر الدينية لأغراض سياسية. [44] وقد تم رفع المشروع إلى مجلس الشورى، الذي قام، من جانبه، بالتصديق عليه.[45]
انخفاض أسعار النفط وانعكاساتها الداخلية




وقد نشر في تاريخ 17 سبتمبر 2015 خبر تشكيل حكومة مصغرة بعد لقاء جمع الملك حمد بن عيسى بولي عهده الشيخ سلمان. وجاء في الخبر الذي نشرته وكالة أنباء البحرين أن العاهل البحريني أمر بتشكيل "حكومة مصغرة" داخل الحكومة تختص بحل المشكلات المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط. وذكرت الوكالة أن المرسوم جاء بعدما قدم ولي العهد تقريراً للملك حول "تأثر الأوضاع المالية الحالية في المملكة بسبب تدني أسعار النفط والالتزامات الأخرى". وأضافت الوكالة أن الملك وجه "بتشكيل حكومة مصغرة تُعنى بحل تلك المشكلات المالية وبالسرعة الممكنة وبالتشاور مع صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء".[47] إلا أن الإعلام المحلي لم يذكر أية تفاصيل أخرى حول هذه المستجدات منذ هذا الإعلان.
ومع تقديم الحكومة لمشروع ميزانيتها للعام 2015-2016، أعلنت الحكومة عن نيتها لاتخاذ حزمة اجراءات اقتصادية لتقليل قيمة عجز الميزانية، منها رفع الدعم الحكومي عن أسعار اللحوم، والذي أدى إلى إضراب الجزارين وباعة اللحوم، ورفع أسعار البنزين والكهرباء والماء وعدد من رسوم الخدمات الحكومية المختلفة.[48] وقد أثارت قرارات التقشف حالة تذمر شعبي، تمثلت في مقاطعة بعض المواطنين سلعة اللحم التي رُفع الدعم عنها، وذلك إلى جانب إضراب الجزارين.[49] وفي مقابل رفع الدعم، اتخذت الحكومة اجراءات أخرى تمثلت في دمج وإلغاء بعض الجهات والهيئات الحكومية، الأمر الذي أسفر عن تشكيل وزاري جديد في سبتمبر 2015 تم خلاله إعفاء وزيرين ودمج وزارتين.[50] وبحسب التقارير الصحفية، قامت الحكومة بتمرير ميزانية تتضمن تخفيض الإنفاق بنسبة 30٪،[51] وذلك في ظل توقعات رسمية أن يبلغ العجز نحو 1.47 مليار دينار (3.9 مليارات دولار) خلال العام 2015.[52]
على مستوى المجالس البلدية، فقد أثار المجلس البلدي لمدينة المحرق جدلاً واسعاً بعدما اتخذ قراراً في عام 2013 بإزالة كبائن الصيادين الهواة من سواحل الجزيرة. وقد أصدر رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان قراراً بهذا الخصوص ليوقف قرار إزالة كبائن الصيادين، وذلك على خلفية ضغط بعض أهالي المحرق في ذلك الإتجاه.[53] الا أن الجدل سرعان ما عاد بعدما اثارت بلدية الموضوع نفسه في عام 2015، حين حاولت البلدية بالفعل إزالة عدد من الكبائن بحجة أنها تُستخدم كمجالس، إلا أن وزير الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني تدخل للإيقاف الإجراء.[54] ترواحت الأسباب الرسمية المعلنة من جهة البلدية بين اعتبار هذه الكبائن تشكل تعدياً على ممتكلات عامة وخاصة وأنها تمثل عالة بيئية واجتماعية، فيما احتج المعارضون للقرار بأن هذه الكبائن تمثل ملاذاً وحيداً للأهالي في ظل انعدام السواحل العامة، وأنها خط دفاع أول ضد تعدي من قبل متنفذين استولوا على هذه السواحل وحولوها الى أملاك خاصة من غير وجه حق. واستمر الجدل حول الكبائن بعدما أعلنت وزارة الأشغال وشؤؤن البلديات أخيراً عن تبنيها حملة إزالة 497 كبينة من سواحل المحرق،[55] وقد تم تنفيذ اجراءات إزالة هذه الكبائن بشكل مفاجئ في شهر مايو من عام 2016.
المحصلة
تواصل الوضع السياسي المضطرب في البحرين على مدى السنوات الخمس منذ اندلاع احتجاجات فبراير 2011، وعند كتابة هذه السطور لم تظهر بعد بوادر لتقريب وجهات النظر بين المعارضة والحكومة بشكل جدي، بهدف إيجاد حل للأزمة التي تدور رحاها منذ أكثر من 5 سنوات. في الوقت نفسه لا تبشر الأوضاع الاقتصادية للبحرين بالخير، وهي مسألة إن تواصلت فلن تمر فترة طويلة حتى تظهر انعكاساتها السلبية على الوضع الاجتماعي والسياسي في المملكة.
ومع تواصل أزمة مالية حادة تعاني منها البحرين بسبب الهبوط الكبير في أسعار النفط وعجز كبير في ميزانيتها والحساب الجاري، واستمرار الأزمة الأمنية والسياسية فيها، في ظل وضع إقليمي مضطرب، فلا يمكن إلا التنبؤ بأن العام 2016 سيسجل تواصلاً للأزمات المتفاقمة التي تحيط بالجزيرة.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا