Reports 2019
- 1 مقدمة: المواطنة في تيارات الخليج
- 2 المواطنة: إشكالات المفهوم والممارسات لدى النخب والتيارات السياسية
- 2.1 مقدمة: إشكالات مفهوم وممارسات المواطنة لدى النخب والتيارات السياسية
- 2.2 المواطنة المثلُومة: محاولة لفهم واقع المواطنة في بلدان الخليج العربية - سعيد الهاشمي
- 2.3 نقيض المواطنة: تاريخ نشوء الحكم المطلق في دول الخليج العربية - عمر الشهابي
- 2.4 المواطنة الدستورية في فكر الحركات الإسلامية السنية والشيعية الخليجية - علي الزميع
- 2.5 المواطنة والقوى الوطنية في البحرين والكويت: تحديات مشروع الدولة الحديثة - غسان الشهابي
- 2.6 بديل البديل: فرص وتحديات المواطنة لدى المجتمع المدني غير التقليدي في دول الخليج العربية - بدر النعيمي
- 3 المستجدات في دول مجلس التعاون
- 3.1 مقدمة: المستجدات في دول مجلس التعاون
- 3.2 المستجدات في المملكة العربية السعودية - فهد محمد
- 3.3 المستجدات في مملكة البحرين - علي فارس
- 3.4 المستجدات في دولة الكويت - نور الشيخ
- 3.5 المستجدات في دولة قطر - هيا الشهواني وحصة المهندي
- 3.6 المستجدات في دولة الإمارات - آلاء الصديق
- 3.7 المستجدات في سلطنة عمان - وضحاء شامس
- 4 خاتمة: نحو المواطنة في تيارات الخليج
الثابت والمتحول 2019: المواطنة في تيارات الخليج
3.5 المستجدات في دولة قطر - هيا الشهواني وحصة المهندي
-
الزيارات: 2136
يمكننا وصف عام 2018 في قطر بأنه امتداد للعام الذي سبقه، من حيث استمرار الازمة الخليجية وتبعاتها على المجتمع والدولة، حيث استمر التراشق الإعلامي بين أطراف الأزمة كل من خلال ادواته الإعلامية، فضلاً عن استمرار إغلاق الحدود وقطع العلاقات. إلا أن وطأة الصدمة الأولى على قطر قد زالت، وتجلى ذلك ببعض الأنشطة والمبادرات المتعلقة بالقضايا الداخلية، كما شهدت الدولة خلال هذا العام عدداً من التشريعات ذات العلاقة المباشرة بين الأفراد في قطر (وخصوصاً المواطنين) وبين الدولة، بينما لم يطرأ أي تغيير جذري يذكر من ناحية الإصلاحات السياسية.
ومع زيادة الضغوطات الخارجية على دولة قطر حول الوضع الحقوقي، ومع استمرار الأزمة الخليجية، بدأت الدولة في محاولة تعزيز موقفها دولياً من خلال إصدار بعض القوانين ذات الطابع الحقوقي إضافة إلى المصادقة على بعض الصكوك الدولية المتصلة بحقوق الإنسان. فقد شهد العام 2018 انضمام قطر للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى سن قانون لتنظيم اللجوء السياسي، وقانون آخر ينظم الإقامة الدائمة للأجانب، والوعد بإعداد تشريعات لانتخابات برلمانية وإنشاء صندوق لدعم العمال. هذا بالإضافة الى الإعلان عن أكبر ميزانية للحكومة في قطر.
انضمام قطر للعهدين الدوليين وقانون اللجوء السياسي
انضمت دولة قطر خلال عام 2018 إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعني الانضمام لكل منهما إقرار الدولة المنضمة باحترام الحقوق المدنية والسياسية المنبثقة من مبادئ حقوق الإنسان كما أقرتها الأمم المتحدة. وتعد قطر ثالث دولة خليجية تنضم لهذين العهدين بعد كل من الكويت والبحرين. إلا أن الدولة تحفظت على عدد من المواد في كلا العهدين، خصوصاً تلك المتعلقة بالمساواة بين النساء والرجال في الحقوق المدنية والسياسية بدعوى مخالفتها للدستور، والمساواة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بدعوى مخالفتها للشريعة فيما يتعلق بمسائل الإرث. كما تحفظت على مادة تعنى بكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى عقد القران وأثناء فترة الزواج وفي حال الطلاق وحضانة الأطفال. كما أوضحت عدد من الإعلانات بشأن تفسير بعض الفقرات والمصطلحات بما لا يخالف الشريعة الإسلامية وما لا يخالف الآداب العامة، مثل ما يتعلق بحرية التدين إقامة الشعائر الدينية، أما أبرز الإعلانات كان تفسير المقصود بالنقابات في كلا العهدين بأن تكون بما يتفق مع قانون أحكام العمل في دولة قطر.[1] وقد تلقت قطر إشادة من منظمة سلام الدولية لحقوق الإنسان،[2] لكن في المقابل فإن منظمة هيومن رايتس ووتش انتقدت تحفظات قطر واعتبرتها تقلل من تأثير هذه الخطوة، واصفة آليات رفض مساواة النساء والعمالة الوافدة ”بأسباب بالية“.[3]
خلال أوائل شهر سبتمبر من عام 2018، وقع أمير قطر قانوناً ينظم اللجوء السياسي، وبذلك تكون قطر أول دولة خليجية تقر قانوناً حول هذا لموضوع. وصرحت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش بأن هذا القانون يمثل "خطوة كبيرة (…) لكن على قطر أن تذهب أبعد من ذلك"، حيث تم توجيه نقد لهذا القانون فيما يخص المواد التي تمنع ممارسة النشاط السياسي داخل الدولة بالنسبة للاجئ وعدم تمتعه بحرية التنقل دون موافقة من الدولة، إضافة لعدم وجود طريق للتظلم القضائي في حال رفض طلب اللجوء والاستعاضة عن ذلك بتظلم يقدم لرئيس مجلس الوزراء.[4]
ويمكن اعتبار صدور هذا النوع من القوانين في دولة خليجية نتيجةً رئيسيةً للأزمة بين قطر وجاراتها، لاسيما في ظل الاتهامات الموجهة للأولى بإيوائها للمعارضين أو المطلوبين أمنياً في الدول "المقاطعة"، وبالتالي تأتي هذه الخطوة ليتم تنظيم اللجوء السياسي قانونياً ويوفر نوعاً من الغطاء الدولي لهذا الأمر.
البرلمان الموعود وقانون الجنسية
استمرت الوعود بانتخاب أعضاء مجلس الشورى وإقرار الإطار التشريعي المنظّم له قائمةً ولكن دون خطوات عملية على أرض الواقع. فقد شهدت السنوات الماضية وعوداً متكررة بالانتخابات لكن أياً منها لم يتحقق، حيث وعد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بإجرائها في عام 2013. وجاء الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ليجدد تلك الوعود في الكلمة التي ألقاها في دور الانعقاد العادي السابع والأربعين لمجلس الشورى،[5] علماً بأن مجلس الشورى الحالي قد تم تمديد فترته في عام 2016 لغاية يونيو 2019.[6]
وجدير بالذكر أن مجلس الشورى الحالي معين ويخضع للنظام الأساسي المعدل للبلاد وليس للدستور. وينص الدستور على إجراء انتخابات يدعو إليها الأمير ويتم بموجبها انتخاب ثلثي الأعضاء وتعيين الثلث، ثم يتم تقييد هذا البرلمان ذا الصلاحيات المحدودة بشروط مثل شرط موافقة ثلثي الأعضاء لتعديل مادة من الدستور أو لسحب الثقة. وهذا يطرح تساؤلات حول إمكانية حل الخلل الديمقراطي بمجرد إقامة الانتخابات الموعودة.
ويرتبط الحديث عن البرلمان الموعود بإثارة إشكالية تتعلق بقانون الجنسية، الذي يميز في شأن الترشح والانتخاب بين القطريين المكتسبين للجنسية والقطريين بالتجنس. وتمنح الجنسية القطرية لكل من ثبت وجود ذريته من الأب في قطر عام 1930 ولكل من ثبت أن أصوله قطرية ولو لم يتوفر فيه الشرط السابق، ومن ردت إليهم جنسيتهم القطرية، ومن وُلِد لأب قطري داخل أو خارج قطر. ويمكن بقرار أميري منح الجنسية القطرية لمن ليس قطرياً. ويعد قطرياً بالتجنس كل من لم تثبت وجوده أو أصوله في قطر خلال عام 1930، وتنتقل صفة التجنس من الأب المتجنس إلى الابن،[7] وبالتالي يضرب هذا القانون في مواطنة عدد غير يسير من القطريين ويجعل مواطنتهم منقوصة، فحقوق المواطنين ليست سواء. حيث يحرم هذا القانون القطريين بالتجنس من الاستفادة من قانون الإسكان بذات الدرجة التي يستفيد منها القطري المكتسب أو ”بالأصالة“، فيحصل المتجنس على قرض فقط بينما يحصل المكتسب على قطعة أرض بالإضافة لقرض.[8] كما أن القطري المجنس لا يحق له الانتخاب إلا بعد مرور 15 عاماً على حصوله على الجنسية، أما الترشح فلا يحق للمتجنس إلا في حال كان والده من مواليد دولة قطر.[9]
اعتماد أكبر موازنة بتاريخ قطر
أما على صعيد التشريع الاقتصادي، فقد أصدر أمير قطر في ديسمبر 2018 القانون رقم 23 وذلك باعتماده الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019، التي تعتبر أكبر موازنة في تاريخ دولة قطر، حيث من المتوقع أن تبلغ قيمة المصاريف 206.7 مليار ريال (56.8 مليار دولار)، وأنها ستحقق فائضاً بنسبة 4.3 مليار ريال. وبذلك تكون هذه ثاني ميزانية مقدرة على التوالي يتوقع أن تشهد فائضاً. وقد سجلت موازنة 2019 في تقديرها ارتفاعاً ملحوظاً في حجم الإيرادات بنسبة 20.5 بالمئة عن العام 2018، هذا بالإضافة إلى ارتفاع حجم المصروفات بنسبة 15% عن العام السابق، وزيادة سعر برميل النفط إلى 55 دولار مقارنة بـ 45 دولار في 2018.[10]وتجدر الإشارة إلى أن الزيادة جاءت بناء على توقعات بارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الإنتاج.
كما أن من أهم ما صاحب هذه الموازنة هو إنشاء الهيئة العامة للضرائب، حيث عقبت وزارة المالية في هذا الصدد بأنها لن تفرض ضريبة القيمة المضافة أسوة بدول أخرى من دول مجلس التعاون، ولكن "من المقرّر فرض ضريبة مع بداية 2019 على بعض السلع المضرّة بالصحة، من بينها ضريبة بنسبة 100% على التبغ ومشروبات الطاقة، وأخرى بنسبة 50% على المشروبات السكرية".[11]
الوضع الحقوقي للعمالة الوافدة
ما زال وضع العمالة الأجنبية في قطر ونظام الكفالة يعتبران من أكثر المواضيع المثارة حول قطر من قبل منظمات حقوق الإنسان الغربية، ولا سيما بعد فوز قطر باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2010. ففي عام 2015، وبعد ضغوطات دولية عديدة، بدأ العمل في قطر بقانون تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم،[12] الذي وصفته الجهات الرسمية بأنه إلغاء لنظام الكفالة. ويسمح هذا القانون للوافد بأن يغير عمله بمجرد انتهاء العقد بينه وبين رب العمل، كما يمكنه من الاطلاع على عقد العمل قبل القدوم لقطر. وبات احتجاز جواز سفر العامل مجرماً ويعاقب من يرتكبه بغرامة بلغت 25 ألف ريال. إلا أن حملات منظمات حقوق الإنسان لم تتوقف، حيث رأت ان نظام الكفالة في جوهره ما زال مستمراً وان تغير المسمى.. ففي تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر في مارس 2016، أكدت المنظمة حسب تعبيرها على التمييز الذي تتبناه الحكومة القطرية تجاه العمالة الوافدة.[13] وكانت وزارة العمل القطرية قد تعهدت في عام 2012 بإلغاء هذا النظام مع نهاية عام 2016، وبأنها ستقيم نقابة منتخبة للعمال القطريين والأجانب.[14] وجدير بالذكر أن قانون العمل القطري وإن كان ينص على جواز تأسيس النقابات العمالية، إلا أنه يتضمن شروطاً قد تعرقل تأسيس أي تنظيم نقابي عملياً، فلا يوجد حتى كتابة هذه السطور أي تنظيم نقابي في قطر، أكان للمواطنين أم للوافدين.
وفي ديسمبر 2016 فعّلت قطر القانون الجديد، حيث استبدل النظام الجديد الكفيل بالجهة المتعاقدة مع العامل. ولكن القانون الجديد قوبل بالنقد من المنظمات الحقوقية، حيث وصفت هيومن رايتس ووتش هذا القانون بأنه لم يفعل شيئاً سوى إلغاء كلمة كفالة.[15] وبقدر ما شهد عام 2016 من تحرك في ملف العمالة وتحسين أحوالها المعيشية والقانونية، لم ترصد المنظمات الحقوقية أي جديد في ملف الإلغاء لهذا القانون، حيث ترى استمرار الكثير من مظاهر التمييز ضد هذه الفئات.[16]
وتم توقيع اتفاق للتعاون الفني بين دولة قطر ومنظمة العمل الدولية لثلاث سنوات، وذلك بعد سنوات من التداول لشكوى رفعها الاتحاد الدولي للنقابات (ITUC) ضد قطر في مجلس إدارة المنظمة. وبموجب هذا الاتفاق تلتزم قطر بمعايير العمل الدولية، والمبادئ والحقوق الأساسية في العمل التي تضعها هذه المعايير، والعمل على وضع آليات لتطبيق الحد الأدنى لأجور العمال بالدولة، بما يراعي كفاية مستوى الأجور لتحقيق الاحتياجات الضرورية للعامل والعيش بمستوى إنساني مناسب.[17] وقد افتتحت منظمة العمل الدولية مكتباً لها في قطر لإدارة مشروع التعاون الفني.[18]
وبالنسبة إلى العمال في قطاع الإنشاء لكأس العالم، الذي واجه الكثير من الاتهامات حول أماكن الإقامة وساعات وظروف العمل، فقد أعلنت مجموعة العمل المشتركة بين الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب واللجنة العليا للمشاريع والإرث أن الملاعب التي ستستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم "قطر 2022" وأماكن إقامة العمال في مشاريع كأس العالم تحافظ على المعايير الدولية لرعاية العمال التي تم وضعها بالتشاور مع منظمات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش.[19]
واجتمعت مجموعة العمل المشتركة، التي تشكلت عام 2016 في قطر، ست مرات خلال عام 2017، وقامت بزيارات تفتيشية لأربعة من مشاريع الملاعب وأماكن إقامة العمال بها، على أن تواصل عملها حتى استضافة كأس العالم عام 2022، ما رآه الكثير نتاجاً للضغوطات الدولية على قطر في هذا الجانب.[20] وقد أنشأت قطر في هذا الصدد صندوقاً لدعم ورعاية العمال وفقاً للقانون رقم (17) لسنة 2018، [21] حيث يهتم هذا الصندوق بشكل أساسي بالعمال الذين يتعرضون للظلم من قبل الشركات التي يعملون فيها، مثل عدم دفع مستحقاتهم أو توفير الظروف اللازمة لمعيشتهم.[22]
وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً لمؤسسات المجتمع المدني
نتيجة لغياب الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، فإن الناس في قطر عادة ما يلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن اعتراضاتهم أو القضايا التي تهمهم في معظم الأحيان،[23] إلا أن عام 2018 شهد بعض الاستثناءات هنا وهناك نتيجة تحرك بعض الأكاديميين والطلاب داخل الجامعات.
ففي مجال حقوق المرأة، وعلى الرغم من تعيين أربع سيدات قطريات في مجلس الشورى في نهاية عام 2017، إلا أن المطالبات من قبل الناشطات والنشطاء في مجال المرأة تواصلت، خصوصاً فيما يخص نقل المرأة القطرية لجنسيتها إلى أبنائها بموجب قانون الجنسية. وعلى الرغم من أن قطر وقعت على اتفاقية القضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة،[24] إلا أنها تحفظت على عدد من موادها، سيما تلك المتعلقة بتمرير جنسية المرأة لأبنائها وبمساواتها بالرجل في الدساتير والتشريعات الوطنية. [25]
وشهدت أواسط عام ٢٠١٨ نشاط وسم #حقوق_المرأة_القطرية عبر موقع التواصل الاجتماعي ”تويتر“، الذي غرد فيه عدد من الناشطين والناشطات مستعرضين القوانين والسياسات التي تميز بين الذكور والإناث، مثل عدم قدرة المرأة على تمرير جنسيتها لأبنائها وتوقيف انتفاع القطريات من قانون الإسكان، وعدم قدرة القطرية دون ٢٥ عاماً على السفر دون مرافق ذكر أو موافقة من ولي الأمر. كما جرى التطرق إلى سياسات تطبقها بعض الجهات الحكومية، مثل طلب ورقة عدم ممانعة من ولي الأمر أباً أو زوجاً من أجل توظيف النساء، بين معارض ومؤيد لها. وتُرجِم هذا الحراك على أرض الواقع بحلقة نقاشية حول ذات الموضوع عقدت في جامعة قطر في أول نوفمبر، وسط حضور كبير كان غالبه من النساء المؤيدات، كما حضر عدد من المعارضين وأبدوا تحفظاتهم حيث رأوا أن هذه المطالبات قد تخالف الشريعة الإسلامية. [26]
على صعيد آخر، صدرت في عام 2018 بعض التعديلات التي تخص قانون المحاماة، تضمن عدم السماح لوكلاء الشركات بالترافع أمام المحكمة. ومع ذلك، ما يزال المحامين يرون بأن القانون لم يحقق المراد منه.[27] وتعد جمعية المحامين أبرز جمعية مهنية في قطر، إلا أنها تواجه العديد من التحديات في ظل قانون الجمعيات الحالي، وهو الذي يعثر إنشاء جمعيات وهيئات سياسية ونقابية، وسبق وأن عرقل هذا القانون محاولة تأسيس جمعية المعلمين القطرية، حيث جاء الرد بالرفض من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية.[28] ولعل هذا القانون من أبرز معوقات قيام مجتمع مدني يعبر من خلاله المواطنين والمقيمين عن أنفسهم وهمومهم ويتحركون فيه بعيداً عن التوجهات والقوالب الرسمية. وترى جمعية المحامين أن القانون يعزز "الوصاية على مهنة المحاماة الحرة المستقلة" من قبل وزارة العدل.[29] ومن جملة الاعتراضات التي أبدتها الجمعية على القانون أنه يصنف مكاتب المحاماة إلى مكاتب درجة أولى ودرجة ثانية، حيث وصفت الجمعية في بيانها هذا التصنيف بـ"البدعة".
ومن أبرز ما تم الحديث عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت محمية الجنوب والمشاريع التي غطت مساحات هائلة من الرياض[30] في الجزء الشمالي من البلاد. وكان المحرك الرئيسي لهذه الاحتجاجات عدد من الناشطين في مجال البيئة من أفراد ومجموعات تطوعية، يقومون برصد كل ما من شأنه الإضرار بالبيئة الطبيعية في قطر عبر إطلاق عدد من الوسوم تنديداً بالمشاريع التي تقام على تلك الأراضي والتي من شأنها الإضرار بالبيئة البرية، مثل وسم #أوقفوا_مشروع_محمية_الجنوب، ومن أبرز الأمثلة على المجموعات التي نشطت في هذا المجال مجموعة الشهبانة .[31]
وشهدت دولة قطر خلال هذا العام أمطاراً غزيرة كشفت عن الخلل في العديد من المشاريع العمرانية والطرق، مثل مبنى المكتبة الوطنية ومبنى جامعة حمد بن خليفة، بل وقارن بعض المغردين على تويتر بين المكتبة الوطنية ومبناها الحديث الذي لم يصمد أمام الأمطار وبين مبنى دار الكتب القطرية الذي يزيد عمره على خمسين عاماً ولم يتأثر أبداً، وهذا ما أثار موجة من الغضب والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الفساد في هذه المشاريع عبر وسم #أمطار_قطر.
كما استمر وسم #قبيلتي_قطر في البروز على وسائل التواصل الاجتماعي بين المواطنين القطريين كوسيلة للتعبير عن الولاء لقطر بعيداً عن الاصطفافات القبلية التي تم تأجيجها خلال أزمة 2018. وعلى ذات الوتر أعلنت دولة قطر إلغاء عرضات القبائل للسنة الثانية على التوالي، حيث كانت تقوم كل قبيلة أو مجموعة قبلية بإقامة العرضة الخاصة بها، وهذا ما تغير منذ بدء الأزمة حيث تم الاكتفاء بعرضة واحدة سميت بعرضة أهل قطر.[32]
التطبيع مستمر
شهد عام 2018 تطبيعاً متصاعد الوتيرة، حيث كان كم الوفود والشخصيات الصهيونية هو الأعلى خلال السنوات الماضية، فشمل وفوداً وشخصيات رياضية ودبلوماسية وأكاديمية، وبالتالي كانت ردود الفعل الرافضة أقوى ويمكن القول أنها غير مسبوقة أيضاً.
تمثلت الأحداث التطبيعية القطرية خلال هذا العام بحضور وفد رياضي صهيوني للمشاركة في بطولة العالم للجمباز التي استضافتها الدوحة خلال عام 2018، وكان ضمن اللاعبين الصهاينة لاعب يعمل في جيش الاحتلال.[33] واستضافت وزارة الخارجية في أكتوبر 2018 وفداً صهيونياً للمشاركة في مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط، وكان الوفد مكوناً من عدد من الدبلوماسيين والعسكريين السابقين والإعلاميين الصهاينة. كما استضافت مكتبة قطر الوطنية الصحفي الصهيوني روجر كوهين، واستضافت مؤسسة قطر البروفيسور الصهيوني الأمريكي آلان ديرشوتز. كما حضر فريق لتمثيل الكيان الصهيوني في البطولة المدرسية لكرة اليد، فضلاً عن تطبيع اتحاد التنس عبر استضافة لاعب صهيوني في بطولة إكسون موبل المفتوحة، أما آخر المناسبات التطبيعية فتمثلت في بطولة LGCT Doha التي يرعاها مربط الشقب للخيل العربية التابع لمؤسسة قطر.[34]
وتمثلت ردود الفعل حول هذه الاستضافات المتتالية في إطلاق هاشتاقات عبر تويتر مثل #التطبيع_مرفوض_في_قطر و#قطريون_ضد_التطبيع للتنديد الشعبي بكل هذه الاستضافات، كما عقدت مجموعة شباب قطر ضد التطبيع ندوة شعبية استعرضوا خلالها تاريخ الموقف الشعبي القطري الرافض للتطبيع، والدور الذي لعبه توتر الأوضاع الإقليمية في الموقف من القضية الفلسطينية، إضافة لمناقشة أهم السبل التي يمكن اتخاذها للمقاطعة،[35] وحضر هذه الندوة عدد كبير من القطريين والقطريات الذين تفاعلوا خلال الندوة وبعدها. كما وقع عدد من القطريين على عريضة منددة بالتطبيع الخليجي عموماً وكان ضمنهم عدد من الأكاديميين والأكاديمييات والمشايخ والباحثين والباحثات.[36]
وحظيت هذه الاستضافات وردود الفعل التي شاركت فيها أعداد كبيرة من الرافضين للتطبيع بتغطية إعلامية غير مسبوقة من مختلف المواقع الإخبارية ومن قناة الجزيرة خصوصاً، سيما برنامج ”فوق السلطة“، ومن منصة AJ+ التابعة للجزيرة أيضاً من خلال إعداد عدد من الفيديوهات حول المواقف التطبيعية المتكررة، إلا أن هذا لم يبرئ الجزيرة التي ما زالت تستضيف المتحدثين باسم جيش الاحتلال عبر قناتها الرئيسية في اكثر من مناسبة.
إن هذا التضاد في الموقف من التطبيع بين الشعب القطري والحكومة القطرية يعكس مدى الفجوة في العلاقة بين المجتمع والسلطة، فالدولة لا تأخذ موقف المواطنين الرافض بعين الاعتبار، وهذا من أوجه الخلل في المواطنة التي لا تكتمل بغياب عنصر المشاركة الشعبية، بل ويبدو أن قرارات التطبيع تخضع لرأي الفرد أو القلة وليس الأغلبية الرافضة للتطبيع.
المستجدات الإقليمية والدولية
أزمة الخليج
مع دخول الأزمة الخليجية عامها الثاني في 2018، سعت قطر إلى توسعة علاقاتها مع دول في المنطقة تتعدى نطاق دول مجلس التعاون. فبالإضافة إلى تركيا التي باتت تمثل الحليف الإقليمي الأول لقطر، كما تبين من إرسالها لقوات عسكرية في بداية الأزمة وتدشين خط جوي للإمدادات الغذائية ساهم بشكل كبير في تعويض النقص في المواد الغذائية الذي شهدته الأسواق القطرية على إثر المقاطعة مباشرة،[37] لم يقتصر التعاون العسكري على استضافة الدوحة لأول قاعدة عسكرية تركية في العالم العربي على أراضيها، وإنما شمل أيضاً صفقات التسلح التي شهدت نموّا معتبراً من خلال توقيع قطر للعديد من الصفقات مع الشركات الدفاعية التركية في معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري، المعروف ب "ديمديكس" 2018.[38] في المقابل، فقد لعبت قطر دوراً في مساندة حكومة أردوغان خلال أزمة الليرة التركية في 2018، فبادرت قطر إلى ضخ 15 مليار دولار في المصارف التركية لتحصين الليرة من التداعي المستمر، كما عبّر عدد من القطريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تقديمهم الدعم لتركيا عن طريق شراء مبالغ بالليرة التركية.
بالإضافة إلى تركيا، فقد توسعت العلاقات الاقتصادية بين قطر وإيران أيضاً. فبالإضافة إلى اشتراك الدوحة مع طهران في حقل الشمال للغاز، يرى المراقبون أن إيران من المستفيدين من الشرخ الذي حل بمجلس التعاون الخليجي بلا شك.[39] وتعزيزا للإمداد من الحاجيات الغذائية، خصّصت إيران ميناءً بحرياً لتسهيل نقل البضائع والسلع الغذائية إلى ميناء حمد، وذلك بمعدل 3 شحنات أسبوعياً عبر السفن،[40] وقد مكّن ذلك الدوحة من خفض تكلفة نقل البضائع بنسبة 80 في المئة، بسبب القرب الجغرافي واختصار المسافة. وبذلك أصبحت البضائع التي كانت تصل في ظل 11 يوما من تركيا، تصل إلى الدوحة من إيران في يوم فقط. وقُدّر التبادل التجاري مع إيران بحوالي مليار دولار عام 2017، ومن المتوقع أن يرتفع سنة 2019 إلى خمسة مليارات دولار.[41]
من ناحية مجلس التعاون، فما زال المجلس لا يتطرق عموماً إلى أزمة الخليج بأي شكل، بل إن أمانة المجلس لم تتطرق في بيانها الختامي للقمة التاسعة والثلاثين المنعقدة في الرياض في 9 ديسمبر 2018 للأزمة لا من قريب ولا من بعيد.[42] وقد أرسلت قطر تمثيلاً رسمياً مخفضاً إلى القمة. وقد أثارت انتباه الرأي العام في قطر على التواصل الاجتماعي الكلمة التي ألقاها أمير الكويت في القمة، والتي انتقد فيها التعاطي الإعلامي والتراشق خلال الأزمة، ودعا إلى إيجاد حل لها سريعاً، بالإضافة إلى مقطع فيديو يصوره وهو يتلمس العلم القطري، ما أثار ردود فعل إيجابية في منصات التواصل الاجتماعية القطرية.[43]
أما من الناحية الاقتصادية، فبعد الهزة الأولى التي تلت بدايات الأزمة، ركزت الحكومة القطرية على محاولة معالجة التداعيات الاقتصادية للأزمة كخروج رؤوس الأموال من قطر، والضغط على الريال القطري، وما يستتبعه ذلك من تداعيات على مشاريع البنى التحتية ومشاريع كأس العالم والقطاع المالي والإنتاجي في قطر بشكل عام.[44]
وتأخذ هذه القضية أهمية مضاعفة لاعتماد قطر على الاستيراد لتلبية حاجاتها الاقتصادية بشكل يكاد يكون كاملاً، خاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية. إلا أن نسبة استيرادها من دول الأزمة بلغت 13 في المئة، تستأثر منها الإمارات بنسبة 9% والسعودية بنسبة 4% عام 2017، وذلك نظراً لمحدودية التجارة البينية نسبياً بين دول المجلس.
وقد رصد بعض المختصين مصادر الانكشاف في الاقتصاد القطري للأيام الأولى من الأزمة فيما يلي: انكماش في حجم التجارة الخارجية: حيث تم تسجيل تراجع الاستيراد في أول شهر من الأزمة، بنسبة 40% وذلك قبل أن تحول قطر مصادر الاستيراد ووسائطه. هذا بالإضافة تسجيل ارتفاع محدود في الأسعار بفعل التضخم الذي ارتفع إلى 4.5 على أساس سنوي قبل أن يتراجع إلى 2.8%.[45]
في المقابل، فقد اتخذت قطر سياسات وقائية للحد من التبعات على سعر صرف الريال، وذلك من ناحيتين، الأولى محدودية عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية، أما الثانية فهي قيام الدوحة بضخ ودائع في الجهاز المصرفي بنحو 29 مليار دولار في أول شهرين من الأزمة. هذا بالإضافة إلى زيادة إنتاج الغاز لزيادة احتياطاتها من الدولار. كما عمدت الحكومة إلى ضخ مبلغ 38.5 مليار دولار في الاقتصاد.[46] كما تم التوجه نحو توسعة المنتجات والشركات المحلية خصوصاً من ناحية المنتوجات الزراعية.[47]
انسحاب قطر من منظمة الأوبك
أعلنت دولة قطر عن انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك، وجاء هذا الإعلان في ديسمبر 2018، على أن يكون الانسحاب في يناير 2019. وشكل انسحاب قطر من الأوبك مفاجأة للدول الأعضاء، حيث قضت دولة قطر حوالي 57 سنة في منظمة تعتبر من انجح أنواع التعاون في دول العالم الثالث. رسميا، عزت قطر انسحابها من الأوبك جاء لعدة أسباب اقتصادية وفنية، من أهمها التركيز والاهتمام الكبيرة الذي توليه الدولة لصناعة الغاز المسال، باعتبارها من كبرى الدول المنتجة للغاز، وثالث أكبر دولة مصدرة في العالم، وتعتبر نسبة تصديرها للنفط ضئيلة جداً إذا ما قُرنت بحجم تصدير الغاز، إضافة إلى أن خروجها من المنظمة يعطيها شيئاً من المرونة في زيادة وتخفيض الإنتاج، هذا إلى جانب استياء الدولة من تلاعب بعض دول الأعضاء في تخفيض الإنتاج أو التلاعب في الحصص لصالح دول كبرى.[48] الا ان الكثير من المحللين يرون ان الهدف الرئيسي من خروج قطر كان اضعاف منظمة أوبك عبر البدء في تفكيكها وتباعاً اضعاف قوة الدولة المسيطرة فيها، الا وهي السعودية.[49]
خاتمة
إن العام الثاني للأزمة الخليجية كان أكثر هدوءًا على صعيد العلاقات الخارجية والوضع الاقليمي، إلا أنه شهد تصاعداً في الحراك الداخليا على مستوى المجتمع، إضافة لعدد من التشريعات مثل قانون الإقامة الدائمة والوعد بالإعداد لمجلس الشورى والإنضمام للعهدين الدوليين للحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية، وقانون اللجوء السياسي والتعديلات على الوضع الحقوقي للعمال. يأتي ذلك مع استمرار أزمة المواطنة التي تفاقمها العديد من القوانين التي تفرق بين مكتسب الجنسية والمجنس، بالإضافة الى تواصل التحركات حول حقوق المرأة القطرية ومناهضة التمييز ضد النساء. وبشكل عام وكما هو الحال في غالبية دول المجلس، فإن المواطنين عموماً لا يحظون بحقوق أساسية من شأنها إكسابهم صفة المواطنة بل يبقون رعايا أو سكان، فليس هناك مشاركة في اتخاذ القرار أو سن القوانين والتشريعات، كما تغيب التنظيمات الجماعية والمنصات الفاعلة للتعبير عن الرأي الذي يبقى حبيس وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يؤخذ به في كثير من الأحيان.
*تم تحديث الورقة بتاريخ 11 يوليو 2019 لإدخال بعض التصويبات التحريرية الى النسخة التي نشرت بتاريخ 10 يوليو 2019.
لقراءة الجزء التالي من الاصدار
لقراءة النسخة الكاملة من الاصدار (pdf)
لتصفح محتويات الاصدار الكترونيا
علي حسين باكير، الدور التركي والإيراني في مسارات الأزمة لإسناد قطر (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2018)، 69.