Reports 2019



لا شك أن الخلل السياسي – المتمثل في حكم مطلق ينحصر في أيدي قلة قليلة من محتكري السلطة، الذين عادة ما يكونون من عائلة واحدة وتدعمهم قوى غربية كبرى، في مقابل ضيق المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار – هو الواقع الساري في سواحل الخليج العربية، كما جادلت أوراق سعيد الهاشمي وعمر الشهابي. بل وقد تكون قبضة السلطة قد اشتدت في السنوات التي أعقبت احتجاجات 2011، حيث زاد التوجه نحو استعمال الأدوات القسرية في مواجهة المعارضة السياسية، بما فيها السجن وسحب الجنسية وصولاً إلى أحكام الإعدام، وفي المقابل لم تطرأ أي إصلاحات سياسية جذرية تذكر.

وعلى الرغم من التصعيد في الجانب القسري، يبقى الخلل السياسي هو المفتاح لمواجهة أوجه الخلل المزمنة الأخرى في دول مجلس التعاون. فمن دون المشاركة الشعبية الفعالة في اتخاذ القرار، لن يكون بالإمكان التطرق إلى الخلل الإنتاجي المتمثل في الاعتمادية المتصاعدة على مورد ناضب يستغل بشكل غير مستدام، ولا التطرق إلى الخلل السكاني المتفاقم الذي حوّل من يقطن المنطقة إلى سكان تنقصهم حقوق المواطنة، ولا تدارك الخلل الأمني من الاتكالية المتواصلة على القوى الغربية كالعراب الأخير للحماية، وستبقى الديمقراطية والتنمية والوحدة أهدافاً بعيدة المنال.[1]

وإذا كان الخلل السياسي هو المفتاح لمواجهة أوجه الخلل المزمنة الأخرى، فإن مفتاح الخلل السياسي هو تفعيل المواطنة. ولكن كيف السبيل إلى ذلك عندما تطبق القلة على أغلب مفاصل السلطة، في مقابل ضعف العمل الجماعي وتفاقم الشقاق المجتمعي، وتدني تبني خطاب المواطنة حتى لدى النخب والتيارات السياسية والاجتماعية، كما تبين لنا أوراق علي الزميع وغسان الشهابي وبدر النعيمي؟ دفع هذا الحال بالباحث أحمد عبيد غباش لتوصيف الوضع في دول الخليج العربية بــ "سلطة اكثر من مطلقة، ومجتمع أقل من عاجز".[2] ولا شك أن الخلل جسيم، وفرص النجاح متدنية، لكن يبقى هذا هو التحدي الرئيسي الذي يواجه مواطني دول مجلس التعاون. وقد يعطى الحراك المجتمعي الذي طفا على السطح منذ عام 2011 بعضاً من الأمل في هذا السياق.[3] ويبدو أن التحدي الأكبر سيكون بناء "كتلة تاريخية" من الأطياف والتيارات السياسية والمجتمعية المختلفة التي تعمل نحو هذا الهدف. وقد يكون من المهم أن تحرص أي كتلة على ثلاثة شروط أساسية كحد أدنى: الأول هو الاتفاق على أهداف واضحة ومحددة تمثل أساس المطالب التي يتم التوافق عليها، وأن يكون جوهرها هو تفعيل المواطنة الحقة عبر الديمقراطية. وثانياً، فعلى الكتلة أن تشمل أوسع طيف من التيارات المختلفة التي تؤمن وتهدف إلى هذا المطلب. أما ثالثاً، وربما هو الأهم، فقد بات من الملح أن يكون العمل على مستوى دول مجلس التعاون ككل، مع فهم والتطرق إلى خصوصية كل من أقطاره على حدة. فما يحصل في الكويت يؤثر على السعودية، وما يستجد في السعودية ينعكس على قطر، ولا يمكن لأي إصلاح حقيقي أن يتجذر إلا إذا انتشر على مستوى الخليج ككل، بحيث يتكاتف الناس حول مبدأ المواطنة، كما تكاتفت الأنظمة حول الحكم المطلق. فما من مفر من وحدة المصير، وحري بنا أن نمحور هذا المصير حول المواطنة.


[1] للمزيد حول أوجه الخلل المزمنة التي تواجه دول مجلس التعاون، ورؤية المركز أن الديمقراطية والتنمية والوحدة هي الحلول المنشودة، انظر:
عمر الشهابي (محرر)، الخليج بين الثابت والمتحول (بيروت: مركز الخليج لسياسات التنمية ومنتدى المعارف، 2013).
[2] محمد عبيد غباش، "الدولة الخليجية: سلطة أكثر من مطلقة: مجتمع أقل من عاجز"، منتدى التنمية: الاجتماع السنوي الخامس والعشرون، 2003.
[3] انظر كمثال الحراك النسوي الذي تم تغطيته في الإصدار السابق من هذه السلسلة:
احمد العوفي واسراء المفتاح وخليل بوهزاع وعمر الشهابي (محررون)، التنمية في هوامش الخليج (بيروت: مركز الخليج لسياسات التنمية ومركز دراسات الوحدة العربية، 2018).


الأفكار الواردة في الأوراق والمداخلات والتعقيبات لا تعبر عن رأي الموقع وإنما عن رأي أصحابها