Reports 2016
- 1. مقدّمة: الخليج بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2. الخلل السّياسي
- 2.1 مقدّمة: الخلل السياسي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 2.2 الخلل السياسي في دول الخليج العربية: استقصاء حول آراء المواطنين في الديمقراطية
- 2.3 المستجدّات السياسية في دولة الكويت
- 2.4 المستجدّات السياسية في سلطنة عمان
- 2.5 المستجدّات السياسية في المملكة العربية السعودية
- 2.6 المستجدّات السياسية في الإمارات العربية المتحدة
- 2.7 المستجدّات السياسية في دولة قطر
- 2.8 المستجدّات السياسية في مملكة البحرين
- 3. الخلل الاقتصادي
- 3.1 مقدّمة: الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 3.2 التقلبات في أسعار النفط وآثارها على ميزانيات دول الخليج العربية: مقارنة بين عقد الثمانينات والألفية الثالثة
- 3.3 مقابلات: ما هي أهم تطورات الخلل الاقتصادي بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية ؟
- 4. الخلل الأمني
- 4.1 مقدّمة: الخلل الأمني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 4.2 السلام الضائع: الجذور التاريخية للصراعات الإقليمية في الخليج العربي
- 4.3 سياسات تغير المناخ وأمن الطاقة في دول مجلس التعاون
- 5. الخلل السّكاني
- 5.1 مقدّمة: الخلل السكاني بعد خمس سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية
- 5.2 المرأة وسوق العمل في الخليج
- 5.3 المرأة في ظل سياسات التنمية: حالة قطر
- 6. خاتمة: الخليج إلى أين؟
- الملخص التنفيذي - عربي
الثابت والمتحوّل 2016: الخليج بعد خمس سنوات من الانتفاضات العربية
6. خاتمة: الخليج إلى أين؟
-
الزيارات: 2896
عمر هشام الشهابي
قد تكون دول مجلس التعاون هي الكتلة المتبقية الوحيدة، ذات الثقل السياسي والاقتصادي والسكاني في المشرق العربي، والتي لم تصل بعد الى حافة الانزلاق في هاوية الانظمة الفاشلة failed states. خصوصاً وإذا ما قارناها بالحال في العراق وسوريا واليمن، حيث فقدت الدولة المركزية فيها الكثير من سيطرتها على زمام الأمور، اقتصادياً ام امنياً ام سياسياً.
ومما لا شك فيه ان الحالة السياسية تتباين فيما بين دول المجلس، حيث قد تكون السلطة في قطر هي اقل من واجه الاحتجاجات، فيما بلغت اوجها في البحرين وعمان. الا انه وفي الاجمال، لا زالت السلطة المركزية متحكمة بزمام الامور في كل دول المجلس، بل وقد نجادل بأن السلطة قد احكمت قبضتها بشكل أكثر تمترساً على مدى الخمس السنوات التي تلت اندلاع الانتفاضات العربية.
بل ويمكن المجادلة ايضاً ان النفوذ الاقليمي لدول المجلس قد توسع بشكل ملحوظ منذ عام 2011، حيث صعد دور كل من الإمارات والسعودية وقطر بنسب متفاوتة على مدى الخمس سنوات الماضية. وأصبح لهم دور لا يستهان به في المعطيات في سوريا وليبيا واليمن ومصر، وغيرها من دول الجوار. بل وأن نفوذهم الاقتصادي قد تعدى ذلك ليصل إلى "العالمية"، في خضم مشاريع ذائعة الصيت قد جعلت بعض دول المجلس، خاصة الغنية منها، محط أعين الاقتصاد العالمي. وقد شملت هذه الأنشطة "العالمية" شراء حصص في شركات دولية، والفوز بأحقية استضافة محافل عالمية ككأس العالم وسباقات الفورمولا واحد، واستقطاب جامعات ومراكز دراسات غربية، بل وحتى شراء اندية رياضية مرموقة، كمانشستر سيتي وباريس سان جيرمان.
وفي مقابل توسع نفوذ بعض دول المجلس اقليمياً وعالمياً، فقد تزامن ذلك مع توسع نفوذ إيران وحلفائها ايضا في المنطقة، مما جعل الكثير من دول المجلس، وفي مقدمتهم السعودية، في حالة صدام علني مع إيران في أراضٍ متعددة على امتداد المشرق العربي، اضحت ميادين للمنافسة بين قطبي الخليج الكبريين.
بل ان سياسة التوسع الى "العالمية"، والتي اتخذتها بعض دول المجلس على مدى سنوات الالفية الثالثة، بحيث يكون الهدف بروز اسمها ونفوذها الاقتصادي والسياسي بشكل صريح ومعلن على المستوى الاقليمي والعالمي، هو سلاح ذو حدين. فمثلما يرتفع صيت دول الخليج عالمياً، قد يتحول الصيت الى سوء سمعة، خصوصاً في ظل جو عالمي مشحون ويتسم بالعنصرية نحو المسلمين والعرب، بحيث تتوجه انظار العالم الى المنطقة، في ظل التناقضات الصارخة من الثراء الفاحش الى الحروب، بحيث يتم تحميل مسؤولية الكثير مما يحل بالمنطقة على دول الخليج وأنشطتها. وقد يكون من التداعيات السيئة ايضا لهذا الهوس "بالعالمية"، هو التطبيع الذي يحصل في بعض دول الخليج مع الكيان الصهيوني، كما بينّاه في الأعداد السابقة من هذا الإصدار، خصوصا في المحافل الرياضية والثقافية والعلمية التي تستضيفها هذه الدول، بحجة ان حضور الكيان في هذه المحافل "العالمية" امر لا يمكن تفاديه من وجهة نظر السلطات.[1]
ولهذه اللهفة وراء "العالمية" تبعات أيضاً على الخلل السكاني، والذي قد يكون أصبح ثابتاً متأصلاً في دول المجلس، حيث تفاقم بشكل متواصل على مدى السنوات الخمس الماضية، بل وأضحت الاعتمادية الاقتصادية على الوافدين في صلب رؤى وتطلعات متخذي القرار في دول المجلس. بل ويبدو ان هذه التركيبة السكانية لم تعد "خللاً" من وجهة نظرهم، بل ظاهرة يجب تحفيزها وتشجيعها، حيث توجهت طاقات صناع القرار نحو كيفية تقنين وتنظيم الظاهرة بشكل ممأسس وتوسعتها، بدلا من مواجهتها ومحاولة إصلاحها.
كما تتزايد الاصوات المتسائلة حول جدوى هذه المشاريع "العالمية"، الموجهة اساسا الى "رقي السمعة" في المحافل الدولية، في خضم تداعيات الازمات الاقتصادية التي تمر بها دول المنطقة. ومن حق مواطني الدول ان يسألوا عن جدوى الصرف بشكل موسع على هذه المشاريع والبطولات الدولية، ذات التكاليف العالية، في مقابل الفوائد الهامشية منها للمواطنين، في حين ان التقشف الاقتصادي يطال المشاريع التنموية المحلية، بما فيها التعليمية والصحية.
وقد يكون شبح الخلل الاقتصادي هو الخطر الاكبر الذي يلقي بظلاله على دول المجلس محلياً، خصوصا في ظل هبوط اسعار النفط في عام 2015 الى ما دون 30 دولاراً، ووصول العجز في ميزانيات دول المجلس الى ضعفي الايرادات في بعض الحالات. بل ان عدداً من دول المجلس سجلت عجزاً في حسابها الجاري على مدى عامي 2015 و2016، أي ان ما تصرفه على الواردات فاق مدخولها من الصادرات (النفطية أساساً)، مما ينذر بدخول اقتصادياتها مرحلة خطر العجز الهيكلي.
اما على الصعيد السياسي المحلي، فقد أحكمت السلطات سيطرتها اساساً عبر سياسة "سيف المعز وذهبه"، اذ اعتمدت كل دول المجلس بلا استثناء على الحلول الأمنية والمادية في تعاطيها مع شعوبها، ولو اختلفت النسبة بين كل دولة. في المقابل، فإن الاصلاح السياسي الجذري لم يلقَ نصيباً يذكر في اي من دول المجلس (وان كانت هناك بوادر في عمان في عام 2011، سرعان ما تعثرت). ولا زال صنع القرار متمركزاً في مجموعة قليلة، وعادة ما تكون هذه المجموعة من عائلة واحدة في كل دولة.
اذن، وعلى الرغم من عدم انفلات الاوضاع كليا في دول المجلس حتى كتابة هذه السطور، الا أنّ اعراض اوجه الخلل المزمنة الاربعة، والمتمثلة في الخلل السياسي، والخلل الاقتصادي، والخلل الأمني، والخلل السكاني، قد بدأت بالوصول الى مرحلة الغليان في بعض دول المجلس، وما انفكت تغذي بعضها في جدلية مستمرة ومتشابكة. وقد تكون البحرين هي خط التماس المرتقب لتفاقم اوجه الخلل المزمنة هذه، حيث لا زالت الازمة السياسية طاحنة، تصحبها ازمة اقتصادية خانقة، حيث وصل العجز المتوقع في الميزانية الى 90% من الايرادات في عام 2016، بالرغم من إجراءات التقشف الاقتصادية، والتي من المتوقع ان تواصل تضييقها على سكان الجزيرة. هذا بالإضافة الى تمركز البحرين في عين العاصفة بين الخصومة الايرانية – السعوديّة، والتي صاحبها بروز شقاق مجتمعي عميق اخذ طابعا طائفياً خطيراً.
وعلى الرغم من ان وتيرة التحركات والاحتجاجات السياسية بمختلف اطيافها، اكان ذلك في الكويت او عمان او البحرين او السعودية، قد خفت على مدى الخمس سنوات التي اعقبت 2011، وخصوصا في الفترة التي تلت احداث سيطرة الحوثيين وعلى عبد الله صالح على صنعاء وانطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، فإنه من السذاجة الاستنتاج بأن شعلة الاحتجاجات قد انطفأت كلياً. بل انه لا زال هناك تحركات في مختلف الأقطار، وان خفت وتيرتها بسبب الممارسات الأمنية التي تبنتها السلطات. والاهم من ذلك هو ان الاسباب الجذرية لأوجه الخلل المزمنة لا زالت قائمة، بل آخذة في التفاقم. وحدة الشقاق المجتمعي الآخذة في التزايد، خصوصا في ظل وضع اقليمي يعتبر ارضية خصبة لتغذية مثل هذه التوترات ذات البعد الطائفي، قد تنذر بإمكانية تبني الخصومات بعداً طائفياً خطيراً ان لم يتم تداركها بشكل جذري.
وفي مقابل تدني مبادرات الإصلاح السياسية من قبل السلطة في هذه الفترة، فقد ظهرت بعض المبادرات الاقتصادية، والتي عجّل من حدتها تدهور الحالة الاقتصادية بعد انهيار أسعار النفط. فقد أعلنت غالبية دول المجلس حزمة من إجراءات التقشف الاقتصادية في بدايات عام 2016، أعادت هيكلة الدعم حول الكثير من الخدمات والسلع، بما فيها المحروقات والمياه والطاقة والغذاء.
وقد تكون المبادرة التي اخذت الحيز الأكبر على المستوى الإعلامي هي إطلاق "رؤية 2030" الاقتصادية في السعودية، في محاولة لمواجهة الخلل الاقتصادي المتفاقم في المملكة. الا ان البوادر الأولية للرؤية قد أثارت التساؤل حولها، اذ يبدو ان نفس المشاكل التي واجهت الرؤى الاقتصادية السابقة في دول المنطقة الأخرى قد برزت ايضا في هذه الرؤية، واولها الاعتمادية المفرطة على شركة استشارات غربية، بدلا من كوادر وطنية، في رسم الرؤية. وهذا يطرح سؤال امكانية نجاح رؤى لا تشارك مواطنيها بشكل فعال في رسم واتخاذ قراراتها، وقدرتها على تحشيد وتمكين المواطنين بشكل فاعل ان لم يشاركوا اصلاً في رسمها. وقد تكون بارقة الامل هي ان الرؤية، وعلى عكس ما كان الحال في تجربة باقي دول المجلس مع رؤاهم السابقة، قد نالها نقد معمق وعلني وصريح من عدة أطراف محلية، خصوصاً فيما يتعلق بالمقترح بخصخصة وبيع اصول شركة النفط ارامكو، وذلك بهدف استعمال العوائد في مغامرات سوق الاستثمارات العالمية. وهذا النقد العلني للرؤية قد يبشر ببوادر تفاعل مجتمعي يناقش امكانية طرح رؤى وافكاراً رديفة وبديلة.[2]
وعموماً، فإن عقد الأمل في متخذي القرار منفردين لإصلاح ومواجه اوجه الخلل المزمنة، هو في تقديرنا رهان ضعيف من قبل الشعوب. ففي كثير من الاحيان يكون متخذي القرار نفسهم هم السبب الرئيسي في استفحال اوجه الخلل المزمنة، بل وتتلاقى مصالحهم مع تفاقمها. بل اننا نجزم بأن معالجة الخلل السياسي، المتمثل في غياب المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، هو المفتاح الرئيسي لمواجهة اوجه الخلل المزمنة الأربع. ومن المستبعد ان يقبل طوعاً محتكري القرار السياسي، بأن يتنازلوا عن هيمنتهم على مفاصل وايرادات الدولة، ومشاركة باقي الشعب فيها من محض ارادتهم.
يبقى السؤال الملح: ما هي الرؤية التي قد يتطلع اليها أبناء المنطقة، لمواجهة التحديات واوجه الخلل المزمنة فيها؟ خصوصاً في ظل الضعف الشعبي في مواجهة قوة السلطة، والذي قد نلخصه في مقولة "سلطة أكثر من مطلقة، وشعب اقل من عاجز"؟ ويقع جزء كبير من عاتق التطرق لهذه المعضلة، على أكتاف النخب المهتمة، والتي من المفترض ان تقود المبادرة في رسم بوادر هذه الرؤية. وفي نظرنا فقد كان أداء هذه المجموعة دون المطلوب، ولا نستثني كاتبي هذه السطور من ذلك.[3]
لا زال ايماننا بأن تطلعات شعوب المنطقة تتمثل في الدولة التي توفر التنمية، والديمقراطية، والوحدة لشعوب المنطقة، وذلك في إطار الهوية العربية-الاسلامية الجامعة لها. وان هذا الثلاثي من التنمية، والوحدة، والديمقراطية، هو الحل العقلاني والأخلاقي لأوجه الخلل المزمنة الأربعة التي تنخر في كل دول المجلس بلا استثناء. ولكن يبقى الجزء الاصعب هو بلورة هذه الرؤية بشكل مفصل ومنطقي، وتبيان الطريق نحوها في ظل الأوضاع والصعاب الحالية. ومن هذا المنطلق، فقد تكون البداية هي التأكيد بأن خارطة الطريق الأمثل هي: بلورة آلية لمشاركة كل مكونات المجتمع في وضع عقد اجتماعي جديد، ترسمه هذه الاطراف فيما بينها متشاركة، يتم عبرها تحديد حقوق وواجبات المواطنين والدولة، بدلاً من ان يتم رسمها خلف الجدران، بشكل تحتكره الفئة الحاكمة ومستشاريهم من الخارج. ويبقى الأمل هو ان تعي كل الأطراف، بما فيها الفئات الحاكمة، بأن القضية ليست "غالب أو مغلوب"، بل مصير منطقة وشعوبها، قد اكلت في لحمها اوجه الخلل المزمنة بشكل مستعر. وقد أصبح لزاماً المصارحة والمشاركة الشعبية لمواجهة الأزمات المحدقة بنا، بهدف الانتقال لغدٍ أفضلٍ لنا كشعب منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، والذي يجمعه وحدة الارض والمصير.